أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قادري أحمد حيدر - الرعيل الأول من المثقفين وانقلاب 1948( 1-4)















المزيد.....

الرعيل الأول من المثقفين وانقلاب 1948( 1-4)


قادري أحمد حيدر

الحوار المتمدن-العدد: 7753 - 2023 / 10 / 3 - 10:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الرعيل الأول من المثقفين وانقلاب 1948م* (1-4)

إن "حركة الأحرار", هي الإطار الجامع لكل أسماء الاستنارة الفكرية والسياسية المعاصرة في اليمن (شمال اليمن)، و تحت هذا العنوان تدخل الأسماء الإصلاحية المنورة بدءاً من المحلوي ، والدعيس ، الى أحمد عبد الوهاب الوريث علي ناصر العنسي، إلى المطاع و العزب وأحمد الكبسي ، و النعمان والزبيري ، وعبد الله علي الحكيمي .

إن هذا القسم من القراءة/ البحث هو محاولة لتقديم ، قراءة موجزة لحركة الأحرار ،
و تكويناتها الفكرية والسياسية و التنظيمية ، وملامسة الأساس الاجتماعي للحركة بأجنحتها أو تياراتها المختلفة بصورة عامة. حيث لا يمكن فصل هذه الأسماء ، بعضها عن بعض، ٱلا بهدف الدراسة الذاتية الخاصة بكل منها، وعلى اختلاف أو تباين أدوارها ومكانة كل منهم، في داخل إطار اسم أو مسمى حركة الأحرار، فإنهم جميعاً يدخلون في نطاق مسمى الأحرار، وحركة الأحرار، فعلى سبيل المثال، فإن الشيخ/ الأستاذ الشيخ/ عبدالله علي الحكيمي، يشكل أحد أركانها ، وأقطابها البارزين والمؤسسين لها في المهجر، - وغيره - لذلك فإن هذا القسم من البحث، يحتوي على قراءة للأساس الفكري، الاجتماعي، لحركة الأحرار في خطوطها العامة في صورة ما أسمية الرعيل الأول من المثقفين، مروراً بقراءة انقلاب أو حركة 1948 م ونتائجه الفكرية والسياسية، وقبل الولوج في الحديث عن ذلك علينا إدارك ماذا يعني مصطلح المثقفين أو الإنتلجنسيا ومن هم ؟.

بهذا الخصوص كتب الكثير من الباحثين من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية، فكانت الحصيلة منها جملة من الآراء والتصورات المتباينة، والمتناقضة حتى ضمن الاتجاه والمنهج الفكري الواحد وخاصة في تحديد القنوات التي تتشكل منها هذه الفئة.

وباختصار ـ دون الدخول في معمعة هذه الإشكالية ـ ففيما يتعلق بتعريف من هم فئة المثقفين أو الإنتلجنسيا يقدم المفكر الثوري أنطونيو غرامشي تعريفاً دقيقاً ، حيث يقول عن تشكل فئة المثقفين " هل يُشكُل المثقفون طبقة اجتماعية مستقلة أو أن لكل طبقة اجتماعية فئتها المثقفة الخاصة بها " (1) أي باعتبارها جزءاً من الطبقة، ولا يمكن بالتالي التعاطي معها وإدراكها إلا في سياقها الاجتماعي، الطبقي ، وهناك تعريف آخر ذو طابع تحليلي سوسيولوجي يقول " إن الانتلجنسيا تسمى بالانتلجنسيا لأنها تعكس تطور المصالح الطبقية، والتكتلات السياسية في المجتمع بأسره ، وتفصح عنه بأكبر قدر من الوعي، وأكبر قدر من الحزم وأكبر قدر من الدقة" (2) و المقصود في كلا التعريفين أن المثقفين ليسوا كتلة مائعة فوق الطبقات، ولا هي الطبقة الوسطى كما يذهب الى ذلك بعض ممثلي العلم الاجتماعي البرجوازي ، بل هي إفراز ونتاج وجود الطبقات الأساسية ، وحتى غير الأساسية في كل مجتمع حيث إن لكل طبقة مفكريها ومثقفيها وسدنتها الأيديولوجيين المدافعين عن مصالحها. ومن حيث الواقع العملي للتطور الاجتماعي ليس بوسع أية طبقة ، الإقطاع ، البرجوازية الوطنية. أو البرجوازية الصغيرة أو الطبقة العاملة ترسيخ وجودها وسيادتها من دون وجود شريحتها المثقفة المتعلمة، وهذا يسري على التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية في التاريخ العالمي .

