أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إلياس شتواني - تخطيب الجنس و تبعيته التاريخية للجنسانية














المزيد.....

تخطيب الجنس و تبعيته التاريخية للجنسانية


إلياس شتواني

الحوار المتمدن-العدد: 7663 - 2023 / 7 / 5 - 00:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


القرن السابع عشر، بداية القمع في المجتمعات التي ندعوها برجوازية.
ان هذا المشروع "لتخطيب الجنس" تشكل أولاً في تقليد رهباني وكنسي محدد، إلا أن القرن السابع عشر جعله قاعدة عامة يجب على جميع الناس الالتزام بها. إنها محاولة لجعل الرغبة، كل الرغبة، خطابا. كل هذا لجعل الجنس مقبولا أخلاقيا و نافعا تقنيا. يتتبع ميشال فوكو في كتابه "تاريخ الجنسانية" تخطيب الجنس من منظور تاريخي-دلالي كشئ تمت ادارته و ادراجه في أنظمة للمتعة و تشغيله من أجل مصلحة الجميع. يتعلق الجنس بالقوة العامة، ويتطلب إجراءات إدارية، ويجب التعامل معه عن طريق خطابات تحليلية. لقد أصبح الجنس في القرن الثامن عشر قضية "شرطة". كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي أصبح فيها المجتمع مهتمًا بالطريقة التي يستخدم بها الأفراد جنسهم. وهكذا، أصبح الجنس، بين الدولة والفرد، رهانًا، رهانًا عامًا، يتم التحكم فيه بواسطة سلسلة كاملة من الخطابات ونظريات المعرفة والأوامر.
هذه الرقابة الاجتماعية نشطت في الطب أولا بواسطة أمراض الأعصاب ، و الطب العقلي بعد ذلك عندما استولى على مجموع الشذوذات الجنسية جاعلا منها ميدانه الخاص. ما يميز المجتمعات الحديثة هو أنها أوقفت نفسها على الحديث عن الجنس، جاعلين منه "سراً". حتى نهاية القرن الثامن عشر ، كان هناك ثلاثة مدونات رئيسية تحكم الممارسات الجنسية: القانون الشرعي الكنسي، الرعائية المسيحية، و القانون المدني. التحريمات المتعلقة بالجنس كانت ذات طبيعة قانونية محضة. لكن، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، اصبحت هذه التحريمات تكتسي طابع "ضد-الطبيعة" و المرض و الجنون و الشذوذ. لقد تنازل القضاء عن مهامه لصالح الطب. ولكن الطب قد تدخل بقوة في متع الفرد و اخترع مرضية كاملة، عضوية، وظيفية أو عقلية، قد تنتج عن ممارسات غير كاملة.
غدا الفرد يعيش في ثنائية المتعة و السلطة. متعة ممارسة سلطة تراقب و تترصد. متعة تشتغل لكونها تفلت من هذه السلطة، تهرب منها أو تقنعها. ان المجتمع البرجوازية للقرن التاسع عشر هو مجتمع الشذوذ المنقطع النظير. لقد أنتج هذا المجتمع برعمة مرضية طويلة للغريزة الجنسية. ان هذه السلطة التي أخضعت الجسد و الجنس، عملت على تكثير الجنسانيات الفريدة. فهي لا ترسم حدودا للجنسانية، بل تمدد أشكالها المتنوعة. لقد تحول الجنس من فن ايروسي Ars Erotica حيث ينظر للجنس كمتعة في حد ذاته، الى علم جنسي Scientia Sexualis حيث يتعلق الأمر بالاعتراف، حيث غدا الانسان حيوانا معترفا بامتياز.
إن المجتمع الذي نشأ في القرن الثامن عشر، والذي يمكن أن نصنفه كبورجوازي، رأسمالي، أو صناعي، لم يقابل الجنس بالرفض. على العكس من ذلك، فقد قابل هذا المجتمع الجنس بجهاز كامل أنتج خطابات حقيقة حوله. هذه السلطة، كممارسة، كانت دائما ما تصاغ في صورة الحق. هذه السلطة الجديدة تعمل من خلال المراقبة والرقابة وما شابه ذلك من طرق تتجاوز الدولة وأجهزتها. هذه السلطة هي الاسم الذي نمنحه لوضعية استراتيجية معقدة في مجتمع معين. هذه السلطة لا تنبع من مكان معين، ولا يتحكم فيها شخص معين. إنها تعمل من خلال الثنائيات و المركبات التي ترتد بين الأشخاص الذين هم في السلطة والمسيطر عليهم. إنها صامتة تتغلغل بعمق في الجسد الاجتماعي. هذا الخطاب حول الجنسانية عبارة عن مركبات من المعرفة و السلطة.
يمكننا قبول أن العلاقات الجنسية، في جميع المجتمعات، قد نشأت من "مركب للتزاوج"، حيث الهدف الرئيسي هو تثبيت نظام التزاوج، تطوير القرابات، و انتقال الأسماء و القرابات. تحول هذا المركب من اشكالية للعلاقة الى اشكالية للشهوة، أي الجسد و اللذات و الاندفاعات الأكثر سرية للشهوة. وهكذا، انبثقت الجنسانية من تقنية للسلطة كانت أساسًا قائمًة على التزواج. ان هذا الاعتراف للجنسانية خارج السيادة الأسرية هو ما أعطى سلطة للتحليل النفسي كخطاب طبي يأرخ للشذوذات و يدعو لتنظيم الاضطراب و اعادة النظام للمجتمع.
لقد كان دم البورجوازية هو جنسها. هذا القمع الذي مارسته البرجوازية على الجنس لم يكن نتيجة لدوافع اقتصادية أو أيديولوجية، بل كان مسألة "جسدية" مادية. يمكن الاستنتاج أن هناك جنسانية بورجوازية و جنسانيات طبقية. أي أن الجنسانية هي أصليا بورجوازية، و أنها تنتج في تحولاتها اثارا طبقية واضحة. هذا التحول البيو-سلطوي كان لابدا منه لتطور الرأسمالية، وللمرة الأولى انعكس البيولوجي في السياسي.
على هذا العمق يمكن فهم الأهمية السياسية للجنس. فهو يتعلق، من جهة، باليات انضباط الجسد و اقتصاد الطاقات. و من جهة أخرى، انتظام السكان بكل ترتباته الشاملة. لقد انتقل المجتمع الحديث من مجتمع "دم" كعنصر هام للسلطة، الى مجتمع جنسانية من "رمزية للدم" الى "تحليلية للجنسانية".
الجنس هو تحت التبعية التاريخية للجنسانية، و ليس العكس. ينبغي ألا نعتقد أننا حينما نقول نعم للجنس فاننا نقول لا للسلطة بل اننا نقبل ببساطة المركب العام و التاريخي للجنسانية. في نظر فوكو، يبقى التحرر كفيلا بقلب هذا المركب و التركيز أكثر لا على الجنس، بل على الأجساد و المتع.



