أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحمد المندلاوي - جدتي وأحلام الموتى.....














المزيد.....

جدتي وأحلام الموتى.....


احمد الحمد المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 7695 - 2023 / 8 / 6 - 10:12
المحور: الادب والفن
    


# وصلني هذا السرد الجميل من الاستاذ المشرف رستم البندنيجي حيث يقول:
حين كنا صغارًا نزور جدتي في بيتها وكنا نلتف حولها مساءً ليرتع خيالنا الطفولي بصوتها الواهن الحنون...,,,,.حين سألتها ذات مرة عن جدي الذي بالكاد أتذكر ملامح وحهه الشاحب وظهره المقوس من عوادي الزمن ,,ولكن لاأنسى النقود التي يعطيها لي بيده المرتعشة وهي عبارة عن فلسين أو عانة (العانة ,,عملة معدنية في عهد النظام الملكي وتعادل 4 فلوس ), في حينها مبلغ ليس باليسير بانسبة لطفل وكيف أني أركض مسرورا لشراء الحامض حلو من الدكان القريب من بيتنا ,,رحم الله الرجل الطيب أبو خليل (غلام ) صاحب الدكان كيف أنه يضع الحامض حلو في قارورة زجاجية لحمايتها من الفئران التي تغزو دكانه الطيني المتهالك ,ولا ننسى أن أبو خليل هذا يعمل أيضا حارسا ليليا في محلتنا المسماة قلعة مير حاج وأتذكر صوت صفارته المميزة في منتصف الليل خصوصا في ليالي الصيف حيث الناس يفترشون أسطح المنازل من غير حياطين ساترة مع جيرانهم .
,,,,سألتها وهل تفتقده؟... لم استطع أن أميّز وقتها هل كانت جادة فيما روته لي عن جدي أم أنها كانت تلاعب عقلي الصغير وتعبث معه.. لكنه بقي عالقًا في ذهني حتي اليوم أن جدي يحلم بها في قبره كلما زارها هو في أحلامها !! كنت طفلًا لا أعي ماهية الموت ولم اتوقف طويلًا حينها لأتساءل: هل يرى الموتى أحلامًا كالتي يراها الأحياء؟ وكانت تؤكد لنا أن الأموات تراودهم الكوابيس أيضًا، إن كانوا أشرار ....لم أرَ الأمر كله بعد ذلك على ضوءٍ آخر سوى أساطير الجدات وحكاياهم..... ولكنني لا أستطيع أن أنسى ذلك اليوم.....
كنا أطفال العائلة نحب اللهو كثيرًا بالقرب من شجرة التوت في الحديقة الخلفية للبيت...... وكان وقت لهونا المفضل هو بعد العصر... حين يغفو الكبار بعد طعام الغداء أو ينشغلون باامور تهم الكبار... ننسلّ نحن صوب حديقة جدتي نعدو حتى يصل أولنا إلى شجرة التوت في وسط الحديقة فنعلنه الفائز....
لم ولن أنسى تلك المشاهد الضبابية التي ترقد في ركن بعيد من أركان ذكريات الطفولة... حين هرولت مسرعًا فسبقت كل أقراني إلى شجرة التوت العتيقة ورحت انتظرهم حتى أختال عليهم بأنني الأسرع... وحين قررت تسلق الشجرة لأهز أغصانها فأمطر عليهم من ثمار التوت على عباءة جدئي الصوفيةالتي استصحبتها معي خلسة - كانت أشهى ثمار توت ذقتها مذ ذاك الحين والشمس تفرد شعاعها الأصفر الحاني الذي لم يعد بنفس قسوته وقت الظهيرة، وتتناثر أشعتها الذهبية كخيوط خلال أوراق الشجر..مغلفة المشهد كله بأجواء الرؤى... سمعت أنينًا يأتي من خلف أحد الأبواب المغلقة بقفل صديء ثقيل وأنا أتعلق بذلك الغصن الغليظ... ظننته في باديء الأمر صوت حشرات أو زواحف الحقول التي نسمع صفيرها ولا نراها قط... حين لمحت من الأعلى رفاقي يقتربون سمعت الأنين يتكرر وكأن أحدهم يعاني وطأة كابوس لا يستطيع الهروب منه بالاستيقاظ....
وعندما وجدت رفاقي يتسمرون في أماكنهم وتتسع أعينهم ادركت ان هذا الصوت ليس وهمًا من خيالي الطفولي وأنه ليس لحشرة أو لحيوان.
عدنا يومها جميعًا واجمين صامتين لم نهرول او نتقافز او نتحاور حتى فيما سمعناه وكأننا نتناساه من فرط الرعب، ولكنني لم استطع كتمان الأمر عن جدتي ... أتذكر ابتسامتها العذبة وهي تمشط ضفائرها الفضية بينما أجلس جوارها فوق سريرها المصنوع بأتقان شديد من خشب التوت... وكأن ابتسامتها كانت تخبرني أنني استحق لحظات الرعب تلك لأنني لم أصدقها ولأنني خالفت امرها واتخذت من شجرة التوت ملعبًا لي.... فقط اذكر أنها دست في يدي بعض اقراص النعناع وهي تقول في ثقة العارفين: أما شجرة التوت، فمذاقها حلو لأنها تتغذى من لحم موتى كانوا في حياتهم أبرارًا... وأما الأنين فذاك كابوس يراه أحد الموتى في قبره يُعذب به لأنه كان شريرًا حين كان حيًا....
بعد كل تلك الأعوام، حين أمر على المقابر وأعرج على قبر جدتي لألقي عليها تحياتي ودعواتي، اناجيها في كل مرة وهي في رقدتها الطويلة... وأتمنى لها أحلامًا طيبة تؤنسها بقدر ما ملأت خيالنا الطفولي بهجةً ودفئًا... وأسألها: لماذا تحيطني الكوابيس وانا مازلت على قيد الحياة يا جدتي؟
لماذا لم تنتظرني حتى أرقد في قبري لتنفرد بي كما أكدتِ لي؟ ... يبدو أن الكوابيس يا جدتي لم تعد تراعي قواعد الأساطير... أو أنني شرير جدًا فقررت معاجلتي الان ... اصبحت أتجاهل متعمدا ذلك الأنين الطويل الذي يطرق اذني آتيًا من ذات الشجرة التي ارعبتني حين اجتازها، وأمنع خيالي من تصوّر فك الجمجمة المتحلل وهو ينفصل عنها، لتطلق ذلك الأنين الممزق.... ربما لأنني صرت مشغولً بكوابيسي الحيّة...وامتلأت أذناي بأنيني المتصاعد من بين ضلوعي .....



