أيمن نور
الحوار المتمدن-العدد: 1734 - 2006 / 11 / 14 - 12:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
قدر مصر أن يأتي قرارها دائماً في غير معاده وفي غير ظروفه وفي غير وقته قدرها أن يأتي متأخراً كثيراً جداً عن معاده أو متقدماً جدا إلى حد أننا نجد أنفسنا دائماً أسرى ساعة الرئيس .. وساعة الرئيس في بلادنا لأسباب لا نعرفها تكون دائماً متأخرة كثيراً أو متقدمة.. والأهم أنها دائما غير مضبوطة .
• منذ أن أنهى الرئيس مبارك رحلته وعاد ومن معه من رحلة روسيا والصين وكازاخستان بسلامة الله إلى أرض مصر الخميس الماضي .. انطلقت حملة إعلامية ، اشتد انفعال البعض من كتابها حتى فتنوا بها ، وأطلقوا في فورة الحماس معنى واحدا يفيد أننا أخيرا فارقنا طريق الندامة ، وبلغنا بحمد الله طريق الأمان والسلامة .. وبهذه البساطة المذهلة ، والجرأة التي تفوق الوصف اخترنا شعارا جديدا وأملا وليدا بعد ربع قرن .. وهو لليسار در..
منذ قرابة الربع قرن – أو يزيد – بح صوت العقلاء والحكماء ، في غياب الحكمة من وضع كل البيض في سلة واحدة .. وخطورة الانحياز للخيار الواحد والأوحد والوحيد حتى لو صح ما تصوره البعض أن 99% من أوراق اللعبة بين أصابعه!! فكان دائما وفقا لتقديرهم- غير الدقيق- وعلى أسوأ الأحوال والفروض 1% لا يجوز أن ندير له ظهورنا أو نسقطه من حساباتنا .
• ولئن بدا لأول وهلة ، هذا التوجه محمودا ومطلوبا- وإن بدا غير محسوب – إلا أنه يطرح قضية بالغة الأهمية في فهم أزمتنا أزمة إدارة الوطن التي تعاني منذ سنوات من كارثة الوقت الخطأ.. التي تجرد الكثير من الخطوات الصحيحة .. من النتائج المنشودة لأنها تأخرت وبدت وكأنها محاولة لإحراز أهداف رائعة في الدقيقة 91 من وقت المباراة أي بعد أن أطلق الحكم صافرة النهاية ورصدت النتائج!!.
• أكثر ما يلفت الأنظار أننا ندخل السباق وغيرنا قطع شوطا طويلا منه فذهب للحج والحجيج قد أنهوا الشعائر ويحصدون الثواب ويتمتعون بالمغفرة ونحن لا نشعر بالحرج ونحن ما زلنا ننوي الإحرام .. أين كنا وغيرنا يقفز إلى المقدمة في مواكب سارت ومضت وقطعت ما كان بإمكاننا اللحاق به في حينه أين كنا عندما كانت روسيا تفتح أبوابها منذ منتصف الثمانينات ، لمن يمد يده إليها ليحصل على كل ما يريد من تكنولوجيا .. وتجارة .. وصناعة .. وعلوم وثروات بأقل تكلفة وأدرك الألمان واليابان هذه الفرصة وغيرهم .
• الصين التي زارها الرئيس في العهد " الماوي " وخط بيده في دفتر مراسم الرئاسة ما يفيد أن كل فلاح مصري وكل عامل على ضفاف النيل يحمل للرئيس والزعيم ماوسيتونج حبا وعشقا الخ .. أين كنا منها طوال ربع قرن أقامت فيها الصين 117 مصنعا في أفريقيا بينما ظل نصيب مصر بضعة ملايين من الدولارات بينما تستثمر هي 50 مليار دولار استثمارات خارجية.
• الصين التي تبلغ وارداتها قرابة 700 مليار دولار ، تستورد من مصر بـ 211 مليونا وتصدر لها بملياري دولار سنويا بينما كان الميزان التجاري يوم اعتراف مصر بالصين لصالح ، وكان هذا الاعتراف هو السبب في وقف أمريكا لتمويلها لمشروع السد العالي .. إننا أضعنا فرصا واسعة لشراكة في نهضة وتنمية مشتركة وعلينا أن نصفق لهذه الإفاقة المتأخرة..
• نعم قد زار الرئيس مبارك الصين سبع مرات في " ربع قرن " وزار قطر التي تقع في حجم وتعداد أصغر مدينة صناعية في الصين سبع مرات في عام واحد!!.
• إننا نسأل لماذا لا نرفع رؤوسنا من أكوام الرمال إلا في الوقت الخطأ .. بعيداً عن التخطيط السديد والرؤية البعيدة والفهم والتحرك وفقا لساعة منضبطة وليست متأخرة ربع قرن.
