أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قادري أحمد حيدر - الهاشمية السياسية -ملاحظات على الحلقة الثانية-3-3















المزيد.....



الهاشمية السياسية -ملاحظات على الحلقة الثانية-3-3


قادري أحمد حيدر

الحوار المتمدن-العدد: 7489 - 2023 / 1 / 12 - 10:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"الهاشمية السياسية"
ملاحظات على ما ورد في الحلقتين.


(3-3)





*ملاحظات على الحلقة الثانية:


إن صناعة التاريخ عملية مركبة ومعقدة وشائكة، فالسياق السياسي التاريخي في حالتنا مع المتوكل على الله إسماعيل، لا يصنعها السياق التاريخي لوحده، بل يصنعها كذلك دور الفرد في ذلك التاريخ، سلباً وايجاباً، فما بالكم حين يكون ذلك الفرد إماماً، ويحكم "بوصية"، وبـ"اصطفاء إلهي"! فكما أن هناك صوراً إيجابية عظيمة لدور الفرد في التاريخ، كما هو الحال مع "شمر يهرعش" وأسعد الكامل، وسيف بن ذي يزن، ومعدي كرب الزبيدي، وعلي بن الفضل والأسود العنسي، والملك الصليحي علي بن محمد الصليحي، والملك الرسولي نور الدين، مؤسس الدولة الرسولية، والهمداني، ونشوان الحميري، والحسن الجلال، وصالح المقبلي، ومحمد بن إسماعيل الأمير، هناك نماذج سلبية لدور الفرد في التاريخ، كما هو الحال مع الإمام عبدالله بن حمزة والإمام المتوكل على الله إسماعيل، وأئمة بيت حميد الدين، وصولاُ إلى، علي عبدالله صالح، في التاريخ المعاصر.. هي أدوار للبناء والإعمار، وأدوار للهدم والتدمير، والمتوكل على الله إسماعيل نموذج صارخ في هذا الاتجاه الأخير. فالإمام المتوكل إسماعيل وجد كظاهرة سياسية، تاريخية جسدت أسوأ دور للفرد، كان من ثمارها المرة في التاريخ صناعة وإخراج تلك الفتوى البائسة، والحروب المذهبية الطائفية المدمرة التي ما تزال آثارها السلبية قائمة وحاضرة في الوعي الاجتماعي والثقافي العام عند قطاع واسع من ناس المجتمع في المناطق التي استهدفتها تلك الحروب المذهبية والطائفية.

هناك أسماء (قيادات/ رموز)، تعظم وتكبر من خلال أدوارها في التاريخ، وهناك أسماء لا تترك سوى السواد في صفحة التاريخ.

كنت أتمنى أن لا يضع العزيز/ عيبان نفسه في هذا الموقف الصعب في تخفيفه من وطأة حقبة سياسية دامية وجارحة ما يزال أبناء المناطق التي صدرت الفتوى ضدهم حتى اليوم يتذكرونها ويكتبون عنها بأسى؛ باعتبارها صفحة سوداء في تاريخ الإمامة الهادوية السياسي، وهو يستكثر عليهم حتى التذكر .. يسامحون نعم، ولكن الذاكرة لا تمَّحي. أقول ذلك في سياق انبراء العزيز/ عيبان من خلال كل موضوعاته وتعقيباته وردوده في صورة الحلقات التي نشرها، - وخاصة الحلقة الثانية- ليس ليخفف من وطأة "الهاشمية السياسية"، بل هو يذهب بصورة غير مباشرة إلى إنكار وجودها كحقيقة ذاتية وموضوعية، أي كـ"هاشمية سياسية"، فأنت حين تنكر المصطلح وتخطئه، يعني ضمناً أنك ترفض ما يذهب إليه المصطلح من محتوى ومعنى، وخاصة المعنى الذي يقدم قراءة موضوعية، وعقلانية ونقدية في فهم الواقع والتاريخ، فهو على الأقل في كل ما كتب لم يقل لنا، إذا لم تكن "هاشمية سياسية"، فما هي تسميتك الاصطلاحية البديلة لها؟ كما أنه لم يقدم خطاباً فكرياً سياسياً وتاريخياً نقدياً حول ظاهرة الإمامة السياسية، الهادوية في طبعتها "الجارودية" التاريخية والمعاصرة، وانصب كل نقده على ردود الفعل على من ينقدون "الهاشمية السياسية"، وجميعها ليست أكثر من ردود فعل، ودائماً أو غالباً، ردود الفعل على أي فعل كان، تأتي قوية وحادة، أي مفتقدة للموضوعية والعقلانية النقدية. وإلا لماذا تسمى "رد فعل"، حتى وصوله – أي عيبان - لإيجاد تبريرات بالمناخ السياسي الذي ساعد في إنتاج واخراج الفتوى السياسية للمتوكل على الله إسماعيل، حتى قوله إنها ظاهرة أو حالة فردية. وهنا أقول: إنها ليست حالة فردية لم تتكرر، كما كتب، وكما سبق أن أوضحت ذلك في السياق، وفي أكثر من موضع، وحول سؤاله: هل هي قاعدة أو استثناء؟! أرى أنها قاعدة واستثناء، قاعدة، لأن في أصل المذهب الهادوي المتقمص روح الجارودية، ما يقول بها، في اعتبار الإمامة مسألة اعتقادية، وهي مؤصلة بقواعد مذهبية، تمثل مقدمات أيديولوجية وسياسية وفقهية لإنتاج الفتوى، في الكثير من الأحيان والحالات، وهي استثناء، بمعنى أن هناك من علماء المذهب الزيدي المستنيرين من يخرج على القاعدة ويكسرها، ويرفض اعتبار الإمامة أصلاً من أصول الدين، وهم القلة القليلة – وعلى رأسهم الإمام زيد بن علي- التي لا تلغي القاعدة. والفتوى محسوبة ومحكومة بمعادلات السياسة والقوة في كل حال على حدة، وبالطبيعة الذاتية التكوينية لهذا الإمام أو ذاك. المؤسف أن ما يطالب عيبان الآخرين بعدم فعله، في اللجوء للتاريخ بل والاستنجاد بالتاريخ، هو ذاته من لجأ إليه واستنجد به وبصورة انتقائية وفقاُ لما يخدم نوازعه الأيديولوجية والسياسية، أو تفسيراته الخاصة حول هذه المسألة أو تلك!! على سبيل المثال اقتباساته من كتاب عبدالفتاح البتول، ومن غيره.
إن من يطالع لغة وخطاب كاتب سيرة المتوكل على الله إسماعيل، ورسائل الإمام إسماعيل ذاتها التي ينتظمها كتاب السيرة، وغيرها، سيجد أن لغة وخطاب "الفتح" و"التكفير"، والغزو للمناطق التي دخلها أو "فتحها"، هي السائدة، على عكس ما يستخدمه مع المناطق الشمالية (شمال الشمال)، إلا في حالة واحدة، وكأن مناطق الجنوب والمشرق غير مسلمة أو "خراجية"، "أهل ذمة"، تفتح لأول مرة لإدخالها إلى الإسلام.
فالصفي أحمد (أخو الإمام المتوكل على الله إسماعيل) يقول له في رسالة حول دخوله، أو "فتحه" لحضرموت، التالي:
"بسم الله الرحمن الرحيم: "وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا"، الحمد لله الذي أنجز وعده، وهزم الأحزاب وحده- وكأن ذلك يعادل فتح النبي محمد (ص) لمكة المشركة – الكاتب – وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وصلوات الله وسلامه المباركات الطيبات الزاكيات الناميات على مولانا أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وعلم الأئمة الهادين، ورافع رايات الجهاد في مراكز المسلمين، المتوكل على الله رب العالمين، أيده الله بنصره المكين (...)، على قواعد الحق إن شاء الله مؤسسة، بما مَنَّ الله به وله الحمد الجزيل والثناء الجميل من الفتح المبين، والنصر والظفر والتمكين من الاستيلاء على قطر حضرموت وتسليم حصونه ومصانعه، وعلى ما فيها من الذخائر والسلاح، وإذعان أهل الحق جميعاً بالطاعة، ومسارعتهم إلى الانخراط في سلك الجماعة، بعد أن توافق جيوش الحق، وأحزاب الباطل" (1).

