أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - من ذاكرة التاريخ : في الذكرى الخمسين لانتفاضة الشعب العراقي تأييداً لمصر















المزيد.....


من ذاكرة التاريخ : في الذكرى الخمسين لانتفاضة الشعب العراقي تأييداً لمصر


حامد الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 1721 - 2006 / 11 / 1 - 11:34
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كان موقف الشعب العراقي، وحكومة نوري السعيد من العدوان الثلاثي على مصر على طرفي نقيض، فلقد اتسم موقف حكومة السعيد بالتشفي من مصر وقائدها عبد الناصر بشكل علني وصريح، وراحت الإذاعة العراقية تحاول صرف أنظار الشعب عن العدوان الذي دعته بـ [التطورات والملابسات السياسية ]، كما راحت الإذاعة تبث الأغاني الممجوجة التي كان التشفي ينبعث منها، مما أثار سخط واستنكار وتقزز الشعب منها ومن الحكومة المتواطئة مع الإمبريالية، والتي سخرت مطاراتها للطائرات البريطانية، ومستشفياتها لجرحى المعتدين، وضخت النفط إلى ميناء حيفا في إسرائيل لتجهيز طائرات وجيوش المعتدين بالوقود.(1)
يقول السيد [ناجي شوكت] أحد رؤساء الوزارات السابقين في مذكراته عن موقف حكومة نوري السعيد من العدوان ما يلي:
{ كانت إذاعة بغداد تذيع تسجيلات خليعة، وإن نسيت فلا أنسى مدى عمري ذلك المذيع الوقح الذي كانت آثار الشماتة والاستهزاء بكل القيم الإنسانية تنطلق من فمه المسعور، في الوقت الذي كان الشعب العراقي برمته يغلي كالبركان، ويطلب مساعدة مصر في محنتها، ووجوب مساندتها بالأرواح والأموال}. (2)
أما نوري السعيد، الذي كان في لندن حينما أعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس، فقد اجتمع مع رئيس الوزراء البريطاني [أنطوني إيدن] حاثاً إياه على ضرب مصر، وبرهنت الحوادث على أن نوري السعيد كان على علم مسبق بقرار الهجوم على مصر. (3)
عاد السعيد إلى بغداد مسرعاً ليقوم بدوره المرسوم في دعم العدوان، ولإحكام سيطرة الحكومة على الغليان الشعبي الذي اجتاح العراق من أقصاه إلى أقصاه مهدد بانفجار الموقف.
وما كاد العدوان الثلاثي يبدأ على مصر الشقيقة حتى سارع عبد الإله إلى عقد اجتماع لمجلس الوزراء في البلاط لبحث الوضع في مصر، واعتقدت السلطة الحاكمة في بغداد أن النظام في مصر على وشك الزوال، وكان المجتمعون يتطلعون إلى الأخبار ساعة بعد ساعة منتظرين استسلام مصر، وقد أتخذ مجلس الوزراء قراراً بإعلان الأحكام العرفية في 1 تشرين الثاني، وتشكيل أربعة محاكم عسكرية في محاولة منه لمنع الشعب من التحرك ضد النظام العميل للإمبريالية، بسبب مواقفه الخيانة من القضايا العربية، وفي مقدمتها العدوان الثلاثي على مصر الشقيقة. (4)
كما أجرى نوري السعيد اتصالاً مع الحكومة الأردنية تقرر على أثرها إرسال قوات عراقية إلى الأردن في 14، و15 تشرين الثاني، وكان واضحاً أن الغرض من إرسال القوات لتهديد سوريا التي وقفت إلى جانب مصر، وقطعت مرور النفط عبر أراضيها، وقامت بنسف المضخات، ولم يكن قصد الحكومة إسرائيل كما ادعت، فقد أجرى نوري السعيد اتصالات سريعة مع حكومتي واشنطن ولندن لإفهام إسرائيل بأن العراق ليست له نية بالتحرش أو الاعتداء على حدودها، وقد سُرت الولايات المتحدة وبريطانيا لهذه المبادرة، كما ُسرت إسرائيل واطمأنت لذلك.