#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مندلاوي من قبيلة قره لوس مستشاراً
- من جماليات الكلمات المثلثة..
- فهرست موسوعة مندلي / المجلد(1) 2023م/1445هج
- زيادة العمر لا تنفع !!.. ق 11
- خواطر حذاء قديم عبر السنين /2
- من أعلامنا الواعدين / 1
- لمحات اجتماعية من قزانية / 105
- لوحة من باريس ...
- بكااء القلم الرملي...
- المطالب في الخرائب ..
- الملاية زهّية المندلاوية
- موشح لا تَسْألينا أبداً ..22
- تهجير الكُرد الفيليين في العهد الملكي
- شيخ متصوف من خانقين..
- أعشى كلهور في مندلي
- تمهيد أولي عن مندلي /1445هجري..
- ذؤبان لا غيرها
- النية الصافية تثمر رغم التباز..
- كاتب و باحث في الشؤون الكوردية
- ذكريات في مدينة العاشقين ..


المزيد.....




- -عصر الضبابية-.. قصة الفيزياء بين السطوع والسقوط
- الشاعر المغربي عبد القادر وساط: -كلمات مسهمة- في الطب والشعر ...
- بن غفير يسمح للمستوطنين بالرقص والغناء أثناء اقتحام المسجد ا ...
- قصص ما وراء الكاميرا.. أفلام صنعتها السينما عن نفسها
- الفنان خالد تكريتي يرسم العالم بعين طفل ساخر
- رابط شغال ومباشر.. الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- خبر صحفي: كريم عبدالله يقدم كتابه النقدي الجديد -أصوات القلب ...
- موسيقى للحيوانات المرهقة.. ملاجئ الولايات المتحدة الأمريكية ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحمد المندلاوي - جدتي وأحلام الموتى.....