أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علا شيب الدين - عن صراع اللونيْن














المزيد.....

عن صراع اللونيْن


علا شيب الدين

الحوار المتمدن-العدد: 7660 - 2023 / 7 / 2 - 14:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(النمر الوَرديّ)، كان واحداً من المسلسلات، التي طالما كانت تثير فيّ مشاعر السرور والبهجة، والتسلية اللذيذة، حين كنت طفلة. فقد كنت أتابع حلقاته بشغف كبير، كأني ألتهم الأحداث التهاماً... حينذاك، كنت أشاهد ذلك النمر الوردي، بعينين تشفّان عن عقل لا يريد سوى الاستمتاع. غير أني، حين شاهدت الحلقة الآتية على اليوتيوب تحت عنوان: The Pink Panther Season (1) Episode (1)،
قبل بضعة أيام؛ شاهدتُها بعقل مختلف كما لو أني لم أشاهدها من قبل. شاهدتُها بعقل نقدي، تأويليّ، تفكيكيّ إن جاز التعبير.

في الحلقة المُشار إليها، تبدأ المغامرة، حين يشاهد (النمر الوردي)، أحدهم وهو يطلي الحائط باللون الأزرق. يتذوَّق الطلاء، فلا يعجبه، ثم يركض، إلى "جهة أخرى"، مغايِِرة لجهة الدهَّان،ليحضرَ سطلَ دهانٍ، مليء بلونٍ مختلف، وهو الزَّهْريّ، ويضعه خلف الدهّان، ليحلَّ محلّ الطلاء الأزرق.

لا ينتبه الدهّان، في بداية الأمر، إلى تلك "المصيدة"، ظناً منه أن لونه (الأزرق)، لون ثابت لا محالة، ومن غير الوارد، أن يجرؤ أحدٌ على تغييره؛ فيغطس فرشاته ـ بثقة عمياء ـ في الطلاء الزهريّ بغتة، قبل أن يتفاجأ، بأن اللون ليس لونه، بعدما تم استبداله !.

تنشب بعدها "المعارك"، بينه وبين (النمر الوردي). معارك، يريد منها، كلٌّ من الطرفين، إلغاءَ لون الآخر، وفرْض لونه هو. وفي كل مرَّة يعتقد فيها أحدهما، أنه انتصر، وأن المعركة قد انتهت إلى غير رجعة؛ يعود الطرف الآخر، ليؤكدَ، عدم انتهاء المعركة، وأنه هو المنتصر لا غيره. وهكذا، يروح الطرفان ويجيئان في معاركَ كرٍّ وفرّ، يرافقها إحباط ويأس وسخط، وإصرار أعمى متعصب على مواصلة فرْض لون، من طريق إلغاء اللون الآخر.

ـ لكن النهاية، التي تفاجيء المشاهد الذي طالما اعتقد طوال الوقت، أن أحداً من الطرفين لن ينتصر، هي أن النصر النهائي، سوف يكون من نصيب لون (النمر الوردي)، أي اللون الزهريّ، وذلك بعدما، لجأ الدهّان، في محاولةٍ أخيرة يائسة، إلى دفْن اللون الزهريّ تحت الأرض، دون معرفة منه، أن "الدفن" سوف يتحوّل "زراعة"، ينبت بعدها اللون الزهري ويتطاول...ثم ينتشر رويداً رويداً، حتى يغطي المكان كله، بل الحياة كلها، ويصير العالم كله يصير زهريَّاً !.

يمكننا ههنا، أن نتصوَّر اللونين متأوِّلين، فنراهما (تطرُّفَيْن)، كل منهما يريد فرض نفسه وإلغاء الطرف الآخر. إنهما طرفان منفصلان كل الانفصال، لا يمكن أن يتصلا ولا أن يتداخلا... طرفان متعصبان، لا ينصتان، بل كل منهما يريد احتكار العالم لنفسه، وطمْس الآخر فيه (في لونه هو)... طرفان لا يدركان أن العالم ألوان لا متناهية، وأنه لا يجوز عقلاً ومنطقاً و"طبيعةً" اختزاله بلون واحد.

لقد جرت العادة، أن يُرمَزَ ـ خاصة فيما يخصّ الأطفال والصغار الرُّضَّع ـ باللون الأزرق إلى الذكور أو الصبيان، وباللون الزهرّي إلى الإناث أو البنات. ما يعني الفصلَ بين الذكورة والأنوثة، فصلاً تاماً ومطلقاً. والفصل ههنا، غالباً ما يكون، فصلاً (اجتماعياً / ثقافياً)، لا علميّاً ولا طبيعياً.