إن المثقفين ليسوا شريحة أو قوة سرمدية أزلية بل ظاهرة ارتبطت بظهور المجتمع الطبقي، وبانقسام أو انفصال العمل الذهني عن البدائي أو اليدوي ، في أواخر المجتمع المشاعي البدائي ، كما أن المثقفين أو الانتلجنسيا ـ من جانب آخر تسمية تاريخية يتغير مضمون وطابع وظائفها، ودورها الاجتماعي تبعاً للشروط الملموسة ، والمهمات الخاصة بهذه الفئة، وقد عمد بعض المهتمين بفئة أو شريحة المثقفين منذ مستهل نشاطهم السياسي، والأدبي إلى دراسة سيماء المثقفين الاجتماعية، ومكانتهم في البنية الاجتماعية. وأوضح أن المثقفين ليسوا طبقة مستقلة .. أو أنهم لا يمثلون أية قوة سياسية مستقلة (3)
و يستخدم كلمة مثقف أو مثقفين لا بمعنى الأدباء أو الكتاب كما يتصورها البعض عندنا اليوم، بل بمعنى كل الناس المتعلمين، ممثلي المهن الحرة بوجه عام ، ممثلي العمل الذهني بالمقارنة مع ممثلي العمل العضلي أي المعنى العام والواسع لمفهوم كلمة المثقفين .

ويتسع نطاق و حدود كلمة أو مصطلح مثقفين في البلدان النامية ـ العالم الثالث والرابع ـ ليشمل قطاعاً واسعاً من ، المنظرين السياسيين المعلمين ، العاملين في مجال الكتابة ، الأدباء المحامين ، أساتذة الجامعة ، الطلبة ، الموظفين ، المهندسين والعاملين في المجالات التكنيكية وهذا التعريف قد يبدو صائباً إذا ما أخذ بالمعنى أو بالتعريف العام الواسع للمثقف ، وهو لا يأتي ولا يصبح دقيقاً في نطاق معرفة المثقف وقراءته في سياقه الذاتي الابداعي الخاص أي بالمعنى الخاص للمثقف والدلالات المباشرة لمعناه ولمحتوياته ، أي المعبرة عن معنى اسمه وخصوصية هويته، كمثقف، منتج للفكر والثقافة الابداعية.


*- التكوين الاجتماعي للرعيل الأول من المثقفين :


وقبل الحديث عن التركيب الاجتماعي للمثقفين اليمنيين قبل الثورة سنشير إلى المشارب والقنوات التي تشكلت منها هذه الفئة ، فقد شملت كلمة أو مصطلح المثقفين(4). العسكريين الكبار المتنورين ، المعلمين ، رجال الدين " العلماء " ويدخل ضمنهم القضاة وهم بصورة عامة كانوا يشكلون أو يمثلون الفئة المشرعة أيديولوجياً للحكم في الفترة الإمامية ، تقوم بمهام إدارة ديوان القضاء والتعليم " ويتقلد أبناء هذه الفئة المناصب في الأولوية ـ فيما عدا الجيش ـ وعمال النواحي فيشارك فيها المشائخ بالنصيب الأكبر ".(5)

ويشير د. أحمد الصائدي عن فئة القضاة " إلى أن توليها المناصب لم يقتصر على الأولوية بل إنهم تسلموا مناصب هامة في الجهاز الحكومي للدولة " (6) وهم يدخلون ضمن مفهوم المثقفين بالمعنى التقليدي، حيث كان القاضي عبد الله العمري في قمة الجهاز الحكومي ، كرئيس للوزارة، وقد شغل معظم المثقفين الأحرار مواقع قيادية مختلفة في الإدارة الإمامية،( صغيرة، ومتوسطة، وكبيرة), ومعظمهم من أصول اجتماعية فلاحية وقبلية ، وشرائح اجتماعية وسطى ، وتجار، ومشائخ أرض، وشبه اقطاع، وإلى جانب الفئات السابق ذكرها كانت هناك فئة الموظفين، أو جماعات الموظفين وهم العاملون في الجهاز الإداري على قلتهم وعلى بدائية وضعية الإدارة، ومفهومها وكذا الملتحقين بالجيش وغالبيتهم من أبناء الأسر المقربة للحكم، أو من أبناء الفئات الفقيرة والمتوسطة التي اضطرت الإمامة إلى إلحاقهم بالجيش في أولى البعثات العسكرية إلى العراق أواخر الثلاثينيات، والأطباء و المترجمين على قلتهم ـ كما تشير إلى ذلك الباحثة جلوبوفسكايا ـ وجميعهم يشكل بدرجات متفاوتة، البناء الفوقي السياسي ـ الأيديولوجي ونقيضه التاريخي في الوقت نفسه، وهي جميعاً تتشكل في الغالب من العناصر التي يبدأ ضميرها يستيقظ تجاه ما هو قائم من عزلة، ومن ركود، ومن ظلم، وفساد وتخلف عام، أي الفئات والعناصر التي تجاوزت علاقاتها بما يجري من استغلال وفساد وتخلف حالة الإحساس الأولى بالظلم إلى مرحلة الوعي المرتبط بالدعوة للإصلاح والتنوير ـ كما في حال الأحرار اليمنيين ـ أو في صورة طرح شروط التغيير الجذري كما في أوضاع وحالات أخرى .

