أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الحارَة ؛ بابُها وبشرُها















المزيد.....

الحارَة ؛ بابُها وبشرُها


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 1721 - 2006 / 11 / 1 - 11:33
المحور: الادب والفن
    


لم تستأثرَ الحارة الشعبية ، الشامية ، بكل ذلك الإفتتان من لدن جمهور الشاشة الصغيرة ، الفضية ، عبثا . منذ إطلالة أم كلثوم الشهرية ـ المعلومة في زمنها ـ لم يحصلَ من قبل إلا نادراً ، أن أقفرت الشوارعُ العربية مساءً من مريديها : فكل أسرةٍ ، من صغيرها إلى كبيرها ، كانت خلال شهر رمضان الجاري ، على موعدٍ فاقد الصبر ، مع المسلسل السوريّ ، " باب الحارَة " . إنه الحنينُ ، ربما ؛ حنينُ كلّ منا ، نحنُ المشاهدين ، إلى الماضي الجميل ، المعتق : إلى تلك البيوت القديمة ، المفتقدة ، بجدرانها المبنية من اللبن والدكّ ، والمسقوفة بمجذعات الحَوْر ؛ إلى الباحة السماوية ، الفسيحة ، المبلطة أو المرخمة ، والمظللة بدقران الكرمة ، الكريمة ، وأشجار الحمضيات ، الوارفة ؛ إلى البحرة السلسبيل ، المطوقة بجاراتها الفخاريات ، المُترعات حُباً مزهراً ؛ إلى ذلك الإيوان الصديق ، المتألق بنقوشه وفرشه وندمائه : إلى كلّ ما يمتّ بقرابةٍ لماضي الحارَة ، الأولى ؛ باباً وبشراً ومسجداً ومقهىً ومداخلَ وأزقة ً ومحلاتٍ .. ومخفراً. حتى هنا ، في الشمال الأوروبيّ ، المُغلِف حنيننا ذاكَ بمسحةٍ باردة ، ملسوعةٍ بثلجه وصقيعه ؛ حتى في هذا المنفى ، القصيّ ، كان عليّ الإعتيادَ على إستلام مهاتفة إبنتي الصغيرة ، ومساءلتها لي عما إذا كنتُ أتابع المسلسل ذاته ، الأثير لديها . لقد باتت هذه الإبنة ، غيرَ المكمل عمرها بعدُ تمامَ عامه السابع ، تعرفُ حقّ المعرفة إسم " الإيدَعشري " ، كما تلثغه بلهجتها الخاصة ؛ وتعرفُ أيضاً تسمية َ منتحل دوره ، الفنان بسام كوسا .

ما أن أغلق " الإيدَعشري " عينيه ، على إغماضتها الأخيرة ، الأبدية ؛ إلا وإنفتحت أعيننا ، وقلوبنا ، على مَسْيل العبرات الثقيلة . ما كان الأمرُ هنا ، مجرّد إنفعال عابر ؛ كما تخلفه عند المتفرج الكثيرُ من المسلسلات العربية ، المضجرة ، التي تكاد تغرقه بدموع كاذبة من بكائياتها ومناحاتها . فهذه التحفة الفنية ، المنعوتة بـ " باب الحارة " ، يصحّ فيها القولُ ، غير المبالغ به البتة ؛ من أنها بمثابة " باب الخلود " المُفتتح بجدارةٍ وإستحقاق لبطلها الأول ، بسام كوسا : هذا الممثلُ الرائع ، المُقنِعُ في أطواره المختلفة ؛ ساخطاً وناهراً وجانياً ، أو وادعاً ومشفقاً ومخلصاً . هوَ بذاته وأهوائه وشطحاته وإنفعالاته ؛ بصفة الشرّ ، اللاهث للغنيمة المحرّمة ، أو بصفة الندم ، الناهش في الروح والجسد ، السقيمَيْن ، سواءً بسواء . هنا وهناك ، كانت كلمة ُ الحارَة في حقّ هذا الإنسان البائس ، عادلة : لأنها خلال حياته المعذبة ، المنحرفة ، رفضتْ بطيبتها ، العريقة ، مبدأ الإدانة البشرية ؛ ولأنها إلى الأخير ، سامحته وغفرت له في حضرة إحتضاره وموته . لكأنما إسمُ الممثل بسام كوسا ، صار متواشجاً مع إسم المخرج بسام الملا : فمخرج " باب الحارة " هذا ، لا يمتري أحدٌ بموهبته الكبيرة ، خصوصاً في مواضيع البيئة الدمشقية ، والتي تناهى بها إلى سموّها ؛ كما في أعماله السابقة " أيام شامية " و " الخوالي " و " ليالي الصالحية " . أعمال درامية ، ناجحة ، فنياً وتجارياً ؛ إن صحّ التعبير . هنا ، في " باب الحارة " ، يعاينُ المرء ذلك النجاح ، المشهود ، في إهتمام المخرج بإبراز مشهد الحيّ الشعبيّ ؛ وعلى الرغم من الديكور المركب فيه . وفي الآن ذاته ، إنتقاله بالكاميرا إلى قلب البيت الشاميّ ، الأصيل ، الموصوف آنفاً ، مستغنياً في ذلك عن الديكور البديل . وعيُ مخرجنا هذا ، بما كانه حال أهل ذلك البيت ، ضافرَ جهدَ كاتب النصّ ؛ فكان أن خرجت التحفة الفنية ، إذاً ، بكمالها للمشاهد : تمثيلية دافئة ، بمشاهدها البيتية ، الحميمة ، الموغلة في تفاصيل العلاقات الإجتماعية ؛ وخصوصاً في الجانب المنجذب للمرأة : وفي هذا المقام ، لابدّ من القول بأنّ صباح الجزائري ، الممثلة القديرة ، وكما في أعمالها الدرامية الاخرى ، أفاضتْ في منح هذا العمل الجديد ، " باب الحارة " ، من حسن أدائها وعفويته ؛ برزانتها المميزة ونزقها المحبب ، على السواء .

