أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - أية مصداقية للإنتخابات الجماعية في المغرب؟















المزيد.....



أية مصداقية للإنتخابات الجماعية في المغرب؟


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 1724 - 2006 / 11 / 4 - 12:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


في إطار دينامية مقاطعة الانتخابات الجماعية لسنة 2003، أصدر النهج الديموقراطية وثيقة تحليلية لدور الانتخابات الجماعية وأهدافها وكذا حصيلة التجارب الجماعية وبالتالي الدوافع الكامنة وراء اعتماد قرار مقاطعة هذه الانتخابات، وفي ما يلي نص هذه الوثيقة التي لا زالت تحتفظ براهنيتها والتي وضعت تحت عنوان "بعد 40 سنة من التزوير ونهب الملك الجماعي: أية مصداقية للانتخابات الجماعية لشتنبر 2003 ؟:

الهدف الأسمى من الانتخابات الديمقراطية
إن الانتخابات الحرة والنزيهة من المبادئ المؤسسة للديمقراطية.
إن الشعب المغربي كغيره من شعوب العالم، ما زال يقدم تضحيات جسام من أجل ديمقراطية حقيقية تضمن له السيادة على خيراته الوطنية وتمكنه من المشاركة في القرار في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
إن الانتخابات الحرة والنزيهة، في ظل القوانين التي تضمن السيادة للشعب، هي عماد الدولة الديمقراطية المبنية على المجالس المحلية والجهوية والوطنية التقريرية الخاضعة للمراقبة الشعبية وللسلطة القضائية المستقلة والنزيهة.

الأهداف الاستراتيجية والمرحلية للنهج الديمقراطي
- يتجلى الهدف الاستراتيجي للنهج الديمقراطي في المساهمة في النضال بجانب مختلف القوى الاشتراكية الثورية من أجل تشييد المجتمع الاشتراكي الذي تصبح فيه الطبقة العاملة وعموم الكادحين يتحكمون في وسائل الانتاج (التي سلبت منهم في ظل النظام الرأسمالي)، وفي عملية الانتاج وتوزيع المنتوج، مجتمع تنعدم فيه الطبقات الطفيلية التي تعيش من استغلال الغالبية العظمى، مجتمع ديمقراطي يضمن الشغل والسكن اللائق والتعليم والثقافة والخدمات الصحية والترفيهية للجميع، مجتمع يتحكم فيه المواطنون في تسيير وإدارة الشأن العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
- اعتمادا على طبيعة المرحلة التي يعيشها المغرب، فإن النهج الديمقراطي حدد المهام الأساسية المرحلية التي يعمل من أجل إنجازها، بجانب القوى السياسية الديمقراطية الجذرية ومناضلي الحركات الاجتماعية والحقوقية، وتتجلى في إرساء نظام ديمقراطي حقيقي في أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجهوية وذلك بوضع حد للإستبداد المخزني كأداة للسيطرة الإيديولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية للقوى الرجعية والمافيا المخزنية والرأسمالية المتوحشة.
منظور النهج الديمقراطي حول اشراك المواطنين في اتخاذ القرار
لتحقيق أهدافه يتوجه النهج الديمقراطي بالأساس إلى الطبقة العاملة والفلاحين الكادحين وعموم الفئات الشعبية المضطهدة والمهمشة، التي يسعى إلى تأطيرها، بهدف بناء الأداة السياسية والتنظيمية التي تمكنها من الدفاع عن مصالحها في مواجهة الطبقات السائدة ( ملاكي الأراضي الكبار، والبورجوازية الوكيلة للرأسمال العالمي، والتقنوبيروقراطية المختلسة للمال العام) وتفكيك سلطتها القمعية المادية والإعلامية والسياسية.
إن النهج الديمقراطي يؤمن بالنضال الجماهيري كوسيلة أساسية لتحقيق أهدافه دون إغفال وسائل أخرى من ضمنها النضال الفكري والإعلامي، إنه يؤمن بأن الجماهير هي التي ستحرر نفسها بنفسها وأن دور المناضلين هو المساهمة في هذه الصيرورة، عبر وضع طاقاتهم من أجل بناء أدوات التنظيم الذاتي المستقلة للجماهير الواعية، بدل السقوط في توظيف نضالاتها أو استغلال وضعها الاجتماعي المتردي لتحقيق مآرب حزبية أو مصالح فئوية ضيقة.