وفي هذه المرحلة من أوائل الثلاثينيات وبداية الأربعينيات تكونت فئة المثقفين بالمعنى الجديد والمغاير نسبياً للسائد الثقافي ، في البدء كحالة ثقافيةـ فكرية محدودة ، هي أساس وامتداد لنضالات محمد المحلوي، وحسن الدعيس وغيرهم من العناصر التنويرية المبشرة بأفكار التجديد والإصلاح والاستنارة العقلية في إطار تجديد الفكر الديني في مواجهة الجمود السياسي ـ الفكري والاجتماعي لنظام الحكم السياسي شبه الإقطاعي " الخراجي / الجبائي"، - ثم كموقف وحركة سياسية فيما سمي لاحقاً "حزب الأحرار 1944م" ، و"الجمعية اليمانية الكبرى 1946م", على ما تحتويه تسمية الأحرار من تباينات فيما بينها، حيث يمكن القول إنها في صيغتها النهائية تشكلت من ثلاثة محاور أو قوى يمكن ترتيبها كالتالي: قوة بيت الوزير وملحقاتها من البيوتات الحاكمة أو المتضررة من السياسة الإمامية الأسرية المطلقة،( حتى خروج بعض سيوف الإسلام على الحكم), وتنتمي اجتماعياً وطبقياً للشريحة الإقطاعية، أو شبه الإقطاعية الإمامية إسماً ومسمى، والمحور أو الاتجاه الثاني هو : القوى التجارية في المهاجر اليمنية ، وتحديداً عدن والحبشة وأفريقية عموماً، وبريطانية، وهي قوة ثابتة كانت متضررة اقتصاديا، من السياسات الإمامية ، وقد شكلت السند المادي لكل حركة الأحرار لاحقاً، وتعود انتماءاتها الاجتماعية الطبقية إلى الفئات الزراعية العليا المالكة في المناطق الجنوبية والوسطى؛ ومن شيوخ الأرض، إلى رموز البرجوازية التجارية وتجارة المقاولات ، ثم قوة المثقفين الإصلاحيين المستنيرين المعارضين من خارج الحكم بالمعنى السياسي المباشر لدلالات الحكم المادية، والمعنوية وعلى اختلافات توجهاتهم الثقافية الفكرية، ومشاربهم الاجتماعية التي يصعب معها تحديد معالمها السياسية ومواقفها كحركة موحدة، ويمكنني القول : إنها جميعاً في رؤاها ومواقفها تمثل مصالح الطبقات الوسطى في البلاد حاملة مشْعل الإصلاح، والتجديد والتنوير، وأستطيع القول-كذلك- إن المثقفين شكلوا القوة الأساسية في جسم الحركة ، وعقلها المحرك والفاعل ، وكما يقول الفقيد الأستاذ، عبد الله عبد الرزاق باذيب حول تسمية الأحرار، إن " الأحرار " هو الاسم الذي يطلق على جماعة من اليمنيين يختلفون في كل شيء، ولا يجمع بينهما إلا شيء واحد أو هدف واحد، هو النقمة على الأوضاع القائمة في اليمن !! أي المملكة المتوكلية " (7)،كان ما يجمعها إنما هو همُّ الإصلاح بأية وسيلة، وبأية قوى وهي عموماً الأسئلة والبواعث التي حفزتها منذ الوهلة الأولى للتقارب والتجمع في إطار تسمية حزب الأحرار، وأتذكر أن الأستاذ/ محسن العيني، في محاضرة له في "مؤسسة العفيف الثقافية"، قال: عن حركة،أو انقلاب،١٩٤٨م، " أنها ثورة المثقفين".


