أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علا شيب الدين - على قيد الرَّفض














المزيد.....

على قيد الرَّفض


علا شيب الدين

الحوار المتمدن-العدد: 6537 - 2020 / 4 / 14 - 17:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أن تبقى على قيد الرفض، يعني أن تبقى على قيد الحُلم. أن ترفض، يعني أن تكون موجودًا. ليس الرفض هنا هو ذاك الذي يفضي إلى السلبية الرديئة، وهو طبعًا لا يفضي إلى العدم.

يمكن للرفض هنا أن يكون دربًا طويلًا مذروًا بالرياح، ويمكنه أن يكون إبحارًا في النفس، لكن هذا الإبحار ليس سلسًا، كما نظن، كونه ينطوي على مساءَلة شائكة ومستمرة للنفس بدلًا من تهدئتها. حين نجهل قيمة أنفسنا -مثلًا- نعرّضها للاستغلال. هكذا، قد ننزع إلى تأنيب مَن كانوا سببًا في وجودنا في هذه الحياة، كونهم لم ينتبهوا إلى ضرورة أن يكون الإنسان الفرد واثقًا في نفسه (من دون تطرّف ولا غلوّ)، بل رافضًا، عارفًا قيمة الذات، غير مبذِّر لها كيفما اتّفَق، وغير ميّال إلى تحطيمها أو جَلْدها واضطهادها. إنما الأهم الآن، وفي كل آن، هو التوقف عن تدمير ذواتنا الطيّبة. طيبة القلب -على سبيل المثال- ليست سذاجة كما يُظن أحيانًا. إنها من أنبل ما يمكن للإنسان الفرد أن يمتلكه. ما يحتاج إليه كل فرد منّا، ليس الاعتراف فحسب، بل الاحترام أيضًا. إنك تدفع بشخص ما إلى أن يصير مجرمًا ربما، حينما لا تحترم ذاته وكينونته، بل قد تخلّصه من شروره؛ إذا ما احترمته بوصفه ذاتًا وكينونة، وربما تدفع به صوب الأفق والنجاح والخير والجمال. الاحترام يعني ألا نزوّر الاستجابة للحياة بما يتلاءم وشروطنا أو طوق أفكارنا المكرورة.

أن يرفض الإنسان الفرد، يعني أن ينشل ذاته من العمومية العمياء. والرفض بالنسبة إلى رافض حقيقي، ليس نهائيًا، بل يجيد مجادلة الأصول والقطعيات والوثوقيات. معنى الإنسان الفرد يكمن غالبًا في الرفض، لا في الرضى ولا في التسليم. لكل فرد معنى، وعليه أن يدافع عنه حتى الرمق الأخير، في أغوار الروح. يُعادى الفرد الحر عادةً من كل حدب وصوب، لأن جوهره لا يسمح له بالمساومة. إنه كمثل زوبعة. الرافض الحقيقي لا يتنازل ولا يساوم. الدكتاتور -أيضًا- لا يتنازل، لكن شتّان بين مَن لا يتنازل من منطلق حر، وبين من لا يتنازل استبدادًا وغلوًا وعجرفةً.

أن نرفض، يعني أن نناقش بدهيات السلطة، كل سلطة، وأن نرى الأشياء كما هي، لا وفق القالب الذي تريدنا السلطة أن نراها ضمنه، فأحلامنا وما نريده أعلى وأوسع بكثير من ضيق ما يُراد أسْرنا فيه. لعل أشدّ ما يدفع السلطة إلى المزيد من العنف هو إحساسها بأن معاييرها في الخير والشر، في الجيد والسيئ، قد جرى التمرّد عليها من جهة ذوات حرة. هكذا تحسّ بكيانها وقد بدأ يتخلخل. إن عصيان معايير السلطة هو إثم يفوق بكثير إثم ارتكاب الجرائم، بالنسبة إلى سلطة من شأنها إفراز الجرائم. يضير سلطة كهذه أن يشعر الفرد بفرادته، وأن يكون منتجًا ومثمرًا وقادرًا ومزهرًا. يمكن هنا التطرّق إلى “سحر” السلطة المهيمن، إلى درجة تصعب معها المناقشة لدى مَن لا يرفضون، وبالتالي يُصار إلى الانصياع التام لها ولأوامرها، دون قيد أو شرط؛ لذا فإن جواسيس السلطة وعملاءها وأدواتها، هم عادةً من أولئك الذين لا يرفضون، ولا يتمتعون بالحس النقدي أو بالشك الفلسفيّ، وليس لديهم أدنى مشكلة في أذيّة الآخر، بل في إعدام وجوده؛ إذا ما كان ذلك يصبّ في مصلحة السلطة ورضاها وعفوها ومغفرتها.

