أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالله محمد ابو شحاتة - نقد فضيلة الأنانية( لآين راند )















المزيد.....

نقد فضيلة الأنانية( لآين راند )


عبدالله محمد ابو شحاتة

الحوار المتمدن-العدد: 7708 - 2023 / 8 / 19 - 02:19
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يمكننا أن نعتبر فضيلة الانانية كتابا تجارياً بامتياز، ذو عنوان جذاب من دون أي مضمون حقيقي او نظرة علمية. فنصف الكتاب تقديم لحجج متداولة أصلا بين عامة الناس والنصف الآخر معالجة متخمة بالمغالطات والتنظير الفارغ.

الإيثار*

تقول راند كمقدمة بديهية "الايثارية ترى أن اي عمل لصالح الآخرين هو خير بينما اي عمل لصالح الذات هو شر"
وفي الواقع لا أعلم من أين أتت أين راند بهاذا التعريف الساذج الذي لا يمت بصله لمفهوم الايثار.
حسنناً "الايثارية ترى اي عمل لصالح الآخرين على أنه خير "
فهل مثلا لو تخيلنا شخصا يقف في منتصف الطريق ويفرق أمواله على المارة. هذا عمل بالطبع لصالح الآخرين. ولكن هل هذا العمل إيثار ام غباء وسذاجة ؟
هل سيرى اي انسان سواء أكان انانيا ام ايثاريا هذا العمل سوى أنه ضرب من ضروب السفه؟

ثم تضيف أن اي عمل لصالح الذات ترى الايثارية أنه شر؟
فهل تري الايثارية أن التعلم والتثقيف الذاتي شر ؟ او العمل وكسب المال شر؟ او لعب الرياضة لتقوية صحة البدن شر؟
أي ايثارية تلك !؟ أن ما تبنيه هنا هو رجل قش ساذج وغير متقاً. فلو أردنا هنا أن نُعدل المقدمة التي استخدمتها راند، لقلنا على الاقل أن الايثارية ترى أن اي عمل لصالح الذات ويضر بالجماعة هو شر.
ولكنها بكل بسذاجة طفولية تجاهلت النقطة المركزية في الانانية وهي الأضرار بالغير لصالح الذات، لتقدم الايثارية على انها ترى كل معل لصالح الذات اياً كان شر، مما يدخلها في تناقضات لا يقع فيها طفل.


