سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1726 - 2006 / 11 / 6 - 10:30
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
منذ ما يزيد على العام من جلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن مدن قطاع غزة, والاستعاضة عن الاحتلال المباشر باحتلال اشد ضراوة, وهو الاحتلال الحدودي الالتفافي, الذي حول قطاع غزة حقيقة وليس استعارة إلى سجن صغير يتحكم به نفس الاحتلال بالمطلق بكامل منافذه, البرية, والبحرية, والجوية, وصولا إلى الهدف المنشود بالتحكم في سعة الصدر الفلسطينية جراء مخطط الحصار الجائر, لتحقيق الهدف الاشمل والاخبث بخلق عوامل تؤدي إلى الفتنة والصدام الداخلي أو ما يسمونه عبثا, الحرب الأهلية.
قطاع غزة الذي يشكل اكبر بركان ديموغرافي على الخارطة العالمية, حيث يقطن في الكيلو متر المربع الواحد قرابة 6000 نسمة, في حين يتمتع المحتل بنسبة ديمغرافية حسب العدد السكاني والمساحة بهامش لا يقارن 12 نسمة لك كيلوا متر مربع واحد, هذا في حال التوزيع المتساوي بعيدا عن اكتظاظ المدن الرئيسية مثل ما يسمى (بتل أبيب) وماحوها, ويبلغ التوزيع في بعض الدول العربية 3 أشخاص لكل كيلوا متر مربع واحد!!!!
الأهم في ذلك ورغم بعض هينات الصدام الفلسطيني الداخلي التي أثلجت صدور الصهاينة واعتقدوا انه يمكن البناء عليها, وقد فشل الاحتلال وأعوانه بخلق بؤر صدام دموي واسعة في قطاع غزة, ارتكاز على معطيات ديمغرافية, وأيدلوجية سياسية, تلك المعطيات لو سُحبت على أي جز ء من بقاع العالم لكتب لها النجاح, لكنها سقطت في غزة على صخرة الوعي والانتماء الوطني وتقديمه على الانتماءات الفرعية الصغرى.
المقاومة وأوهام فصل القطاع عن الضفة
وبعد الجلاء أخذت المقاومة الفلسطينية تتشكل بطابع ومنحى جديد بما في ذلك إعادة التموضع بموازاة إعادة تموضع قوات الاحتلال(الجلاء), وقد أدي تغيير تكتيكات المقاومة إلى إحباط مخططات العدو على مستوى فصل غزة المحررة!!! عن الضفة الغربية المحتلة, فمهما نجحوا حتى لو بفصل كل بيت عربي وإسلامي عن البيت الأخر, فمجرد التفكير في قبول عزل أعضاء الجسد الفلسطيني الواحد هو ضرب من المستحيل, ولم يتأخر الرد للإجابة على المخططات الصهيونية المفضوحة, تقدمت المقاومة بعد أن تغيرت أوراق وأدوات لعبة الصراع بناء على الخارطة السياسية التي نصبت كشرك لتمرير العزل ومن ثم الاستفراد بكل جزء فلسطيني على حده, وجهزت المقاومة نفسها بأسلحة من صناعة محلية(فالحاجة أم الاختراع), وتقدمت إلى الحدود القريبة كخندق أمامي لقصف المغتصبات الصهيونية في اسديروت وغيرها من المسميات الصهيونية التي تجثم على أرضنا وقرانا الفلسطينية جراء النكبة العربية.
الطعم السياسي والأقلام المارقة
ومنذ الأيام الأولى لبدء الانسحاب كان لابد من وقفة تأمل ثاقبة خاصة وان الانسحاب جاء من طرف واحد ليخدم المخطط القادم وادعى البعض انه خطوة من تنفيذ خارطة الطريق, فكان عنوانه لاشريك, وقد كتبت حينها مقالتين لوضع فرضيات وتساؤلات لذلك الانسحاب المشبوه, إحداها كانت بعنوان((هل الانسحاب هزيمة عسكرية أم غنيمة سياسية)) والمقالة الثانية بعنوان((لن نقبل بعزل غزة عن الضفة)) فكانت مساهمة متواضعة لفضح مخططات الاحتلال سلفا, وتعرية عوراتهم السياسية والعسكرية العفنة.
وقد انبرت بعض الأقلام المأجورة وأصوات النشاز الوطني لتدفع باتجاه تقبل المتغيرات الصهيونية الخبيثة دون محاذير, على أنها نوايا حسنة, وصوروا الوضع وكان الانسحاب من غزة هو مقدمة للانسحاب من القدس الشريف, على غرار أكذوبة(غزة_أريحا) رغم أن هذه الخطوة جاءت بناء على اتفاق لكن خبث الصهيونية يتلبس كل خلايا المسار السياسي المعلن, فهاتين المنطقتين بالذات لم يتم اختيارهما جزافا, بل من منطلقات توراتي فهما مدينتان ملعونتان في ثوراتهم المزورة.