أن نبقى على قيد الرفض يعني أن نبدِّد المجاهيل واحدًا تلو الآخر. أن “يحافظ” كلٌّ منّا على فرادته، يعني حماية هذه الفرادة أو تلك من الانقراض (فضيلة الفرد؛ فرديّته)، لأن الرفض هو بمثابة نبشٍ دائم لقدراتٍ كامنة.

في كتابه المهم، الذي يبحث في سيكولوجية الأخلاق: (الإنسان من أجل ذاته)، كتبَ إريك فروم يقول: “إن الوجود وكشف القدرات الخاصة لكائن حي هما الشيء الواحد نفسه”. “إن هدف حياة الإنسان يجب أن يُفهَم على أنه كشف قدراته، وفقًا لقوانين طبيعته”.

أن يكون الجهاد من أجل هذه الدنيا، يعني أن نرفض، أن نبذر ذواتنا مجدَّدًا في حقول الحياة، أن ننتج حيواتنا. نحن إمكانات لا حصر لها، وعلينا أن ننتج باستمرار إمكاناتنا، حتى في عزّ اليأس. بالمناسبة، اليأس ليس سيئًا إلى هذا الحد، إذ قد يثور على نفسه في لحظة اختناقٍ ما، لينبثق عنه نقيضه اللدود الذي يسميه الناس عادةً “الأمل” (الإرادة السورية الحرة أقوى من الإرادة الدولية، شرط ألا يصيبها اليأس). هكذا كتب أحد الأحرار السوريين على صفحته في (فيسبوك) ذات مرة.

إن فكرة كرامة الإنسان الفرد، يتحداها اقتراح قبول العجز والاستكانة والتفاهة التي تثوي تحت تكيف لا يحترم الفرادة الرافضة. وإن اقتراحًا من قبيل “التعايش مع العنف الذي لا حلّ له ولا مهرب منه”، على سبيل التكيف، ينبغي ألا يُوقف حسّ القتال فينا. لا القتال في معنى القتل، بل في معنى الدفاع عن الوجود الحر، وعن المعنى الحر المميز لكل فرد منّا. إن المِحَن التي نمرّ بها، غالبًا ما تُظهر لنا إلى أي مدى يستطيع جوهرنا أن يحتمل ويحتمل.



#علا_شيب_الدين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاغتصاب
- الصورة والنَّص
- الحاسة اللغوية السادسة
- الأم العظيمة
- الشر إذ يتديَّن
- هكذا صرتُ سائحة حقاً!
- ومضتان عُشبيّتان
- الثورة والكتابة وحرية التعبير*
- ملفٌّ أُغلقَ ويُعاد فتحُه
- لن نبتسم في وجه الجريمة
- مفارَقتان
- الثورة السورية و - المجتمع المدني -
- النظام السوري.. من -العصابات المسلحة- إلى -القاعدة-..!
- السلطة السورية: بين خطّين متوازيين
- انتفاضة اللّغة..أم لغة الانتفاضة؟!
- الأصنام..إذ يحطّمها الوعي


المزيد.....




- يوم -الجمعة 13-.. أضاعت ماسة خاتم خطوبتها في المطار ووجدتها ...
- بوتين يقول -أعتقد أن أوكرانيا كلها ملكنا- وكييف تتهمه بـ-ازد ...
- تفاصيل الاتفاق السوري التركي بشأن شمال حلب
- شاهد.. استقبال حاشد للنيجيري صادق بعد عودته إلى بلاده لقضاء ...
- 26 شهيدا بنيران الاحتلال في غزة والمعاناة الإنسانية تتفاقم
- الأمن السوري يعتقل وسيم الأسد في كمين
- سقطت الصخور فوق رؤوس المتنزهين.. فيديو يظهر لحظة انهيار جبلي ...
- انطلاق أسبوع الموضة الرجالي في ميلانو.. وهذه أبرز التوقعات
- تحليل جملة قالها ترامب عن سد النهضة وتأثيره على نهر النيل يش ...
- الأسد والشمس في واجهة حملة إسرائيل الرقمية ضد إيران


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علا شيب الدين - على قيد الرَّفض