• الاخلاق*

تقدم راند مفهوما للأخلاق على انها تلك العمليات العقلية التي تضمن بقاء الكائن. بالعكس تكون اللاأخلاقية كامنة في كل ما يدمر الكائن او يضعف من فرص بقاءه. ثم هي تفرق بين الإنسان والحيوان بقولها أن الحيوان لا يملك اخلاق لكونه يحفظ بقاءه عن طريق الغرائز الآلية، بينما يحتاج الإنسان للأخلاق لكونه يحفظ بقاءه عن طريق العقل أي عمليات التفكير.
فالغاية الأسمى للأخلاق كما تقدمها راند هي حفظ بقاء الذات. ولا شك أن حفظ بقاء الذات هدف محوري في تشكيل الأخلاق وهي تصر على التحدث عن الذات المفردة وتنكر الأخلاق الاجتماعية، ولذلك يبقى هذا التأصيل ناقص ، فتطور الإنسان قد ارتبط بمدنية ومجتمعات كبيرة معقدة وتماها فيها وارتبط بقاءه ببقائها. ولذلك يصبح مفهوم البقاء الذاتي كمعيار نهائي للأخلاق أقرب للحيوانية منه للإنسانية الاجتماعي. فالنسيج الاجتماعي المعقد يحتم على الاخلاقية الإنسانية أن ترتبط ببقاء الجماعة (اي الأخلاق الاجتماعية ) التي ترفضها راند بجانب البقاء الذاتي. وإن انكرنا على الاخلاقية ارتباطها بضرورة حفظ بقاء الجماعة فإننا بذلك نعلن فناء الحضارة لصالح الهمجية والعشوائية المتولدة عن تضارب المصالح الذاتية بعيدا عن مجتمعات تضع معاييرا للأخلاق تحكم الجماعة دون أن تضر بالفرد. إن إنكار الأخلاق الاجتماعية الذي تقوم به راند هو هجوم على الحضارة الإنسانية. التي ما كان لها أن تنشأ إلا بنشوء وتطور المجتمعات
أن ما تريده راند بكل سذاجة هو إنكار اي ارتباط للأخلاق بالمجتمع، بل عليها أن تأصل للأخلاق فقط كمفهوم ذاتي مما يمكنها من حفظ فردانيتها الساذجة التي تدافع عنها.
ولكن سرعان ما تدرك راند وجود تناقضات كبيرة في تصورها للأخلاق. فلو وضعنا البقاء الذاتي كمعياراً للأخلاق وتجاهلنا البقاء الاجتماعي، فكيف يمكننا اذا أن ندين شخصاً يسرق من الغير ؟ فطالما أن ذاك الفعل يضمن بقاءه الذاتي اذا فهو أخلاقي حسب تصور راند.
وهنا تحاول راند تبرير لا مشروعية السرقة دون اللجوء لمعيار الأخلاق الاجتماعية، فتقول أنه من غير الأخلاقي أن يسرق الإنسان من غيره لا لكون هذا الفعل يضر الجماعة ( الأخلاق الاجتماعية التي تنكرها راند ) بل لكون العيش على سلب الغير سلوك حيواني لان الحيوانات هي التي تعيش على حساب بعضها البعض. وإن على الإنسان أن يضمن بقاءه بالعقل والتفكير بدلاً من السلب والعدوان.
وهذا التبرير بالطبع لا معنى له ولا يتعدى مجرد رؤية اعتباطية. فلو فرضنا أن السلب سمة حيوانية فليس هذا بسبب موضوعي يجعلها لا أخلاقية طالما انها تخدم المعيار الذي وضعته راند وهو بقاء الذات. وإن كان على الإنسان أن يركن للعقل والتفكير في حفظ بقاءه كما تقول راند فإن السرقة والسلب ايضاً يتطلبان العقل والتفكير، وبالتالي لا يمكن إدانتهما من تلك الجهة. أما الادانة الوحيدة المنطقية فلن تجدها إلا في الأخلاق الاجتماعية ( السرقة لا اخلاقية لكونها تضر بالمجتمع )
ولكن راند تتجنب ذكر الأخلاق الاجتماعية وتستمر لعدة صفحات في ذكر كلام إنشائي وتأكيدات ليس لها معنى تدعي فيها أن الإنسان لا يمكنه البقاء إلا من خلال تفكيره وانتاجه الذاتي وليس من خلال القوة الغاشمة والاستيلاء على إنتاج الآخرين، ثم هي تعيد هذا التأكيد مره تلو مرة دون أن تبين لما اصلا هذا الادعاء صحيح. وكأن اصرارها على هذا الرأي يكفي لجعله صواباً !
وإن الأساس الأخلاقي الوحيد هنا هو أن القوه الغاشية والاستيلاء على إنتاج الغير يضر المجتمع، والانسان لا يضمن بقاءه إلا من خلال المجتمع. وهو الإقرار الذي تفر منه راند.
وككل دعاة الفردانية المتطرفة تصم راند الجماعية بأنها قد صنعت الفاشية والنازية، وهو الادعاء المقلوب كلياً. فالفاشية والنازية هي فالحقيقة نتاج لفلسفات الفردانية حالها كحال كل الأفكار المعادية للديمقراطية. وإنه لمن المعروف والجلي تأثر الفاشية والنازية الشديد بأرسطو وبنتشه وهما الفيلسوفان اللذان قالت راند أنهما من أكثر من أثر فيها.
وإن النازية والفاشية وكل الفلسفات العنصرية من زمن أفلاطون قد دأبت دائما على مهاجمة الجماعية والديمقراطية وتذكية الفردانية. فالديمقراطية عندهم هي فكرة حمقاء تعطي قيمة لصوت الغوغاء بينما يكمن الخير في أن يترك الحكم للنخب وأصحاب المواهب الفطرية. وتمجيد الفردانية هو الذي يصنع الخضوع للديكتاتور والمستبد وليس العكس كما تدعي راند، فما دام الخير فالفرد لا في الجماعة إذاً فالخير في حكم الفرد لا في حكم الجماعة، وحتى لو تسلط مستبداً ظالما على الشعب فلن يستطيع الشعب إزاحته طالما أن الفردانية شرذمتهم وجعلت كلاً منهم جزيرة منعزلة عن الآخر، سيقول كل فرد وقتها لما اضحي انا بنفسي واواجه سيف الاستبداد بينما ينعم غيري بالسكينة.
• أخلاق الطوارئ
تنتقل راند بعد ذلك في مقالة تسمى أخلاقيات الطوارئ لانتقاد ما تعتبره الأساس الخاطئ الذي يقوم عليه الايثار. ألا وهو التقليل من قيمة الذات واعتبار أن الإنسانية عاجزة وضعيفة ومحاطة بالأخطار والمهالك، وهو ما تراه شيء خاطئ، فالأخطار والمهالك كما تقول هي حالات نادرة ليس إلا. ولكن ما تجهله راند أنها لم تصبح نادرة إلا بفضل التماسك والتكامل الاجتماعي الذي تلعنه، وإن الإنسان المفرد في مواجهة الطبيعة ليس إلا ورقة في مهب الريح.
تقول راند إن مساعدة الأخرين هي خيار شخصي وليست أمرا اجبارياً، وهذا بالطبع صحيح أحياناً ولكنه غير صحيح في أحيان أخرى. فالتكافل الاجتماعي أمراً لا خيار فيه لحفظ بقاء الجماعة. وعلى الحكومة أن تضمنه وتحميه من خلال حفظ حقوق العمال والفقراء وفرض الضرائب. وهو ما لا توافق عليه راند، فهي من دعاة إلغاء الضرائب والتكافل الاختياري. فليس على الحكومة بالنسبة لراند أن تأخذ المال من سعيدي الحظ لكي تكفل المعاقين او التعساء ممن لم يحالفهم الحظ وسقطوا في براثن الفقر. على الدولة أن تتركهم للموت او للفتات الذي سيُلقى لهم تكرما من سعيدي الحظ.
ولكن ولحسن طالعنا أن هذا المجتمع الذي تتصوره لن يوجد، وان وجد فإنه غير قادر على البقاء. فلو لم يُقضى عليه من المجتمعات الأخرى المتحدة والمتكافلة والمؤمنة بنفسها والتي سيكون أفرادها على الاستعداد للتضحية لأجلها. فسيتفتت داخليا بفعل الانانية والعشوائية والعدمية وغياب الإيمان.