وفي الوقت الذي كان الجيش المصري يتصدى للمعتدين بكل قوة وبسالة، كان نوري السعيد يضخ النفط إلى إسرائيل عبر أنبوب حيفا، كما كانت الطائرات البريطانية المعتدية تقلع من قاعدتي الشعيبة والحبانية لتضرب أهدافها في بور سعيد و السويس، وفي الوقت الذي قطعت سوريا والسعودية علاقاتهما مع بريطانيا وفرنسا احتجاجاً على العدوان الغاشم على مصر، فإن نوري السعيد رفض أن يفعل ذلك، مدعياً أن القرار سيكون كارثة على العراق ‍‍‍‍‍. (5)
هكذا استفز النظام العراقي مشاعر الشعب العراقي، وداس على كل القيم العربية ليثبت ولائه وخنوعه التام للإمبريالية، مما دفع الشعب العراقي للانتفاضة ضد النظام رغم كل الاحتياطات التي اتخذها، وفي المقدمة منها إعلان الأحكام العرفية، وتشكيل المحاكم العسكرية لإخافة المواطنين ومنعهم من التحرك.
وقد ابرق السيد [كامل الجادرجي] زعيم الحزب الوطني الديمقراطي، والذي كان موجوداً في مصر لمتابعة تنفيذ قرارات المؤتمر الشعبي العربي حينما وقع العدوان إلى رئيسي مجلسي الأعيان والنواب في 14 تشرين الثاني البرقية التالية :
{ إن لجنة الاتصال للمؤتمر الشعبي العربي تستنهض ضمائركم لتبادروا بإنزال العقوبة بحق المتآمرين الذين ارتكبوا الجناية العظمى بالسماح للبترول العربي في العراق أن يتدفق إلى حيفا، لتستخدمه إسرائيل والإنكليز والفرنسيين للقضاء على الأمة العربية.
إن التاريخ سيسجل موقفكم، وإن الأمة العربية بأجمعها تنتظر ما سوف تتخذونه على هذه المؤامرة الاستعمارية المنكرة،وعلى المتآمرين من أعوان الاستعمار،وفقكم الله سبحانه وتعالى لما فيه رضاه، ومصلحة الأمة العربية.(6)
وقد استخدمت تلك البرقية دليل إدانة ضد الأستاذ الجادرجي فيما بعد، وقد رد رئيس مجلس الأعيان على البرقية ببرقية جوابية يستنكر فيها ما جاء في برقية الجادرجي، ويدافع عن حكومة نوري السعيد، وقدم 61 أستاذاً جامعياً مذكرة مسهبة إلى الملك فيصل الثاني استنكروا فيها سياسة حكومة نوري السعيد المعادية لمصالح الأمة العربية، وسياسة القمع الذي مارسها ضد الطلاب والأساتذة، وجماهير الشعب، وانتهاكه لحرمة المدارس والكليات، وطالبوا باحترام الحرم الجامعي، وضمان حرية الفكر، وإطلاق سراح الطلاب المعتقلين، وإجراء تحقيق عادل في تجاوزات الحكومة، وغيرها من المطالب الأخرى .(7)
كما قدم 35 شخصية سياسية ودينية ووطنية مذكرة مسهبة إلى الملك في 20 تشرين الثاني شرحوا فيها تأمر وخيانة نوري السعيد، وطعنه للأمة العربية في الصميم، ودعت الملك إلى معالجة الأمر قبل فوات الأوان.(8)
كما قدم نقيب المحامين [ سعد عمر] مذكرة احتجاج أخرى في 29 تشرين الثاني إلى رئيس الوزراء بسبب قيام الحكومة باعتقال العديد من المحامين، واستنكر تلك الإجراءات اللا قانونية، وطالب بإطلاق سراح المعتقلين على الفور.
لكنّ النظام أصرّ على السير في ركاب الإمبريالية، وتحدي مشاعر الشعب، التي انفجرت بركاناً انتشرت حممه في طول البلاد وعرضها، واندفعت جماهير الشعب غير هيابة من حكومة العمالة وجهازها القمعي، ومجالسها العرفية، ومراسيمها الموغلة في العدوان على الدستور، وحقوق وحريات المواطنين، وعمت المظاهرات جميع المدن العراقية، ووقعت الاشتباكات العنيفة بين الجماهير وقوات الحكومة القمعية .