في رسالة الصفي أحمد، في النص السالف، حديث بين مسلم، لآخر كافر، أو مطلوب إدخاله للإسلام، أو "مرتد"، هو "فتح مبين"، كما يقول، والفتوى (الفتنة)، نتاج أيديولوجي وسياسي لهذه الثقافة ولتلك الأيديولوجية الرسمية التي تقف خلفها، وبهذا المعنى كذلك هي ليست حالة فردية كما يذهب إلى ذلك العزيز / عيبان.
أستطيع القول، إنني اطلعت بدقة على سيرة المتوكل إسماعيل – وغيرها من السير - كما كتبها صديقه والموالي له المؤرخ/ المطهر بن محمد الجرموزي "تحفة الأسماع والأبصار بما في السيرة المتوكلية من غرائب الأخبار"، ولم أجد في كل تلك السيرة، ما يؤهله لأن يكون رجل توحيد للشعب وللدولة، من عُمان حتى نجد، كما أشار عيبان، نقلاً عن عبدالفتاح البتول. مع أن عيبان يستخدم لغة وتعبير السيطرة، يكفي القول، إنه لم يوحد الداخل القريب، بل فككه أكثر، كما يكفينا القول: إن الفتوى بحد ذاتها عامل تفكيك، وتدمير لمعنى الوحدة في واقع الممارسة، وفي مطالعتي لسيرته لم أجد أي منجز سياسي، أو عمراني، أو زراعي، أو تجاري، أو صناعي، يؤهله ليجمع بين الملك، والإمام، كما أشار عيبان، كذلك نقلاً عن عبدالفتاح البتول، وهي التي تتعارض مع أصول وشروط المذهب الزيدي للإمامة، ولن يقبل بها. كما أنني ومن خلال سيرته للجرموزي، لم أقرأ له أي منجز علمي، أو تعليمي، أو حضاري، فقط ترميمه بعض المساجد، ومرافق خدمات المساجد، وبناء بعض القلاع والحصون العسكرية، وغير ذلك، فإنني لم أجد سوى تأسيسه "لنظام جمركي للبضائع"، يختص فقط/ بتحصيل "الجبايات" المتعددة الأسماء، جبايات جعلت التجار البانيان / الهنود، " يغادرون اليمن بعد فرض "الجزية عليهم"(2). فحتى اللحظات المنيرة والمشرقة(التنويرية), في الفكر الزيدي، وجدت وظهرت ضده وفي مواجهته، ونقض ما يقوله ويدعو له ويمارسه .

لقد أغلق المتوكل على الله إسماعيل، الأبواب أمام أي إمكانية للدفاع عن فتواه وعن سياساته الاقتصادية والمالية والجبائية الجائرة ضد جميع سكان الجنوب والمشرق، وهناك رسالة دكتوراه حول الوضع الاقتصادي في عهد المتوكل إسماعيل فيها تفنيد وتوضيح حول ذلك، أي حول أثر الفتوى على السياسة والاقتصاد(٣). وحديث البعض عن توحيده لليمن من خلال "التوحيد بالحرب"، فإن المتوكل على الله إسماعيل قد أضاف إلى التوحيد بالحرب، "التوحيد بالتكفير الديني"، لطائفة واسعة من المجتمع، لم يتبق من حديث "التوحيد بالحرب"، سوى المآسي النفسية والآثار السلبية الثقافية والاجتماعية التي تركتها فتواه على أبناء هذه المناطق، وهو ما تدل عليه وتتحدث به المصادر التاريخية التي أرخت لهذه المرحلة من تاريخ حكم المتوكل إسماعيل لليمن، وهو ما حاول العزيز عيبان أن يجد له مخارج سياسية تفسيرية لتبرير فتواه، أو على الأقل التخفيف من وطأة تلك الفتوى على الوعي الاجتماعي والثقافي والسياسي والتاريخي لأبناء هذه المناطق، وهو ما لم يجرؤ عليه أي كاتب حديث ومعاصر باستثناء مؤرخه المطهر بن محمد الجرموزي في سيرته عنه .