انطلاقا مما سبق فإن مسألة الانتخابات تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للنهج الديمقراطي خاصة عندما يتعلق الأمر بانتخاب من سيمارسون مهامهم وسلطتهم باسم المواطنين. لذا فإن الموقف الذي يتخذه النهج الديمقراطي، ويدعو الجماهير الشعبية لممارسته، ينطلق أساسا من تقديره لمدى المساهمة الحقيقية للمواطنات والمواطنين في اتخاذ القرار، ولمدى مساهمة هذا الموقف أو ذاك في تطوير نضال الشعب المغربي من أجل التغيير الديمقراطي الجذري ذو الأفق الاشتراكي.
التجارب الانتخابية الجماعية السابقة تكرس تهميش مشاركة المواطنين في إتخاذ القرار
منذ الانتخابات الجماعية الثانية في سنة 1963 إلى الانتخابات الجماعية السابعة التي نظمت في سنة 1997 ، دأبت الدولة المخزنية بواسطة وزارتها في الداخلية على استعمال وسائل شتى من بينها تفريخ الأحزاب الرجعية، المبنية على النعرات القبلية والدينية، أو تلك المسماة بذات الجذور القروية، أو المنبثقة من الإدارة ... هذا موازاة مع قمع ومحاصرة الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات الاجتماعية الديمقراطية والتقدمية الوطنية، إضافة إلى بلقنة الخريطة السياسية ... لتشويه الإرادة الشعبية بهدف الحفاظ على مصالح التكتل الطبقي الحاكم ( ملاكي الأراضي الكبار، والبورجوازية الوكيلة للرأسمال العالمي، والتقنوبيروقراطية المختلسة للمال العام).
فمنذ 1963 وظفت المؤسسات "المنتخبة" في تشويه الهدف الأسمى للديمقراطية، وهو إشراك المواطنين والمواطنات في تسيير الشأن العام، هذا ما يجعل الناخبين الذين تزور إرادتهم باستمرار، لا يعطون أية مصداقية لما ينتج عن هذه الانتخابات من مؤسسات.
إن ممارسات التزوير المتكررة ضربت في الصميم العمل السياسي الديمقراطي الجاد، المرتبط بهموم المواطنين، وطفا على السطح طيف واسع من مافيا الانتخابات تعتمد مكوناته على الاستغلال السياسي للتعدد الثقافي، والاستغلال السياسي للدين، كما يتم استثمار أموال المخدرات في العمليات الانتخابية لمنح الحصانة السياسية للمهربين.
هذا ما يؤدي إلى فرز مجالس "منتخبة" ، يسيطر عليها الأعيان وخدام المخزن الانتهازيين، توظف كأدوات شكلية للترويج لديمقراطية الواجهة على المستوى الخارجي وتستغل كمؤسسات إضافية لنهب الملك الجماعي والمال العام وتفقير العالم القروي وتشويه المجال الحضري.
إن التراكمات السلبية الناتجة عن الاستبداد بالحكم أصبح لها انعكاس خطير على المستقبل السياسي للمغرب، بحيث أن الديمقراطية شوهت وأضحت في أنظار الجماهير المهمشة مرادفا للتسلق الطبقي والوصولية ونهب الملك العمومي.
هل هنالك ظروف موضوعية تمكن من تنظيم انتخابات جماعية ذات مصداقية ؟
في وضع اقتصادي أنهك فيه العمل السياسي الجاد، وأصبحت فيه البرامج الحزبية ، إن وجدت، متشابهة، ونظرا لغياب الضمانات الدستورية التي تمكن الأحزاب السياسية من تطبيق برامجها من جهة، ولكون البلاد رهينة في يد المؤسسات المالية الدولية نتيجة للديون المتراكمة على خزينة الدولة والتي لم تستفد منها الجماهير الشعبية من جهة أخرى، وفي وضع سياسي ما يزال فيه المتورطون في الجرائم السياسية والاقتصادية بدون محاسبة أو عقاب، وفي ظل دستور ممنوح يمزج بين السلطات ويضعها في يد واحدة ولا يضمن قيام سلطة قضائية كفئة مستقلة ونزيهة، وفي غياب هيئة مستقلة عن وزارة الداخلية تسهر على العملية الانتخابية ابتداء من وضع لوائح الناخبين إلى إعلان نتائج الاقتراع، ستبقى الانتخابات رغم الوعود والالتزامات المتكررة، محطات للتزوير المنظم، ومرتعا للمضاربين في أصوات الناخبين.
