أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال أحمد - مونودراما العودة إلى الحياة -نبتة يدي غابة شوكية- لكريم ناصر















المزيد.....

مونودراما العودة إلى الحياة -نبتة يدي غابة شوكية- لكريم ناصر


منال أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 7717 - 2023 / 8 / 28 - 07:50
المحور: الادب والفن
    


ربما يشدّ اللون الأحمر البارز المؤطر في مغلف الكتاب من يقرأ للشاعر كريم ناصر وكذلك من يدخل في تفاصيل هذا اللون الذي يطلق الحواس ويحفزها على الإنتباه لظواهر عامة لا تني تعبّر عن واقع مرير وقضايا مؤلمة، ولكن إذا ما دققنا من منظور علم النفس نجد أن للأحمر الغامق شعوراً بالانتماء إلى الروح والوطن والتراب شعوراً له تأثير قوي على الجهاز العصبي والخلايا والدماغ، فكريم ينتقي كلّ شيء بحنكة مدروسة، فاللغة عنده هي المبدأ والمنهج والآلية لأشعاره ومع أنه شاعر مغامر في عوالم اللغة إلا أنه يميل غالباً إلى الهدوء النسبي، فالهدوء في كلّ الأحوال طبيعة يتميز بها وحده، ولكنه يظل في كثير من الأحيان هدوءاً مقروناً بحضور متفجر من لغة متفحرة ومحيرة وحذرة تدفع بالقارئ من صعقة إلى صعقة صادمة أخرى، فهذه المساحة من الحرية في ذاتها تخلق لغة مغايرة غالباً ما تحظى بقبول واسع لدى قارئ يجيد فن القراءة. والملاحظ أن الكتاب يبدأ بمقدمة شعرية كأنما كانت إثباتاً لللون المنعكس من فوق ومن تحت وإدانة لمن سلبه فرح طفولته والذي لا يأبى إلّا أن يتذكر جحيم ماضية الذي لم يزل حتى الآن:

"هكذا مر الوقت ومعه كل شيء..
كطفل يدفعة الكابوس إلى النوم
ألا تعلم
حين جرفت السيول التماثيل إلى المراكب..
سهر القمر في الظلام وكأنما نهسته حية".

ها هنا يعلو الصوت ويعلن عن رغبته الشديدة في كشف الحقائق:
"ما الذي يجعلنا لا نهتم
هذه الشجرة تذوي كتمثال يشهق في الحر
مطر الجحيم ينهمل وكأن ريح بحر تصفعنا".

وماذا يمكن أن يحدث وأية حسرة تلم به حين لا تتلذّذ حواسة إلا بمنظر الظلام:
"آه
عندما لا نكد لا نسمع صوت الطيور
نرقب من الشباك منظراً لمعركة كبيرة".

ثم يكرر التنهدات محتجاً وبقوة على ما يحدث في واقعه التراجيدي:

"آه من ضوء كله ظلام
الدخان يملأ رئاتنا
فمن أين لنا سماء حتى تترك الحمائم البراري".

تكاد تكون الرمزية المستغلقة في قصائد كريم ناصر بارزة لمن يحاول جاهداً فك الشيفرات أو تأويلها ليظهر سلطة اللغة جليّة ويدفع بالغموض ليثير الرغبة في نفس القارئ لإتمام قراءته، فاليد التي عناها الشاعر ليست إلّا يد الشمس التي تعزف الموسيقى الملائكية:

"يدُك التي تلمستها في النهار
قطعت الطريق على الظلام
- فلا معنى لقصبة لا تزمر كفرس-".

وكما أن الملاحظ في قصيدة عظام الكلمات إنها تستند إلى تراكيب لغوية قوية، فحين أشار الشاعر إلى الكلاب في قصيدته، فإنما أراد من ذلك أن يبرز خصالاً مخفية، لهذا فالفضائل تمحى رغم عظمة المناقب:

"هكذا
ستطاردك الكلاب في الظهيرة أو العشيات
ستغادر مزاميرك شبابيك الأمل
ولسوف تعكر الشمس صفو عينيك، سوف تمحى الفضائل
مثلما تتفسخ العصافير بين فكي أفعى
آهٍ من فرس لا تأنُف من معركة".

وإذا ما تطرقنا إلى الحوار الذي يقيمه على مسرح الأحداث في قصيدته المونودرامية "ديك الرصاص" فنحتاج بالضبط إلى منطق يدفعنا إلى التساؤل لنعرف بالضبط كيف يكون أن يحلم الميت؟ إنها مونودراما حلم ميت يرغب في العودة إلى الحياة الطبيعية بدلالة الغناء والشعر والموسيقى لينحي جبروت الطغاه أمام هذا التدفق:

"أقبل أن تتكاتف القنابر في حقل رهيف
ويحدودب صولجان الملك وليس ثمر الدردار".