والملفت للنظر هنا أن عيبان يورد هذا الحديث في سياق رفضه ونقده لمن يقول بمصطلح "الهاشمية السياسية"، دون أن يقدم اصطلاحه الواقعي والعملي، ورؤيته البديلة.

باختصار، فتوى المتوكل إسماعيل لم تكن تعكس وجهة نظر كل المذهب الزيدي في أصوله وفروعه، ولا تمثل رأي كل المكون الهاشمي، بدليل معارضة الفتوى من بعض العلماء المحسوبين على المكون الهاشمي، وهي بالطبع ومن باب أولى لا تمثل رأي وقناعة كل أبناء المنطقة الزيدية، ولا أغلبيتهم، كما أنها لم تكن استجابة ونتيجة لمناخ سياسي ساعد في إنتاجها، أو إخراجها للعلن، كما أنها لم تكن لها أي صلة بمقاومة العثمانيين - كما سبقت الإشارة – فالفتوى نتاج الاستبداد السياسي والتعصب المذهبي الطائفي، الكامن في روح وعقل الإمام المتوكل إسماعيل.. هي فتوى أصدرها الإمام المتوكل على الله إسماعيل تمثل، وتعكس قناعة ووجهة نظر التيار المتشدد الواسع في "الهاشمية السياسية"، والمكون لمعناها، والتي تعكس الفتوى رؤيتهم للسياسة وللمجتمع وللدين، ولمعنى بناء الدولة، شأنها شأن العديد من فتاوى التكفير الديني والسياسي في تاريخ الإمامة السياسي، لا أقل ولا أكثر، والمطلوب وضعها تحت مجهر النقد والإدانة السياسية والتاريخية.

إن أيديولوجية "الولاية"، كقضية دينية، وسياسية هي من أنتجت وأملت على الباحثين صك مصطلح "الهاشمية السياسية" كمعادل فكري، وموضوعي نقدي لمفهوم ومصطلح "الولاية" الذي يرمي إلى احتكار الدين والسلطة في جماعة سلالية محددة، وبهذا المعنى فإن مصطلح "الهاشمية السياسية" يهدف إلى نقد وتجاوز ونقض أيديولوجية "الولاية" وجعلها عامة ومشاعة بين الناس جميعاً، ما يفاضل بينهم هو الكفاء "التقوى" ومن هنا رفض ونقض الفتوى من قبل علماء الزيدية المستنيرين.

ففي رسالة علمية أكاديمية للباحث، سامي يحيى أحمد الوزير، يشير إلى أن الإمام القاسم بن محمد والد إسماعيل (المتوكل)، وأخاه المؤيد (الكبير) ألغيا نظام "الالتزام العثماني" في فرض الضرائب الجائرة، وما إن تولى الإمامة – المتوكل إسماعيل - حتى أعاد العمل بنظام الالتزام، بمسمى(القبائل أو التقبيل)، كما يشير إلى أن الإمام المؤيد (محمد/ الكبير) عين أخاه الأمير إسماعيل نائباً له في إدارة شؤون مناطق ذمار، وضوران، ووصاب، وقد حرص الإمام المؤيد الكبير على تعيين موظفين من جانبه لإدارة الشؤون المالية في تلك المناطق، ولم يُبقِ الإمام المؤيد الكبير لأخيه الأمير إسماعيل أي صلاحيات مالية، كما حدث سابقاً مع بعض أفراد آل القاسم، وذلك خوفاً مما قد يحدث في تعاظم نفوذ مراكز القوى من أسرة آل القاسم، أو من المشايخ والقادة بالسيطرة على الأموال التي كانت في عهدتهم واستلامهم"(4).

والإشارات السابقة حول علاقة وموقف الإمام المؤيد الكبير من الأخ الأصغر المتوكل إسماعيل، تكشف عن مدى القلق، والحذر من سلوك أخيه إسماعيل، إلى قيامه باتخاذ اجراءات للحد من صلاحياته المالية التي لها صلة بحياة الناس ومصالحهم المعاشية المباشرة، وجاءت تجربة إدارته للسياسة والسلطة والمال لتؤكد ذلك العسف، والقمع بالمجتمع بعد الوصول لموقع الإمامة، من خلال قراراته المالية والجبائية الجائرة. وحول قضية تضييق صلاحيات المتوكل على الله إسماعيل، أو ما يشير إلى معنى استبعاد الإمام المؤيد بالله (الكبير) لأخيه الأمير إسماعيل، يقول كاتب سيرته المطهر الجرموزي: "في أيام أخيه ومولانا أمير المؤمنين المؤيد بالله، لا يعرف أحوال الناس – يقصد المتوكل إسماعيل – لاشتغاله بالطلب، والإكباب عليه سمراً وسحراً، وأصائلاً وبكراً، فلما صار الأمر إليه، ودارت حوائج الإسلام عليه، زاده الله في هذا الشأن، ما ظهر لأهل وفاق به الأقران، وأن الله سبحانه وتعالى ألقى عليه الهيبة والجلالة والقدرة في كل حالة على القيام بهذا الفرض العظيم والتكليف الجسيم"(5).

أي أن العناية الإلهية بكراماتها المخصوصة، هي من غطت ضعف وقلة معرفته بالناس/ المجتمع.

ما يهمنا الإشارة إليه من هذا النص هو أنه، أي المتوكل على الله إسماعيل، لم يكن يعرف من أحوال الناس شيئاً، ومن أن أخاه المؤيد كان قد تعمد استبعاده عن شؤون الحكم المتصلة بحياة الناس المعيشية وهو أخاه والأكثر دراية به وبطبيعته الذاتية القاسية، وفي طريقة تعامله مع المجتمع، وفي فهمه الخاص لتطبيق الشريعة، وهو نموذج صارخ ومتطرف لمعنى "الهاشمية السياسية" في واقع الممارسة العملية، فيه تجتمع "الهاشمية السياسية" فكراً وسلوكاً.