كما ستجري الانتخابات الحالية على أساس لوائح مطعون في سلامتها وعلى أساس تقطيع انتخابي مخدوم وهو التقطيع الذي كان معمولا به منذ سنة 1992 الذي كان يهدف إلى ومحاصرة المد الجماهيري المطالب بالمشاركة الديموقراطية، وقد توخى آنذاك إرهاق القوى الوطنية المعارضة. فقد وصل عدد الجماعات القروية إلى 1298 جماعة، 40 % منها لا يتعدى عدد سكانها 7500 نسمة و90 % منها تعجز أحيانا حتى عن أداء أجور موظفيها نظرا لقلة المداخيل بحيث أن الأغلبية الساحقة من ساكنتها تعيش في فقر مدقع بينما يعفى ملاكي الأراضي الكبار من الضريبة الفلاحية. لكن هذا التقسيم التحكمى سيتم الاحتفاظ به بهدف خلق نخب طيعة بيد الإدارة.
النهج الديمقراطي والانتخابات الجماعية لشتنبير 2003
إن النهج الديمقراطي كتيار سياسي يساري ، قدم العديد من الشهداء والتضحيات من أجل إقرار مجتمع ديمقراطي حقيقي تكون فيه السيادة للشعب، تهمه الانتخابات الجماعية وسيساهم في توعية المواطنات والمواطنين بالديمقراطية الحقيقية من موقع المسؤولية السياسية التي يؤديها كوظيفة مجتمعية وليس كوسيلة يستعملها الأعيان وخدام المخزن الانتهازيين. فهؤلاء تمول لهم الدولة حملاتهم الانتخابية من أموال الشعب لتضليل المواطنين على مستوى الدوائر الانتخابية وسلب أصواتهم بهدف استثمارها في المضاربات حول المقاعد ومراكز النفوذ في إطار المجالس الجماعية ثم الإقليمية و المجالس الجهوية وبعدها في مجلس المستشارين...
فما هي طبيعة الميثاق الجماعي الجديد الذي يحدد مهام المجالس الجماعية ويؤطر أشغالها؟ ثم ما هي الدروس المستخلصة من تجارب المجالس الجماعية السابقة؟
الميثاق الجماعي الجديد يحافظ على الطابع المتشدد لسلطة الوصاية
بعد مرور 27 سنة على تطبيق قانون 1976 ، وبعد تنظيم 6 ندوات وطنية( 1978 – 1998 ) حول التجربة الجماعية بالمغرب، وبعد الهزات التي حصلت على المستوى الدولي خلال هذه الفترة التي تميزت بتنامي المطالب الملحة للشعب المغربي في الديمقراطية والمشاركة السياسية الحقيقية ، كان المرء ينتظر من الميثاق الجماعي لأكتوبر 2002 أن يوسع من اختصاصات المجالس المنتخبة ويقلص من دور الوصاية لوزارة الداخلية. كما كان من المنتظر أن يتضمن القانون الجديد المقتضيات القانونية التي تضمن مشاركة منظمات المجتمع المدني(الذي تتبجح به كل الخطابات) في تحديد السياسة الاجتماعية والثقافية للمجالس المحلية ، وتمكن المواطنين والمواطنات من نسبة معينة من ديمقراطية المشاركة في مراقبة أشغال المجالس والإطلاع على الحسابات الإدارية ...إعمالا بمقولات "سياسة القرب" و"المفهوم الجديد للسلطة". غير أن مضامين الميثاق الجماعي الجديد جاءت مناقضة لكل هذه الانتظارات كما سنرى، بحيث يمركز بيكيفية مباشرة أوغير مباشرة كل الصلاحيات بيد وزارة الداخلية.