لقد تكون القطاع الغالب من مثقفي تلك الفترة - الرعيل الأول من المثقفين - ، باختصار شديد من أبناء الفئات المتوسطة والفئات المتوسطة العليا ومن الفئات الميسورة مادياً وفكرياً، التي استشعرت الضرورة الفكرية، و الوطنية والتاريخية للإصلاح وتجديد النظام السياسي . ونرى إن دراسة المثقفين بصورة عامة على أساس منشئهم الاجتماعي الطبقي وحده غير دقيق، حيث المؤشر أو المقياس الطبقي في تلك الأوضاع يعتبر مؤشراً ناقصاً وقاصراً لا يمكن أن يؤدي إلى معرفة المواقف السياسية/ الفكرية للمثقفين ـ في غياب فرز سياسي وطبقي واضحين - ، فمن نطاق واحد كما هو معروف ممكن يفرز ويخرج التقدمي، و الرجعي والوسطي وبشكل خاص في البلدان ضعيفة التطور الراسمالي، التي ينعدم في إطارها الفرز الاجتماعي والتمايز الطبقي بوضوح كافٍ ، فكلما ازداد تماسك المثقفين وتجانسهم، وتراصهم على أساس من التطور الاقتصاديـ الاجتماعي لبلد ( ما ) كلما ازداد تماسك المثقفين وتوحدهم على أساس من أرضية الوجود والوعي بهذا القدر أو ذاك .

على أن لتشكل وتكون البواكير الأولى للمثقفين في صورة الأحرار اليمنيين شروطها " الذاتية والتاريخية " الخاصة بها ، والمرتبطة بطبيعة الأوضاع الاستثنائية تاريخنا ، حتى بما كان سائداً في المنطقة العربية، وهي مسألة مأخوذة هنا بعين الاعتبار.

ومنذ البدء علينا أن نؤكد على فكرة جوهرية تاريخية علمية، وهي " أن هيمنة المثقفين النسبية في بداية أي حركة قد لوحظت في كل مكان (8)، أي أن نشوء وتكون فئة المثقفين في البدء يبدأ من بين أبناء الأسرة الأرستقراطية لأنهم يمثلون الفئات الميسورة مادياً وفكرياً أي العناصر الواعية التي تحصلت على قدر من العلم، والثقافة والدراسة ما يؤهلها لحمل مشعل الاستنارة الفكرية والعقلية . وهذا القول ينطبق سواء على البلدان التي كانت مستعمرة ـ بفتح الميم ـ أو مستقلة كحال اليمن " الإمامي " حيث الجيل الأول من المثقفين أو جزء منهم هم عموماً من أبناء الطبقات أو الفئات الميسورة أو القريبة من الحكم ـ كبار الموظفين ، عسكريين أو مدنيين ـ القضاة ـ وفقط في مراحل التطورات السياسية الاقتصادية ـ الاجتماعية اللاحقة يبدأ التدفق الكثيف للمثقفين من بين صفوف الشرائح الوسطى وبحجم أكبر؛ وكذا من أبناء الفئات الاجتماعية الفقيرة الذين يرفدون أو يصدرون الجمهور الأكبر من المثقفين في معظم الأقطار النامية .