ففي بغداد أندفع أساتذة وطلاب الكليات والمعاهد العالية والمدارس، والذين هزهم العدوان الثلاثي الغاشم على الشقيقة مصر، والموقف الخياني لحكومة نوري السعيد من العدوان يومي 3، و4 تشرين الثاني في مظاهرات عارمة متحدين الأحكام العرفية، وقوات القمع السعيدية، حيث وقع صدام عنيف بين الطرفين أسفر عن استشهاد طالبين وفتاة صغيرة، ووقوع عدد كبير من الجرحى وتم اعتقال أعداد أخرى من الطلبة.
لكن المظاهرات الطلابية استمرت دون توقف، حتى بلغت أوجها يوم 21 تشرين الثاني 9561، حيث أعلن طلاب المدارس والكليات الإضراب العام عن الدراسة، وخرجوا في مظاهرة ضخمة، اصطدمت مع قوات القمع السعيدية، وقد أبدا الطلاب بسالة منقطعة النظير في تصديهم لقوات القمع، وأوقعوا فيها [58 إصابة] كان منهم مدير الشرطة و3 ضباط من الشرطة، ومفوضان، و54 شرطياً، كما وقعت إصابات كثيرة في صفوف المتظاهرين من الطلاب، والأهالي الذين انضموا إلى المظاهرة .(9)
وعلى أثـر ذلك أعلنت الحكومة إغلاق كافة الكليات والمعاهد العالية، والمدارس الثانوية والمتوسطة، واعتقلت 378 طالباً من الإعدادية المركزية وثانـوية الكرخ، وتم طـرد 37 طالباً من مدارسهم . (10)
وفي الوقت نفسه أصدر وزير المعارف [خليل كنه] أمراً وزارياً بإلغاء تسجيل كافة طلاب المدارس، وإعادة تسجيلهم من جديد، بعد حصولهم على كتاب موافقة من مديرية التحقيقات الجنائية [الأمن العامة] ومنع قبول أي طالب في الكليات والمعاهد والمدارس إذا لم يحصلوا على موافقة الجهات الأمنية.
لكن تلك القرارات لم تثنِ الطلاب عن التظاهر، بل على العكس من ذلك أدى تصدي قوات الأمن لهم إلى انتشار المظاهرات في معظم المدن العراقية، واشتباك المتظاهرين مع قوات القمع السعيدية، حيث وقعت معارك دامية بين الشعب وقوات الحكومة القمعية.
وكان أشد تلك المعارك هي المعركة التي خاضتها جماهير مدينة [الحي] والتي استفزتها مواقف حكومة السعيد، والجرائم التي اقترفتها قوات الحكومة القمعية في النجف الأشرف، فانتفضت هذه المدينة الباسلة التي كان سكانها يشكون من ظلم الإقطاع واستغلالهم البشع، وتفجرت تلك التراكمات ثورة عارمة ضد الطغيان السعيدي، وقامت المظاهرات الصاخبة التي تصدت لها قوات الشرطة القمعية.
لكن جماهير الحي استطاعت هزم تلك القوات في 18 تشرين الثاني، بعد معارك دامية سقط خلالها العديد من الشهداء والجرحى .
وفي اليوم التالي جاءت السلطة بحوالي 1500 فرد من قوات الشرطة السيارة إلى المدينة، حيث دارت معارك عنيفة بين الطرفين، وقامت قوات الشرطة بانتهاك حرمة البيوت وبأسلوب وحشي، حيث أخذت تقلع أبواب البيوت بالقوة وتجري التحري فيها، وتلقي القبض على كل من تشك في اشتراكه في المظاهرات، مما دفع سكان المدينة إلى إعلان الإضراب العام، أغلقت جميع المدارس والمحلات أبوابها، احتجاجاً على الأساليب البطش السعيدية، وسيق العديد من أبناء الحي إلى المجالس العرفية التي أخذت تصدر الأحكام الجائرة بحقهم، وكان من جملة تلك الأحكام، حكم الإعدام الصادر بحق الشهيدين[علي الشيخ حمود] و[مهدي الدباس]، فيما حكم على الكثيرين بمدد مختلفة تراوحت بين السجن المؤبد، والسجن لبضعة سنوات.