- فوزير الداخلية بالنسبة للجماعات الحضرية والوالي أو العامل بالنسبة للجماعات القروية هو الذي يتوصل بالاستقالة الاختيارية لأعضاء المجلس(المادة 19) كما يصدر قرار الاقالة أو التوقيف في حق كل عضو امتنع - في نظره- عن القيام بواجبه أو ارتكب أفعال مخالفة للقانون أو باخلاقيات المرفق العام (المادتين 20 و21). بل يمكن لوزير الداخلية حل المجلس تماما أو توقيفه في حالة الاستعجال إذا ارتأى الوزير أن مصالح الجماعة مهددة لأسباب تمس حسن التسيير، - دائما من منظور السلطة – وهي صيغ فضفاضة تجعل أي عضو أو مجلس جاد تحت رحمة وزارة الداخلية.
- كما أن مقررات المجلس الجماعي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا إذا حضيت بموافقة سلطة الوصاية. والمدهش أن الوصاية تشتد أكثر على مدينة الرباط حيث يفقد فيها المجلس والرئيس ما تبقى من أهم الصلاحيات.
- بمقتضى المادة 70 تحتفظ وزارة الداخلية بسلطة التدخل السافر في قرارات المجلس بحيث تنص هذه المادة على ما يلي: يمكن للسلطة المكلفة بالمصادقة على المقررات (العامل أو الوالي أو وزير الداخلية) دعوة المجلس الجماعي لإجراء دراسة جديدة بشأن مسألة سبق أن تداول بشأنها إذا ظهر أنه من غير الممكن الموافقة على القرار المتخذ. وإذا تمسك المجلس الجماعي بمقرره ... يبث الوزير الأول في المسألة باقتراح من وزير الداخلية بمرسوم معلل. مما يعني أن القرارات المتخذة من طرف المجلس (ولو في إطار القوانين الجاري بها العمل) لن تنفذ إذا لم ترض بها وزارة الداخلية. هذه البدعة لا يعمل بها في الدول الديمقراطية بل هي خاصية تتصف بها الدولة المخزنية.
- كما أن المادة 77 تخول للسلطة المحلية أن تقوم محل الرئيس في تنفيذ القضايا التي تعتبرها بمثابة "الإضرار بحقوق الأفراد"، بهذه الصيغة الفضفاضة يفتح المجال أمام كل التجاوزات ومختلف أشكال استغلال النفوذ للضغط على الهيئات المنتخبة.
- وتعطي المادة 59 الأسبقية لممثل الإدارة الترابية عند صياغة جدول الأعمال، حيث تدرج فيه النقط المقترحة من طرف السلطة المحلية بكيفية تلقائية. أما عندما يتقدم عضو من أعضاء المجلس الجماعي بمقترح في جدول الأعمال يمكن رفضه من طرف الرئيس ويخبر بذلك المجلس إبان اجتماعه، لكن ليس للمجلس الحق في مناقشة دوافع الرفض. هذا ما يبين أن الأقلية داخل المجلس، إن كانت جادة، لا يسمح لها بالدفاع عن مقترحاتها فيما يتعلق بوضع جدول الأعمال.
- وتجعل المادة 61 من ممثل السلطة المحلية عضوا كامل العضوية في اجتماعات المجلس حيث يمكنه وبمبادرة منه (وبدون أن يطلب منه الرئيس ذلك، كما هو الحال في الفصل 17 من قانون 1976 ) أن يدلي بوجهة نظره وملاحظاته حول مداولات المجلس. كما أن المجلس يتداول تلقائيا في اجتماع سري كلما طلبت منه الإدارة الترابية ذلك.
الميثاق الجديد يؤسس لهيمنة الرئيس على المجلس الجماعي
يتراجع الميثاق الجماعي لأكتوبر 2002 عن الفصل 7 من قانون 1976 المتعلق بإمكانية إقالة الرئيس من طرف ثلثي الأعضاء، بعد مرور سنتين على انتخابه. والغريب في الأمر أن جميع الاقتراحات التي عبر عنها المشاركون في المناظرات الوطنية، بخصوص إعادة انتخاب رئيس المجلس الجماعي، والمتضمنة في التقارير التي أنجزتها وزارة الداخلية، لم تأخذ بعين الاعتبار في صياغة الميثاق الجماعي الجديد الذي نص على أن رئيس المجلس الجماعي المنتخب لمدة 6 سنوات لا يمكن إقالته من طرف المجلس الذي انتخبه.