خارطة المواجهة الجديدة
فقد أصبحت حدود قطاع غزة مسرحا للعمليات من قبل المقاومة الفلسطينية صوب هدف التحرير, وتم التعامل مع قطاع غزة من قبل الكيان الإسرائيلي ووزارة حربهم الدموية على انه شريط حدودي وعليهم إعادة صياغة الاحتلال بتموضعات جديدة يسبقها مخطط مجزرة شامل لإرباك المقاومة بواسطة الضغط السياسي على القيادة أولا. والحصار المحكم ثانية, وتكثيف عمليات الاغتيالات للقيادات العسكرية الميدانية.
وبدء تنفيذ المخطط منذ اشهر عديدة تحت مسمى خلق حزام امني بأي ثمن يعيق وصول الصواريخ الفلسطينية إلى العمق الصهيوني المؤثر, فكان احتلال جديد اشد ضراوة وقسوة, يصاحبه مجازر في أوساط المدنيين العزل, والقدم باتجاه الحدود:حدود رفح الجنوبية, والجنوبية الشرقية, وحدود المحافظات الوسطي الشرقية, والامتداد الحدودي للشجاعة وكل المناطق السكنية الممتدة بموازاة الخط الشرقي المسمى(ناحل العوز) وصولا إلى الحدود الشمالية, والشمالية الشرقية(بيت حانون) والشمالية الغربية(السودانية), وبهذا يتم تشكيل حزام مقاومة التفافي هو الخندق الأمامي المتقدم لمواجهة العدو بأسلحة صاروخية أخذت تتطور في حجمها ومداها وقوة تأثيرها من كيلوا متر واحد إلى ما يزيد على العشرين كيلوا متر حتى وصلت إلى عمق المغتصبات ردا على الجرائم الصهيونية الدموية.
سوء إدارة المعركة وحساب الربح والخسارة
وملكت المقاومة الفلسطينية أسلحة خفيفة متطورة مضادة للدروع, لكن للأسف الشديد مازالت خطط إدارة المعركة في حدها الأدنى لا ترقى إلى تكتيكات عسكرية لتوظيف تلك الأسلحة بين الفصائل الفلسطينية واذرعتها الضاربة وغيرها من اللجان المقاومة دون أن يكون هناك تنسيق موحد لإدارة المعركة والعمل الميداني وفق خارطة وخطط وأهداف, تهدئة واستدراج وكمائن وتصعيد....الخ
فأفقدتها جزء كبير من مفعولها الرادع أو لم تحقق الهدف الذي نرجوه جميعا ألا وهو تقليص الخسائر في صفوف مقاومينا المنكشفين والمندفعين للشهادة, وزيادة الخسائر في صفوف الأعداء, لان هذا العدو الصهيوني الذي يجب أن نفهم سيكولوجيته جيدا, فهم تجمعات رعاع ومرتزقة جاءوا تحت تأثير دعوى المن والسلوى وارض الجنة الموعودة, وهم الاحرص على الحياة, أي حياة!! وهم الذين يجيدون التجارة والربح والخسارة, وأكثر ما يرعبهم ويجعلهم لا يترددون في الهجرة والرحيل هي الخسارة البشرية, وجعلهم يكتشفون الخديعة أن هذه الأرض لغير أهلها ليست جنة بل جحيم.
فالاجتياحات التي لم يتوقف الخطاب العسكري الصهيوني عن التلويح بها, ستتركز بشكل قوي وكامل على تلك المناطق الحدودية وصولا لإزالة معالمها بالمطلق عن الوجود, وتحقيق الانكشاف الميداني ثم الانسحاب العسكري عن الأرض وتكثيف المراقبة الجوية والالكترونية المستمرة لاقتناص أي كائن حي متحرك في تلك الأشرطة الحدودية, لكنهم سيفاجئون لاحقا أن أي تسوية عسكرية تقوم على الاحتلال بكل أشكاله عبثا أن ينهي المقاومة وتأثيرها, بل سيجدون أن المقاومة تعيد تموضعها وتصوغ وسائل جديدة لكي تبلغ صواريخها ما يزيد عن المدى الأول, وبالتالي ليس أمام قوات الاحتلال إلا طريقين لا ثالث لهما, إما تسوية سياسية حقيقية, أو عود على بدء لاحتلال ومسح معالم شريط حدودي ملاصق للأخر وهنا ستدفع المقاومة بلا شك إلى السقوط في الخطوط الخلفية لإدارة معركة الاستشهاد يين المعلقة داخل جسد الكيان لان القطاع سوف يشهد جحيما ومجازر يندى لها جبين البشرية, إذا كان لهم جبين!!!
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