أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - بقعة الدم














المزيد.....

بقعة الدم


فرات المحسن

الحوار المتمدن-العدد: 7742 - 2023 / 9 / 22 - 12:40
المحور: الادب والفن
    


هذا ما جاء في رسالة وضعت في مظروف داكن السواد تحت باب احد المفجوعين بولده في صباح يوم لم تشرق فيه الشمس بعد.
يوم تشريني. الشفق الأحمر يغطي الأفق البعيد ودخان كثيف يلف المكان. حسب الإحصاء الرسمي وهو دائما ما يجانب الحقيقة ويخفي قدر المستطاع وقائع الأحداث ونتائجها، ولكن اليوم اضطرت السلطة في نشرة الأخبار المسائية، الإعلان وعلى لسان ناطقها الرسمي ، عن عدد الشهداء الذين سماهم بثلاثة قتلى، وأكمل جملته الصماء اللئيمة بكلمة لا غير.
ولكن ما أعلن رسميا عنه، ما كان ليطابق إحصاء من وقف وشاهد الواقعة عند ذلك المساء الكالح. فجميع من حضر الواقعة تبادل الروايات مع البعض ودون في ذاكرته ، خمسة شهداء دون نقصان. جميعهم كانوا يتحلقون حول عربة التك تك ذات اللون الأصفر البراق، وتدلت عند مقدمتها قطعة قماش بيضاء صغيرة كانت موضوعة تحت مصباح الإنارة، كتب عليها بخط مرتبك، أريد وطن.
*****
كانوا يتراقصون جذلا ونشوة على أنغام موسيقى أغنية كاظم الساهر " وين أخذك وين أنهزم بيك.. بضلوعي لو بعيوني أخليك " فجأة باغتهم سيل رصاص وقنابل دخان. سقطوا جثثاً هامدة جوار عربة التك تك،كان ذلك في ساعة نحس عند نقطة قريبة من مفترق نفق ساحة التحرير الذاهب نحو شارع الجمهورية .
بقع الدم التي خلفتها أجسادهم الغضة إثر عربدة سيل رصاص ما سمي بالطرف الثالث، راحت تسيح فوق الأرض الإسمنتية .ما كان بمقدور احد أن يحدد اتجاهات انسيابها، ولكن الدم كان فواراً قانيا أحاط بعربة التك تك من جميع أطرافها، ثم أنحدر ليتجمع أمامها، فاختلط مع بعضه ليكون بقعة دم كبيرة قانية.
بين هؤلاء الشهداء من جاء العاصمة من قرية قريبة من بلدة الرفاعي في الجنوب، وهناك من أتى تاركاً وراءه محلة الطويسة في البصرة، وثمة آخر يسمي نفسه بالمعيدي كان قادما من مدينة الشعلة،وحده أبن الأعظمية كان الأنيق بين هؤلاء رغم اتساخ ملابسه خلال عشرة أيام مضت دون رغبة تساوره في الذهاب إلى أهله والاغتسال بحمام دافئ. بينهم من هو دون دالة أو هوية، ولكنه كان أكثرهم مرحا وإفراطاً بالهزل، وكان وفي كل مرة يروي شيئا عن قسوة ما كان يلقاه على يد صاحب العمل، ينهي حديثه بضحكة طويلة شبيه بكركرة طفل. أما ذاك الصغير المقصب الشعر صاحب البشرة الداكنة، الضاج بذكر مغامراته العاطفية، وما كان ليتوقف عن سردها حتى وإن تلقى تشويش واستهزاء رفيقه المسمى المعيدي. بينهم من يرفض اليقين بتاريخ ولادته المدونة في الهوية التي يحملها. صاحب الكنزة البنية يقول إن حياته تخلو من أي أهمية يود ذكرها لرفاقه، فقط الشيء المهم الذي ممكن أن يبعث في روحه الفرح هو منظر عربة التك تك التي يمرر عليها صباحا برقة متناهية قطعة القماش المبللة وهو يصفر لها بأغنيه كان يعشقها.
صباح الخير يالوله.
لوله، اسمها الذي أطلقه عليها حين أبتاعها له خاله صاحب بسطة الملابس المستعملة.لم يكن يدري السبب الذي دفعه لإطلاق أسم لوله على عربة التك تك، ولكن الأغنية كانت تستهويه لذا علقت بذهنه ذلك الصباح البلوري المبهج، وحان لها أن تكون أسما لعربته، فاخذ يغني لها مزهوا.
يعز من يبات قانع من الرحمن يتطلب
يذل من يبات طامع يبات الليل يتقلب
على الجنبين يالوله ولا يرتاح يا لوله
صباح الخير يالوله صباح الخير.
ثم يروح بموجة من التصفيق والقفز راقصا حولها كالهنود الحمر ، يشاطره فرحه بحمية وصخب بعض أصحابه.