#إلياس_شتواني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقيقة من منظور الرصاص والصواريخ
- لقد كان مجرد شيطان
- المعرفة و السلطة: الإنسان نتاج خطابات
- المذهب النفعي: السعادة ليست فكرة مجردة
- كارل يونغ: نحن جميعا مجرمون ممكنون بحكم طبيعتنا البشرية
- هل يتجه الدين إلى قراءة خوارزمية بحتة؟
- هل نحن فعلا نعيش نهاية الطبيعة؟
- نظرية التطور: مقدمة قصيرة جدا
- لقد قتلنا الإله
- باروخ سبينوزا: البحث عن الله
- الأزمة السياسية بين المغرب والجزائر: التاريخ و الحاضر
- كائنات سماوية (Celestines)
- النبي محمد خارج المراجع الاسلامية
- عندما باع السلطان حفيظ المغرب للاستعمار الفرنسي ب40000 فرنكا
- عيد العمال: إجابات صغيرة على الأسئلة الكبيرة
- عقلانية الْمُعْتَزِلَةُ بين فشل الماضي و مقتضى الحاضر
- الجوانب السياسية لرمضان
- الاختلافات بين الطوائف المسيحية
- صلاة التراويح: بدعة عمر بن الخطاب
- العدالة البيئية Environmental Justice


المزيد.....




- -هزيمة حماس هدف مشترك-.. توضيحات أميركية جديدة بشأن رفح وتسل ...
- تقرير: حظر تيك توك قد يؤثر على حظوظ بايدن في انتخابات الرئاس ...
- كندا: إجلاء الآلاف من السكان جراء اندلاع مئات حرائق الغابات ...
- ?? مباشر: إسرائيل تعيد الدبابات إلى شمال غزة وحصيلة قتلى الح ...
- الضفة الغربية.. اعتداءات خلال اقتحامات نفذها جنود الاحتلال و ...
- إيران: إسرائيل لا تفهم إلا لغة القوة وقد نغيّر عقيدتنا النوو ...
- دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟ ...
- كانت مغلقة أمام السياح لعقود.. وجهة عربية -جديدة- تنفتح ببط ...
- هل تمتلك إيران أسلحة نووية؟
- لندن تقول إن شويغو مسؤول عن -أكثر من 355 ألف ضحية- في صفوف ا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - إلياس شتواني - تخطيب الجنس و تبعيته التاريخية للجنسانية