إننا حين نتحدث ونؤكد على مصطلح "الهاشمية السياسية"، ليس في ذلك، أي ذم أو قدح. فقط، أرتأيت/ إرتأينا، أن هذا المصطلح هو الأدق والأكثر موضوعية وصوابية وواقعية، هذا أولاً. وقد سبق أن تم استخدام مصطلحات مماثلة أو قريبة من مصطلح "الهاشمية السياسية"، ولم تثر تحفظ أو انزعاج أحد، مثل: مصطلح "القرشية السياسية" والذي يعود لأصل قديم يقول بـ"قرشية الخلافة"، مقابل "علوية الخلافة"، وكان نشوان بن سعيد الحميري واحداً ممن قالوا: ضمنا بــ:"القحطانية السياسية"(6)، في معترك صراعه مع الأئمة، مع أن رؤيته للإمامة مفتوحة، وليست مقيدة بعرق أو نسب أو قبيلة، وهو في ذلك يلتقي مع الخوارج من أن الإمامة في كل الناس كذلك لم يتوقف الفيلسوف والمفكر الماركسي د. صادق جلال العظم عن استخدام مصطلح "العلوية السياسية" حتى رحيلة(7)، والمفكر التاريخي والأنثروبولوجي د. سيد القمني هو أول من استخدم مصطلح "الحزب الهاشمي"، – حسب علمي - في عنوان لأحد كتبه، والمفكر الإسلامي التقدمي نصر حامد أبو زيد، هو من استخدام مصطلح "الهاشمية الأيديولوجية"، فهل هؤلاء جميعا يعيشون حالة تخلف، ويعيدون إنتاج المذهبية، والطائفية حيثما تواجدوا؟! وما يجب أن يكون واضحاً ومفهوماً، أننا في ذلك المصطلح، "الهاشمية السياسية"، إنما نقوم ونقول بدعوى للفصل بين الديني والسياسي، وعدم الخلط بين "الهاشمية السياسية"، وبين المذهب الزيدي، والمكون الهاشمي، وبين أبناء مناطق شمال الشمال، باعتبار "الهاشمية السياسية"، هي البعد والعمق السياسي السلطوي في الفكر الزيدي الهادوي، الذي هيمن عليه فكر الإمامة الدينية/ السياسية، بعد تحولها إلى سلطة سياسية باسم طائفة معينة ومحدودة، وهذا ثانياً. وحديثنا كله يدور من أحد جوانبه لبحث هذه المسألة، وكتابتي وحواري حول صوابية مصطلح "الهاشمية السياسية"، يأتي من هذا الفهم، وفي هذا السياق من قراءتي للمسألة، وليس من تصورات ذهنية أيديولوجية مسبقة في فهم وتقديم المصطلح.

لأن الأهم والأساس هو المنطق والمحتوى/ الرؤية التي يعبر من خلالها المصطلح/ الكاتب عن نفسه.
وأمام هول فتوى الإمام المتوكل إسماعيل، وما صاحبها، لا يسعني القول، سوى أنه يجب أن يصمت أي تبرير أو تلطيف لمحتواها تحت أي شرط سياسي، أو وضع تاريخي، ونقلع عن عادة استسهال الكلام عن الفتوى، وحول آثارها السلبية على الصُّعد كافة، الآثار التي ما تزال ندوبها النفسية والثقافية - بعد أكثر من ثلاثة قرون - ما تزال طرية وحادة وجارحة، وقائمة حتى يوم الناس هذا. وإلا لماذا تكرار الحوار والمناقشات حول مثل هذه الفتاوى وتحديداً فتوى المتوكل على الله إسماعيل؟؟ بدءاً من "رسالة العلامة الحسن بن أحمد الجلال "براءة الذمة في نصيحة الأئمة"، التي وجهها إلى معاصره الإمام المتوكل على الله إسماعيل (....) ينتقد فيها الجلال بعض ما يقوم به عمال الإمام – تنفيذاً لفتواه وتوجيهاته الصارمة – الكاتب - في إدارتهم البلاد من تدبير لا يقر بعضها الشرع، كفرض الضرائب على "الضعفاء والفقراء"، في مشرق البلاد. كما تعرض لأمور أخرى بالمناقشة كالقول بكفر التأويل الذي ينكره"(8)، وغيرها من الملاحظات النقدية/ الشرعية على الفتوى من آخرين، ولم تتوقف الاعتراضات النقدية على فتوى المتوكل إسماعيل حتى اليوم.
وحتى اليوم، ما تزال الآراء النقدية للعلامة الجلال هي الحاضرة، فقد "كان العلامة الجلال هو أهمهم وأكثرهم تأثيراً وإثارة في عصره وبعد عصره إلى اليوم"(9). ولو اطلع العزيز/ عيبان على ما كتبه العلامة الجلال وغيره قبل أكثر من ثلاثة قرون، وفي مواجهة مباشرة مع الإمام المتوكل على الله إسماعيل، لما تجرأ على التخفيف والتلطيف من جور فتوى المتوكل على الله إسماعيل، بالقول: أنها أصدرت في سياق مناخ سياسي ساعد على إصدارها، أو في أنها أصدرت تحت ضغط أو في سياق مقاومة العثمانيين، وهو قول غير صحيح على الإطلاق تاريخياً، كما سبق أن أشرنا. وفي سياق مواجهة ونقد العلامة الجلال لفتوى المتوكل إسماعيل، فهو يرفض "ما وقع أهل المشرق من قصدهم إلى ديارهم واستباحة نفوسهم وأموالهم مع مخالفة السيرة العلوية في مثلهم ولا شك أنهم مسلمون لظهور أركان الإسلام فيهم"(10)، وقوله في نص الفتوى "أن ليس للإمام الإلزام بمختلف فيه، ولا إنكار على من هو مذهبه..."(11)، وقوله كذلك "لا يقال: أهل المشرق كفار، تأويلاً لقولهم بالجبر..."(12)، حتى قول، للمتوكل إسماعيل: "إن إمامة غير أمير المؤمنين كرم الله وجهه ظنية – يقصد الإمام علي بن أبي طالب – الباحث – إذ لا نص قطعياً ولا ضنياً، ولا إجماع عاماً ولا خاصاً على إمامة رجل معين بعده عليه السلام (...) إلا ما ادعته الإمامية في أثني عشر..." (13)، وهو ما سارت عليه الإمامة ا.لهادوية في صورة "الهاشمية السياسية" وصولاً إلى قوله: "وإن تأمر عليكم عبد" (...) وهو – أي العلامة الجلال - لا يقر بقول البعض "لا يد فوق يد الإمام "(14).