إن الإقدام على حذف الفصل 7 والتنصيص في الميثاق الجماعي الجديد على رئيس منتخب مدى حياة المجلس، يجد له تفسيرا من خلال تجربة 30 سنة الماضية والتي بينت أن إقالة الرئيس مرتبط دائما برفض الحساب الإداري. فكلما تعلق الأمر بالمصادقة على الحساب الإداري تتفسخ التكتلات وتتغير موازين القوى بكيفية تلقائية. ومرد ذلك أن جل المجالس مزورة، وأعضائها بعيدون كل البعد عن الالتزام بالبرامج الحزبية ، هاجسهم الدائم هو البحث عن توفير المصالح الشخصية بدل خدمة الصالح العام. هذا ما يجعل الصراع حول رئاسة المجالس تصرف فيها الأموال الباهضة، ويتم في شأنها تهريب المنتخبين وعزلهم عن العالم الخارجي طوال الفترة الممتدة من اليوم الموالي للإقتراع والموعد الذي ينعقد فيه أول اجتماع لانتخاب الرئيس كما حصل في الانتخابات الأخيرة المتعلقة برئاسة الغرف الفلاحية على الخصوص. وبما أن الحساب الإداري من أحد المصادر الممكنة لاسترجاع الأموال الموظفة في الحصول على رئاسة المجالس، فالصراع حول المصادقة أو رفض الحساب الإداري يكون في أوجه، مما يؤدي إلى فضح الاختلاسات المالية، التي تشتكي منها المئات من الجماعات المحلية، على أعمدة وسائل الإعلام المكتوبة. هذا، ما يضر مباشرة بمصداقية وزارة الداخلية بإعتبارها مسؤولة عن تزوير الانتخابات، ومسؤولة عن المصادقة على أمر تنفيذ الميزانية والاعتمادات من طرف رؤساء المجالس. وحتى لا تنفضح اللعبة الجديدة التي يقولون عنها أنها ستكون نزيهة - مثل سابقاتها - تم التخلي عن إمكانية إقالة الرئيس واللجوء إلى سلب المجلس الجماعي من أهم صلاحياته، لأن وزارة الداخلية التي تقدمت بمشروع الميثاق الجماعي والفرق البرلمانية التي صوتت لصالحه بالإجماع لا تبالي بالاستبداد بالقرارات بقدر ما يزعجها فضح الاختلاسات التي تتعرض لها المالية الجماعية والملك الجماعي.
إن كل التجارب الانتخابية السابقة عرفت استعمال الأموال في شراء ذمم المنتخبين للحصول على رئاسة لم تدم أكثر من سنتين في العديد من الحالات، فما بالك بما ستعرفه الانتخابات الحالية من استعمال فاحش للأموال للحصول على أغلبية داخل المجالس تمكن من الفوز برئاسة يضمن القانون أنها ستستمر على مدى حياة المجلس الجماعي. وتتجلى بوادر الاستثمار الانتخابي في الصراعات داخل الأحزاب على رئاسة اللوائح، وفي الترحال من حزب إلى آخر لضمان رئاسة المجالس.
وبما أن الرئيس يتحكم في وضع القانون الداخلي والحساب الإرادي وتنفيذ الميزانية بعد مصادقة ممثل الإدارة الترابية، ووضع جدول الأعمال ، ويطالب بسرية الجلسات... فيحق له كذلك اعتمادا على المادة 63 الزجرية التي أضافها الميثاق الجماعي الجديد أن يجعل المجلس يقرر، دون مناقشة بأغلبية الأعضاء الحاضرين، طرد كل عضو من أعضاء المجلس"يخل بالنظام ويعرقل المداولات" . وبهذا يبقى المصدر الحقيقي الوحيد للقرار على مستوى الجماعة هو ممثل وزارة الداخلية، بعد أن سلب المجلس الجماعي بأغلبيته وأقليته من صلاحياته الديمقراطية الدنيا في محاسبة الرئيس وإقالته عند الحاجة. وبذلك يبقى الباب مسدودا من الناحية القانونية في وجه كل من يتوهم بإشراك المواطنين في المراقبة الديموقراطية لأشغال المجالس.
