أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لبيب سلطان - فهم الرأسمالية وعلاقتها بالليبرالية ( فهم العالم المعاصر 2)















المزيد.....



فهم الرأسمالية وعلاقتها بالليبرالية ( فهم العالم المعاصر 2)


لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)


الحوار المتمدن-العدد: 7666 - 2023 / 7 / 8 - 12:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1. مفهوم الرأسمالية ونشأتها تاريخيا
الرأسمالية مصطلح حديث نسبيا وربما لاتزيد فترة استخدامه الى اكثر من 200 عام ،وتحديدا الى مابعد الثورة الصناعية حينما بدأ التوجه الى " ادارة توظيف الاموال في الانتاج للحصول على الارباح والاستمرار في اعادة تدويرها لغرض النمو والتوسع في الانتاج ومنه زيادة الثروات" . ان هذه الكلمات القليلة توجز محتوى هذا المصطلح بشكل شبه كامل تقريبا، وعليها اقيمت قوانين واطروحات علم الاقتصاد المعاصر، أي مابعد الثورة الصناعية

ان المال الذي يستثمر في العمل والانتاج يسمى رأسمالا ، وهذا فرقه ألأساس عن "المال" المكدس في الخزائن المصرفية ، أو تحت الارض في قصور الاثرياء والنبلاء والاقطاعيين. والعمليات والقوانين التي تدير وتنظم استثمار هذا المال في الاقتصاد هو ما يدعى "الرأسمالية" ، أنها تشمل قوانين ادارة عملية الاستثمار،ومجمل العمليات المتعلقة بالانتاج والتسويق وتمويل نموذج التوسع الاقتصادي في الانتاج ( انتاج السلع والخدمات).

ان نشأة نموذج استخدام المال " كرأسمال " للاستثمار في الانتاج يعود لجدواه في زيادة الارباح والثروة في الفرصة التي وفرتها الثورة الصناعية بادخال الالات في الانتاج والتحول الى "ألأنتاج ألالي" بديلا "للانتاج اليدوي". ان هذا الانتقال تطلب نموذجا جديدا للاقتصاد ( بسبب الحجم الكبير للاستثمار اللازم مثل انشاء معامل تحتاج لراسمال كبير ، واستثمار تمويل بناء الالات ، واستثمارا لتمويل انشاء سكك الحديد لنقل البضائع ،وغيرها) وهي مايتطلب استثمارات مشتركة وكبيرة تحتاج لاخراج الاموال من " الخزائن وتحت الارض" وتحويلها الى الفعل والانتاج . انه نموذجا يختلف جذريا عن نموذج استخدام المال من عمر الحضارة البشرية الممتدة الى الاف السنين ، والذي يمكن تسميته عصر"ألأقتصاد الجامد" أو عصر "ثبات الثروة" أو " ثبات حجم الكعكة" . كانت الأموال والثروة دوما موجودة لكنها مخزنة مكدسة سواء في خزائن الملوك والقياصرة وتستخدم غالبا لتمويل غزواتهم، او بناء قصورهم وقلاعهم وقبورهم (فالمال الذي استخدمه فرعون في بناء الاهرامات ليس استثمارا كونه لايدر ربحا ولايوسع الانتاح ولايؤدي لنمو الثروة ) ، أوتكون الاموال مدفونة تحت الارض في خزائن قصور الاقطاعيين والنبلاء، واستخدامها في حفلات العشاء او بناء القصور او اقتناء المجوهرات هي ليست استثمارا ولايؤدي لزيادة الانتاج والثروة الاجتماعية، وكذلك المال في خزائن سفن القراصنة التي تجوب البحار.
ان اهم ميزات الاقتصاد ماقبل الثورة الصناعية هو " ثبات الثروة " ، أو "الكعكة الثابتة الحجم " ، فلو اراد القيصر زيادة ثروته ، أي مايملكه من اموال وممتلكات له ( قصور ، مزارع ، مجوهرات ، وجميعها مع الاموال تشكل الثروة ) ، فيلجأ لزيادة الضرائب على الاقطاع والسكان. انه سيقلص من ثروة الاقطاعي ،،فما تنتجه ارضه من ريع كان ثابتا تقريبا، واذا قلص الاقطاعي اجورأو عين فلاحيه للتعويض عما اخذه القيصر، فيكون الامر مجرد اعادة تقسيم الكعكة ، حيث القيصر زاد حصته على حساب الاقطاعي، والاقطاعي على حساب فلاحيه ، ولكن حجم الثروة "الكعكة " هو ثابتا او محدودا ، ومنه اتت تسمية "الاقتصاد الجامد" ، أي " الاقتصاد ذو الثروة الثابتة" المحدودة. حتى غزوات الملوك