ثم يعلو صوت الشاعر المغلف بأحلام الميت:

"أهكذا تقصر الأيام، ويضحى العمر بارداً كما الصقيع؟
آه لو تعلم الجياد كم ذبحوا من الفرسان في النفق
صدقني حتى عندما عكرت الصخرة صفو أيامي،
خطر على بالي أن أطوي حياتي كقنديل".

من هنا نجد الشاعر يحاول جاهداً أن يحفظ ترانيم الميت ليظهر جمال ما كان عليه الحال، وهذه الشجاعة التي كانت تتملكه، فيؤكد تباعاً اشتياقه المتواصل إلى العودة المحمودة:

"كم بصقت على الوطاويط داخل الكوّات
كنت قاصداً مدن الخيال وحدائق السماء
ليت الجنة تعود،
ماء المطر مثل طيور الينابيع ينقش الضوء في الهوة".

وبذلك فهو يصرّ على أن ينبت له شعر ولسان وعينان ولن يبالي بموته، بل سينتزع غيابه من غياهب الظلام ليبقى ثابتاً على رغم من الهلاك المحتم:

"عبثاً سلخوا فروة رأسي ،
لكنه كن على يقين ، سينبت لي شعر ولسانٌ وعينان،
ولن أتخلى عن ذلك أبداً".

ثم يصف في الأخير عودته التي هي بين ثابت في الغياب ومتحرّك يحمل صفة العناد:

"كسنونوة لا تعرف الخيانة ، ككوكب لا يبرح مداره
لكيلا يغطس في الأدغال
عليّ أن أحفر الجبل جاهداً لتقوى ذراعاي".

أمّا تردّده المفاجئ هنا فيرجع في أغلب الأحوال إلى القلق وسوء الحظ ما يجعله يكتفي من الحياة بورقة وقلم:

"ما هذا ؟
حرصت على أن أعدل عن الأمر، لئلا تزلق قدمي من الرابية
أهي لعنة السماء تقض مضجعي أم سوى الحظ؟
لم يبقَ لي في الحياة سوى ريش النعامة وورقة وقلم".

فالنتيجة التي نستخلصها من الغياب الطويل الذي لفّه حوّلت حياته كليّة إلى عذاب وجحيم ومرارة، فأصبحت يده خاوية وقاحلة ومتشققة، فأصابعة لم تعد تتلمس إلّا هذا الوجع وهذه الوحدة، وكم حاول جاهداً أن يقطع الطرق لينصت إلى أنفاس الفنار، هكذا هو كريم الشاعر الذي يمنح الكلمة روحاً حيّة لكيما تحافظ على كينونتها:

"نبتة يدي مثل غابة شوكية،
حيث تعبت أصابعي من لمس أورادها،
لقد صرت أقطع الطرق كلّها لأصل إلى النهر،
كمن يعقر نفسه وينصت لأنفاس الفنار".

وأي قارب يغرم بالشلال عدا قارب الشاعر المفتون بالطبيعة:

"علّق الراية يارخّي قبل أن يهولني المنظر..
قاربي مغرم بالشلال".

وبهذا المعنى يدخل في نطاق فلسفة أفلاطونية حين يعبّر بالرموز ومن ثم يتحقّق منها:

"الكهف: ثمار بيتي
النهر: زورق قلبي
أيتها الصخرة التي تجثم على عين ماء".

إنّ لجوءه إلى اختيار أصناف من المكسّرات والسكاكر والصنوبر والتمر والسمّاق والشوكولاتة لذو دلالة، فلم يفت الميت أن يلزم نفسه ليقوم بالإشارة إليها، فهذه الأصناف كلّها من شأنها أن تمنح الجسد طاقة هائلة فتجعله يحيا من جديد ويعود كما كان في السابق..
هكذا نراه يستنكر موته بشدّة ويدين الأوغاد الذين انتزعوا حياته، فيذمّ طريقتهم الرخيصة في دسّ الموت بكل أشكاله، فقد عاش مهدّداً بالبارود والريح:

"كم تطلق المدافع قذائفها على الحطب،
بئس الريح التي تستعين بالكلاب وتقتل يعاسيب الماء..
هكذا أنا يا صديقي كل يوم يدهمني وغد".

أيّ جمال ينتقي هذا الميت الحيّ الذي قرّر العودة إلى الحياة بقوّة لا تضاهيها قوّة:
"سأمتطي الضوء كتمثال يبحث عن ثمر البلوط
في قميص غابة مجاورة".

وفي الأخير يسلّم بالأمر خائباً حزيناً، وهكذا يعود بميته إلى الماء كحقيقة لا مناص منها:

"كم خاب فألي يا شجرة الزيزان
مهما يكدح النهر فلا يشفع له أثر،
عنما تتغلغل الشمس في المسالك، فالمطر هو ما يلطّف المكان
سيكون الماء بداية لرحلة طويلة".

