عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 1690 - 2006 / 10 / 1 - 10:48
المحور:
الادارة و الاقتصاد
من خلال هذا الحوار مع السيد عبد الرحيم ندير الصحافي بجريدة الأحداث المغربية يسلط عبد السلام أديب الضوء على الأزمة الحالية لأنظمة التقاعد بالمغرب، حيث يعتبر أن هناك أربعة مميزات تطبع هذه الأنظمة: التشتت، غياب التجانس، تهميش ممثلي المساهمين، وسيادة طابع الانتقائية، بالإضافة إلى ذلك يتطرق عبد السلام أديب إلى مدى نجاعة السيناريوهات المقترحة لحل الأزمة. حيث يرى أنه في ظل الوضع الراهن يبقى الرفع من سن التقاعد إلى 65 سنة حلا جزئيا للأزمة المالية التي تمر بها الصناديق، لكن بشرط تحسين استفادة المتقاعدين وذوي حقوقهم. وبخصوص التقاعد التكميلي يؤكد الخبير الاقتصادي أن التقاعد الأساسي يجب أن يضمن مستوى جيدا من العيش بدون أن يكون المرء مضطرا للجوء إلى التقاعد التكميلي وإلا أصبح الأمر ابتزازا.
سؤال: ما تقييمكم لمستوى أنظمة التقاعد في المغرب؟
جواب: هناك أربعة مميزات تطبع أنظمة التقاعد في المغرب يمكن إجمالها:
أولا في ظاهرة التشتت، حيث إن هناك أنظمة خاصة وأخرى عمومية لكل منها صندوق خاص، كما أن هناك مجموعة من الصناديق الداخلية لبعض المؤسسات كالمكتب الوطني للكهرباء والمكتب الشريف للفوسفاط. ويمكن اعتبار هذا التشتت مناقضا لمصلحة وطموح الطبقة العاملة وعموم الأجراء والموظفين؛
ثانيا، تتميز أنظمة التقاعد كذلك بغياب التجانس، حيث إن نسب الاقتطاعات والمساهمات وطريقة صرف المعاشات وتمويلها تختلف من نظام إلى آخر، ويحدث غياب التجانس نوعا من الحيف بين فئات المتقاعدين في المغرب؛
ثالثا، إذا كانت أنظمة التقاعد تدار نظريا عبر ممثلي الدولة وممثلي المساهمين، فإن الكلمة الفاصلة تبقى لممثلي الدولة، وهذا يعتبر تهميشا لممثلي المساهمين؛
رابعا، سيادة طابع الانتقائية بين متقاعدي القطاع العمومي ومتقاعدي القطاع الخاص، وكذا بين فئات المتقاعدين الخواص حيث يتم تفضيل البعض على البعض الآخر، وخير نموذج على ذلك قطاع الصناعة التقليدية والقطاع الفلاحي.
سؤال: منذ دجنبر 2003 وضعت الحكومة مجموعة من اللجان مهمتها التفكير وتقديم المقترحات المناسبة لإصلاح أنظمة التقاعد. ما رأيكم فيما خلصت إليه تقارير اللجان، وكذا في السيناريوهات التي اقترحتها؟
جواب: الواقع أن اهتمام الحكومة بإشكالية التقاعد ومصيره جاء متأخرا وتجسد في عقد المناظرة الوطنية حول إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب أيام 16 و17 دجنبر 2003 بالرباط، والتي أسفرت عن خلق لجنة وطنية ولجنة تقنية بمشاركة الفرقاء الاجتماعيين عهد إليهم بوضع تصور شامل للإصلاح، لكن السيناريوهات التي تم وضعها لا تتماشى كلية مع طموحات المساهمين في أنظمة التقاعد، لذلك لا زالت هذه السيناريوهات محل انتقاد شديد من طرف ممثلي المساهمين.
فأمام الأزمة المالية الحالية لأنظمة التقاعد والتي تعتبر الدولة هي المسؤولة عليها انطلاقا من رغبتها في تصفية القطاع العمومي وكذا اعتماد ما يسمى بالمغادرة الطوعية تجد نفسها أما أربعة حلول للإشكالية:
- فإما أن تعمد إلى استيعاب بطالة حاملي الشهادات فتحدث توظيفات واسعة قد تصل إلى 70 ألف منصب شغل في السنة، وبهذا تتمكن من اعادة الاعتبار لمرافق عمومية حيوية عرفت تدهورا كبيرا، مثل الصحة والتعليم وكذا وبالتالي إيجاد مصادر متجددة لمداخيل صناديق التقاعد؛
- وإما اللجوء إلى التقليص من نسبة استفادة المتقاعدين من رواتب التقاعد؛
- أو الزيادة في نسبة الاقتطاع من المساهمين؛
- أو الرفع من سن التقاعد إلى 65 سنة.
وتجدر الاشارة هنا إلى ضرورة حث الدولة على دفع متأخراتها التي تزيد عن 20 مليارا بالإضافة إلى الفوائد المستحقة عليها، وهو ما من شأنه التخفيف نسبيا من حدة الأزمة.
سؤال: من بين السيناريوهات المحتملة لإصلاح نظام التقاعد بالمغرب الرفع من سن التقاعد من 60 إلى 65 سنة ، هل يعتبر ذلك في نظركم حلا ملائما للأزمة الحالية؟
جواب: في إطار الوضع الراهن، وبالنظر إلى جميع المعطيات الموضوعية يبقى هذا الحل مقبولا لبلوغ حل جزئي للأزمة المالية لأنظمة التقاعد في نظر الدولة على شرط أن تتحسن أكثر استفادة المتقاعدين وذوي حقوقهم.
