إمبراطورية استعمارية و رأسمالية فرنسية؛ قصة فك ارتباط. (16)

نورالدين علاك الاسفي

الحوار المتمدن-العدد: 7730 - 2023 / 9 / 10 - 11:01
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    

نورالدين علاك الأسفي

تشاء طبيعة البحث في التاريخ أن تكون مجرد حقل مفتوح للاستطلاع و التقصي، المر الذي يجعلها تتقدم كل محاولة تعتمد التاريخ مرجعا. فتؤسس للسبر المضني الذي يدور بالأساس حول تساؤل مصاغ بروية و حذر لذا فإن السمة المميزة لكل بحث مرتبطة بطبيعة السؤال المؤسَِّس. أما التساؤل نفسه فمعلوم انه محصلة مخاض عسير يفرزه مجال الاستقصاء و عنف الاستفهام.

ها المسعى رافق خطواتنا الوئيدة في قراءة كتاب جاك مارساي مما سمح بإبداء الملاحظات و الاستنتاجات التي عنت لنا في النقاط التالية:

• إن طبيعة المادة المعروضة و الطروحات المتضمنة بين دفتي الكتاب لا تمثل فصل الخطاب أو جماع القول في الموضوع. و هذا ما لوحظ على الباحث، حيث كان أحادي البعد في تناوله لموضوع أطروحته؛ و بذلك غاب عنه تفاعل العوامل و جدليتها في إنتاج الحدث التاريخي.

• إن التاريخ لحديث و المعاصر يعتمد أساسا على وثائق في متناول اليد؛ و لكن و بالرغم من توفرها فإنها ما زالت تحت وصاية الدوائر المعنية، لما تحتفظ به من معلومات ما زالت سارية المفعول و لما تثيره من حساسيات ، مما جعل الباحث حبيس قناعاته يبحث لها عن سند يعضدها بما وقعت عليه يداه من ربائد غميسة.

• انطلاقا من قناعة أن العنونة حكم(1) فان عنوان الكتاب"إمبراطورية استعمارية ورأسمالية فرنسية. قصة فك ارتباط" يقرر توطينا: طرف و مركز. و يطرح تقييما : إمبراطورية حضورها بالضرورة يستوجب رأسمالية. و يعلن تحقيبا : مستعمرات و رأسمالية دخلت في تجربة امبريالية تاريخية ما زالت ملامحها بادية للعيان إلى يومنا. هكذا يبدو واضحا أن مسالة العنونة مرتبطة ارتباطا وثيقا بطرح تأويلي(2) يجعلنا نقف على مكانة المستعمرات في اهتمامات المراكز الرأسمالية.

• إن تعثر الاقتصاد الفرنسي عن مسايرة ركب الاقتصاد العالمي لا يمكن أن يحصر في التجربة الاستعمارية كمحدد مباشر ؛ بل هم نتاج جملة عوامل، تم تحديد بعض ملامحها قبل جاك مارساي كل من فرانسوا سميان(3)الذي ذهب إلى أن تحت الدورات العشر المعروفة في النظام الرأسمالي لدى الاقتصاديين هناك وجود لدورة أطول نصف قرنية تتجزأ إلى حقبة توسع و انفتاح ترتفع فيها الأرباح و الأسعار و مقادير الإنتاج. و حقبة انكماش و انحصار تنخفض معها كل المؤشرات السابقة. و توالي الحقبتين لم ينقطع منذ القرن14م في أوربا الغربية.أما ارنست لابروس (4) فيبرز أن الثورات التي عرفتها فرنسا ساعدت على زعزعت بنياتها و عطلت النمو لفترة من الزمن مما اثر سلبا على سيرورة التطور الاقتصادي. و نضيف إلى هذا ما حصل بأوربا الغربية من حرين كونيتين كان لهما تأثيرا سلبيا على البنيات التحتية مما كلف الدول الرأسمالية كثيرا لإعادة تعمير و إنشاء ما دمرته الحرب.

• و جدير بالإشارة؛ نراها ضرورية بهذا الصدد. فأهمية هذا الكتاب تنحصر في أن المؤلف نشر لأول مرة معلومات و تقارير سرية من شأنها المساعدة على مساءلة الامبريالية و فهم آلياتها، كما يتميز بكونه من المحاولات الأكاديمية التي يجب أن تشكل منطلقا و بداية رصينة لدراسات مستقبلية تراعي اهتمام الآخر المهيمن لتسليط الضوء على مشاكل الذات و كيفية التصدي لسلبياتها. فلا غرو، عندما يتكلم المؤرخ عن نفسه فانه يتكلم في نفس الوقت عن الغير. و عندما يتكلم عن الماضي يتكلم أيضا عن مستقبله إن«تاريخ الغير هو في الواقع دائما و أبدا تاريخ الذات في الماضي و في المستقبل»(5)لذا فليس التاريخ دراسة الأحداث فقط بل أيضا دراسة النظرة إلى ألأحداث(6).

• و بالجملة، تاريخ الامبريالية هو تاريخ آلياتها؛ و كذلك تاريخ فكرة الامبريالية في القرن 19مو تاريخ تحليلات المؤرخين لها إلى الآن. و الملاحظ أن البلدان التي تتقدم فيها البحوث التاريخية هي البلدان التي تهتم بتاريخ النظريات التاريخية و كفية تبلورها. و انعدام تلك البحوث بالدول" النامية" يدل على تأخر وعيها التاريخي لذا: « فالماضي المهلهل غير المنتظم في اعتقادنا يغير أهداف أعمالنا و يجعلها تنتج غير ما نأمل و ننتظر»(7).

-------------------
1. عبد الله العروي: : مفهوم التاريخ . المفاهيم و الأصول.ج 2.الطبعة الأولى. المركز الثقافي العربي. الدار البيضاء.1992. ص251.
2. عبد الله العروي: نفس المرجع. ص245.
3. فرانسوا سميان: الأجرة، التطور الاجتماعي و العملة. باريس 1932. انظر عبد الله العروي: المرجع السابق. ص140.
4. ارنست لابروس: أزمة الاقتصاد الفرنسي في نهاية العهد القديم و بداية الثورة. باريس 1941. انظر عبد الله العروي: المرجع السابق. ص140.
5. عبد الله العروي: العرب و الفكر التاريخي. الطبعة الأولى. دار الحقيقة. بيروت. 1973. ص92.
6. عبد الله العروي: المرجع السابق. ص93.
7. نفس المرجع و الصفحة.

#نورالدين_علاك_الاسفي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل