أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - في معنى عجز الحاضر وديمومة الماضي














المزيد.....

في معنى عجز الحاضر وديمومة الماضي


قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)


الحوار المتمدن-العدد: 7698 - 2023 / 8 / 9 - 12:43
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حينما ينام المرء بمعدة فارغة تكون الأحلام جميلة وهادئة أما إذا كانت معدته ممتلئة فالكوابيس هي التي تتطلع منها باستمرار وهكذا هو التاريخ الاجتماعي والسياسي للشعوب الراكدة يشبه المعدة الحية التي تتراكم فيها أحداث الماضية في طبقات رسوبية مُوحلة وتنشر سمومها في مختلف مجلات حياتها الحاضرة ومجاريها. فالتاريخ الذي لم يمضغ جيدا ويهضم جيدا ولم يفلتر ماضيه ويقتل بالبحث والدراسة والنقد والتطهير والتجديد والتغيير والتجاوز المستمر هو اخطر السموم التي تكبل حركة الشعوب وتعيق تقدمها لاسيما إذا كانت تقدسه . والتاريخ هو ما حدث في ما مضى وتم وانقضى ويستحيل استرجاعه ولا شيء يخرج من داخله ولا شيء يأتي اليه من خارجه. إذ هو دائما فاعلية الأحياء الناس الساعيين لتدبير حاضرهم وتجاوز ماضيهم وحينما يكون الحاضر مشبعا بالحيوية والنشاط والفعل والفاعلية والفرح والإنجاز ينسى الناس الماضي بكل عجره وبجره ولم يعد يخطر على بالهم ابدا إذ يكون حاضرهم الزاخر بالحياة المفعمة بالانجاز والسعادة ومستقبلهم الواعد بالتجاوز الخلاق هو الذي يشد إهتمامهم؛
نقصد تلك الحياة التي نمنحها تسعة أعشار وقتنا، الذي نعيشه في عالمنا الواقعي المعيشي الفوري، بلا ماض ولا مستقبل، عالم اللحظة الحاضرة الراهنة المباشرة، عالم الحياة، وتدفقها بـ «ملموسيتها»، وكليتها، أي الحياة اليومية البسيطة المملوءة بالانشغالات الروتينية، والمتطلبات المعيشية الملحَّة الصغيرة، والروتينية، التي تستغرق الكائن الاجتماعي الساعي إلى إشباع حاجاته بمختلف الوسائل والسبل والحيل، والتقنيات، والعادات والتقاليد، والأساليب والصراعات، والرهانات والتفاعلات، والنجاحات والإخفاقات، والمكاسب، وكل أنماط العلاقات والممارسات اليومية، التي ننهمك فيها وتشكِّل فعلاً عصب الجسد الاجتماعي برمَّته، أي الحياة بلا مزايا، التي يسمِّيها عالم الاجتماع جلير دوران بـ «الجو الخانق» أما إذ عجز حاضرهم الفوري المباشر عن إشباع لحظتهم المعاشة وجعلها جديرة بالحياة والحلم والأمل فالماضي هو الذي يعاود الحضور باستمرار بوصفه بديلا استيهاميا تبريريا لا يغني ولا يشبع من جوع. أننا نعيش التاريخ كما تعيش الأسماك في الماء وليس بمقدورنا الخروج منه أو مغالطة استحقاقاته الفورية المباشرة فأما أن نستجيب إلى تحدياته ونتدّبر أمرنا في حاضره تجاوزه وأما سحقنا بعجلاته وتجاوزنا بقطاره الدائم الحركة. والتاريخ بهذا المعنى هو أخطر كيمياء اخترعها العقل الجمعي إذ تسكره وتشل حركته فيما تمنحه من أوهام مخدرة عن الماضي وبطولاته التي يستحيل استرجاعها الا بالأوهام القاتلة.والفكرة الميتة الآتية من خارج الحياة والتاريخ الزاخر بالحاضر الحي المباشر بحسب كروتشة تعجز عن أنجاب حتى فكرة موتها وفي ذلك تكمن خطورتها وتتعين قوة قهرها. فما الذي يجعل الإنسان في أي زمان ومكان يعاود الحنين إلى الماضي الجميل؛ أنه ببساطة بؤس الحاضر وأنسداد أفق المستقبل. ومن السذاجة الطفولية الاعتقاد بأن رغبة الناس في استعادة ماضيهم هي حالة فطرية طبيعية وربما يعود سبب ذلك الاعتقاد الزائف في الثقافة العربية الإسلامية إلى العجز الطويل عن إنجاب حالة حضارية حديثة وجديدة تجعلهم ينسون ماضيهم وينهمكون في صناعة حاضرهم ويتطلعون ويخططون إلى بناء مستقبلهم الأفضل باستمرار فالمستقبل لا الماضي هو الجدير بالأهمية والقيمة والاعتبار في نظر وحياة كل الأجيال في كل زمان ومكان، وهذا أمر مرهون بالتاريخ وممكناته وليس بالإنسان ورغباته. صحيح القول: أن الناس يصنعون تاريخهم بانفسهم ولكنهم لا يصنعونه على هواهم بل في ظل الشروط التاريخية المعطاه لهم سلفا من ماضيهم فالاموات يتشبثون برقاب الأحياء. والتاريخ دائما وابدا هو أمام الناس لا خلفهم. ودمتم بخير وسلام.



#قاسم_المحبشي (هاشتاغ)       Qasem_Abed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في المنظور التكاملي للمعرفة الإنسانية
- المفكرون لا يموتون وللأفكار أجنحة وحياة
- في أنثروبولوجيا اللهجات المحلية التي تحجب المعنى
- فيما يشبه مسح الصفحة وعام جديد أفضل
- فيلسوف اليمن الذي مات وهو يبحث عن وطن
- بمناسبة يوم التضامن الإنساني
- الدين والتدين والإنسان والبيئة
- على طريق مؤتمر الاستشارة الفلسفية والعلاج بالفلسفة
- بروميثيوس اليمن الذي لم يفقد الأمل
- نزع السحر عن العالم والمس الأخير
- في المجتمع والنظريات الاجتماعية
- في تحولات النقد والعقل وميلاد الحداثة
- الإعلام الرقمي، الخصائص ، التحديات ، الفرص
- المؤسسات العامة بوصفها شبكات حماية للمجتمع
- تأملات في نهاية عالم كنا نعرفه
- فلسفة التاريخ في القرن التاسع عشر
- في معنى التاريخ وفلسفته
- في فلسفة التاريخ النقدية
- الإنسان مبدع العلوم وموضوعها
- حينما لا تجد الذات من يعينها


المزيد.....




- إيلون ماسك يقارن نفسه بـ-بوذا- خلال لقاء مع إعلاميين
- 5 قصّات جينز مريحة تسيطر على إطلالات النجمات هذا الموسم
- CIA تنشر فيديو جديد يهدف لاستدراج مسؤولين صينيين للتجسس لصال ...
- وزارة الداخلية الألمانية تصنف حزب البديل من أجل ألمانيا -كيا ...
- تركيب مدخنة كنيسة السيستينا إيذانا بانطلاق العد التنازلي لاخ ...
- الخارجية اللبنانية تعد بتعيين سفير جديد في سوريا
- حادثة الطعن داخل مسجد بجنوب فرنسا: دعوات للتعامل مع الجريمة ...
- الحوثيون يعلنون استهداف قاعدة عسكرية قرب حيفا بصاروخ باليستي ...
- انطلاق التصويت في الانتخابات الرئاسية الرومانية 
- مقتل 15 شخصا في قصف إسرائيلي على قطاع غزة


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - في معنى عجز الحاضر وديمومة الماضي