والخلاصة أن الإمامة ليست مسألة اعتقادية، ولا مسألة قطعية دينية، هي مسألة تدخل ضمن الفروع ولا صلة لها بالدين.. هي مسألة سياسية حياتية.

والمفارقة أن هناك اليوم من لم يطلع على كل هذه المحاججات العقدية والكلامية والفقهية لمن عاصر المتوكل ونقد فتواه علانية وصراحة، ومن ذات المذهب، ونجده يبحث بين متون الكتب الصفراء عن تبريرات سياسية و"وطنية" و"تاريخية" و"مقاومية" لتبرير إصدار الفتوى!!. وكأن مقاومة الاتراك تعطي المتوكل إسماعيل حق وشرعية في إصدار الفتوى/ الفتنة، حسب تعبير العلامة الجلال!!.

والسؤال: ألم يحكم العثمانيون كل اليمن طيلة سنوات الحكم العثماني الأول، فلماذا يحصر المتوكل إسماعيل فتواه على أبناء مناطق الجنوب والمشرق فقط، مع أن الحكم العثماني طال كل المنطقة اليمنية من سنة 1538-1635م هل الفتوى في هذا السياق جاءت فقط لأنهم مخالفون له في المذهب؟ مع أنهم كانوا طرفاً أساسياً في مقاومة العثمانيين، فقد اشترك بفعالية أبناء الجنوب (تعز، يافع، عتمة، حضرموت) في مقاومة "الفساق" العثمانيين، حسب نص فتوى المتوكل على الله إسماعيل، فكما وقع الجزء الجنوبي من البلاد تحت الحكم العثماني كان الجزء الشمالي يقع تحت ذلك الاحتلال. ثم ما حكم الأقطار العربية الأخرى التي وقعت تحت الاحتلال العثماني، هل ينطبق عليها حكم فتوى المتوكل على الله إسماعيل؟! ثم إذا كان الجهاد ضد "الفساق" الأتراك، فقد خرج الأتراك من اليمن، فما هو الداعي لإصدار الفتوى ولاستمرار الحرب على أبناء الجنوب والمشرق، ولماذا تحويل أراضيهم "العشرية" إلى "خراجية" وكأنهم "أهل ذمة"؟!!.

إن هذه المعاملة التمييزية الطائفية تجاه المخالفين لمذهب المتوكل على الله إسماعيل هي التي اضطرت واجبرت قبائل "الحدا إلى تركهم مذهبهم (الشافعي) والانتقال إلى المذهب الزيدي لتجنب قهرهم من جهة، وللحصول على المزايا التي يحظى بها أبناء مذهبه، أقله عدم تعرضهم للحرب والجبايات والتكفير وهذا من جهة ثانية . وفي هذا الصدد يقول مؤلف (طبق الحلوى..) عبدالله بن علي الوزير "وفيها خرج الحدا عن مذهب الشافعية إلى مذهب الزيدية"، (15)
وفي سياق رفض ونقد مظالم وجور الإمام المتوكل إسماعيل، والأئمة القاسمين من بعده، حتى ترشيح المهدي عباس صغيرا للإمامة، دون شروط الإمامة، كتب العلامة المستنير، محمد بن إسماعيل الأمير قصيدة ناقدة، للاوضاع، يقول فيها :
نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم/ ولم تعملوا منه بنص وظاهر.
خراجية صريتم الأرض كلها/ وضمنتم العمال شر المعاشر.
لذلك الرعايا في البلاد تفرقت/ وفارقت الأوطان خوف العساكر,(١٦).



وأنا شخصياً لا أفهم لماذا انزعاج العزيز/ عيبان، من حديث البعض اليوم من الناشطين والكتاب، عن فتوى الإمام المتوكل إسماعيل، ونقدها، خاصة وأن أمثال فتواه ما تزال تجر أذيالها حتى يوم الناس هذا؟!

وفي تقديري، ووفقا للحقائق السياسية التاريخية الثابتة، فإن فترة المتوكل إسماعيل لم تكن بأحسن حالاً من مرحلة وفترة حكم العثمانيين في احتلالهم الأول لليمن، ولم يكن فيها أي "دعة أو خصب أو بركة"، كما يشير العلامة القاضي الشوكاني في كتابه "البدر الطالع"، فالقهر والجبايات المتعددة الأسماء، والحروب، والتكفير الديني لأهل البلاد من المسلمين (الشافعية)، كانت هي العنوان البارز لفترة حكمه، وما تزال فترة حكمه الــ(33)عاماً مثيرة للأسئلة الحرجة والمحرجة، منها القول: بأنه وحد اليمن بالحروب، والأبشع أنه وحدها بالتكفير الديني!! وهي قمة الغرابة والعنجهية في الاستمرار في تمجيد العنف والوحشية في التاريخ.

أتصور أننا قرأنا في التاريخ السياسي القديم، وما بعده، عن التوحيد بالحروب، على أننا لم نقرأ عن الوحدة بالتكفير الديني، وداخل الدين الواحد، وفي العصر الحديث إلا بعض بقايا الحروب الدينية المسيحية في أوروبا، وإلا مع وحدة المتوكل على الله إسماعيل. وبهذا المعنى، وفي هذا السياق من القراءة والتفكير، قد أفهم وأتفهم الأسباب الذاتية والسياسية والمصلحية المختلفة التي جعلت العلامة (قاضي القضاة/ شيخ الإسلام) الجليل محمد بن علي الشوكاني يقول: في وصف مرحلة المتوكل إسماعيل بأنها "... لم ير الناس أحسن من دولته في الأمن، والدعة، والخصب، والبركة وما زالت الرعايا معه في نعمة والبلاد جميعها مجبورة كثيرة الخيرات، وكثرت أموال الرعايا. وكل أحد آمن على ما في يده لعلمه بأن الإمام سيمنعه عدله عن أن يتعرض لشيء من ماله"(١٧)، على أنني لا أستطيع أن أجد تفسيراً لمن يحاول وبأثر رجعي، وبعد أكثر من ثلاثة قرون، إيجاد تفسيرات تبريرية لإصداره الفتوى الظالمة، ونحن على عتبات النصف الأول من العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين، تحت عنوان شعار مقاومة الأتراك!!