*الثالث المرفوع عند راند*

ترفض راند كافة الأحكام على الاشخاص والوقائع التي لا تحمل إدانة او مدح ، أو وصم بالخير او الشر. أنها تؤمن جداً بالثالث المرفوع، فإما الأمر وأما نقيضه. لكن أي محاولة لإصدار أحكام رمادية لا تصم إما بالخير او الشر هي خبث وشر في حد ذاتها.
من المعلوم ضيق الافق الليبراليين من أمثال راند فيما يخص الفلسفة الحديثة، وارتباطهم بأفكار قديمة قد اهترأت. لكن أن تجد شخصا يُدعى فيلسوفا ويعيش في القرن العشرين ثم يحدثنا بتلك الثقة عن المنطق الأرسطي، لهو ضرب من ضروب الهذيان . إن حقيقة كون الأمور ليست إما أبيض أو أسود تتبادر إلى ذهن الإنسان المعاصر حتى من دون علمه بأي تأصيل فلسفي.
ولكن دعني أضع لكم تأصيل فلسفي مختصر ومبسط مستندا للقانون الجدلي وحدة وصراع الأضداد. وليست تلك بفكرة جديدة بل ضاربة في القدم في فلسفات الشرق ولعل أشهر مثال على ذلك هو الين واليانج. بل يُفترض اصلاً كأحد البديهيات المنطقية أن عدم وجود النقيض ينفي وجود الشيء ذاته، وأن الشيء لا يوجد إلا ومعه نقيضه على الدوام . ودعنا نضرب مثالاً شهيراً على هذا القانون الجدلي. فلو نظرنا الي الماء السائل سنراه تحت ظروف بعينها ( الحرارة )يتحول إلى الحالة الغازية. ولكن لو لم يكن استعداده للتحول لتلك الحالة غير موجود دائماً فإن تحوله لها يضحى مستحيلاً، أي أن قابلية التحول للحالة الغازية هي نفسها إحدى صفات الحالة السائلة. وكذلك فأن استعداد الإنسان للقيام بالشر هو ما يجعل لخيره معنى. وكذلك فإن كلا من دوافع الفعل ونتائجه يمتزج فيها الخير والشر. ولكن ككافة المثاليين، يستعصي على رند أن تتجاوز المنطق الارسطي الضيق وتعي المنطق الجدلي الحديث.

المجتمع الحر.