والاباطرة لزيادة الثروات لايغير في مجموع الثروة بل زيادة حصتهم في الكعكة الثابتة الحجم ( اذا احتل قيصر او عمر ابن العاص مصر قلّت ثروتها وازدادت ثروتهما ، هي ازدادت فقرا وهما زادا ثرائهما، ولكن مجموع الثروة ،اي "حجم الكعكة " ، هو ثابت الحجم) . وعموما ،وعلى مدى تاريخ نشوء المدن والسلالات والدول منذ خمسة الاف سنة تقريبا، كان حجم الثروة فيها ثابتا تقريبا،مع نمو بطيئ اعتمد اساسا على زيادة عدد السكان، ومنه حصلت زيادة محدودة في حجم الانتاج او حجم الثروة في المجتمع عموما. طبعا كان هناك بعض "المال " المحدود جدا الذي استثمر في التجارة من قبل الرأسمالية التجارية ، اوالرأسمالية الطفيلية من خلال الاقراض ، اوالعقارية من خلال المضاربات، ولكن جميعها لاتزيد الانتاج ولا تساهم في زيادة الثروة العامة الا محدودا وعادة تخزن في خزنات الاثرياء، تحت الارض كما هي في خزائن الملوك والقياصرة والنبلاء والاقطاعيين والتجار والمقرضين، ولكنها
" مالا مكنوزا " لايساهم في زيادة العمالة ، ولا في الانتاج او زيادة الثروات من خلال توسيع الانتاج.
استمر هذا النمط من الاقتصاد حتى الثورة الصناعية وظهور الحاجة لاستثمار "المال " ليصبح " رأسمالا " لتمويل التحول للانتاج الالي والصناعي . ان انطلاق الثورة الصناعية ادى الى بزوغ نوع جديد يسمى من الرأسمالية الصناعية ، أو " الرأسمالية الانتاجية ". انها وجهت استخدام المال المكدس لزيادة الانتاج ، لتحقيق ربح أعلى دون شك، ومنها زيادة الثروة العامة في المجتمع ، او زيادة " حجم الكعكة " ، وحجم حصص المساهمين في انتاجها . والزيادة في الحجم من خلال التوظيف للعمل الاتتاجي ليس هو وحده الثوري في الموضوع ، ولكن الفريد ه. الطبيعة المختلفة لاقتصاد ألأستثمار في " الانتاج الالي " هو ظهور المنافسة في السوق ، وهو من اجبر ويحبر المستثمرين واصحاب المصانع ، بدل تكديس الارباح وخزنها تحت الارض، الى إعادة استثمارها للتوسع في الانتاج ، والاستثمار في الات اكثر انتاجية لتخفيض الاسعار، او لتحسين النوعية. وتستمر اعادة استثمار الارباح في التوسع دواليك لاتتوقف الى مالانهاية في الانتاج والتوسع في النمو ، ومنها الزيادة المظطردة في نمو حجم الثروة ، اي زيادة حجم الكعكة ، فهي لم تعد ثابتة الحجم كالاقتصاد التجاري او الزراعي او العقاري او الطفيلي في الاقراض والمضاربة.
يعتبربعض مؤرخي الحضارات ان هذا النموذج الاستثماري كان قائما قبل الثورة الصناعية ، ولكنه كان مقتصرا على "الرأسمالية التجارية" ، أي استثمار الاموال في التجارة ، ويضربون المثل في قيام شركات مساهمة طرحت اسهمها للعوام في القرنين السادس عشر في هولندا ،والسابع عشر في انكلترا ، مثل شركة الهند الشرقية الهولندية ونفس الاسم بعدها البريطانية ، حيث ساهم الخواص بشراء اسهما فيها لغزو جنوب شرق اسيا والهند والصين وجلب المواد الاولية والحرير وغيرها وحصلوا على ارباحا طائلة ،كما وكانوا يبيعون اسهمهم بسعر اعلى كي يحققوا ارباحا اضافية. ولكن هذا النموذج لم يغير من نموذج " الأقتصاد الجامد " حيث ان زيادة الثروات لم تؤدي الى زيادة في الانتاج المحلي، وهذا هو الفرق الاساس بين "الرأسمالية التجارية" ، و "الرأسمالية الصناعية"، او "ألرأسمالية المعاصرة " ، او ببساطة "الرأسمالية " فقط كما يصطلح عليها اليوم، فهي قامت بعد الثورة الصناعية ودخول الالة في الانتاج لزيادته ومنه "نمو الثروة" وبزوغ "الاقتصاد الدائم النمو" ، من خلال اعادة استثمار الارباح في الانتاج من جديد للتوسع في النمو وزيادة حجم الثروة الخاصة والعامة ، ومنها زيادة "حجم الكعكة " وحجم حصص جميع اطراف الانتاج ، اي زيادة الرفاه الاحتماعي بزيادة حجم كل حصة فيها.