فالأفكار الجديدة الإصلاحية والتنويرية والثورية دوماً يحملها إلى الحياة الفئات والشرائح التي أذهانها وعقولها متفرغة، ومتفتحة لتقبل الأفكار الجديدة المبشرة بالاستنارة الفكرية، والعقلية وهي دوماً ـ كما أسلفنا ـ تأتي من وسط الطبقات المالكة أو القريبة من الحكم أو الميسورة نسبياً، وهي الفئات والشرائح ذات المنشأ الاجتماعي، والموقع المادي القريب من مواقع الحكم ولكنه فكرياً، وثقافياً وسياسياً يقف في صف معارضة الحكم وهي العناصر التي أتيحت لها فرص الدراسة، والتحصيل الثقافي والعلمي ـ التعليم ـ ومن هنا يأتي تأكيدنا على أن " الذين يتصورون متوهمين أن موقف الإمامة المعادي لمسألة التعليم ونشر العلم، وتوسيعه إنما هو أساسه التخلف العام الذي ساد البلاد فقط ، إنما يقعون في خطاً جوهري ، فالأساس هو الموقف الأيديولوجي ـ الطبقي الكامن في أيديولوجية الطبقة السائدة وموقفها من انتشار التعليم والثقافة والخوف من بروز ثقافة القوى الاجتماعية الصاعدة ـ في طور التكون ـ فالقصد كان حجب العلم، والثقافة وقصرها على فئات اجتماعية ضيقة جداً ، وهو في الواقع شكل من أشكال قمع الفئات الاجتماعية الشعبية بهدف خلق مسافة كبيرة بين وعي القوى الاجتماعية الفقيرة، وحقيقة مصالحها المادية أو بمعنى آخر إقامة حالة من التناقض بين معرفة، ومصلحة الجماهير الشعبية ، يقود إدراكها ووعيها إلى الخرافة، والجهل وهو بالفعل ما جرى في العهد الإمامي عموماً والمتوكلي الحميدي خصوصاً، حيث تم تشويه الصراع الإيديولوجي، وطمس الصراع الاجتماعي وعجزه عن التعبير عن نفسه بشكل واضح وعميق، ولذلك برزت وكانت ظاهرة " القطرنة", .. جرى خلالها فرض لون واحد من الثقافة والتعليم في الحدود التي شهدناها " (9)، من هنا لا غرابة أن نجد ذلك الغياب الكبير لمثقفي الجماهير الشعبية في هذه المرحلة وقبلها ، لقد هيأ " التخلف الاقتصادي الاجتماعي لليمن الغياب الكامل للمؤسسات الصناعية مع مستوى منخفض للنظام التعليمي والخدمات الصحية ، وكانت هذه أسباب حقيقية للنمو الأساسي، الذي يعتمد عليه المثقفون المحليون وكانت فئة المثقفين قليلة للغاية ـ كما تشير جلوبوفسكايا ـ ليس بالنسبة لعدد السكان بشكل عام، بل وحتى لسكان المدن ، فكان عدد مدرسي المدارس الدنيوية محدوداً ، انحدروا من حيث العلاقات الاجتماعية بالأساس من الفئات المتوسطة لسكان المدن، وأغنياء الفلاحين الذين يعيشون في المناطق المحيطة بالمدن " (10).

وفي تقديري أن المثقفين الأحرار اليمنيين ، قد شكلوا النواة الأولى والبذرة العملية والسياسية والفكرية لصورة المثقف العضوي الجديد، أو الرعيل الأول من المثقفين اليمنيين .

وهذه الحالة/ الوضعية لتشكل وتكون فئة المثقفين تنطبق على الكثير من الحالات المشابهة أو القريبة من وضع الحالة الإمامية الاستثنائية، شديدة التخلف حد البدائية "القروسطية"، التي لا مثيل لها في التاريخ، وهي حالة تخلفية/ بدائية استمرت فارضة استمرايتها عبر قرون طويلة، حتى ستينيات القرن الماضي.


الهوامش:
*هذا البحث عبارة عن فقرة من رسالة ماجستير ، قدمت "لمعهد العلوم الاجتماعية" في موسكو عام 1987م وتم نشره في مجلة " الثقافة " اليمنية / صنعاء يناير 1994م عدد رقم " 8 " السنة الثانية . والمادة نشرت في كتابي: (المثقفون وحركة الأحرار الدستوريين عبدالله علي الحكيمي نموذجاً، مع بعض التعديلات الطفيفة، التي لا تمس جوهر ومضمون المادة.

1- انطونيو غرامشي: نقلاً عن كتاب هشام شرابي " المثقفون العرب والغرب ص 15 1978م بيروت .

2-ف . لينين : بصدد المثقفين ص 27 ، دار التقدم موسكو ترجمة الياس شاهين 1983م .

3-نفس المصدر: ص 3 – 4 .

4-علماً أن مصطلح مثقف لم يكن مستعملاً ولا شائعاً حينها بالشكل الذي نتعاطى معه اليوم فالمثقف " أو العالم " هو المتبحر الواسع في الدين والقارئ المطلع في التاريخ الإسلامي خاصة القضايا الفقهية والشرعية وعلوم اللغة، والقضاة أبرزهم ، والتسمية التي كانت شائعة ومستخدمة في الفكر التقليدي وما زلنا نصادفها كثيراً اليوم في الثقافة الرسمية وأجهزة الأعلام تحت تسمية "العلماء" دون تحديد علماء ماذا ؟ ويقصد بها تلكم الفئة التي تختزل العقل والفكر والدين في ذاتها باعتبارها عقل الأمة وحاضنة الدين الحاكمين بأسم الله في الأرض التي من حقها إصدار الفتاوى بالتكفير والقتل للبعض ، وصكوك الغفران والإيمان لمن يسيرون على خط مصالحهم المادية الدنيوية من خلال توظيف الدين سياسياً لمصالحهم المباشرة .