والسؤال الذي يثير أكثر من علامة استفهام: لماذا من يحتفظون بها – الفتوى - ذهبوا إلى إخفائها عن أعين وأيدي المختصين والباحثين والقراء، بعد أن كانت موجودة في بعض المكتبات الخاصة للبعض قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م، وإلى ما قبل خمسين عاماً، كما وصل إلى علمنا؟

والملفت للنظر أن المطهر الجرموزي في الجزءين من سيرته عن المتوكل إسماعيل، لم يشر إلى الفتوى!! هو يشير فقط إلى حروبه الدينية العادلة ضد أبناء الجنوب والمشرق، وتفاصيل كثيرة عامة، ويذكر مؤلفات الإمام المتوكل إسماعيل، ويشير إلى الرسائل، والجوابات، والأحاديث والقصائد والوصية المتوكلية، ولكن لا حديث عن الفتوى! ولا أعرف ما السبب؟، خاصة، وهو يكتب سيرة الإمام المتضمنة غرائب الأخبار كما في عنوان السيرة، والفتوى إلتي تندرج ضمن غرائب الأخبار والأفعال. ولعله قد تعمد عدم الخوض فيها أو الإشارة اليها، إما لأنها في تصوره من لزوم ما لا يلزم تضمينه كقضية عقدية معلومة من المذهب، والممارسة السياسية بالضرورة، أو لكونها قد أثارت جدلاً وسجالاً عميقاُ وواسعاً حول مضامينها بين علماء عصره، بين معارض مفند لها، ومؤيد، أو لسبب أو لآخر. والفتوى واحدة من أبرز علامات حكمه!!، وهي حقا من غرائب الأخبار.

إنني حقاً أشعر بالخجل والعار وأنا أقرأ بعض سطور الفتوى، التي لم يتبق منها إلا سطور متناثرة في هذا المصدر التاريخي أو ذاك. لقد خجل منها الناس، وآثروا الاحتفاظ بها في الدهاليز السرية من مكتباتهم الخاصة، كما أخبرني العلامة المؤرخ/ محمد بن علي الأكوع، كما أنني أشعر بالحزن والآسى وأنا أقرأ من يلطف من وقع عنفها وبشاعة وطأتها على الوعي الاجتماعي والتاريخي لنا .. بل ويطالب من الكتاب بلغة تحذيرية، عدم تكرار الحديث عن فتوى الإمام المتوكل إسماعيل، لأنهم بذلك يعيدون ويكرسون أنتاج المذهبية والطائفية، حسب زعمه!!, كمن يرى شجرة وحيدة في الغابة، ولايرى الغابة على إمتدادها، في صورة " الهاشمية السياسىية المعاصرة".

إن الفتوى، ليست حادثاً فردياً عابراً، أيها العزيز/ عيبان، هي ظاهرة، تركت علائمها الضارة على جسد الوعي التاريخي، والمجتمع والثقافة، والنفسية والتاريخ، نريد أن نطهر ذاكرتنا من جرائم عبدالله بن حمزة ضد المطرفية، ومن عار فتوى المتوكل على الله إسماعيل، ومن جرائم الحرب والتكفير للإمامة الحميدية المتوكلية ضد أبناء تعز/ الحجرية، وضد أبناء التهائم، وليس التلطيف من محتواها ومعناها بالحديث عن السياق التاريخي الذي أصدرت فيه فتوى المتوكل على الله إسماعيل بدعوى أنها جاءت في سياق مقاومة الأتراك!!

وكل ذلك يورده العزيز/ عيبان، في سياق تأكيد وجهة نظره في القول: بخطأ مصطلح "الهاشمية السياسية"!!.

إن الموضوعية والعقلانية النقدية في البحث، سواء في قضايا راهنية، أو في قضايا التاريخ تحديداً، تستدعي منا أن نقرأ وقائع وحقائق التاريخ كما كانت وتمت بجميع الملابسات التاريخية التي رافقت هذه القضية، أو تلك الظاهرة، دون إسقاطات ذاتوية من عنديَّاتنا.

إن إعادة قراءة التراث الدامي والجارح لنا كيمنيين في كل مكان في البلاد، وفي كل المراحل، هي مسؤولية الجميع، وهي طريقنا للدخول إلى "مرحلة انتقالية" تاريخية جديدة، وهي – كذلك - الطريق الحقيقي لإعادة كتابة التاريخ، لإنصاف حالات ووقائع الظلم فيه من المطرفية، إلى فتوى المتوكل على الله إسماعيل، حتى فتاوى التكفير المعاصرة، بل وكل جرائم الحروب المعاصرة، وكل ذلك "لا يتحقق إنصافهم إلا بالإقلاع عن عادة إنتاج ذلك التراث الاستبدادي من خلال ذبح كل "مطرفية"، مماثلة أو محتملة في الحاضر والمستقبل، والإقلاع عن اغلاق باب الحوار والتعايش الضروري بين فئات المجتمع"(١٨)

وفي تقديري، لو تم تقديم قراءة موضوعية تاريخية نقدية معمقة متعددة الوجوه، لظاهرة المطرفية وعبدالله بن حمزة – التي بدأها المؤرخ والسياسي، الاستاذ زيد بن علي الوزير، وقبله د. علي محمد زيد، - وفتوى المتوكل على الله إسماعيل، على كافة المستويات الفكرية والثقافية والدينية والسياسية والاجتماعية، وصارت جزءا لا يتجزأ من ثقافة عامة، ومن المنهج الدراسي في مختلف مراحله من التعليم الأساسي إلى الدرس الجامعي، لما شهدنا بعد ذلك فتوى د. عبدالوهاب الديلمي، وعبدالمجيد الزنداني.. لا أقصد أنه بعدها سيتوقف تاريخ الفتوى بالتكفير الديني، ولكن على الأقل ستخف حمى اللعب السياسي بالدين في هذا المجال، وخاصة مع وجود الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، دولة المواطنين الأحرار.