*****
حين أنبلج ضوء الصباح كان شاحبًا رجراجًا مغبرا، وثمة أصوات أنين وبكاء خافت تتسرب من جوف نفق التحرير. في البعيد تختلط نداءات تحذير وتحوط ترافق أصوات رشق رصاص وانفلاق قنابل الغاز. ثمة ضحكات صاخبة وضجيج مزاح يأتي من الطابق الثاني للمطعم التركي.
عند ذاك الفجر الندي، جلست خمس نسوه مصفوفات متراصات بسوادهن حول بقعة الدم، يحطنها مثل السِوار، نائحات مفجوعات، يغطينها بعباءاتهن الكالحة، كان دمعهن مدرارا يخالط بقعة الدم الخاثر الذي يلتصق بثيابهن فيأخذنه ويهيلنه فوق رؤوسهن.هكذا كان الحدث وسوف يتكرر.
لكم الصبر والسلوان ولأرواحهم السلام والذكر الخالد.



#فرات_المحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلك الأيام المضنية : ج الأخير
- تلك الأيام المضنية ج 4
- تلك الأيام المضنية ج3
- تلك الأيام المضنية 2
- تلك الأيام المضنية 1
- قانون تنظيم العمل الحزبي عماد الديمقراطية
- يوم أخر من مدونات الوجع/ج الأخير
- يوم أخر من مدونات الوجع ج2
- يوم أخر من مدونات الوجع ج1
- محنة العراقيين بين فيتو أمريكا وعطوة طهران
- العراق وسباق المسافات الأمريكي
- - هارب من الإعدام - / ذاكرة شيوعي بين الموصل وموسكو
- موديل أمريكا اللاتينية مازال خيار البنتاغون المفضل.
- هل التدمير الذاتي المهمة الأنسب لشعوب الشرق؟
- رهانات مشروع الشرق للديمقراطية والتحديث.
- أمريكا خيار المصالح أم تعزيز البنى الديمقراطية ؟!
- العلمانية واليسار وخيار الديمقراطية
- ما تخفيه أروقة لجان التحقيق لكبير
- الشبكة الوطنية لتحالف مدافعي ونشطاء حقوق الإنسان.
- مجالس المحافظات عود على بدء أم ماذا !؟


المزيد.....




- الفنانة شيرين عبد الوهاب تنهار باكية خلال حفل بالكويت (فيديو ...
- تفاعل كبير مع آخر تغريدة نشرها الشاعر السعودي الراحل الأمير ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 158 مترجمة على قناة الفجر الجزائري ...
- وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبدالمحسن عن عمر يناهز 75 عاماً ب ...
- “أفلام تحبس الأنفاس” الرعب والاكشن مع تردد قناة أم بي سي 2 m ...
- فنان يحول خيمة النزوح إلى مرسم
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 159 على قصة عش ...
- أكشاك بيع الصحف زيّنت الشوارع لعقود وقد تختفي أمام الصحافة ا ...
- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فرات المحسن - بقعة الدم