وقد حاول لفيف من السياسيين إنقاذ حياة الشهيدين حمود والدباس، حيث قابل السيد [حكمت سليمان ] أحد رؤساء الوزارات السابقين و[ الشيخ محمد رضا الشبيبي] من الوزراء السابقين، الملك فيصل الثاني، والتمساه عدم الموافقة على تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحقهما، ووعدهما الملك خيراً، لكن الذي جرى أن الشهيد مهدي الدباس تعرض في سجنه، بعد الحكم عليه بالإعدام، لتعذيب وحشي شديد على أبدي الأجهزة الأمنية، وتوفي على أثرها تحت التعذيب، وقامت الحكومة على الأثر بنقل الشهيد الدباس مع الشهيد علي الشيخ حمود إلى الساحة العامة في الحي، حيث تم نصب مشنقتين لهما، على الرغم من أن الدباس كان قد فارق الحياة داخل السجن، ومع ذلك علق جسده على حبل المشنقة لتوهم السلطة المجرمة أبناء الحي بأنه قد تم تنفيذ حكم الإعدام به وبرفيقه، لكي لا تنكشف الجريمة، ولابد لي أن أشيد هنا بالموقف البطولي للشهيدين، فلقد قضى الدباس تحت التعذيب دون أن تنتزع منه السلطات الأمنية أي أسرار تتعلق بنشاط الحزب الشيوعي، بينما وقف الشهيد علي الشيخ حسين شامخاً فوق مشنقته وهو يهتف بحياة الشعب العراقي، والحزب الشيوعي، ويلعن المستعمرين وأذنابهم الخونة.
ورغم كل ما فعلته السلطة الحاكمة، ورغم كل إجراءاتها القمعية، فإن ذلك لم يجدها نفعاً، بل على العكس أنتشر لهيب الانتفاضة في مدن الموصل وأربيل وكركوك والسليمانية الكوفة والديوانية، والشامية والحلة وكربلاء والناصرية والنجف والبصرة والعمارة والكوت، وعانه بالإضافة إلى بغداد .
وقد كان لي شرف المساهمة في المظاهرات العارمة التي اجتاحت مدينة الموصل، والتي خاضت معارك بطولية ضد قوات الشرطة التي ولت هاربة أمام المد الشعبي الهائل، مما استدعى السلطة لإنزال قوات الشرطة السيارة المدججة بمختلف الأسلحة لقمع المتظاهرين ، وقد جرت اعتقالات واسعة في صفوف العناصر المنتمية للأحزاب الوطنية ، وفي مقدمتها أعضاء الحزب الشيوعي الذين أحيلوا للمجلس العرفي العسكري الذي اصدر بحقهم أحكاما جائرة بالسجن لمدد طويلة ، وإلى نفي أعداد أخرى من مدينة الموصل .
ورغم أن السلطة الحاكمة زجت بكل قوات الشرطة وقوات الجيش للحيلولة دون قيام المظاهرات، ورغم زجها بالآلاف من المواطنين رهن الاعتقال، وتقديمهم إلى المجالس العرفية، وإصدار الأحكام الجائرة بحقهم، إلا أن المظاهرات والاحتجاجات تصاعدت ضد السلطة الحاكمة وكانت أشد المعارك قد وقعت في مدينة النجف الأشرف، مدينة البطولات الوطنية، فقد التهبت الأوضاع فيها عندما انطلقت تظاهرة طلابية من مدرسي[الخورنق] و[السدير] حيث تصدت لها قوات الشرطة المدججة بالسلاح والمزودة بالسيارات المسلحة بالرشاشات، وبدأت بإطلاق النار على المتظاهرين، حيث أصيب [ 42 طالباً ] بجراح، وكانت جراح 11 منهم خطيرة، واستشهد الطالب [ عبد الحسين ] حفيد العلامة المعروف سيد فهمي الحمامي]، كما استشهد طالب آخر من مدرسة السدير، وأخر من الأهالي، مما أدى إلى حالة من الهياج بين المواطنين الذين أعلنوا الإضراب العام، حيث أغلقت الحوانيت، والمحال التجارية، والمطاعم والمخابز، والصيدليات احتجاجاً على الأعمال الإجرامية للسلطة، كما أضرب رجال الدين عن أداء واجباتهم الدينية، فلم يخرجوا لصلات الجماعة . (11)
وإزاء تطور الأحداث، وتصاعد موجة المظاهرات، أقدمت الحكومة على سحب شرطة المدينة، واستبدلتهم بإعداد غفيرة من الشرطة جاءت بهم من مناطق أخرى، من أطراف الموصل، خوفا من تهاون شرطة النجف في قمع المتظاهرين، ومع ذلك فلم تستطع السلطة السيطرة على المدينة، مما دفع بالحكومة إلى إنزال قوات الجيش إلى الشوارع، واحتلال المدينة.