صفوة القول:

هناك أثار سلبية لا تُمحى، ولا تزول بسهولة، تترك ندوباً عميقة في الوجدان، وفي الوعي الاجتماعي التاريخي، ومنها فتوى المتوكل على الله إسماعيل، التي ما تزال تجرجر أذيالها حاضرة بيننا، وتذكرنا بسوئها، بين وقت وآخر، ونتمنى عدم عودتها وأمثالها من الفتاوى.. ستبقى آثار الفتوى مستمرة، والمطلوب التخفف من أعبائها، ومن حمولاتها السلبية؛ الأيديولوجية والثقافية والتاريخية، ومن وطأتها النفسية، حتى إدخالها دائرة النسيان، وليس التهاون معها، أو التلطيف من عارها الثقافي والوطني.. كل ما نتمناه هو كتابة مرثية نهائية للفتوى، ولجميع فتاوى التكفير الديني والسياسي ، في صورة إعمال الفكر النقدي العقلاني حولها، وفتح باب أعمال بحثية، ورسائل علمية (ماجستير/ دكتوراه)، حولها من موقع نقدي، تطويراً لموقف علماء الزيدية التاريخي من الفتوى، ومن غيرها من القضايا.

هذه أول خطوة باتجاه محو الفتوى وتجاوزها، على طريق توسيع مساحة التسامح، وثقافة العيش المشترك.

إن صفوة القول، وخاتمة العرض لكل ما سبق، يقول ويؤكد من أن " الهاشمية السياسية", ليست معضلة - على الأقل – بل هي أحد أبعاد جوهر "المشكلة اليمنية"، في ضوء الطروحات المتجددة لمعناها، والمعلنة أمامنا، التي نسمع اليوم حول وعن عودتها، الذي يعمل البعض بدأب لإعادة ترسيمها كفكر وكثقافة ومنهج تعليمي، بل وكنمط حياة للمجتمع وللنظام الإداري والسياسي للدولة ولن تكون "مدونة السلوك الوظيفي"، هي آخر وجه قبيح لـ"الهاشمية السياسية".. هي اليوم مشكلة، وازمة، إن لم ننتبه لذلك، فإن المشكلة والأزمة، ستتحول إلى كارثة تاريخية، ونكبة وطنية واجتماعية تطال كل المستقبل، ولذلك علينا أن نقرأ وندرك ما يجري بصورة واقعية، دون تهويل، أو تهوين، نقرأ ما يحصل في كل البلاد (الشمال والجنوب)، وفي المنطقة (الإقليم)، بعيدا عن الخطاب السياسي العصبوي أو الذاتي "النرجسي" الذي يتتبع ويرى ظاهر الشيء، ولا يدرك الكنه والعمق البعيد الغائر في الأعماق، لما قد يؤول إليه حال اليمن, ككيان ثقافي وحضاري .

إن "الهاشمية السياسية" تحاول اليوم، بسعي حثيث ودأب"جهادي"، لإعادة صياغة الذاكرة الثقافية والتعليمية والتربوية والوطنبة والتاريخية لنا بصورة "جديدة"، محاولة لترسيم ذاكرة معرفية وثقافية وتاريخية، بل وحتى نفسية وسيكلوجية لا صلة لنا بها، يبدأ التأسيس لها مع بداية تكون وتشكل "الهاشمية السياسية" في تاريخنا الإسلامي، مع دخول (الهادي الرسي لليمن/ يحيى بن الحسين بن القاسم). هذا على المستوى اليمني، وعلى المستوى العربي الإسلامي، مع بداية الصراع الأموي، العلوي الهاشمي، وهي محاولة لتحويل الإسلام الحنيف، إلى" أيديولوجية هاشمية"، حسب اصطلاح د. نصر حامد أبو زيد أي إلى "هاشمية سياسية"، بدأت منذ صراع الدولة الأموية، مع الحركة السياسية العلوية. وما يجري اليوم في بلادنا من قبل البعض، هو محاولة عبثية، في نقل هذا /ذلك التاريخ الذي كان وانتهى، كبداية لتاريخنا في اليمن اليوم، يتم فيه حذف تاريخنا اليمني القديم، بل وحتى الإسلامي، وكأنه لم يكن. وكما يكتب، د نصر حامد أبو زيد، حول هذا المعنى: " إن ما حدث في الماضي كما يدل التحليل العلمي هو التفاعل الجدلي على مستويات عديدة، عرقية/جنسية وثقافية فكرية، بين شعوب المنطقة كافة"(١٩) وليس صراع أنساب، ومذاهب، واعراق وقبائل . ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إعادة إسقاط أو إنتاج تلك الصراعات المتوهمة، والمتخيلة في حاضرنا اليمني اليوم (قحطانية/عدنانية). وتحديد مستقبلنا من خلال ذلك الوهم، هو تعبير عن حالة جهل بالسياسة، وبالصراع السياسي الاجتماعي الطبقي، وبالمجتمع وبالتاريخ.. هي أفكار وأعمال "ممارسات" يستحيل تحققها، وإن تحققت فبتكلفة إنسانية باهظة على الصعد كافة ، ولفترة قصيرة، على أن معالجة - بعد ذلك - آثارها السلبية والمدمرة، سيستغرق زمناً طويلاً، وهو ما يجب أن يكون واضحاً ومفهوماً للجميع.

الهوامش:


1-المطهر الجرمزي: تحفة الأسماع والأبصار، تحقيق د. عبدالحكيم عبد المجيد الهجري، نفس المصدر، االمجلد الثاني، ص852-853.

2-انظر عبدالحكيم عبدالمجيد الهجري: دراسة وتحقيق تحفة الأسماع والأبصار، المجلد الأول، ص67.

3-د. سامي يحيى أحمد الوزير: الوضع الاقتصادي للدولة القاسمية، في عهد الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم (1054-1087هــ/ 1644- 1676م)، (دراسة تاريخية)، رسالة دكتوراة، 2019م ، جامعة صنعاء.