وماذا يمكن أن يفعل غير أن يتحسّر على الأيام الخوالي التي يحنّ إليها ويصوّرها دائماً:

"ياليتني لم أسرج المهر في الصيف
لهفي على الليالي الملاح
الشمس تشرب دمي".

ولكن أيّة حياة يشتاق إليها الميت، وأي غضب يمكن أن ينزله على هذا الحفار الذي لا يبالي بالموت، فالمضمر في كلمات كريم ناصر يجعل القارئ يتساءل عن هذا الخلق المبدع فيؤول المعنى بإعجاز كبير، أي حفار صنع الموت وأي موت يصبح صنواً لميت ليصبحا في قائمة المنعدمين وأيّ قصر يشتاق أن يعود إليه:

"لماذا لا يحتكم الحفار إلى الغابة،
أيها الموت يا أخي؟
لماذا يهدمُ قصر الشوق
أنسي جذورة التي في الأرض، وأقنعته التي في الهواء؟

إنّها دراما مريرة نستطيع أن نستنبطها من اللغة ونستنتج دلالاتها من الواقع، هذا المتمغّط في بحر لا يعرف مداه وفي قبو مظلم لا ينتهي أمده يسرد للملأ تفاصيل حياته التي أنهكها السهر والغياب والإنتظار:

"أيها القمر الأنيس
أنت صمغ يرمّم أصابع الفتيان،
كلّ بحر يتمغّط في فضاء مائي".

أمّا خيله التي يمتطيها فليست إلّا شكلاً لا صورة له يتشكل وفق رمزية مدهشة:

"لهذا سترعى النجوم كرات مغامرات
وتشط خيول الهيولي" .

أمّا فيما يتعلق بالقصيدة المسمّاة "وردة الجيران" فلا تكاد تخلو من انزياح مرير لواقع يتمثّله الشاعر، لذلك يتحتّم عليه الاهتداء بالنجم ليلاً، ولأن الحارس وبخه عمداً فإزداد الشاعر تحمساً لكشف ما يحدث خلف الكواليس:

"كانت الزوارق نجوماً في الماضي ،
كم سكبت الدموع على غزلاني"

ويقول أيضاً:

"الوشق أكل الفراشة ، والضبع عضّت الظبية
عندما سألت عن السبب
وبخني الحارس في البستان".

أيّة بلاغة يكتشفها وأي حذر يلفّه وهو يدحر التنانين، أي كريم فخم هذا الذي يطوّع المفردات كحجر نرد ليضع القارئ أمام محنة شاقة يشهق ليفهم بالكاد المعاني ففي قصيدة "القرصان يؤمى بيده" يقول:

"ها هو القرصان يؤمى بيده كدليل على الأمان ..
لا تثب يا زهر المسلة
ربما تنبجس الشهب، وتعوم السفن في جليدٍ جاف،
لكم عاشرتك
إنك لتنسى أحياناً عندما إلتقطنا صورةً لشيء مثالي" .

وقد نجد أحياناً تناقضاً ذاتياً لا تتطابق صوره مع ذات الشاعر بسبب اختلاف الدلالة والرؤية إلّا أن هذا التناقض لا يقود إلى مأزق منطقي بل هو تناقض ظاهري متعمد من الشاعر نفسه يضع الحلّ في إطار التفكير العقلاني لحضّ القارئ على البحث والاستقصاء والكشف عن الأسباب، وكلّما حاولنا أن نمسك بالمعاني وجدنا انزلاقاً لا متناهياً يدفعنا إلى الغوص في العمق، فكل دال يحيل إلى دال آخر دون الرسو في مدلول ثابت ونهائي للنص، فشاعرية الشاعر العميقة المتداخلة وطريقته المرمزة تترك القارئ في حيرة من أمره ولا سيما في التنظير حين يكتشف نفسه وسط عالم الحيوان العجيب الذي يرى فيه قيمة أسمى مما لدى الإنسان.



#منال_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعرية الدهشة في ديوان -لا تلومي الوردة لا تأكلي العوسج- لكري ...
- سيمياء الشعر والرؤية الجمالية: -لن أطوي عمري على مغزل- لكريم ...
- العراقي كريم ناصر في ديوانه «يا فضائي لا أريد إفناءك»: لغة ر ...
- مياه الحب
- عودة البرابرة
- عودة الكفاءات ام خيبة امل الكفاءات
- أمواتنا أحياء يسيرون
- ما بعد الفنتازيا
- طريق الرمل
- بيت الأفاعي
- زهر الخزف
- من أين تعبر الآن؟
- لمن كان يتحدّث النهر؟
- ذلك ما يلي غيابك
- نعبر البحر بلا قارب
- سفر لن ينتهي
- الليل رفيق رحلتي الدائم
- أفكار
- الساعة الكبرى
- إسمي العراق


المزيد.....




- دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك ...
- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 
- 865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع ...
- -شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منال أحمد - مونودراما العودة إلى الحياة -نبتة يدي غابة شوكية- لكريم ناصر