ماذا سُيفعل بالفقراء والمعاقين في مجتمع حر؟( أي مجتمع الغابة الذي تتبناه راند )
تقول راند أن هذا السؤال خبيث وهي تُريد أن تصفه بأنه مصادرة على المطلوب ولكنها كفيلسوفة ليس لها علاقة بالفلسفة لا تعرف كيف تجد المصطلح. تقول أن السؤال يفترض مسبقاً أنه يجب على المجتمع أن يفعل شيء اتجاه هؤلاء، ولكن الواقع أنه لا يُفترض بالمجتمع أن يفعل شيء، وليس المجتمع من وجهة نظرها مسؤولاً عن معاناة البعض من أفراده وليس له أن يجبر أعضاءه الأوفر حظاً على مساعدة التعساء إن هم لم يرغبوا في ذلك. فهل تعرف راند ما هو المجتمع ؟ او تعرف شيء عن الجانب التطوري في علم الاجتماع. هل سبق وأن درست اي شيء له علاقة بالأنثروبولوجيا ؟ او حتى قرأت العقد الاجتماعي لورسو ؟ أظن بالطبع انها لم تفعل، فلو انها قد فعلت لما كانت خرجت علينا بهذا الهراء.
إن الإنسان قد تخلى عن حريته الطبيعية لأجل ما يقدمه له المجتمع من الأمن والحماية من أخطار الندرة والفاقة. هذا هو رأي ابو الليبرالية جان جاك روسو. فالمجتمع لو لم يضمن للفقراء أمنهم وسد حاجتهم فإنه لن ينتج عن ذلك إلا عقداً اجتماعيا معيباً، يتنازل فيه المرء عن حريته الطبيعية في العدوان ثم هو لا يكسب شيء. فالمجتمع لو لم يضمن لأعضائه طريقا قانونيا لسد حاجتهم في حدود امكاناتهم و تكافلاً يضمن لهم بقاءهم في حالات النكبات والعجز، لانهار هذا المجتمع وتشرذم ولبحث كل عضو من أعضاءه عن ما يضمن أمنه الخاص بوسائله الخاصة، فما الذي سيجعلني كإنسان أحافظ على أمن وبقاء مجتمع لا يضمن لي أمني وبقائي؟
إن مجتمعا بهذا الشكل لم يعد قائماً على أي عقد، بل على استلاب واضح، للفقراء والتعساء، فهم يُطلب منهم التنازل عن حريتهم الطبيعية في السلب والعدوان فقط لكي يحافظ الاغنياء على مكاسبهم دون أن يستفيدوا هم اي شيء. إذا فالرد البديهي والمنطقي في تلك الحالة هو ( فليذهب المجتمع وقانونه الي الجحيم ومرحبا بالغابة حيث تتساوى الرؤوس ). ولكن هنا يأتي الدور الوحيد للمجتمع الحر الذي تتحدث عنه راند، وهو قمع هؤلاء التعساء بالقوة قمعا منظما من خلال أجهزة الدولة العسكرية لحماية مصالح الصفوة و سعداء الحظ. فلو أن حظك السيء قادك لأن تولد في براثن الفقر والفاقة، فإن هذا المجتمع لن يضمن لك أي شيء من طفولتك وحتى مماتك. لا التعليم المجاني ولا الرعاية الصحية ولا عمل مناسب و لا حتى قوت يومك. أي أنه لا يضمن لك الحياة . ولكنك لو أردت في المقابل أن تحفظ بقائك بما يخالف قوانينه فإنه سيضمن لك الموت.
هذا هو المجتمع الذي تسميه راند ( المجتمع الحر )


بناة الانصاب.