إن هذا الطراز من الفصل، هو فصل تعسفي و"عنصري" إن جاز القول، ينظر إلى الإنسان، نظرة جسدية محضة، مختَصرة فقط بالأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية. غير أن العديد من الدراسات والأبحاث العلمية، أثبتت عدمَ حقيقيّةِ "فصلٍ" كهذا. ذلك أن الدماغ البشري، أو العقل، هو "مزيج" من الذكورة والأنوثة، فالنصف الأيسر من الدماغ، أي نصف المنطق، يُسمى بالنصف الذكوري، والنصف الأيمن، وهو نصف الإبداع والحدس والجمال والفن، يُسمّى بالنصف الأنثوي. ما يعني أنه في داخل كل فرد منّا نحن البشر، ذكورة وأنوثة، والفرق يكون فقط في درجة استعمال النصفين المذكورين. ومعلوم ربما، أن الإناث غالباً ما يستعملن النصف الأيمن من الدماغ بشكل أكبر. أما الذكور، فيستعملون أكثر النصف الأيسر. وقد يحدث العكس، أي، أن يستعمل الذكور النصف الأنثوي من أدمغتهم، أكثر من النصف الذكوري. وكذلك الأمر ينطبق على الإناث اللواتي قد يستعملن أكثر النصف الأيسر من أدمغتهن.

أي أنه، في نهاية المطاف (هل حقاً ثمة نهاية للمطاف؟!)، ما من ذكورة خالصة نقية لا تشوبها شائبة أنوثة، وما من أنوثة خالصة لا تشوبها شائبة ذكورة. وكل فصل مطلق، سوف يكون محض تشوّه ومسخ، وسوف لن يشبه الحياة في أي شيء. تلك الحياة التي طالما عبَّرت عنها "فلسفة التاو" الصينيّة، بـ "الين" والـ"يانغ"، حيث أن الدائرة ترمز إلى حياةٍ يشطرُها نهرٌ (خط متعرِّج)، على ضفتيْه يقبع اللون الأسود ممهور بنقطة بيضاء من جهة، واللون الأبيض ممهور بنقطة سوداء من جهة أخرى. ما يؤكد لنا مجدَّداً، أن الثنائيات المفصولة عن بعضها فصلاً تاماً، هي محض أوهام.

إن الحياة التي ما من بياض فيها إلا وتشوبه نقطة سوداء. وما من سواد فيها إلا وتشوبه نقطة بيضاء، هي في تداخل واتصال دائميْن دائبيْن. وإذا افترضنا ـ جدلاًـ أن الأبيض يرمز للخير، وأن الأسود يرمز للشر؛ فهذا يعني أنه يستحيل وجود إنسان خيٍّر بالمطلق، أو شرير بالمطلق. بل إن كل فرد منا نحن معشر البشر، ينطوي على الخير والشر في آن، والفارق، هو فقط في الدرجة. فقد يسود الشر لدى فرد ما، سواداً قد يصل إلى حدِّ الجريمة، بينما يصعب على فرد آخر، يسوده الخير، اقتراف الجريمة مهما حصل ومهما كانت الظروف.

وبالعودة إلى (النمر الوردي)، الذي ينتصر لونه الزهريّ في النهاية، ويسود ويعمّ؛ أرى ـ من وجهة نظري النقدية الخاصة ـ أنها نهاية ليست فقط غير سليمة، وفيها مغالطة علمية وطبيعية، بل هي أيضاً نهاية ربما تكون خطيرة، كونها قد تعلِّم ـ من حيث تدري أو لا تدري ـ التطرفَ والتعصبَ، الذي يُلغي الآخر المختلِف ويشطبه من قاموس الحياة، ومن أبجديتها!.



#علا_شيب_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البساطة والهجران
- اللجوء والزمن
- على قيد الرَّفض
- الاغتصاب
- الصورة والنَّص
- الحاسة اللغوية السادسة
- الأم العظيمة
- الشر إذ يتديَّن
- هكذا صرتُ سائحة حقاً!
- ومضتان عُشبيّتان
- الثورة والكتابة وحرية التعبير*
- ملفٌّ أُغلقَ ويُعاد فتحُه
- لن نبتسم في وجه الجريمة
- مفارَقتان
- الثورة السورية و - المجتمع المدني -
- النظام السوري.. من -العصابات المسلحة- إلى -القاعدة-..!
- السلطة السورية: بين خطّين متوازيين
- انتفاضة اللّغة..أم لغة الانتفاضة؟!
- الأصنام..إذ يحطّمها الوعي


المزيد.....




- فك لغز جثة ملفوفة بسلك كهربائي مدفونة أسفل ناد ليلي في نيويو ...
- ابتز قصّر في السعودية لأغراض جنسية وانتحل صفة غير صحيحة.. ال ...
- مع مجيء اليوم العالمي لحرية الصحافة، ما الأخطار التي تهدد ال ...
- إضاءة مقرات الاتحاد الأوروبي بالألوان احتفالاً بذكرى التوسع ...
- البهائيون في إيران.. حرمان من الحقوق و-اضطهاد ممنهج-
- خطة محكمة تعيد لشاب ألماني سيارته المسروقة!
- في ذكرى جريمة فرنسية -مكتملة الأركان- في الجزائر
- ‏ إسقاط 12 مسيرة أوكرانية فوق 5 مقاطعات روسية
- -واينت- يشير إلى -معضلة رفح- والسيناريوهات المرتقبة خلال الس ...
- انهيار سقف جامع في السعودية (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علا شيب الدين - عن صراع اللونيْن