سؤال: لكن ألا تعتقدون أن هذا السيناريو لا معنى له خاصة في ظل انخفاض متوسط الأمل في الحياة في المغرب، حيث لا يتجاوز هذا الأمل 68 سنة؟
جواب: إن الأمل في الحياة مرتبط بارتقاء الحياة المعيشية للمواطنين، ومدى صلاحية المرافق العمومية لتأمين الخدمات الأساسية، إضافة إلى تحقيق الرفاه العام، لكن هذه الأمور تشهد تدهورا عنيفا في بلادنا نتيجة تطبيق الوصفات الليبرالية المتوحشة التي تعصف بالمرفق العمومي وتفوته لقطاع خاص لا يهمه سوى تحقيق الربح. فالإصلاح يجب أن يكون ديموقراطيا وجذريا ينطلق من مصلحة الشعب المغربي وليس من مصلحة رأس المال الدولي الذي تعبر عنه برامج المؤسسات المالية الدولية. أما بالنسبة لرفع سن التقاعد إلى 65 سنة فلن يضيف أو ينقص من الأوضاع المتردية أصلا اللهم توفير ما يمكن التغلب به على اختلال توازن أنظمة التقاعد، ويبقى ضروريا أن تتماثل استفادة المتقاعدين مع ذوي حقوقهم.
سؤال: في نظركم لماذا اختارت الحكومة تدارس رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، رغم أنها في السابق كانت تفكر في تخفيضه إلى 55 سنة من أجل القضاء على معضلة البطالة؟
جواب: 65 سنة كسن للتقاعد معتمدة في أوربا، وتصل أحيانا في بعض البلدان الإسكندنافية إلى 70 سنة، وبالتالي فالمغرب لم يكن سباقا إلى التفكير في الرفع من سن التقاعد، بل هناك دول أخرى طبقت هذه القاعدة منذ سنوات من أجل حماية أنظمة تقاعدها، لكنها وفرت لها الظروف الملائمة. أما في المغرب فرغم أن العمر المفترض للحياة عرف تطورا نسبيا خلال السنوات الأخيرة، إلا أن ظروف العمل في بعض القطاعات لا تسمح بتاتا بتطبيق قاعدة الرفع من سن التقاعد، وبالتالي يجب على الحكومة جعل هذا الإجراء اختياريا وتطوعيا وليس إجباريا، كما يجب عليها، في مقابل ذلك، تحسين استفادة المتقاعدين وذوي الحقوق.
سؤال: يرى البعض أن توحيد أنظمة التقاعد يمكن أن يكون حلا مناسبا لأزمة صناديق التقاعد خاصة أنه يعتبر الضامن لمبدإ المساواة بين المنخرطين؟
جواب: يبقى هذا الحل مثاليا لو تمكنت كل الأطراف من وضع تصور شامل حول نسب الاقتطاعات والمساهمات وطريقة صرف المعاشات وتمويلها، وسن التقاعد، لكن اختلاف طبيعة المهن ودرجة المخاطر التي تتضمنها تتطلب معاملة تمييزية في بعض الأحيان، ومع ذلك يمكن أن تدخل هذه المعاملة التمييزية في إطار منظور شمولي.
سؤال: تعتبر بعض الهيئات النقابية أن على الدولة تشجيع الادخار الشخصي خاصة عبر الانخراط في أنظمة التقاعد التكميلي. في نظركم هل سيمكن ذلك من ضمان مستوى جيد للمعيشة بالنسبة للمتقاعدين؟
جواب: التقاعد التكميلي وسيلة من بين وسائل أخرى تلجأ إليها الأبناك ومؤسسات التأمين لمراكمة مدخرات المواطنين بشروط لا تضاهي شروط التقاعد الأساسي وإنما تكون في حدود أدنى من هذا الأخير فيما يخص الفوائد. ويعتبر الادخار التكميلي اختياريا ويخضع لتقييم ذاتي للمعني به. أما التقاعد الأساسي فيبقى متميزا، ويجب أن يضمن هذا التقاعد مستوى جيدا من العيش بدون أن يكون المرء مضطرا للجوء إلى التقاعد التكميلي وإلا أصبح الأمر ابتزازا.
سؤال: يتخوف العديدون من استغلال ملف الإصلاح في مساومات الانتخابات التشريعية القادمة، كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
جواب: لو كان أمر إصلاح أنظمة التقاعد محل نقاش ديموقراطي بين مختلف الأطراف، ولو بلغ الصراع أشده لتغليب منظور معين على آخر، فسنعتبر أن المصلحة العليا للبلاد هي التي تقود الأطراف المتصارعة لترجيح منظورها، لكن أن ينطلق التصور من توجيهات المؤسسات المالية الدولية، وأن يقتصر دور الفاعلين السياسيين والاقتصاديين على كيفية تطبيق هذا التصور، فعلينا ألا ننسى أن الأزمة الحالية لأنظمة التقاعد نابعة من توجيهات المؤسسات المالية الدولية، وترتبط هذه الأزمة عموما بمنظور هذه المؤسسات للقطاع العمومي والبحث عن سبل خوصصة هذه المؤسسات، وبالتالي خوصصة صناديق التقاعد. وبطبيعة الحال فإن المؤسسات المالية الدولية تؤدي في هذا المجال خدمة جليلة لرأس المال الدولي للاستحواذ على مختلف القطاعات العمومية ذات الأرباح المرتفعة عبر الخوصصة وتعتبر صناديق التقاعد أهم مصدر لمدخرات البلاد.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