أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بُطلان أو قتل باغيرا . . . التعالق الرمزي مع قصة حقيقية تحبس الأنفاس














المزيد.....

بُطلان أو قتل باغيرا . . . التعالق الرمزي مع قصة حقيقية تحبس الأنفاس


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 7683 - 2023 / 7 / 25 - 11:35
المحور: الادب والفن
    


تكمن صعوبة الفيلم الروائي القصير في اختزال الحدث وتكثيفه إلى أبعد حدٍ ممكن، وهو يشبه إلى حدٍ كبير قصيدة الومضة التي تعتمد على اللحظة التنويرية أو القصة القصيرة التي تتكئ على ثيمة مُحددة لا تحتمل الإسهاب أو الترهّل السردي فتراهن على الإشراقة التي تظل ساطعة في ذاكرة المتلقي. وفيلم "بُطلان أو قتل باغيرا" للمخرج السوري الشاب مُشرف شيخ زين هو من هذا النمط المُقتصد والمتقشِّف إلى حدٍ بعيد ويلهث خلف الإيماضة الفنية التي لا يبهت بريقها بسرعة.
تبدو فكرة هذا الفيلم القصير بسيطة جدًا لكنها عميقة وتضرب في الصميم، ومَبعثُ هذا العمق هو التعالق الفني الذي أحدثه المخرج، وهو صاحب الفكرة، وكاتبتا السيناريو أنيتا هاوش وشريهان عصمان مع بعض شخصيات "كتاب الأدغال" الشهير للقاص والشاعر البريطاني المعروف روديارد كبلينغ المتوّج بجائزة نوبل للأدب سنة 1907م. وقد جاء هذا التعالق في محلة لدرجة استعارة عنوان الفيلم "قتل باغيرا" في نسخته الأجنبية. وقبل أن نحلل مُعطيات الفيلم الرئيسة لابد من تلخيص الثيمة وتقديمها بشكل مكثف يشفي غليل القارئ ولا يدفعه للتساؤل والتفسير. فالأحداث برمتها "تدور حول شقيقين هما آلان وبيكس اللذين يشرعان بمغامرة اللجوء من الأراضي التركية إلى أوروپا ويمرّان بتجربة خانقة ومحفوفة بالمخاطر تختبر الأخوّة، والشجاعة، والمخاوف الداخلية العميقة التي يمكن أن تفرّق بين الأخوين في اللحظات العصيبة التي تتكشّف فيها معادن الرجال". وأكثر من ذلك فإن هذه الفكرة الخاطفة تضع حلمهما في اللجوء إلى أحد البلدان الأوروپية على المحكّ العملي.
ينتمي الفيلم زمنيًا إلى موجات اللجوء التي تضاعفت عشرات المرات منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي التي واجهتها السلطات العربية بالقوة المفرطة بحيث جعلت مغامرة الموت في البحار أهون بكثير من الموت تحت دويّ البراميل المتفجرة التي لم يسبق لها أن أستُعملت بهذه القسوة والوحشية.
يسترجع بيكس أحدات "كتاب الأدغال" لأن منطقة الغابات التي يتسللُ منها، هو وشقيقه الأكبر آلان، تذكّره بشخصيات القصة وخاصة النمر شيري خان، والپايثون Kaa، ولعله يقارن نفسه بـ "ماوغلي"، فتى الأدغال الذي يعيش تحت حماية الذئاب خشية من النمر الذي اختطف والده وحوّل حياتهم إلى سلسلة متصلة من المخاوف. وبينما يستعيد بيكس هذه الشخصيات يُخرج شقيقه الأكبر آلان مُدْية نابضية اقتناها من إستانبول وقال بأنه سيمزّق الپايثون بها إن هي هاجمتهم أو اعترضت طريقهم. وعلى المتلقي، قارئًا أو مُشاهدًا، أن يرحِّل هذه الرموز الحيوانية المُفتَرِسة إلى معادلاتها الموضوعية من الدرك، وحرّاس الحدود، والشرطة المحلية للبلد الأوروبي الأول الذي يصادفونه في هذه المغامرة التي تنطوي على الكثير من المفاجآت. وعلى الرغم من أنّ المكان هو الحدود التركية الغربية لكنّ ما نعنيه هنا هو "مسرح الأحداث" أو الـ Setting الذي يضيق وينحسر ليتحول إلى مجرىً للمياه الآسنة قد تعيق النفاياتُ المتكدسة في بعض مواضعه الشخص المندسّ فيه فيتوجب عليه إزالة الرواسب العفنة بيديه العاريتين المرتجفتين من رصاص الشرطة الذي يمكن أن ينطلق في أية لحظة. فالمكان في هذا الفيلم ليس فضاءًا مفتوحًا على الأفق أو الضوء وإنما هو حيّز مستدير ضيّق جدًا يشعر صاجبه بالاختناق الفعلي وهو ما نُطلق عليه بـ claustrophobic أو "رُهاب المناطق الضيّقة" والمغلقة إن شئتم التي يضطرب فيها الإنسان، الخائف والمذعور أصلاً من خوض مغامرة اللجوء التي تترجحُ فيها كِفّة الموت على كِفّة الحياة. يخلق هذا التوتر النفسي الشديد علاقة حميمة من المُشاهد الذي يشعر بالاختناق أيضًا ويتعاطف مع الضحيتين اللتين تبحثان عن نقطة الضوء في نهاية النفق الخرساني الآسن. لا شك أنّ المصور قد لعب دورًا كبيرًا في جمالية الصور التي أبدعها على مدار الفيلم، وخاصة المقرّبة منها التي تكشف ذعر الشخصيتين وتكشف عن طوّيتهما الإنسانية سواء في رباطة الجأش كما في حالة بيكس أو في انفلات زمام الأمور عندما يتعلّق الأمر بالأخ الأكبر، وحامل السكّين الذي هدّد بتمزيق الأفعى لكنه أول من تراجع، وانخرط في البكاء عندما علُق في منتصف المجرى ولولا تشجيع شقيقه الأصغر لانكفأ وعاد الى الحمأة الحقيقة التي انطلق منها معللاً نفسه بهواء الحرية النقي، والعيش الكريم، وتحقيق الأماني العظيمة التي تجول في مخيلته المتقدة. ربما ينجح أيضًا هذا الفيلم القصير الذي بلغت مدته 13 دقيقة لو أنّ المخرج مُشرف شيخ اشتغل عليه وطوّره إلى فيلم طويل يعالج فيه هشاشة التطلعات الإنسانية في لحظات اشتعالها وتوهجها، خاصة وأنّ ثيمة هذا الفيلم مستوحاة من قصة حقيقية عاش المخرج تفاصيلها التي تحبس الأنفاس.
جدير ذكره أنّ المخرج مُشرف شيخ من مواليد القامشلي سنة 1988م. درس الهندسة المهندسة المعمارية وتخرج سنة 2011م. ثم اكتشف شغفه بالفن السابع فدرس الإخراج في جامعة ميونخ للسينما والتلفزيون وأنجز عددًا من الأفلام الروائية القصيرة من بينها "سهام"، "وقت إضافي"، "يوم خاص"، "المتلصص"،و "الترقية".



