|
الشعوذة في الميزان: واقع المغرب
عبد الغاني بوشوار
الحوار المتمدن-العدد: 7685 - 2023 / 7 / 27 - 23:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا شك بأن الشعوذة من مخلفات الماضي وآفة يعاني منها الإنسان المتخلف حضاريا والذي لم يكتشف بعد ثمرات قدراته العقلية والمناهج العلمية الحديثة. وإن مما لا ينكره كثير من المغاربة وكثير من الناس في الدول العربية والإسلامية، بل وكثير من الراسخين في العلم، أن المغرب، ذلك البلد المميز، تسود فيه الشعوذة ويتبوأ فيه المشعوذون مكانة مميزة لا تليق إلا بالعلماء ورجالات ونساء وجهابذة الفكر والتعقل والخير والصلاح. وكيف لا؟ وبسطاء العقول والدجالون يعيثون بعقول الناس فسادا بدون محاسبة ولا رادع ويوهمون الناس بالدعاء قدرات خارقة للتدخل في تغيير مسار الاحداث الطبيعية والتدخل حتى في تطويع الإرادة الإلهية. وكل ما كان أمر طلب ورغبة طالب خدمة هؤلاء المشعوذين مستحيلا، كل ما كان الثمن المطلوب باهضا، خصوصا إذا استدعى الموقف التدخل الموهوم للجن الخادم وتفيد أوامر ما يسمى الخبير. وإذا كان حل العقدة المطروحة ينبأ باحتمالات الانفراج وتثمنه فيما بعد مصادفة الأحداث للواقع التي كانت الظروف مواتية لحدوثها أصلا، فإن ذلك يزيد من باع المشعوذ وقدسيته ناهيك عن الشعبوية والإشهار والانبهار والثقة والإكراميات المجزية. إن صدفة وقوع ما كان يتمناه المتردد على المشعوذ والمشعوذة تثير احساسا بالإعجاب والاندهاش لديه ولا يمكن أن يتصور ذلك انسان يتمتع بكامل قواه العقلية. فما على الذي يعتقد أن هذا الكلام هراء إلا أن يراجع ما كتبته أخيرا السيدة سميرة فرزاز في 2 غشت 2013 عن سوق “العراكة” ويا ليتها سافرت إلى "أولاد كروم" في "هوارة" التي يقصدها حتى السعوديون للاستفادة من خدمات الشريف الذي يستغل "زاوية" أجداده، ويا ليت السيدة تعمقت في مناطق أخرى في سوس العالمة لترى وتسمع عجب العجاب. وسوف يندهش ويتعجب من يطوف ويتجول في بلدنا ويستمع إلى ما تتناقله الالسن عن سيدي فلان الفلاني في المكان الفلاني. أو يسمع أن هناك واحد في المكان الفلاني “واعر بزاف” ويجمد الماء، ولا يلجأ إليه في قضاء حاجة ما إلا وقضيت.” تكتب ديالو واعرة” كأن الرجل إله، والعياد بالله. فاعتقاد العامة عندهم، هو إذا أراد سيدي فلان شيئا فإنما يقول له كن فيكون فالجن والقوى الخفية تحت تصرفه. . فعلى سبيل المثال، لو لجأ موظف في احدى الشركات أو في احدى المصالح الحكومية إلى فقيهنا يطلب التدخل(التسبب) قصد الترقية أو الزيادة في الراتب أو النقل أو عدمه من مكان إلى مكان وصادف أن الطلب مجاب، فإن المريد لا مفر له إلا الاعتراف ببركة الفقيه ولو كان هو أصلا قد اتخذ الاجراءات الضرورية التي تكفلها له القوانين المعمول بها في إدارته. فالمشعوذ يستلم العطايا والهبات من ثمرة مجهود المتردد عليه فيكسب مالا وجاها على حساب المتردد عليه واستفاد بذلك من غبائه ضعفين. إن من يتحرى الحقائق ويبحث عنها سوف يفاجأ بمكاسب المشعوذين ويتعجب من مستوى معيشتهم ومن طراز بنيان بيوتهم والمحلات التجارية التي يملكونها بفضل احترافهم لهذه المهنة “الشريفة”. وقد لا يصدق المرء أن مصدر كل ممتلكاتهم إنما هو بفضل قلم من قصب ومحبرة مملوءة بصمغ مصنوع من صوف محروق. أوليس بغريب وعجيب أن ما لا ثمن له يدر ثروة ونعمة لا يحلم بها الكادحون ليل نهار في شتى مجالات الانشطة الشرعية والمهنية؟ إضافة إلى هذا، فإن كل المتطلبات من الأعشاب والبخور وأجزاء من مختلف الحيوانات والطيور والحشرات تكون على حساب الزبون، سواء توفرت عند المشعوذ أو عند العطار الماهر المعين فلان في المكان الفلاني. فلمزيد من الوضوح والتأكد فاليراجع القارئ تقرير السيدة سميرة فرزاز المشار إليه أعلاه. لا يسلم أي حيوان أو طير أو حشرة من عبث المشعوذين والمشعوذات فهي تشكل مادتهم الخام وكل ما كان الحصول على المطلوب منها صعب المنال كل ما كان الثمن مرتفعا. حتى التمثيليات التي تقدمها القنوات الرسمية المغربية يرد فيها ذكر لسان الحمار وفوائده واستعمالاته والأبخرة المختلفة الممزوجة بطلاسم المشعوذين وأطراف الحيوانات والحشرات وعظام الموتى. حتى جثة الموتى لم تستثنى من العبث ناهيك عن البحث المستديم والمستميت عن الاطفال الزهريين وخطفهم للاستعمالات السحرية من كل نوع وذبحهم كثمن لطرد الجن أو فسخ السحر وتبطيله أو استخراج الكنوز التي يسيطر عليها ملوك الجن كما يوهمون. إن تدخلات المشعوذين والمشعوذات في شؤون العباد لا تعد ولا تحصى فهم الخبراء في الطب والاقتصاد والسياسة والعلاقات الانسانية والعلاقات الزوجية وكل ما من شأنه أن يقضي كل ما يتمناه المرء من شفاء أو غناء أو محبوب، وقليلا ما يخطر ببال أحد أن يسأل نفسه: لم لا يستعمل هذا الانسان كل ما يدعيه من القدرات وقوى ليقضي حاجاته هو قبل أن يقضي حاجات غيره. والمثير للاستغراب أيضا هو لجوء المثقفين والمثقفات والوزراء وذوي الجاه والتجار إلى خدمات ، وهذا علاوة على ما نسميهم ضعفاء العقول والمتخلفين. لكن على ما يبدو فإن المجتمع المغربي يتساوى فيه الكل أمام سيطرة الشعوذة على العقول إلى درجة أننا نصدرها إلى الخارج كما نصدر الفسفات والبرتقال والسردين. فالعمرة مطية للممارسة في الديار المقدسة حيث المال الوفير والسلع المتنوعة والبخور. فرنسا تعج بهم وبهن لسد حاجيات المهاجرين والمهاجرات من المسلمين الذين ما زالوا متشبثين بأصولهم وعاداتهم وبركات أهل “تكتب” الذين يتناقل المتواطئون أخبارهم ويقومون بالدعاية لهم مقابل نصيب معلوم. وإذا تعذر الوصول إليهم فالسعات متوفرون لإيصال العمل حتى إلى كندا او أمريكا. وتحكي نكتة، قد تكون واقعة، بان احدى النساء ذهبت يوما إلى فقيه تطلب منه ان يعمل لها عملا ليحبها زوجها ولا يعصي لها أمرا ففكر الفقيه مليا وكان يخاف الله وأراد أن يبعد المرأة عنه إلى الابد وطالبها بما اعتقد أنه مستحيل. فقال لها بان هذه العملية تتطلب شوارب السبع. انصرفت المرأة وارتاح السيد وشكر الله على الحيلة إلا أنه بعد أيام قليلة يسمع دقات على بابه فيطل من فتحة القفل الخشبي ويتفاجأ بالمرأة قد عادت وبيدها حبل ربطت به أسدا وهي تقول له: يا سيدي هذا الأسد كاملا فاختر منه ما تشاء لقضاء الغرض المطلوب. أجابها المسكين: يا هذه، افعلي بزوجك كما فعلت بالأسد فإنه سيكون تحت أمرك وسيطيعك كما أطاعك الأسد. والقصص كثيرة ومتشعبة في هذا المجال ويندى لها الجين وتشمئز منها النفوس الابية بالرغم من أن بعضها يثير الضحك والشفقة. ومن بعض تلك القصص الواقعية التي حضرت سردها من أفواه بعض الضحايا، قصة "عيدة" المتخصصة في تطويع الأزواج في ناحية مدينة اغادير في جنوب المغرب. السيدة عيدة معروفة "بتلبيس الفكرون"، أي السلحفاة. تشترط على التي تريد تطويع زوجها أو حبيبها أن تزودها إما بالسروال الداخلي للرجل قبل غسله أو بقطعة القماش المستعملة للنظافة بعد عملية الجماع. تقوم عيدة بعد الحصول على القماش بخياطته على ضهر السلحفاة وتطلب من المعنية دفن السلحفاة في حديقة بيتها، فإن حاجتها مقضية. وقد نفذت التي سمعت منها هذه القصة تعليمات عيدة. وفي يوم من الأيام جلست مع زوجها في الحديقة، فإذا بالسلحفاة تظهر بخطى بطيئة وعلى ظهرها سروال الزوج الداخلي التي تعرف عليه باستغراب، وانهال على الزوجة بأسْلة مزعجة واعترفت له بفعلتها الشنيعة وغباءها. القصة التي أضحكتني عند سماعها تتعلق بامرأة تحلم بالإنجاب منذ بلوغها، ولم تدع المسكينة مشعوذ ولا مشعوذة في محيطها إلا طرقت بابهما رغبة في تحقيق حلمها. واتصلت في آخر المطاف بفقيه "واعر" والذي طلب منها أن تأتي بديك أسود. لبت الطلب وذهبت بالديك إلى بيته. المعنية تسرد أن الفقيه قام بذبح الديك وقامت زوجته بتنظيفه وأوقدت النار وبدأت بطبخ الدين في "الطاجين" بزيت أركان الزكي الرائحة، بينما قام الفقيه يشوي رأس الديك ويحرقه في المجمر. وقد