2. اهم اسس المنهج الرأسمالي الاقتصادي
يمكن ايجاز اهم ما تمثله الرأسمالية من عقائد اقتصادية بثلاثة نقاط:

1. توجيه المال للاستثمار في الانتاج بدل خزنه او استخدامه في املاك جامدة ( قصور ، وقلاع، وعقارات، واراضي) ، او في التجارة ، او للاقراض الشخصي ، فهذه لاتزيد الثروة العامة في المجتمع، ولاتصقل مهارات المجتمع في الانتاج ولاتخلق فرص العمل وتبقي الثروة العامة ثابتة.
2. اعادة استثمار الارباح الناتجة من الاستثمار الأنتاجي في التوسع في الانتاج والتوسع في النمو ‎( اقتناء الات جديدة وتحديثها ، توسيع خطوط الانتاج، فتح مصانع جديدة، انتاج بضائع وخدمات جديدة، تمويل بحوث علمية لتحسين النوع او ابتكار الات جديدة ، الخ).
3. ان نمو الانتاج يؤدي لنمو الثروة، وبزيادة الانتاج يتم زيادة حجمها ( أي ازدياد حجم الكعكة) مما يسمح بزيادة حصة كل الاطراف المشاركة في العملية الانتاجية والاستثمارية والادارية والتشغيلية ، الرأسمالي الغني والعامل الفقير ، بزيادة حجم حصة كل منهما بزيادة حجم الكعكة " زيادة الثروة " الناتجة من زيادة الانتاج ، اضافة لزيادة الثروة العامة للمجتمع ( يسمى حجم المنتوج القومي او الدخل القومي).
كان الاقتصادي الاسكتلندي ادم سميث ( 1723- 1799 ) أول من وصف الاسس للعمليات الاقتصادية اعلاه في التحول الى اليات الاقتصاد الاستثماري في الانتاج ، أي " الرأسمالية الصناعية " ، وفاض في مناقشتها في المجلدات الثلاثة لكتابه المعروف " ثروة أ لامم " الصادر عام 1776,الذي يعتبرولليوم اول وأهم المراجع للقوانين الفاعلة في الاقتصاد الرأسمالي على اسسها الثلاثة : توجيه الاموال للاستثمار بدل ادخارها ، اعادة ضخ الربحية الناتجة ،اي اعادة الاستثمار ، في استثمارات جديدة تؤدي للتوسع والنمو في الانتاج ، ومن الاخير زيادة الثروة الخاصة والعامة ( يوسع حجم الكعكة ) وبالتالي زيادة حصص كل الافراد المساهمين في كبر حجمها، ويناقش اسس تحقيقها على اساس التوجه المصلحي الذاتي لاصحاب الرأسمال في زيادة ثرواتهم ، والسوق الحر الذي يحدد العرض والطلب والمنافسة ‎( ومنه سمي الاقتصاد الحر)، وزيادة الانتاج من خلال التوسع واعادة استخدام الارباح فيه، ومبدأ وتقسيم الاعمال، وغيرها من المواضيع التي تشكل مواد علم الاقتصاد المعاصر.
لفهم دور الاستثمار في زيادة الثروة ومنا زيادة حصص المساهمين في العملية الانتاجية،يطرح ادم سميث في الفصل الثامن من المجلد الأول في كتابه مثالا لصاحب ورشة لصنع الاحذية وطرق توسعه في حال اراد استخدام مدخراته ،مما يفيض عن حاجة عائلته وبذخها ، في هذا التوسع.
امامه خيار زيادة عدد العاملين في ورشتت مثلا ، ويناقش العملية بابعادها الاجتماعية بين الرغبة الانانية لصاحب العمل في الثراء الشخصي، وبين تبرير موقفه اخلاقيا امام المجتمع انه يساهم في زيادة ثروة المجتمع وتشغيل الناس، كما ويناقش موقفه من زيادة اجور العاملين اما ببخل ومصلحة انانية ، او بتوافق او بتهديد انتقالهم للعمل مع منافس (ولم يتناول الاضراب او تأسيس نقابات تتفاوض معه على زيادة الاجور تحت التهديد بالاضراب حيث لم تكن في وقته قد ولدت بعد كما نراها اليوم ) . وساقوم باستخدام مثال افتراضي لنفس هذه الورشة الصغيرة لمناقشة ادخال الالة والاستثمار فيها للتوسع في الانتاج. لنفترض انه كان يشغل عشرة عمال وينتجون في اليوم 20 زوج احذية ، يدفع لهم ماقيمته 10 احذية اجورا، و5 لقيم المواد الاولية وتغطية باقي كلف الانتاج والعمل ، و 5 يحقق بها ارباحا لمعمله أي يبقيها لنفسه ، ونفترض انه يدخر قيمة 2 منها بعد تغطية مصروفات عائلته. ولنفترض انه اراد التوسع لانتاج مئة حذاء في اليوم لوجود سوق لها في مدينته . الخيار الاول امامه زيادة عدد العاملين الى خمسين وتحقيق التوسع من خلال زيادة العمل اليدوي ليصل الى مئة حذاء ومنه يدفع ماقيمته 50 إجورا ، و 25 كلفة ، وارباحه تكون ماقيمته 25 ، اي تزداد خمسة اضعاف عما قبل التوسع، بينما تبقى حصص العاملين ثابتة ( التوسع اليدوي في الانتاج) . الخيار الثاني انه وجد الات انتاجية تحل محل التوسع اليدوي وباقتناءها يمكنه تشغيل نفس العمال ( مع تدريبهم على معرفة ميكانيكية في ادامة واصلاح الالات هنا يبدأ التحول لاستخدام المهارة والمعرفة المهنية والتقنية وليس ببيع عملهم اليدوي فقط) . اي انه يستثمر في الالت بدل توظيف 40 عاملا يدويا . هنا يقيم معادلتين ايهما يدر ربحا اكثر له ( وهذه المعادلات هي جزءا من قوانين علم الاقتصاد الرأسمالي المعاصر) . ولنفترض انه وجد ان الخيار الالي في التوسع اكثر ربحا له (وهو الحال دوما هكذا من التوسع اليدوي ) . ووجد هناك ثلاثة خيارات امامه للتوسع في تنفيذ برنامجه الالي وفق حجم مدخراته.
الاول ان مدخراته كانت كافية لتغطية كلف الالات وللقيام باستثمارها في التوسع لزيادة الانتاج الى 100 زوج في اليوم. ووفق برنامجه سيدفع منها ماقيمته 25 زوجا لعماله (أي ضعفين ونصف ماكانوا عليه قبل التوسع نظرا لزيادة مهارتهم ، وهنا مثالا واضحا على دور الرأسمال في تطوير المهارات الفنية ودفعها لتطوير العلم لتطوير وابتكار آلات عالية الانتاجية ، واحتمال انتقالهم لمنافس له في السوق الحر الذي اشار اليه ادم سميث ودخول منافس في الاستثمار، وصعوبة التعويض عنهم في حالة انتقالهم الى منافسه باجور اعلى ، اوحتى بسبب تهديدهم بالاضراب من جهة اخرى) ، و 25 كلف المواد ، وتكون قيمة 50 زوج المتبقية ارباحا له ، اي انه ضاعف ارباحه 10 مرات قياسا بخمسة في التوسع اليدوي، وهي نتيجة مجزية للتوجه لاستثمار مدخراته للتوسع الالي في الانتاج. ولكن هنا ربما تأتي اهمية نظرية ادم سميث في فعل السوق الحرة على تطوير الانتاج والتوسع بدل التوجه لادخار الاموال، كما هو خيار صاحب الورشة، فيمكنه التوقف عن التوسع وجعل ارباحه تتراكم دون اعادة استثمار. بفعل السوق الحرة سيبادر صاحب ورشة اخرى في التوسع ويطرح احذية اقل كلفة وربما افضل نوعا وتسويقا .هنا الخيار امام صاحب ورشتنا تقليل الاسعار ويكتفي بجعل ارباحه تتقلص الى قيمة 25 زوجا. ولكن السوق الحرة مفتوحة للمنافسة ، ومنها يبرز منافسا ثالثا اكثر قدرة و يستخدم آلات احدث وانتاجية اعلى، ولنقل انه ينتج 500 زوج ويطرحها بنصف سعر صاحب ورشتنا، عندها ستتلاشى ارباح صاحبنا ويضطر لغلق ورشته واعلان افلاسها ، وخلافه ، فهو مضطر لاعادة استثمار مدخراته في التوسع في الانتاج، اوىالتوجه لاستثمارها في انتاج سلع جديدة اقل منافسة في السوق الحرة ، مثل انتاج حقائب السيدات. هذا المثال هو تقريبا ايضا مارأيته في العراق في الستينات في المنافسة بين معمل رافد ومعمل باتا ومعمل احذية الشرق ( الذي كان يصدر نصف منتوجه لبريطانيا كونه متخصصا في انتاج الاحذية الراقية الراقية ) وكانت ملكية الاول لزوج خالتي ، والثاني لصديق والدي ، وفي الاخير كان رئيس الاسطوات مدربا لفريقنا لكرة القدم ( كان شيوعيا واغتاله البعث عام 1978 وبكيت عليه يومين وانا طالبا خارج العراق، كان يصرف نصف مدخوله على فريقنا وكنا نحبه بعمق) .كنت مطلعا على وضعهم جميعا ومنذ الستينات من خلال احاديث الجميع.