كمثل أي شخص غير مثقف وسطحي تستعمل رند الحجة التي أكل الزمان عليها وشرب. أنظر ماذا فعلت الاشتراكية ؟ لقد قتلت الملايين في سلاسل من الاستبداد والقهر والمجاعات في كل الدول التي طُبقت فيها.
ذات الحجة السطحية التي تعزل كل معطيات التاريخ وعلم الاجتماع ولا ترى أمامها إلا معطى واحد ( الاشتراكية ). وكأن روسيا القيصرية او غيرها من دول الكتلة الشرقية كانت تنعم بالحرية والديمقراطية والرخاء حتى أتت الاشتراكية فدمرتها. ما تفعله تلك الحجة انها تتجاهل إما بحماقه او بسوء نية حقيقة كون معظم تلك الدول لم يكن لها أي تقليد ديمقراطي ولم تكن أبداً شعوبها تعيش في رغداً من العيش سواء قبل المحاولات الاشتراكية الفاشلة او بعدها. وحتى بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفيتي لا تزال كثيرا من دول أوروبا الشرقية تعاني من أوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة و في أحسن الأحوال ديمقراطيات غير مستقرة.
ولم ترتبط المجاعات والعبودية والاستبداد حصراً بتلك الحركات التي تبنت الشعارات الاشتراكية. والتاريخ الرأسمالي عامر بتخمة من الجرائم التي تملئ صفحات التاريخ. من بداية إبادة شعوب قارة بأكملها للنهوض( بالولايات المتحدة )واستعباد ملايين الأفارقة وقتلهم تحت سخرة الرأسمالي الأبيض في الاثناء التي كانت تكتب الليبرالية الأمريكية دساتير الحرية. مرورا باستعباد العمال في اوروبا وقهرهم وعمالة الأطفال ومتوسط عمر الطبقة العاملة في عصر الثورة الصناعية الذي لم يتجاوز الثلاثين كنتيجة للفقر وسوء التغذية وانتشار الأمراض. إلى الاستعمار وقهر الشعوب ونهب ثرواتهم وقتل الملايين منهم وتجنيدهم قصراً في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
ووجب الإشارة الي المثال الذي ضربته رند على بريطانيا، قائلة فلينظر الجميع كيف تراجعت بريطانيا بعد أن كانت دولة عظمى حرة في عهد الرأسمالية الي دولة تكتفي لأن تكون في الذيل في عهد الاشتراكية ( تقصد بعض السياسات الإصلاحية التي اتُبعت بعد الحرب العالمية ) وليس من المستغرب هنا أن تعتبر راند بريطانيا الاستعمارية حينما كانت تسرق قوت الشعوب أنها دولة قوية فتية حرة، بينما بريطانيا الإصلاحية نوعاً ما بأنها دولة ضعيفة ومتراجعة، فأمثال راند ليسوا إلا مجموعة من الفاشيين بنكهة ليبرالية.
وفي الحقيقة فإن الدراسة الجادة لم تثبت بأي شكل من الأشكال أن الإصلاحات والبرامج الاشتراكية والتدخل الحكومي قد أثبتت فشلها في أيا من دول الغرب التي اتبعتها، فلم تفشل ألمانيا ولم تفشل بريطانيا في اوقات الإصلاحات ولم تفشل الدول الاسكندنافية، بل إن تقييد ما يعرف بالسوق الحرة وتدخل الدولة وهو ما انقذ الرأسمالية من أكبر أزماتها الاقتصادية.
ثم تتحدث رند عن الكم الكبير من البشر الذين خسروا حياتهم ورفاهيتهم على مذبح المصلحة العامة كما حدث في الاتحاد السوفيتي. تقول جيلين او اكثر خسروا حياتهم في انتظار وفره لم تأتي، هكذا قضى الاتحاد السوفيتي على حقوق الأفراد في مذبح الجماعية.
ولكن هل كان الأمر فعلا موجها للمصلحة العامة اما لمصالح خاصة تلبست شعار المصلحة العامة زوراً !؟ أن النخبة السوفيتية بادعائها خدمة المصلحة العامة هي مثل الرأسمالي الشره الذي يسحق عماله لرفع أرباحه ثم هو يدعي أن استثماراته إنما هي لخدمة المصلحة العامة.
و لننظر للبديل الذي تقدمه راند لحفظ حقوق الأفراد، إنه ( المجتمع الحر ) اي الصراع الرأسمالي بدون تدخل او ضوابط ، حيث يتراكم رأس المال و ترفع الدولة يدها وتترك الكيانات الرأسمالية العملاقة في مساومة مباشرة مع العامل البسيط، ثم علينا أن نتوقع في النهاية تسوية عادلة تضمن حقوق الأفراد؟ أي عقل أبله يمكن أن يتخيل شيئاً كهذا ؟ وتحت أي منطق يمكننا أن نتصور كون مجتمعا بهذا الشكل سيعيش فيه الفرد وقد ناله أبسط حقوقه الإنسانية. إن المجتمع الذي تتصوره راند لا يختلف عن المجتمع السوفيتي الذي تنتقده بل أسوء بكثير. وفي كلا المجتمعين يُذبح الفرد. في الأول على مذبح شعارات الاشتراكية وفي الثاني على مذبح شعارات الحرية والفردانية الكاذبة. وفي كلا الجانبين فإنه يُستعبد ويفقد حقوقه لصالح حفنة من الأفراد يهيمنون على أقواته ومقدراته.

* الحقوق الجماعية.