إن القانون الجماعي لأكتوبر 2002 جاء ليقطع الطريق أمام كل من يتوهم بتحويل ديمقراطية محلية شكلية إلى ديمقراطية في مصلحة المواطنين.
إن الميثاق الجماعي الجديد يهمش دور المنتخبين في المجالس الجماعية ويعدم دور الناخبين وكافة المواطنات والمواطنين في مراقبة المجالس، هذا ما يجعل من المطالبة بوضع دستور ديمقراطي ، تتفرع عنه جميع القوانين، من المطالب الحد الأدنى في المرحلة الراهنة.
تقييم التجربة الجماعية
1 – سوء تدبير مالية الجماعات المحلية:
حسب قانون التنظيم الجماعي لسنة 1976 وكذلك الميثاق الجماعي لسنة 2002 فإن الجماعات المحلية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي وتتكون أهم مواردها من 30 % من الضريبة على القيمة المضافة والتي تمثل ما يقارب 45 % من مداخيل الجماعات وقسط من الضريبة الحضرية والضريبة المهنية التي تحول اليها من طرف الدولة، إضافة إلى الجبايات المحلية التي تتكلف الجماعات مباشرة بجمعها وتمثل حسب الاحصائيات الرسمية ما يناهز 25 % من مداخيل الجماعات. ولا يمكن للمجالس الجماعية أن تتصرف في هذه الميزانية إلا بأمر من طرف وزارة الداخلية التي تشرف على تدبير ميزانيات الجماعات المحلية وكذلك صندوق التجهيز الجماعي الذي يمد الجماعات بالقروض.
وقد لوحظ خلال التجربة الجماعية السابقة أن جل المجالس الجماعية كانت تعيش على إيقاع الطعن في ميزانياتها السنوية نتيجة سوء تدبير المالية المحلية، وهذا دليل قاطع على الممارسات المشبوهة والاختلاسات التي تتعرض لها هذه الميزانيات، خاصة فيما يتعلق منها بالجبايات المحلية التي يسهر رؤساء المجالس على استخلاصها، إضافة إلى أن المصاريف المسجلة في هذه الميزانيات تكون في الغالب صورية لا تعكس مصاريف أنجزت بالفعل، ويشهد على ذلك العجز الكبير الذي تعرفه هذه الجماعات في المرافق العمومية المحلية من طرق وتطهير ومدارس ومستشفيات ومناطق خضراء ودور الشباب ومكتبات جماعية... رغم أن موارد الميزانية الجماعية تطورت بوتيرة سنوية تصل إلى 15 % وهي نسبة أعلى مرتين من وتيرة نمو مداخيل الميزانية العامة. وقد بلغت حصة الجماعات الحضرية، التي يصل عددها إلــى 249 جماعة، مــن ميزانية التجهيز 47 %، بينما بلغت حصة الجماعات القروية التي يصل عددها إلى 1298 جماعة 53 % .
والملاحظ في جل التجارب الجماعية السابقة أن أشغال الترميم والترصيف والتجهيز وتنظيف الأزقة والشوارع الخ... لا تتم الا من خلال آخر ميزانية جماعية في آخر ولاية للمجالس كاستثمار في الانتخابات المتوقعة أو في مناسبات استثنائية. كما أن المواطنين يجهلون تماما توزيع ومضمون بنود ميزانية الجماعة المحلية، بحيث لا يتوفرون على أية وسيلة لممارسة الرقابة على كيفية تحصيل الضرائب وصرف النفقات من طرف منتخبيهم.
2 – سوء تدبير الممتلكات الجماعية:
تعتبر وكالات توزيع الماء والكهرباء ووكالات النقل الحضري ... التي هي تحت وصاية وزارة الداخلية من بين أهم المرافق العمومية المحلية التي أنشأت بواسطة الميزانية العامة لكي تكون في خدمة المواطنات والمواطنين كما تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر على تمويل ميزانيات الجماعات المحلية. ولقد سجلت هذه الوكالات في الفترة المتراوحة ما بين 1994 و1996 ارتفاعا متواصلا في رقم معاملاتها حيث وصل سنة 1996 إلى حوالي 8 مليار درهم علما بأن مجموع مداخيل الجماعات المحلية بلغت في هذه السنة حوالي 14 مليار درهم وإذا أخدنا بعين الاعتبار مجموع هذه المداخيل فإنها تصل إلى 22 مليار درهم وهو ما يمثل حوالي 28 % من مجموع مداخيل ميزانية الدولة في نفس السنة.