كان بامكان صاحب الورشة أعلاه الاستمتاع بالارباح العالية والاكتفاء بها ، ولكن السوق الحر والمنافسة التي ناقشها ادم سميث في مجلده هو الذي يدفعه لاعادة الاستثمار والتوسع في الانتاج والتسويق و تشغيلها بدل خزنها ، ومن التوسع في زيادة حجم الانتاج ، يتم زيادة حجم الثروة " حجم الكعكة " وحجم حصته وحصة عماله .
الحالة الاخرى ان مدخراته كانت تكفي لتغطية 75 % من كلف التوسع ، وعليه اللجوء للاقتراض من مصرف ليغطي اقراضه 25 % المتبقية ، وحسب ان عليه تأدية قرض البنك مقابل 10% من ارباحه ( عشرة ازواج يوميا ومنها تتقلص ارباحه الى اربعين زوجا ).
هناك حالة ثالثة حيث وجد انه لايحبذ الاقتراض الشخصي والمجازفة بوضع املاكه رهينة للمصرف ، بل بادخال مستثمرين معه وتحويل ورشته الى شركة مساهمة خاصة (مع عدد من المستثمرين) ، او عامة بتسجيلها في سوق الاسهم ( وطرح 10 % من اسهمها للعوام ) ،وفي كلتا الحالتين سيمتلك المساهمون الجدد، الخواص او العوام ، على 10 % من ملكيتها ومن ارباحها. هو سيحصل على نفس ارباحه ، ولكن التوسع جرى من خلال جذب مدخرات اخرى للاستثمار في الانتاج ، مدخرات عدد محدود من المستثمرين الخواص ، او مستثمرين لايعرفهم من العامة امن خلال اقتناءهم لاسهم ورشته المطروحة في سوق الاسهم وامتصاص المال المدخرفي المجتمع للاستثمارفي النمو وتوسيع الانتاج. اضافة ان قيمة الاسهم بحد ذاتها تبدأ بالارتفاع بزيادة الارباح ، ولكن الأهم اليوم ، هو ان هذه القيمة اصبحت تعتمد على التوقعات المستقبلية للارباح والنمو، وليس عما هو حاصلا اليوم من ارباح، وجاء هذا ليشجع جذب الاستثمارات في الشركات المبتكرة الناشئة وخاصة التكنولوجية. هذا النموذج الذي تطور بمرور الزمن ربما لم يناقشه بشكل كاف ادم سميث عام 1776 في "ثروة الامم " ، ولكن رغم تغير اشكال ونماذج الاستثمار وادارة الراسمال وتطور المعرفة الاقتصادية لعمليات ادارتها مع تطور العلوم ووسائل الانتاج، خلال اكثر من 250 عاما ، فهو في الجوهر يحمل نفس سمات المعادلات التي طرحها ادم سميث حول دور تشغيل المال في العملية الرأسمالية واستثماره في الانتاج لتكبير حجم الكعكة " الثروة " ، ومنها زيادة الرفاه الاجتماعي بزيادة حجم حصة كل مساهم فيها.

يعتبر الكثير من مؤرخي الحضارات ان الرأسمالية هي اكبر ثورة في تاريخ البشرية على الاطلاق بطرحها نظريات ادارة الاقتصاد وفق تحويل الثروة المكنوزة الى الاستثمار في الانتاج لتحقيق النمو وزيادة حجم الثروة ومنها زيادة حجم حصص المساهمين في نمو هذه الثروة ، واصبحت وسيلة لزيادة الرفاه العام في المجتمع، بتحوله من " الاقتصاد الجامد الثروة " الى " الاقتصاد الدائم النمو والثروة". ان اسس قوانينها والياتها قد تم من خلالها ترجمة الدعوات الربانية كالواردة في القرآن مثلا " والذين يكنزون الذهب والفضة فبشرهم بعذاب أليم " ، او ما ينسب للمسيح قوله " لأن يمر جَملاً من ثقب إبرة هو اسهل من مرور غني خلالها يوم القيامة" ، وغيرها.
والواقع ان الفضل في نشوء الرأسمالية يعود الى العلمانية التي حررت العقل ومنه تطور العلم ليقوم بدوره في ابتكار الالات وتطوير الانتاج ووسائل ادارته الاقتصادية في الاستثمار في الانتاج . ان هذه النقلة بتوظيف الاموال في الانتاج بدل خزنها ، وتشغيل الناس لكسب رزقهم من عملهم، فاقت الدعوات الربانية بحسنة الصدقة وتوزيع ثروة الغني على الفقراء والمحتاجين لكسب رضا الرب ، وهو حسنة دون شك، ولكن الرأسمالية بدعوتها لتشغيل المال المكنوز لتشغيل الناس اكثر جذرية وفعالية منها ومساهمة في تحسين احوال الناس على الارض. انها قالت استثمر المال لصنع سنارة "الة " ليصطاد الفقير بها سمكة خيرا من اعطاءه سمكة يأكلها ثم يرجع ليجوع من جديد، بانتظار صدقة جديدة.
هناك سببا موضوعيا بوضع العلمانية وراء نشأة الرأسمالية فهي التي بدأت الدعوة والنهج لفصل العلم عن المقولة الدينية منذ القرن السابع عشر، او حتى قبله. وبنجاحها في فصله ، استطاعت العلوم التطور السريع خلال القرنين السابع والثامن عشر وصولا الى تمكين العلوم للانسان في ابتكار وتطوير الآلات الانتاجية ، التي ادخلت البشرية عصر الثورة الصناعية والتي جاءت بنظريات الرأسمالية لاستثمار الاموال في الانتاج ، واعادة ضخ الارباح لتوسيعه وزيادة حجم الثروة الخاصة والعامة ، "حجم الكعكة" وزيادة حجم حصصها ،أي زيادة الرفاه الاجتماعي .

3. الرأسمالية وعلاقتها بالليبرالية
ان الراسمالية هي فلسفة وقوانين ادارة وتطوير الاقتصاد لمرحلة ما بعد الثورة الصناعية، اما الليبرالية فهي فلسفة الادارة السياسية للدولة وشؤون المجتمع على اسس الحقوق والحريات. ارتبط كلاهما في تكوين شكل الحضارة الحالية ، وشكل الدول الأكثرتحضرا واستقرار وحريات وحقوقا ورفاها في العالم المعاصر، حيث تقف الدول الرأسمالية الاقتصاد والليبرالية في نظم الحكم على رأس دول العالم اليوم تحضرا وتقدما في كافة الميادين.
ساهمت الرأسمالية ومنذ القرن التاسع عشر الى احداث نقلة هائلة في تطور الاقتصاد وزيادة ثروات هذه الامم منةخلال زيادة انتاجها الصناعي ، وطورت واتقنت طرق استثمار اموالها وثرواتها ( بدل خزنها ) في الانتاج ومن تحويل ابتكارات العلم الى سلع وبضائع وخدمات جديدة زادتها ثراء وثروة.
من جانبها ساهمت الليبرالية في صياغة شكل متطور لنظم الحكم الديمقراطي بجعلها تخضع لسقف من الحقوق والحريات الاجتماعية،وأهمها حقوق الفرد المواطن كفرد وانسان مواطن لايمكن لاي حاكم او حكم التجاوز على حقوقه ، والحريات الفكرية ، وكلاهما شكل الليبرالية السياسية ، والتي هي الترجمة الاجتماعية للعلمانية ووليدة لها ، حيث ان بزوغ الفكر الليبرالي يرجع لنجاح العلمانية في دعوتها لتحرير العقل من تقييد المقولة الدينية والعقائدية ، اي لاطلاق سراح العقل لممارسة حرية الفكر. ساهمت الليبرالية كفلسفة سياسية قائمة على الحقوق والحريات في تطوير نظم الحكم وجعلتها مكرسة وملزمة للحكام والحكومات في قوانين ودساتير ومؤسسات الدولة . وكرست الديمقراطية السياسية في انتخاب واقامة الحكومات ، والديمقراطية الاجتماعية سقفا عليها ، ومنهما خلقت عوامل الاستقرار السياسي والاجتماعي لتطور الدول والمجتمعات. ومن نفس منبر الليبرالية في توسيع الحقوق والحريات تم تطوير برامج اجتماعية تبنتها الدول والبرلمانات لتحد من ركض الرأسمالية الانتاجية وراء الارباح، مثل برامج العدالة الاجتماعية ، واخرى لتنظيم قوانين العمل ، وبرامج للضمان الاجتماعي والصحي والتقاعد لجميع المواطنين ، وبرامج لاتعد في تطوير الخدمات الاجتماعية ،تمول جميعها من ضرائب تفرضها الدولة على ارباح الرأسمال ، ويقدمها الأخير صاغرا وراضيا مقابل توفير الغطاء القانوني لاعماله وفق القانون ايضا، وتوفير الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة ، وهما اهم عاملان في خلق البيئة والمناخ المشجع على استثمار الاموال للانتاج وفق فلسفة الرأسمالية. ان الليبرالية اصبحت هي سلاح المجتمع في تطوير حقوقه وحرياته، بما فيها اقامة السقوف الاجتماعية والقانونية على شغف الرأسمالية في الارباح والتوسع والنمو ، والذي ليس بالضرورة يلتقي دوما مع حاجات وتطلعات المجتمع ، وبها لجأ المجتمع على اجبار البرلمانات لسن قوانين لصالحه حين تتقاطع مع مصالح الرأسمال ، ووضع سقوف عليه وفي الخضوع لسياسات وقوانين الدولة ،خصوصا عند تجاوزه على الحقوق والحريات ، او قضايا تمس مصالح فئات اجتماعية ( الأقليات ، النساء ، الفئات القليلة الدخل ) ، اوتمس قضايا البيئة ، وغيرها من القضايا التي تهم المجتمع. وهنا تلعب الليبرالية السياسية والاجتماعية ، ومن خلال احزابها ونقاباتها واتحاداتها واعلامها ونشطائها دورها في هذه المواجهة حيثما حصل خرق لحقوق المجتمع . وتطرح سياسات وقوانين لتتبناها الدولة لصالح المجتمع حيثما وجد هناك تقاطعا مع الرأسمال، وتلجأ للقضاء حيثما يتم الخرق. ومن جانبها تعلم الرأسمال ان يتنازل و يتعايش مع مطالب المجتمع كي يظهر نفسه انه مسؤولا أخلاقيا امام المجتمع ، وانه يساهم في تطوير اقتصاده ورفاهه وتوفير فرص العمل ومنه فهو يساهم في تطوير المجتمع، ولكن الليبرالية السياسية هي التي توفر الاجواء والادوات للاحزاب والحركات التي تؤمن بالديمقراطية لقيادة الاصلاحات الاجتماعية في الدول الليبرالية .
يمكن رسم معادلة التفاعل الكيميائي بين الليبرالية والرأسمالية في الدول الليبرالية المتقدمة على الشكل هي:
الليبرالية السياسية والاجتماعية + الرأسمالية الاقتصادية =
نظم الحكم الديمقراطية المستقرة + المجتمعات المرفهة القائمة على الحقوق والحريات
ان هذه المعادلة هي على غرار مادرسناه في قوانين الكيمياء ( الحامض + القاعدة = الملح + الماء ) ، هي معادلة واقعية افرزتها تجارب المجتمعات المتقدمة اليوم، فهي معادلة الحضارة الحالية ونجدها تحديدا في دول اوربا الغربية واميركا وغيرها، أي الدول التي خاضت معركة العلمانية مبكرا لنيل الحريات الفكرية التي ساهمت في تطور العلم وادخلت مجتمعاتها في الثورة الصناعية وابتكرت اليات الرأسمالية الاستثمارية لتطوير الاقتصاد قبل غيرها من الدول، كما وهي نفس الدول التي اقرت حقوق المواطنة والحريات الفكرية التي وفرتها العلمانية لقيام الليبرالية السياسية كفلسفة مؤَسِسَة لاقامة نظم الحكم الديمقراطية على اسس الحقوق والحريات .وإذ شكلت هذه المعادلة اهم اسس نجاح الحضارة الغربية المعاصرة، فقد اخذت بها بقية المجتمعات خارجها مثل اليابان وكندا واستراليا ، حيث ادركت ان طريق تقدمها الحضاري والمعيشي يمر عبر تطوير نظامها السياسي ليقوم على اسس الديمقراطية السياسية والاجتماعية ( الليبرالية) وتطوير اقتصادها الاستثماري ( الرأسمالي) ليخلق فرص العمل وزيادة الانتاج ومنه نمو الثروة وخلق ظروف الرفاه.
ان خرق احد اطراف هذه المعادلة قد اظهر نتائج اجتماعية وخيمة .فهناك ومن نفس اوربا، حيث مكان ولادة وتجارب المجتمعات العلمانية والثورة الصناعية، تجارب حدث فيها اخلالا باحد مكونات الطرف الايمن في المعادلة اعلاه ، وانتجت خرابا ، في دولها ومجتمعاتها العلمانية. ففي القرن الماضي تم طرح نظما ايديولوحية للحكم غيرالنظم الليبرالية ، مثلا وفق طروحات الايديولوحية القومية ،كما في المانيا وايطاليا ، وانتجت المعادلة التالية:
نظم الحكم الايديولوجية القومية + الرأسمالية الاقتصادية =
نظم الحكم الديكتاتورية الشمولية + مجتمعات عسكرية خاضت حروبا ومارست القمع الاجتماعي
ومثلها في الدول التي جربت الايديولوجيا الماركسية في الحكم وادارة الاقتصاد ، مثل الاتحاد السوفياتي ودول اوربا الشرقية ، وانتجت المعادلة التالية:

نظم الحكم الماركسية + نظام الادارة المركزية للاقتصاد من الدولة =
نظم الديكتاتورية الشمولية + مجتمعات فقيرة يحكمها القمع والاستبداد السلطوي.

ان جميع هذه النماذج تمت تجربتها في اوربا أولا ، وتم انتقالها منها لدول اخرى ، بما فيها دولنا العربية، وفي جميعها فشلت ودمرت. وإذ وعت اغلب الشعوب والمجتمعات اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، ان المعادلة الاولى هي التي نجحت ، وهي التي وفرت الاستقرار والرفاه والحريات بان واحد، فهي بدأت السيرحثيثا على طريقها ، وتجتمع جهود احزابها الديمقراطية ومثقفيها وواعلامييها وجمعياتها المدنية والمهنية لتعبئة شعوبها والتوعية السياسية والاجتماعية لاصلاح عمل واداء حكومتها ودولها وتعميق ديمقراطياتها لتصب في مجرى واحد للوصول الى اقامة المعادلة اعلاه. ان هذا يجري تقريبا في اغلب دول العالم اليوم، عدا شعوبنا وأغلب دولنا العربية اليوم، فهي لم تبدأ بعد فعلا معركة الاصلاح الليبرالية والاقتصادية وذلك لاسباب عديدة نتناولها تحت.
4. الرأسمالية والليبرالية في العالم العربي
من نافل القول ان هناك رأسمالية او اقتصادا رأسماليا انتاجيا في عالمنا العربي ، كما ولايوجد نظاما ليبراليا فيه. ولا بد من الأشارة هنا انه لايوجد نظام رأسمالي للحكم في العالم ، بل يطلقه الماركسيون العرب على الدول ذات الاقتصاد الرأسمالي ، والأصح تسمية نظم الحكم باصنافها ديكتاتورية ، ديمقراطية ( تأخذ بشكل مبسط واحيانا مزور من الديمقراطية السياسية والاجتماعية) ، وليبرالية ( تأخذ بكلتيهما معا وتضع الحريات والحقوق سقفا على الحكم والديمقراطية السياسية )، فاجتماع كليهما ،الرأسمالية والليبرالية، هو معدوما اوشبه معدوما في بلداننا.
ان الرأسمالية العربية لاعلاقة لها بنموذج الرأسمالية الانتاجية الا نادرا، فاغلب ماتستثمره هو في قطاع التجارة "الرأسمالية التجارية "، أو المضاربة بالعقارات " الرأسمالية العقارية " ، او الاقراض والمضاربات المالية كتحويل العملات " الرأسمالية الطفيلية" ، وجميعها تتميز بصغر حجم استثماراتها قياسا لحجم المال المكنوز لديها أو في المجتمع (المال المدخر عند الرأسماليين والعامة معا) ،وتنحصر اغلب الاستثمارات في قطاعات غير انتاجية، أي لاتزيد الثروة العامة للمجتمع ، وتبقى الاموال تتداور مع ارباحها بيد الرأسمالي التجاري والطفيلي، دون مساهمة اجتماعية له في صقل مهارات وقدرات المجتمع الانتاجية وتطوير قابلياته في الأنتاج والابتكار وفي تحويل منجزات العلم الى منتج صناعي ينتج ارباحا ليتم اعادة استثمارها في التوسع وتنمية الثروة العامة ومعها زيادة فرص العمل وتنمية القدرات والمهارات في المجتمع . ان اقتصاد اغلب بلداننا يعود لنموذج " الاقتصاد الجامد النمو" و" الجامد الثروة " ، أي كما كان لمرحلة ماقبل الثورة الصناعية .
انها لم تدخل مرحلة الاستثمار العام للاموال في زيادة الانتاج والتوسع فيه ، واعادة استثمار الارباح للنمو والتوسع " الاقتصاد الدائم النمو" ، وادخار وخزن المال اليوم في الدول المتقدمة يعد "كفرا "، إن لم يكن تخلفا امام امكانية تحقيق ارباحا كتلك التي يوفرها الاستثمار ( تجدر ملاحظة ان نسبة الاموال المدخرة في المصارف في اميركا مثلا لايتجاوز 10 % في احسن الاحوال من حجم الاموال المستخدمة في الاستثمارات بجميع انواعها، وهذه المعادلة تشمل راس مال المصارف نفسها ، والمودعات فيها نقدا سواء للراسماليين او العامة، وفي جميعها أكثر من 90% من الودائع المالية النقدية مستثمرة في الانتاج والنمو الاقتصادي والتوسع فيهما ، ولو طالب جميع المودعين بسحب ودائعهم نقدا بنفس الوقت لاعلن اكبر بنك في اميركا افلاسه اليوم، وهذا ماحدث مع بعض المصارف مؤخرا) ، فالمال لا يدخر بل يشغل في الانتاج والتوسع ( انتاج السلع و الخدمات ). عكس بلداننا العربية، حيث 90 % من المال مدخرا ( داخليا او مهربا للاستثمار في الخارج واغلبها على شكل عقارات، و10 % او أقل مستثمرا داخليا باشكال اللاانتاحية .
لنتناول قضية التخلف الاقتصادي الانتاجي.
هناك جملة قضايا تعيق عالمنا العربي امام نمو الرأسمال والاستثمارات الانتاجية ( أي تلك التي تساهم بنمو الاقتصاد والثروة والرفاه العام والقدرات والمهارات العامة في المجتمع ) .