4-يشير د. سامي الوزير إلى "أن أغلب تلك الانتقادات قد جاءت من جانب علماء وأمراء المناطق الشمالية بالدولة القاسمية، والتي لم تطلها تلك الزيادات في الضرائب، إضافة لكون هؤلاء المنتقدين من أصحاب المكانة الرفيعة في الدولة ومن كبار موظفيها، وعلى العموم ما كان باستطاعتهم ممارسة تلك الانتقادات على السياسات المالية للدولة القاسمية دون أي خوف من العواقب المترتبة على ذلك لولا أنهم كانوا من أصحاب النفوذ والمكانة الرفيعة داخل الدولة القاسمية أو على أقل تقدير في مناطق تواجدهم". نفس المصدر، ص22.
و لا تفسير في تقديري لذلك الموقف من بعض علماء الزيدية، سوى أنه محاولة لتصحيح المسار (الخطأ)، الذي يضر بالمجتمع، وبالجميع. أما اعتراضات الأمراء، وانتقادات بعض كبار رجال الدولة في مناطقهم المختلفة، فقد يكون سببه سياسياً، يدخل في نطاق التنافس على السلطة/ الإمامة، وهو أمر بحاجة إلى بحث موسع وأشمل ليس هنا موضعه.

5-المطهر الجرموزي ، نفس المصدر ، ص112.

6-وحول اصطلاح "القحطانية السياسية" فهو مصطلح بدأت الملامح النظرية الفكرية والسياسية الأولى له بالظهور مع الهمداني/ لسان اليمن، ولكن ملامحه الفكرية والسياسية بدأت بالتبلور أكثر مع نشوان بن سعيد الحميري في بعض قصائده الشعرية، أو التي صارت محسوبة عليه، وخاصة في فترة احتدام صراعه السياسي مع الأئمة حول قضية السلطة السياسية، مع أن نشوان له رأي واضح حول الإمامة في أنها تقوم على الكفاءة وليس على النسب والعرق والقبيلة ومن أنها في كل مسلم وهنا يلتقي مع الخوارج، أنظر حول ذلك مناقشة د. علي محمد زيد لهذه المسألة في كتابه "تيارات معتزلة اليمن في القرن السادس الهجري)، المركز الفرنسي للدراسات اليمنية / صنعاء ط(1)1997م، ص111 إلى 113.

7-انظر مقابلة مع سلامة كيلة: العلوية السياسية خزعبلة وليس مصطلحاً سياسياً، منشورة في حزيران (يونيو)، 2015م، متواجدة على النت.

8-د. حسين عبدالله العمري، والعلامة القاضي، محمد بن أحمد الجرافي: (العلامة والمجتهد المطلق، الحسن بن أحمد الجلال (1014-1084هــ) 1604-1673م) حياته وآثاره (دراسة ونصوص محققة)، دار الفكر المعاصر، لبنان، دار الفكر/ دمشق ط(1)، 2000م، ص15.

9- د. حسين عبدالله العمري: والعلامة القاضي، محمد بن أحمد الجرافي (العلامة والمجتهد المطلق/ الحسن الجلال" نفس المصدر، ص30.

10- الحسن الجلال: فتوى "براءة الذمة في نصيحة الأئمة"، منشورة في كتاب حسين العمري/ والعلامة الجرافي (العلامة والمجتهد المطلق...)، "براءة الذمة في نصيحة الأئمة"، ص436.

11- الحسن الجلال: نفس المصدر، ص439.

12الحسن الجلال: نفس المصدر،440.

13- الحسن الجلال: نفس المصدر،ص431.

14-الحسن الجلال نفس المصدر، ص431.

15-عبدالله علي الوزير(طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى)، المعروف بــِتاريخ اليمن خلال القرن الحادي عشر الهجري (1045هــ-1090هــ)، تحقيق/ محمد عبدالرحيم حازم، ط(2)، 2008م، اصدار مركز الدراسات والبحوث اليمني/ صنعاء/ الجيل الجديد، ناشرون، ص50.
١٦ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني،ديوان ابن الأمير الصنعاني)ص ٣٤٥

١٧ محمد بن علي الشوكاني (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع) المجلد الأول، دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت / لبنان ، طبعة أولى سنة 1348هــ/ بمطبعة السعادة، بجوار محافظة مصر، على نسخة خطية مصححة، ص148.

١٨ د. علي محمد زيد: تيارات معتزلة اليمن في القرن السادس الهجري، المركز الفرنسي، للدراسات اليمنية/ صنعاء، ط(1) ص ١٣.

١٩ - د. سيد القمني: الأسطورة والتراث، الناشر، سيناء للنشر، ط(١)١٩٩٢م، ص٢٩٢، الفقرة المأخوذة من تعقيب د. نصر حامد أبو زيد، في ذات الكتاب.



#قادري_أحمد_حيدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهاشمية السياسية -ملاحظات حول الحلقة الثانية-1-2
- الهاشمية السياسية: ملاحظات على الحلقة الثانية 1-3
- الهاشمية السياسية -ملاحظات على ماورد في الحلقتين- 3-3
- الهاشمية السياسية -ملاحظات على ماور في الحلقتين -2-3
- الهاشمية السياسية - ملاحظات على ما ورد في الحلقتين 1-3
- مقبل حلم الحرية الذي لايشبه القادة -الفارغين- 2-2
- مدونة السلوك الوظيفي أداة لتفجير المجتمع
- مقبل: حلم الحرية الذي لايشبه القيادات الفارغين 1-2
- عبد العزيز المقالح الإنسان
- الهاشمية السياسية -ملاحظات على التعقيبات- 5-4
- الهاشمية السياسية -ملاحظات على التعقيبات - 5-5
- الهاشمية السياسية -ملاحظات حول التعقيبات- 5-3
- الهاشمية السياسية - ملاحظات على التعقيبات- الحلقة الأولى 1-5
- الهاشمية السياسية -ملاحظات على التعقيبات 2-5
- في صواب مصطلح الهاشمية السياسية 5-5
- في صواب مصطلح الهاشمية السياسية 4-5. الإمامة والهاشمية السيا ...
- في صواب مصطلح الهاشمية السياسية 3-5 الإمامة، والهاشمية السيا ...
- في صوابمصطلح الهاشمية السياسية 3-5 الإمامة، والهاشمية السياس ...
- في إشكالية مصطلح الهاشميية السياسية 2-5
- في صواب مصطلح الهاشمية السياسية 1-5 مقاربة أخرى


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قادري أحمد حيدر - الهاشمية السياسية -ملاحظات على الحلقة الثانية-3-3