لكن بدلا من توسيع مجال هذه الممتلكات الجماعية وتوظيف فائضها في الارتقاء بالمرافق الاجتماعية خاصة فيما يتعلق بإيصال الماء والكهرباء للجماعات القروية في إطار التضامن، يلاحظ أن الفائض الناتج عن هذه المرافق يحول إلى جهات أخرى على شكل صناديق سوداء تسهر عليها وزارة الداخلية. وقد أدى سوء التدبير بهذه الوكالات الى الافلاس وبالتالي أقدمت وزارة الداخلية على خوصصة أغلبها، وقد صادقت المجالس الجماعية في عدة مدن على هذا التفويت كما حصل بالنسبة لقطاع النقل الحضري وقطاع الماء والكهرباء، في غياب استشارات شعبية حول مدى صلاحية هذه التفويتات. وغالبا ما تحدث مصادمات بين المواطنين المعترضين على هذا النوع من الخوصصة التحكمية من جهة والمجالس الجماعية من جهة أخرى كما حصل في كل من مدن الرباط وسلا وتطوان حيث خرج الآلاف من المواطنين بالأحياء الشعبية المتضررين من انعكاسات ارتفاع فواتير الماء والكهرباء من جراء الخوصصة. فبدل أن تجتمع المجالس الجماعية المعنية للاستماع إلى شكاوي المواطنين، تركتهم عرضة لللقمع والتنكيل والمحاكمات الصورية كما حصل في جماعة يعقوب المنصور بالرباط.
وقد تم تفويت مرافق اجتماعية حيوية أخرى مثل قطاع النظافة وجمع النفايات المنزلية في عدد من المجالس الجماعية بكيفية مشبوهة، حيث استفادت الشركات الخاصة الصورية من جميع آليات الجماعات ومآرب السيارات والعمال الذين ما زالوا يتقاضون أجورهم من ميزانيات الجماعات إضافة إلى عمال الإنعاش الوطني. وهذا إلى جانب ملايين الدراهم التي تدفعها الجماعات لهذه الشركات بمعدل 350 درهم لكل طن من النفايات المنزلية عوض 250 درهم للطن ككلفة عادية للجماعة قبل التفويت.
كما أن الرصيف العمومي لم يسلم هو بدوره من موضة التفويت إلى الشركات الأجنبية، بحيث أصبح العديد من السكان والموظفين مجبرون على ايداع سياراتهم في أماكن خارج المدن أو أداء ما معدله 16 درهم يوميا.
3 – سوء تدبير الشؤون المحلية
إن أبرز ملاحظة على عمل المجالس المحلية الحضرية هو اتساع رقعة مدن الصفيح وأحزمة الفقر التي تعج بالمهمشين من المواطنات والمواطنين الذين دفعتهم ظروفهم القاسية في البادية نتيجة الجفاف والاستغلال وفقدان الأراضي وجشع القرض الفلاحي إلى الهجرة نحو المدن. فقد ساهمت الجماعات المحلية بمختلف الاساليب في انتشار مدن الصفيح على مساحات تقدر بمئات الهكتارات سنويا سواء داخل المدن أو في محيطها. وغير خاف على أحد الظروف التي يعيشها المواطن في هذه المدن من غياب كلي للمرافق الضرورية للحياة الكريمة من قنوات التطهير والماء الشروب والمدارس والمستشفيات ... الخ، الشيء الذي يدفع بالكثير من ساكنتها للتعاطي اضطرارا للانشطة غير المشروعة بمباركة هذه المجالس التي لا يتردد الكثير من مستشاريها في تقاضي الرشاوى واستغلال الشباب المهمش بهذه الأحياء في الحملات الانتخابية. ومن نتائج اتساع رقعة مدن الصفيح سقوط العديد من الشباب المعطل في حبال عصابات المخدرات والهجرة السرية أو التنظيمات الإرهابية الظلامية التي تغرر بهم وتزج بهم في عمليات إجرامية كما حدث في 16 ماي 2003.