حكت المعنية عن شعورها وتشوقها ولهفتها لتناول بعضا من ذلك اليك المطبوخ في زيت أركان الذي تشمه في انتظار قرار الفقيه ودعوته لها لتناول ما تيسر منه. لما تأكد الفقيه من احترق رأس الديك وأصبح فحما، أخذه وقام بلفه في ورق ومده للمرأة وطلب منها الذهاب إلى بيتها وتقوم ت طحنه حتى يصير دقيقا وتناول قليلا في الطعام لزوجها، فإنها ستلد بإذن الله. وحملت المسكينة رأس الديك المفحم وخاب ظنها في عدم الدعوة لتناول الطبخ ولم تفارقها رائحة الطبخ الزكية طوال حياتها وبدون تحقيق حلم الإنجاب. وكم ضحكت معنا كلما تذكرت الموقف. وتنتشر في المدن المغربية مشعوذات يتخصصن في تذويب "ألدون" الذي هو الرصاص وقيمن بصبه في وعاء مليء بالماء على رأس المريدات ويقمن بقراءة وتحليل الشكل الناتج عن الرصاص البارد. والاقبال على خدمات مولاة ألدون يفوق الإقبال على مراجعة الأطباء إلى درجة أن بعضهن يطلب من المريدات المراجعة في اليوم التالي. ولرجال نصيب من هذه الخدمات. وقد حدث أن جلست يوما مع مسئول كبير في مصلحة الضرائب وتحدثنا عن تهرب كثير من الناس من دفع الضرائب واقترحت عليه بأن هناك فئة من الناس لا تدفع أي ضريبة لخزانة الدولة ودخلها كثير يتجاوز دخل الموظفين الكبار وحتى أرباح بعض التجار فقال ما هي هذه الفئة التي في بالك فقلت له هم المشعوذون والمتخصصون في “تكتب” فقال: إذا فرضت الدولة عليهم الضريبة فإنها تكون بذلك اعترفت بهذه المهنة كمهنة من بين المهن وانقطع الحديث وتسمر الشعوذة ويستمر المشعوذون في سلب عقول الناس وتلويث وتشويه سمعة بلدنا الغالي والغني. ولا نحتاج إلى القيام بتفتيش المسئولين والبرلمانيين للكشف عما يحمل كل واحد منهم من الطلاسم ووريقات “تكتب” لدر ء العين وجلب القبول كما يقال، فهذه أمور مسلم بها حتى عند العامة.. فيا حبذا لو تشجع كل المغاربة ذكورا وإناثا وشمروا عن سواعدهم ولبوا الدعوة للتجنيد لمحاربة هذا الوباء الذي يحول دون تقدمنا ونهضتنا وتعقلنا فإنه مما لا شك فيه أنه لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يخطو المغرب خطوة إلى الأمام ما دام لم يجتث هذا السرطان من أحشائه ويضع حدا للمشعوذين وانتهاكاتهم لإنسانية أبناء وبنات هذا البلد الذي لا مثيل له في العالم، وبعد ذلك يمكن أن ننطلق للتنمية المستدامة. وهذه الدعوة ضرورة ملحة ومفتوحة إلى جميع المجتمعات الإسلامية التي ترزح تحت وطأة الجهل وسيطرة الدجالين على عقولهم.
#عبد_الغاني_بوشوار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة والسياسة: واقع المغرب
-
ليعش لبنان
-
ازعاج ضجيج أبواق المآذن
-
الثقوب السوداء من نوع آخر
-
الوجود حسب مجنون الحارة
-
كي لا تغرق السفينة البشرية
-
قصة أأحمد -باريزيان- من الذاكرة
-
بعض التوضيحات حول القرآن وبعض توظيفاته
-
ضرورة إنشاء نظام عالمي جديد: التغيير المنتظر
-
زيارة أخرى إلى حرف -تيفيناغ- الأمازيغية
المزيد.....
-
“ماما جابت بيبي”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القمر الصنا
...
-
الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية في لبنان يعلن تنفيذ 25 عمل
...
-
“طلع البدر علينا” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20
...
-
إعلام: المرشد الأعلى الإيراني يصدر التعليمات بالاستعداد لمها
...
-
غارة إسرائيلية على مقر جمعية كشافة الرسالة الإسلامية في خربة
...
-
مصر.. رد رسمي على التهديد بإخلاء دير سانت كاترين التاريخي في
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا لقوات الاحتلال الاس
...
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية اللواء حسين سلامي: الكيان
...
-
المقاومة الإسلامية في لبنان: مجاهدونا استهدفوا تجمعا لقوات ا
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية اللواء سلامي مخاطبا الصهاينة: أنتم
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|