لكن الإضراب استمر أسبوعاً كاملاً، وسط تحدي الشعب لقوات القمع، وواصلت التظاهر والتصدي لقوات القمع التي سارعت إلى إطلاق النار على المتظاهرين الذين لجئوا إلى مرقد الأمام علي عليه السلام، ولاحقتهم قوى الأمن، مواصلة إطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى استشهاد أثنين من المتظاهرين هما الشهيدين [عبد الأمير ناصر] و[أموري علي] ووقوع العديد من الجرحى .
أدى الهجوم الوحشي على مرقد الإمام علي، عليه السلام، إلى تصاعد موجة التظاهرات والاحتجاجات، حيث خرجت المدينة عن بكرة أبيها تحاول انتزاع جثث الشهداء من المستشفى فيما أصرت الحكومة على عدم تسليمهم .
أدت الأحداث الدامية في النجف إلى قيام موجة من الاحتجاجات الموجهة من قبل كبار رجال الدين إلى الملك فيصل، حيث احتج كل من الشيخ [عبد الكريم الجزائري] والسيد [حسين الحمامي] والشيخ [محمد كاظم الشيخ راضي] و السيد [محسن الحكيم] والسيد [محمد صالح بحر العلوم] إضافة إلى عدد من المحامين منهم [موسى صبار] و[احمد الجبوري] في برقيات بعثوا بها إلى الملك فيصل، ونددوا فيها بإجراءات الحكومة، وطالبوا بإنزال أشد العقوبات بالمسببين باستشهاد أبناء النجف، وجرح العديد منهم .
أحدثت مصادمات النجف إلى رد فعل عنيف في بغداد، حيث أعلن المواطنون الإضراب العام، وأغلقت كافة المحال التجارية، والمطاعم والمخابز والصيدليات، وقامت الحكومة على الأثر بإصدار بيان في 28 تشرين الثاني، هددت المواطنين بإنزال اشد العقاب بهم إذا ما استمروا في إضرابهم.
أدرك البلاط الملكي أن الأمور أخذت تسير من سيئ إلى أسوأ، واستمرت الأحوال الأمنية بالتدهور، مما كان يهدد العرش بالذات، وعليه فقد دعا عبد الإله والملك فيصل الثاني رؤساء الوزارات السابقين، بالإضافة إلى نوري السعيد، ورئيسي مجلسي النواب والأعيان، والوزراء، وبعض الساسة، للتداول في التطورات الخطيرة التي تشهدها البلاد، وُطرح خلال المداولات موضوع استقالة حكومة نوري السعيد، وفسح المجال أمام العرش لتأليف وزارة جديدة تستطيع تهدئة الأمور، وتنقذ الموقف وقد اتهم أحد الحاضرين نوري السعيد بأنه قد شجع [انطوني إيدن] عند وجوده في لندن على شن العدوان على مصر بدلاً من أن يحذره من مغبة القيام بمثل هذا العدوان.(12)
غير أن نوري السعيد أصرّ على موقفه، وتحديه للشعب ومشاعره الوطنية، وحذر الملك وعبد الإله من خطورة التراجع أمام تحدي الشعب، مدعياً أن هذا الموقف قد يؤدي بالعرش، وهكذا انتهى الاجتماع دون اتخاذ أي قرار حول الوضع.
لكن عبد الإله أجرى مشاورات أخرى بعد الاجتماع مع عدد من السياسيين، كان من بينهم [جميل المدفعي] و[علي جودت الايوبي] بغية تأليف وزارة جديدة، وقد اقترح المدفعي إبعاد نوري السعيد عن الحكومة، إشراك [حسين جميل] و[ مهدي كبه ] في الوزارة القائمة، أو تشكيل وزارة جديدة.