ـ أولها وأهمها إنعدام ثقة اصحاب رأس المال في حكوماتهم ( ومنها يقومون باستخدام محدود لاموالهم في قطاعات غير انتاجية مثل التجارة والعقارات والباقي عادة اما يدخر على شكل املاك اويسرب للاستثمار خارج الحدود )، وانعدام الثقة فيها يعود كما نعلم الى نظم الحكم الديكتاتورية ( الفردية ،العسكرية ، او الايديولوحية ، او المعادية لنمو الرأسمال الوطني، او حكم وتحكم الميليشيات )، احيانا تجتمع بعضها او حتى جميعها معا ، ومنهاغياب استقرار الاوضاع السياسية والاجتماعية فيها ، و غياب القوانين والقضاء المحايد، وجميعها تؤدي الى المناخ الطارد للاستثمار الانتاجي الوطني، دعك عن جذب الخارجي الذي يرى ان الداخلي يهرب خارجا فكيف هو يدخل ويستثمر وهو يرى الهاربون .

ـ ثانيها انعدام البنى التحتية اللازمة للنمو الانتاجي والاقتصادي بكل اصنافه. انها مهمة الدول التي لم تقم بها مثل اقامة شبكات الطرق السريعة وسكك الحديد والموانئ الكبيرة والمطارات وشبكات الكهرباء والاتصالات وغيرها. ان البنى التحتية لاغلب الدول العربية ، وخاصة الكبيرة منها مثل مصر والعراق وسوريا والجزائر، شبه منهارة وقديمة ومتهرئة ومحدودة القدرات ، وهي عائق جوهري اخر تقع مسؤووليته على حكومات هذه البلدان ايضا.

ـ ثالثها هو ضعف المعرفة الاستثمارية الانتاجية لاصحاب رأس المال ،وضعف حجم هذه الطبقة الاساسية لتطور المجتمعات اساسا في المجتمعات العربية. ان اقامة مشروع انتاجي يحتاج الى خبرات مهنية تقنية واقتصادية وادارية عدا حاحته لرأس المال ، وهذه لاىتتوفر لدى اصحاب رؤوس الاموال العرب . تبدأ المشاريع غالبا من دراسة السوق وحاجته واستيعابه والمنافسة ، واتمام دراسة الجدوى. وبتهيئتها تتكول فكرة المشروع للتقنيين (كالمهندسين والصناعيين ذوي المعارف الاقتصادية ) ، مثلها باقتصاديين واداريين ذوي معارف تقنية ولو محدودة . يجدر ان هذه الطبقة كانت في طور النشوء في بلداننا حتى اواسط القرن الماضي ( مثل تحول اصحاب الورش الانتاجية الصغيرة في النسيج والاحذية والحلويات والجلود والزيوت والاثاث وغيرها الى الاستثمار في اقامة مصانع انتاجية حديثة ) ، ولكن هذه الطبقة تم اغتيالها بالتأميمات في مصر وسوريا والعراق منذ ستينات القرن الماضي ،بأسم الاشتراكية ، وتم اخراجها من الاقتصاد الانتاجي لتتحول الى التجاري او الى تهريب رؤوس اموالها للاستثمار خارج بلدانها، ومنه فقدت مجتمعاتنا اهم قوة ، امتلكت المعرفة والتجربة ورأس المال ، في تطوير اقتصادها الانتاجي ، ومعها المصارف الاهلية وشركات التأمين، وطبقة ادارية ومالية خبيرة من المساهمة بتطوير الاقتصاد الوطني الانتاجي.