تقول راند إن أي مجتمعا لا يراعي الحقوق الفردية فإن العيش في جزيرة معزولة ربما يكون أفضل منه. وأنا أؤيدها في ذلك. وعلى رأس تلك الحقوق الفردية هي حق العامل في التمتع بناتج قوة عمله كاملا ً، وحق الطفل الذي الذي يستهل طريقة في الحياة في الحماية والتعليم والصحة الجيدة بغض النظر عن وضع أبويه المادي الذي لا ذنب له فيه. فهل سيضمن مجتمع الليبرالية الراندي تلك الحقوق الفردية ؟ ام أنه سيضمن فقط حق البرجوازية في الاستغلال تحت ستار التعاقد الحر الذي لا علاقة له بالحرية !؟
وامتداداً لما سبق حين تتحدث راند عن الدولة تقول ان الدور الوحيد لسلطة الحكومة هو منع استخدام القوة المادية بين الأفراد وبعضهم بعضاً، ولا حاجة لها في غير ذلك. وهو مفهوم ساذج للتعدي، وكأن التعدي لا يتم إلا عن طريق قوة مادية فقط، فليس الاستغلال تعدي وليس المساومة على الحقوق تعدي، وليست العنصرية تعدي... وهلم جرا. ولكن التعدي فقط أن يرفع أحدنا سلاحة في وجه الآخر أو يرفع يده ليلكمه، أو يسرق ملكيته الخاصة.
والسؤال الأهم كيف يُتوقع بأي شكل حيادية الحكومة في مجتمع طبقي غير متوازن اقتصادياً ؟ فتراكم الثروة لابد وأن يخرق حياد السلطة والقانون. وتصور راند عن التمويل الطوعي للحكومة يزيد الطين بله، فكيف سيكون لحكومة لا تعتمد ضرائب الزامية وتُمول طواعية أي شكل من الحياد بين من يدفع لها ومن لا يدفع لها ؟
وهوما نخلص منه أن تصورات راند في معظمها شديدة السطحية ولا تنم عن اي معرفة بعلم الاجتماع، وتقود إلى ما يعاكس ما تطرحه راند من مبادئ



#عبدالله_محمد_ابو_شحاتة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية وحرية تسليع المرأة
- الديمقراطية والملكية الخاصة
- جنون المجتمعات العربية
- جمهورية البؤس
- طرح نفعية الدين في الميزان
- كيف نشأ الشرف الأنثوي ؟
- الديمقراطيات الغربية، هل تؤمنون بالديمقراطية ؟ (٢)
- تبرير الفروقات الطبقية بأسطورة الجدارة
- الديمقراطيات الغربية، هل تؤمنون بالديمقراطية ؟
- خرافات الحجج الكونية لإثبات الإله.
- كتب تنظف عقلك من الهراء
- نقد للاعتراضات الأكثر عمومية وشيوعاً للماركسية
- هل لحرية الإرادة وجود في العلوم الإنسانية ؟
- المرجعية الأخلاقية للاديني.
- هل تتوافق تعاليم يسوع وأفعاله !؟ ( نظرة نقدية )
- ثماني سنوات على مقتل حسن شحاته
- التنميط الثقافي ووسائل التواصل الاجتماعي.
- ازدواجية النسوية في العالم العربي
- معالجة التأثيرات الثقافية بين الميتافيزيقيا والعلم
- النظرة الطوباوية للفتوح الإسلامية ووقائع الصراعات الداخلية ! ...


المزيد.....




- اندلاع اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل أبيب ...
- الولايات المتحدة: اعتقال مئة من المتظاهرين المؤيدين للفلسطين ...
- اعتقال الشرطة الأمريكية متظاهرين في جامعة كولومبيا يؤجج الاح ...
- الحزب الشيوعي العراقي: معا لتمكين الطبقة العاملة من أداء دو ...
- -إكس- تعلّق حساب حفيد مانديلا بعد تصريحات مؤيدة لأسطول الحري ...
- انتشار التعبئة الطلابية ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية
- بيلوسي للطلبة المتظاهرين: انتقدوا إسرائيل كما شئتم لكن لا تن ...
- فرنسا: القضاء يوجه اتهامات لسبعة أكراد للاشتباه بتمويلهم حزب ...
- ضغوط أميركية لتغيير نظام جنوب أفريقيا… فما مصير الدعوى في ال ...
- الشرطة الإسرائيلية تفرق متظاهرين عند معبر -إيرز- شمال غزة يط ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالله محمد ابو شحاتة - نقد فضيلة الأنانية( لآين راند )