5- دراسات في تاريخ الثورة اليمنية ص 23 ، مؤسسة 14 أكتوبر عدن .

-6د. أحمد قائد الصائدي : حركة المعارضة اليمنية ص 19 .

7-عبد الله عبد الرزاق باذيب : كتابه ،ـ كتابات ـ الجزء الأول ص 244 دار الفارابي .

8-ف . لينيين: ـ بصدد المثقفين ص 62 دار التقدم ، موسكو .

9 --قادري أحمد حيدر : ـ ( عن الحياة الثقافية والتعليمية ) صحيفة الأمل صنعاء 12/1984 العدد " 82" وإلا كيف نفسر خوف الإمامة الدفين من المدرسة، ومناهج التعليم الحديثة التي حاول الأستاذ / أحمد النعمان إدخالها الى قريته في ذبحان وكذا سعيها الدؤوب لإغلاق مدرسة الأستاذ / عبد الله الحكيمي الموسعة والحديثة التي أقامها على نفقته الخاصة في قريته الاحكوم، لتستوعب طلاب من مناطق وقرى مختلفة وتم تدميرها ..والمدرستان، للنعمان في ذبحان ولــ عبدالله الحكيمي، في الأحكوم، هما حدث ريادي فريد لاختراق بنية الأيديولوجية الإمامية من أهم أبوابها، وهو التعليم.

10 ـ ايلينا ـ جلوبوفسكايا: ـ كتاب ثورة 26 سبتمبر ص 142 ترجمة قائد طربوش ، دار الفارابي .، مراجعة حسن عزعزي ، ط(10)، 1982، دار ابن خلدون، ص142



#قادري_أحمد_حيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة 26 سبتمبر وأزمة القيادة الجمهورية 2-2
- ثورة 26 سبتمبر 1962 وأزمة القيادة الجمهورية
- ثورة 26 سبتمبر 1962 وأزمة القيادة الجمهورية 1-2)
- ثورة 26 سبتمبر 1962 وأزمة القيادة الجمهورية
- أحمد سيف حاشد في جدل الفكرة والممارسة
- الحوثيون بين السياسي والايدلوجي والعسكري 3-3
- الحوثيون بين السياسي والايدلوجي والعسكري 1-3
- الوحدة حلم كبير متعثر ومستقبل مجهول
- الحوثيون وعلاقتهم بالسلطة والاقتصاد (2-2)
- الحوثيون وعلاقتهم بالسلطة والاقتصاد 1-2
- أبو بكر السقاف في جدل الفلسفة والواقع
- هل مايجري يدل على السلام؟
- الشرعية والإنقلاب
- المثقف والسياسي اليمني بين الداخل والخارج
- المرأة والحرية الإنسانية 2-2
- المرأة والحرية الإنسانية
- اليمن _ خلل العلاقة بين الداخل والخارج
- الهاشمية السياسية -ملاحظات على الحلقة الثانية-3-3
- الهاشمية السياسية -ملاحظات حول الحلقة الثانية-1-2
- الهاشمية السياسية: ملاحظات على الحلقة الثانية 1-3


المزيد.....




- ألمانيا تعلن عزمها تزويد أوكرانيا بقذائف مدفعية بعيدة المدى ...
- سويسرا.. ابتكار روبوت بـ4 أرجل يقفز كالغزال
- 16 قتيلا من عائلتين في غارات إسرائيلية على رفح
- شويغو: التشكيلات المشاركة في المنطقة العسكرية الشمالية تتقدم ...
- لافروف يوضح سبب مبالغة ماكرون في الترويج لـ-رهاب روسيا- ويذك ...
- البابا فرنسيس يضع شرطا واحدا لحضور مؤتمر سويسرا حول أوكراني ...
- الحوثيون يعلنون إحباط أنشطة استخباراتية أمريكية وإسرائيلية ب ...
- استخدمها ترامب لوصف إدارة بايدن.. ما هي -الغيستابو-؟
- مقابلة مع محافظ نينوى عبد القادر الدخيل
- باريس تستقبل- دكتاتورا-.. احتجاجات في فرنسا على زيارة الرئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قادري أحمد حيدر - الرعيل الأول من المثقفين وانقلاب 1948( 1-4)