ثم استدعى عبد الإله بعد ذلك كل من السيد [كامل الجادرجي] و[حكمت سليمان] و[محمد رضا الشبيبي]، وطلب رأيهم في سبل حل الأزمة وإعادة الهدوء إلى البلاد ، وقد أجمع الجميع على ضرورة إقالة حكومة نوري السعيد، وتشكيل حكومة جديدة، وحذر حكمت سليمان عبد الإله من مغبة استمرار الأوضاع على ما هي عليها .(13)
لكن نوري السعيد، وبدعم أسياده الإمبرياليين البريطانيين، تمادى في غيه، وأصدر أمراً باعتقال قادة الأحزاب السياسية الوطنية، وكبار الشخصيات المعارضة، فقد تم اعتقال السادة كامل الجادرجي، وحسين جميل، وصديق شنشل، وفائق السامرائي، وعبد الرحمن البزاز، وجابر عمر بالإضافة إلى العديد من رجال الدين، وأحالهم إلى المجلس العرفي العسكري في 16 كانون الأول، حيث صدرت الأحكام في 19 منه بحقهم، وصبت الحكومة جام غضبها على الأستاذ الجادرجي، حيث حكم عليه بالسجن الشديد لمدة ثلاث سنوات بعد أن اتخذت الحكومة برقيته التي أرسلها إلى رئيسي مجلسي النواب والأعيان كدليل اتهام، وتم إيداعه السجن .
كما حكمت المحكمة على صديق شنشل، وفائق السامرائي بالمراقبة لمدة سنة، وعلى حسين جميل وسامي باش عالم بكفالة شخص ضامن بمبلغ 5000 دينار لمدة سنة، وتم نقل شنشل إلى الإقامة الجبرية في [قلعه دزه]،وفائق السامرائي إلى [حلبجة] في السليمانية، وتم إبعاد عميد كلية الحقوق [عبد الرحمن البزاز] و [ جابر عمر ] و[محمد البصام ] و[ فيصل الوائلي ] و[ حسن الدجيل ] الأساتذة في كلية الحقوق،إلى [بنجوين].
كما أبعد رجال الدين إلى قرية [شثاثة] في كربلاء، وجرى فصل أكثر من 10 آلاف طالب من كلياتهم ومدارسهم، والعشرات من أساتذة الكليات بقرار جماعي. (14)
وهكذا استطاع النظام قمع الانتفاضة الجماهيرية الكبرى بالحديد والنار، مستخدماً كل ما توفر لديه من الوسائل القمعية، وزج بالجيش ليقمع الانتفاضة، بعد أن هزمت قوات الشرطة القمعية أمام غضبة الجماهير، وعزمها على التصدي للنظام العميل للإمبريالية وهذا ما أرادته بريطانيا عندما أسست الجيش العراقي عام 1921، فقد أرادته لحماية السلطة الحاكمة المؤتمرة بأوامرها، وليس لأي هدف آخر.
لكن بذور الثورة كانت تنمو في أحشاء هذا الجيش الذي هو جزء من الشعب، مهما عملت السلطة الحاكمة لإحكام سيطرتها عليه وتوجيهه نحو معاداة الشعب وقواه الوطنية الساعية للتحرر من ربقة الاستعمار البريطاني، ولتحقيق الحياة الكريمة للشعب الذي عانى من البؤس والعبودية.
ولم تمضٍ سوى سنتان على الانتفاضة الشعبية هذه حتى فوجئ النظام الملكي العميل بثورة الرابع عشر من تموز عام 1958، والتي أسقطت ذلك النظام ورموزه، وإعلان قيام الجمهورية العراقية .

المراجع
(1) ت، و، ع ـ الحسني ـ ج 10 ـ ص 121 .
(2) ناجي شوكت ـ سيرة وذكريات ثمانون عاماً ـ ص 587 .