• بالطبع أنا لا أقصد فقط رحلة للشرق در ، لليسار در ، رغم أنها مؤشر لهذه الأزمة ، أزمة الوقت الخطأ والساعة المتأخرة .. التي يمكن أن نقول أنها أخطر مشاكل هذا الوطن ودعونا نقدم أمثلة ..
شخص الرئيس ولا حتى – أحيانا – قراراته وخياراته .. فالرئيس السادات كان لديه مشكلة أن ساعته تقدم ، وكان غيره لا يقدم ولا يؤخر ، بينما ساعة الرئيس مبارك هي دائما متأخرة قليلا -وأحيانا كثيرة- عن التوقيت المناسب وفقا للتوقيت المحلي للشعب المصري كله .. وخذ أمثلة ..
• مثلا ظل الرئيس مبارك يؤجل الإصلاح السياسي قرابة العقدين من الزمان وظل 24 عاما يؤخر ساعة الإصلاح الدستوري وعندما دقت ساعة الرئيس كان العالم كله قطع مسافات في إصلاح كنا سابقين فيه يوم أن كان لدينا دستور وبرلمان في 1881 ويوم أن كان هذا الدستور محاسبا ويعزل الوزراء ويصنع الميزانية ويراقب إنفاق الملك بينما نحن الآن نطلب بعضا ونستجدي بعضا من هذه الحقوق !!
• ساعة الرئيس متأخرة جدا في إجراء التغيير لوجوه مرفوضة وما زال فأسها في الرأس إلا أن الرئيس دائما يرى الاستجابة لدواعي التغيير ورأي الشارع أمرا ينتقص من هيبة السلطة ونفوذ الحكم وأنه هو الوحيد الذي يملك أن ينظر في ساعته ليحدد الوقت المناسب لأي شيء وكل شيء على أرض هذا الوطن .
• ساعة الرئيس هي التي قادت صاحب كتاب " حتمية الحل الاشتراكي " ليقود مرحلة التحول الرأسمالي المرحوم الدكتور عاطف صدقي !! وهي أيضا التي قادت رشيد محمد رشيد الرجل الرأسمالي ليقود رحلته لليسار در !! وهو خريج جامعات أمريكا والمقرب منها !! كما قاد خريجو جامعات روسيا مثل الدكتور الجنزوري التفاوض مع أمريكا والغرب !!
• لقد قضينا عشرات السنوات ننادي بحق أبناء الأم المصرية في الجنسية وبعد عقدين من الزمان وفجأة قرر الرئيس أن يستجيب وعلينا ألا ننظر في ساعتنا ونصفق لاستجابة متأخرة عقدين فقط كذلك هو شأن قانون الضرائب الموحد مثل غيره من عشرات القوانين المتأخرة جدا
• أليس من حقنا أن نسأل من المسئول عن تحمل غرامة التأخير التي يدفع ثمنها الشعب المصري وتخصم على فاتورة هذا الوطن وصورته وسمعته وفرصته في اللحاق بغيره من الأمم المتحضرة .
• أليس هناك داع أن نندهش من أن يطلب منا ليس فقط ألا نسأل عن دواعي التأخير في العديد من الخطوات المطلوبة .. بل ويطلب منا أن نصفق حين تدق ساعة الرئيس في الوقت الذي تدق فيه حتى ولو كان متأخرا ربع قرن فقط لا غير ..
• الرئيس السادات ألغى الحراسات بعد شهرين من توليه السلطة وصفى ما أسماه بمراكز القوى بعد عام وفتح الباب لدستور جديد في نفس العام ، وألغى السجون والمعتقلات ودخل معركة الحرب وتحرير الأرض في عامة الثالث وخرج منها لمعركة السلام في ذات الولاية الأولى وحرر كامل التراب المصري ، وقرر الانفتاح وأقام الأحزاب وكل هذا – خلال مدتين للرئاسة – فقط لا غير !!
• هذا نموذج لساعة الرئيس التي تقدم والتي تحمل المجتمع معها للتقدم والتفاعل والحياة .. وخذوا مثالا أخر أبعد عمقا في تاريخنا وهو الوفد الذي فعل كل ما فعل وهو لم يحكم مصر أكثر من سبع سنوات من 1919 حتى 1952 .. وأخيرا يصدمكم كما صدمني هذا السؤال : -
ويبقى السؤال .. ما هو المطلوب لمصر - الآن – وعلى وجه الاستعجال ؟! هل المطلوب أن نقول لليسار در .. بعد أن أمضينا 30 عاما نهتف بصوت عالي " لليمين در " !! أم علينا أن نرى السبب الحقيقي في تخلفنا عن أهل اليمين واليسار ونعرف أن الحل هو أن نضبط ساعتنا ونخلص نيتنا لإصلاح أنفسنا بأنفسنا ونعلنها صريحة ، واضحة ، عالية ، مدوية " للإصلاح معتادا مرش " !!
فساعة الرئيس هي مشكلة مصر الكبرى.
#أيمن_نور (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