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمن المظلم . . . حياة على حافة الهاوية
- عودة. . . فيلم قصير مرصّع بثيمات حسّاسة وكبيرة
- صدور العدد الثاني من مجلة -سومر- السينمائية في بغداد
- -لا حزن لي الآن- لُعبة التماهي بين الذاكرتين الشعرية والكالي ...
- سبعة شتاءات في طهران . . . تحريف التُهم وتحويل الضحية إلى جا ...
- النهاية المفتوحة تحفّز المتلقي على التفكير وتشحن المخيّلة بم ...
- منحوتات حميد شكر الغرائبية تهزّ المُتلقي وتضعهُ في دائرة الد ...
- السهل الممتنع . . . تقنية إبداعية قادرة على التقاط الجمال ال ...
- -شمس- سردية بصرية جريئة تختبر الموروث الديني
- الروائية الفرنسية آني إرنو تعانق جائزة نوبل لجرأتها وصراحتها ...
- سيرة الأخ العقيد الذي وعدَ بالجنة الأرضية فحوّل ليبيا إلى جح ...
- أوراق من سيرة وطنيّة للدكتور أيمن جعفر الحسني
- أجنحة في سماء بعيدة تقنية متطورة ومِكنة ملحوظة في البناء الم ...
- قَرن من الأوهام القومية والدينية التي تتقاذف سفينة العراق
- في أعماق الرجل البهي للروائية المصرية جمال حسّان
- غايب، الحاضر الغائب . . شهادة بصرية أمينة لا تحتمل الرتوش
- للحمار ذيل واحد لا ذيلان . . نويفلا لا يمكن قراءتها بعيدًا ع ...
- جوائز الدورة الحادية عشرة لمهرجان مالمو للسينما العربية عام ...
- انطلاق فعّاليات الدورة 11 لمهرجان مالمو للسينما العربية
- وراء الباب الفيلم الروائي الطويل الأول لعدي مانع


المزيد.....




- MAJID TV “تثبيت تردد قناة ماجد 2024” .. نزلها في خطوة واحدة ...
- الروائية ليلى سليماني: الرواية كذبة تحكي الحقيقة
- -الرجل الذي حبل-كتاب جديد للباحث والأنتروبولوجي التونسي محمد ...
- شارك في -صمت الحملان- و-أبولو 13?.. وفاة المخرج والمنتج الأم ...
- تحميل ومشاهدة فيلم السرب 2024 لـ أحمد السقا كامل على موقع اي ...
- حصريا حـ 33 .. مسلسل المتوحش الحلقة 33 Yabani مترجمة للعربية ...
- شاهد حـ 69 كامله مترجمة .. مسلسل طائر الرفراف الحلقة 69 بجود ...
- التمثيل الدبلوماسي العربي في فلسطين... أهلا وسهلا بالكويت
- معرض الدوحة الدولي للكتاب.. أجنحة ومخطوطات تحتفي بثقافات عُم ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - بُطلان أو قتل باغيرا . . . التعالق الرمزي مع قصة حقيقية تحبس الأنفاس