(3) مذكرات أنطوني إيدن ـ الحزء الثاني ـ ص 234
(4) مذكرة السفارة البريطانية إلى وزارة الخارجية العراقية في 2تشرين الأول 1956 ـ ت،و،ع،ص 100
(5) مذكرات توفيق السويدي ـ ص 551
(6) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء العاشر ـ ص121
(7)مذكرات كامل الجادرجي وتاريخ الحزب الوطني الديمقراطي ـ 573 ـ رفعت الجادرجي
(8) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء العاشر ـ ص 131 ـ الحسني
(9) نفس المصدر السابق ـ ص 136
(10) صحيفة الأخبار ـ العدد 4507 في 22 تشرين الثاني 1956.
(11) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء العاشر ـ ص 113
(12) نفس المصدر السابق ـ
(13) إفادة حاكم تحقيق النجف أمام محكمة الشعب ـ الجزء 10 ـ ص 3929.
(14) تاريخ الوزارات العراقية ـ الجزء العاشر ـ ص 119 ـ الحسني.
(15) العراق أمسه وغده ـ ص 225 ـ خليل كنة .
(16) صفحات عن الأمس القريب ـ ص 41 ـ عبد الرحمن البزاز .
(17) لعبة الأمم ـ ص 73 ـ كوبلاند .
(18) حديث عبد المطلب الأمين مع عبد الرزاق الحسني ـ ت،و،ع ، ج8 ص 81 ـ الحسني .
(19) المصدر السابق ـ ص 85.



#حامد_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذاكرة التاريخ خمسون عاماً على العدوان الثلاثي على مصر عا ...
- آمال ستذروها الرياح
- من ذاكرة التاريخ سبعون عاماً على انقلاب الفريق بكرصدقي الق ...
- من ذاكرة التاريخ سبعون عاماً على انقلاب الفريق بكر صدقي ال ...
- الإسلام السياسي يشكل تهديدا خطيرا لمستقبل الديمقراطية في الع ...
- ميشيل عون متآمر على لبنان وحكومته الشرعية ومكانه السجن
- خياران لا ثالث لهما ، الوطنية العراقية أو الكارثة
- من أجل جبهة عريضة لقوى اليسار والديمقراطية والعلمانية واللبر ...
- محنة الطائفة المندائية ومسؤولية السلطة وقوات الاحتلال في حما ...
- ماذا سيقول وندل ولكي لو عاد اليوم إلى العراق من جديد ؟
- أمس بكى الرئيس السنيورا وأبكانا على لبنان والعراق
- فيدرالية الحكيم مدخل للحرب الأهلية وتمزيق العراق
- لبنان ضحية حرب إجرامية
- ينبغي رفع الحيف الذي لحق بالأكراد الفيليين وإنصافهم
- ثورة 14 تموز بين حامد الحمداني والدكتور فواز غازي حلمي
- ثورة 14 تموز في نهوضها وانتكاستها واغتيالها
- إلى أي مصير تقودون العراق وشعبه ؟
- عبد الناصر والعراق وثورة 14 تموز الحلقة الرابعة والأخيرة
- عبد الناصر والعراق وثورة 14 تموز الحلقة الثالثة
- عبد الناصر والعراق وثورة 14 تموز-الحلقة الثانية


المزيد.....




- سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك ...
- شاب يبلغ من العمر 18 عامًا يحاول أن يصبح أصغر شخص يطير حول ا ...
- مصر.. أحمد موسى يكشف تفاصيل بمخطط اغتياله ومحاكمة متهمين.. و ...
- خبير يوضح سبب سحب الجيش الأوكراني دبابات أبرامز من خط المواج ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف أهدافا لـ-حزب الله- في جنوب لبنان (فيد ...
- مسؤول قطري كبير يكشف كواليس مفاوضات حرب غزة والجهة التي تعطل ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع ومظاهرات في إسرائيل ضد حكومة ن ...
- كبح العطس: هل هو خطير حقا أم أنه مجرد قصة رعب من نسج الخيال؟ ...
- الرئيس يعد والحكومة تتهرب.. البرتغال ترفض دفع تعويضات العبود ...
- الجيش البريطاني يخطط للتسلح بصواريخ فرط صوتية محلية الصنع


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حامد الحمداني - من ذاكرة التاريخ : في الذكرى الخمسين لانتفاضة الشعب العراقي تأييداً لمصر