ـ رابعا وأود أن اضيف عاملا اخر، هو عامل الايديولوجيا الفكرية المحرضة ضد الرأسمالية التي مارستها الدعاية السوفياتية والتيار الماركسي العربي، ومنها دفع النظم القومية للتأميمات في ستينات القرن المنصرم، ولليوم يقومون بتشويه مفاهيم الاستثمار الوطني والرأسمالية وكذلك تشويه مفاهيم الديمقراطية الغربية ، لتسويق نموذج " الاقتصاد ألأشتراكي" ،أي الاقتصاد الذي تسيطر عليه وتديره الدولة، ونموذج " الديمقراطية المركزية او الشعبية او تحالف العمال والفلاحية " وغيرها من التقليعات الايديولوجية التي رسمت في عقل المواطن العربي صورة " أنها الحل " وفي الواقع ان كلاهما ، اي لا الاقتصاد الاشتراكي ولا الديمقراطية الشعبية بتحالف العمال والفلاحين ، يمتلك من الواقع سوى مقولات ايديولوجية لم تؤدي لغير تقوية النظم الديكتاتورية وتدمير الاقتصاد وقمع الحريات. هذا مارآه العالم في الاتحاد السوفياتي ، ومارأيناه في بلداننا الضحية لها وتراجع الحكم والاقتصاد في مصر وسوريا والعراق. وبدلا من مراجعة التجارب المحلية والدولية الفاشلة ، لازالت لليوم ، لامعركة لها غير محاربة الرأسمالية ، ولاتقترب من طرح نموذجا اقتصاديا افضل ،وذلك لكون الماركسية اساسا لم تطرحه، بل اكتفت بالنقد، وهذا ما ساتناوله في موضوع قادم.

5. الخاتمة وبعض النتائج
1. ان الرأسمالية المعاصرة هي نموذج الاقتصاد الانتاجي القائم على استثمار المدخرات المالية في الانتاج والتوسع فيه واعادة تدوير الارباح في النمو والتوسع لزيادة الثروات للدول والمجتمعات. وتُستَخدم قوانين واليات علم الاقتصاد المعاصر في ادارة العمليات الاستثمارية والاقتصادية بكافة مجالات الاقتصاد وحولت المجتمعات من نموذج "الاقتصاد الجامد " "والثروة الثابتة " الى " ألأقتصاد دائم النمو " و " الثروة المتنامية " ومنهما خلقت ظروف الرفاه الاحتماعي وتوفير فرص العمل وصقل قدرات وطاقات المجتمع.
2. ان الليبرالية السياسية والرأسمالية الاقتصادية معا خلقتا ظروف نقل المجتمعات الى طور حضاري جديد قائما على نظم الحكم الديمقراطية ونظم الحريات الفكرية والاجتماعية ، وعلى زيادة الكفاءة الاقتصادية والثروات لمجتمعاتها ومنها زيادة الاستقرار السياسي والرفاه الاجتماعي.

3. لا بد لدولنا ومجتمعاتنا العربية من بدء السير، كبقية دول العالم ، على عكازتي التحول الى نظم حكم ديمقراطية مؤسساتية، ودخول المباراة الاقتصادية في تحويل اموال ومدخرات المصارف والسكان صوب الاستثمار الواسع في الانتاج وتطوير الخدمات والبنى التحتية وفق اليات الاقتصاد المعاصر القائم على قوانين الرأسمالية الانتاجية.
4. ان الاستمرار في تشويه مفاهيم الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية والحريات التي تميز حضارتنا المعاصرة وتشكل اهم اسسها هو خدمة للسلفية والرجعية اضافة لكونها تعمق ثقافة وسياسة الكراهية للعالم المتحضر التي تقوم اليوم ببثها السلفية الدينية وتشاركها التيارات الايديولوجية الماركسية والقومية والولائية استمرار وغيا في تجهيل محتمعاتنا وابعادها عن وسائل وسبل التحضر والتقدم السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي.



#لبيب_سلطان (هاشتاغ)       Labib_Sultan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في فهم العالم المعاصر1 علاقة الايديولوجات بالاقتصاد ونظم الح ...
- لائحة اتهام 3
- لائحة اتهام لثلاثة ايديولوجيات دمرت اربعة دول عربية ـ2
- لائحة اتهام لثلاثة ايديولوجيات دمرت اربعة دول عربية ـ1
- القوانين الثلاثة لبناء الدول المعاصرة والامم الناجحة
- جذورتحول الجمهوريات الثورية الى ميليشياوية
- في علاقة النظم السياسية بنظم الذكاء الاصطناعي
- الغزو الاميركي للعراق ـ3
- الغزو الاميركي للعراق 2
- الغزو الاميركي للعراق ـ1
- في رحيل الاخ الصديق ابراهيم الحريري
- نحو خلق ثقافةعربية علمانية جديدة متحررة -2
- نحو خلق ثقافة عربية علمانية جديدة متحررة من العقائدية
- فهم الله وألدين والعلمانية اولى خطوات الاصلاح العلماني العرب ...
- العوامل الدولية في اخماد انتفاضة اذار 1991 الخالدةـ وفق دفات ...
- فهم الله اولى خطوات الاصلاح العلماني العربي-1
- باخموت ..المدينة الصغيرة التي دخلت التاريخ
- قراءات في مستقبل حرب بوتين على اوكرانيا -2
- قراءات في فهم حرب بوتين على اوكرانيا -1
- العلمانية النظرية وزيف العلمانية العربية -2


المزيد.....




- هل هذا أغرب فندق في العالم؟ نظرة على “أكبر مبنى يتخذ شكل دجا ...
- تزامنا مع سقوط الأسد.. إسرائيل تأمر جيشها بإنشاء منطقة آمنة ...
- سقط نظام بشار الأسد.. فما الذي ينتظر سوريا بعد ذلك؟
- مصر.. اتهام محمد رمضان بإهانة السادات والبرلمان يتحرك
- كوريا الجنوبية تفرض حظر سفر على رئيسها على خلفية التحقيق حو ...
- -سقط الأبد-...عهد جديد في سوريا والعالم يترقب
- خبير: مستقبل سوريا غير واضح والفراغ السياسي سيترك مجالا لنمو ...
- الخارجية الإندونيسية تعلن استهداف سفارتها في دمشق بإطلاق للن ...
- ترامب يستخدم صورة جيل بايدن لبيع عطوره
- إسرائيل تعلن إنشاء منطقة أمنية إضافية على الجانب السوري من ج ...


المزيد.....

- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لبيب سلطان - فهم الرأسمالية وعلاقتها بالليبرالية ( فهم العالم المعاصر 2)