أما بالنسبة للمجالس القروية فالمشاكل أكبر وأخطر حيث يعاني الملايين من القرويين من غياب كلي لأبسط المرافق الحيوية كالطرق وتوصيلات قنوات الماء وخطوط الكهرباء وغياب شبه كلي للمدارس والاعداديات والمستشفيات ودور الشباب وانعدام مجالات الشغل مما يؤدي إلى تفاقم حدة الهجرة القروية، بل يعاني المواطن في هذه الجماعات القروية حتى من غياب الخدمات الإدارية البسيطة كالحصول على بطاقة التعريف.
الآفــــاق
إن مشاكل المواطنين سواء في البادية أو في المدن مصدرها الأساسي هي الطبيعة غير الديموقراطية لتدبير الشأنين العمومي والمحلي. وينتج عن هذا التدبير التحكمي انعدام الشفافية في تسيير شؤون المرافق العمومية وانتشار المحسوبية واختلاس المال العام.
إن النهج الديموقراطي يرى بأن علاج هذه الوضعية يتطلب:
- محاسبة فعلية لمختلسي المال العام واسترداد الأموال المنهوبة بالمؤسسات العمومية والشبه العمومية التي بلغت ما يناهز 134 مليار درهم، بالإضافة إلى الاختلاسات التي عرفتها ميزانيات الجماعات المحلية والتي تتستر عليها وزارة الداخلية المتورطة في الجرائم السياسية والاقتصادية؛
- توفير الشروط الضرورية لانبثاق هيئة شعبية تأسيسية تنكب على تهيئ وطرح مشروع دستور تناقش وتصادق على محتواه وصيغته النهائية بكل حرية مختلف فئات الشعب المغربي.
ففي غياب هذه المتطلبات الديموقراطية الدنيا، يعتبر النهج الديموقراطي بأن الشروط الموضوعية للمشاركة في الإنتخابات الجماعية ليوم 12 شتنبر 2003 غير متوفرة، لذلك يدعو المواطنات والمواطنين لمقاطعتها.
فنتيجة هذه الانتخابات لن تؤدي الى دمقرطة الحياة السياسية كما لن تحسن معيشة المواطنين ولن تخرجهم من مدن الصفيح ولن توقف التدهور الاجتماعي والإقتصادي الحاصل.
إن النهج الديموقراطي يدعو جميع المناضلات والمناضلين الديموقراطيين الشرفاء وجميع المواطنات والمواطنين ضحايا الفقر والتهميش، إلى متابعة النضال من أجل بناء أدوات التنظيم الذاتي للجماهير، في أفق بناء الديموقراطية الحقيقية.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملتقى الرباط الوطني لتنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار
- موقفنا
- تحسين القدرة الشرائية للمواطنين يتطلب مراجعة شاملة للسياسة ا ...
- خلفيات حركة مناهضة ارتفاع الأسعار في المغرب
- الحرب الأمريكية الصهيونية على لبنان ودروس المقاومة
- احتجاجا على تسليع خدمات مياه الشرب والانارة
- مأزق أنظمة التقاعد في المغرب
- احتجاجا على ارتفاع الأسعار
- اختلالات زمن العولمة
- اقامة الديموقراطية في المغرب من وجهة نظر حقوقية
- المبادرات السياسية للمطالبة بدستور ديموقراطي
- المخزن يدجن الطبقة السياسية المغربية
- حصاد الهشيم لسبع سنوات من الأداء الاقتصادي
- في تقييم سبع سنوات من الأداء الاقتصادي والاجتماعي
- نص الحكم
- اشكالية غسيل الأموال في المغرب
- نهب الثروات
- مجموعة -أونا- ، هل تنمي ثروة الملك أو الثروات الوطنية؟
- قراءة في كتاب الأستاذ علي فقير حول التشكيلة الاجتماعية والصر ...
- مؤشرات التشغيل والعطالة في المغرب


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد السلام أديب - أية مصداقية للإنتخابات الجماعية في المغرب؟