بدرجة مقاربة من الترتيب ، آنف التوصيف ، تدرّجَ أيضاً أبطالُ هذه الدراما ، الآخرين . فهل من الممكن نسيان " حكيم " الحارَة ؛ الفنان الفذ عباس النوري ، في أنجح أدواره الشعبية ، المحببة : إنه الرجلُ الشهمُ ، ( " المعَدّل " ، في محكيتنا الشامية ) بكونه الطبيبَ الرحيم ، المداويا ، وملتجأ الأهلين في الملمات الصحية . وهوَ أيضاً العطارُ ، المؤمّنة أعشابه ووصفاته إكسيرَ حياةٍ ، مفترضاً ، لحيواتٍ مبتئسة . فضلاً عن مهنته كحلاق ، والملمّ بحُكمِها بكل صغيرة وكبيرة في حارته . وهل ستنجلي من ذاكرتنا صورة ُ أبي شهاب ، " العكَيد " ؛ الفنان سامر المصري : المتجلية موهبته هنا ، بصفته حام للحارة وحرمتها وكرامتها ؛ حدّ أنه يضعُ حدّا لتحركات كل غريبٍ واردٍ إليها . ولا نرى نأمة وَجَل في هذا الرجل الجسور أبداً ؛ خصوصاً وهوَ يتناهضُ لكلّ منازلة ذوداً عن تلك الصفةِ ، الفريدة ، المؤتمن عليها . أمْ من السهل علينا أن نسلوَ شخصية " الزعيم " ؛ التي جسّدها الفنان المخضرم ، عبد الرحمن آلرشي : الرجلُ الكهلُ ، الذي أثخنه الدهرُ بجرح مفتوح على فقدانه لأولاده ، فلا يجدُ عزاءً سوى في سعادة حارته التي توارث أباً عن جدّ زعامتها . فهوَ مَعْقدُ رجاء الفقراء والمحتاجين والمظلومين ، ومرهِبُ أعوانَ السلطة من دركٍ وشرطيين ومخبرين ( أو " عواينية " ، بلهجتنا المحلية ) . إنّ حكمه في بعض الأمور ، ليخيب أحياناً ؛ أما فراسته في تقدير البشر ، فلم تخنه أبداً : بعبارة موجزة ، كان " الزعيمُ " رمزَ الحارَة الدمشقية ، الأصيلة ، ووجدانها .

حكاية " باب الحارة " ، هيَ حكاية كلّ حارة شاميةٍ ، وقد عصفت بحياتها الداخلية ، أعاصيرُ التغيّرات التاريخية . يجدرُ هنا التنويه ، بأنّ السيناريست كان على جانب جيّد من الدقة في تفاصيل الزمن الراهن ، المفترض ، للتمثيلية ؛ خصوصاً فيما يتعلق بالتاريخ الإجتماعي لدمشق : فالإطار الزمني هذا ، أعطانا صورة صادقة عن الحارة الشعبية ، التي كانت تمتلك بابها الخاص ، المحيل بينها وبين الأخطار الخارجية ، المحتملة ليلاً : إنها عادة عثمانية ، قديمة ، حينما كانت الفوضى زمنئذٍ ضاربة أطنابها في الشام ؛ مما أجبر كل حيّ على تأمين أمن قاطنيه بنفسه . ومع تحرير سورية من الإستبداد التركيّ ، ما كان لأمور الحارة إلا أن تشهدَ تغيراً مبيناً . فالمنتدبين الفرنسيين ، إستجلبوا مع مدافعهم ودباباتهم نوعاً من المدنية ، التي ما عتمت أن شملت أوجه الحياة السورية ، جميعاً . إن عقدة الحكاية ، الجوهرية ، تبتدهُ من هذه النقطة : فالعرف المحليّ ، المُشدد على أنّ كل حارة ، ستكون مستقلة في حياتها الذاتية ؛ هكذا عرف ، عثمانيّ بائد ، إصطدمَ مباشرة برغبة الإدارة الجديدة ، المنتدبة ، في تولي مخفر الشرطة مهام الأمن فيها . ها هوَ الزعيمُ ، إذاً ، يتوجّسُ بأنّ سلطته في الحارة مهددة بقوة خارجية ، غاشمة . لا غروَ ، والحالة تلك ، أن يرحب زعيمنا لفوره بالأنباء المستجدة ، والمفيدة بأن ثواراً في الغوطة يكافحون السلطة الإستعمارية ؛ فيكلفُ " العكَيدَ " بمهمة الإتصال بهم . ثمة عقدة اخرى ، للحكاية : إنها سعيُ أحد البؤساء في الحارة ، ( الإيدَعشري ) ، للغنى بوساطة " ضربة " ليلية خاطفة . وتتمثل العقدة هنا ، في حقيقة / مفارقة أنّ فوزَ هذا اللصّ بذهب تاجر الأقمشة ، الموسر ، قد راحَ سدىً . فهوَ بدلاً عن الإستمتاع بالمال المسروق ، يقع ضحية الهذيان ، المعذب ، وإلى نهاية عمره ، القصير ؛ هذيانٌ على شكل مونولوج مطوّل ، محزن ، أبدعَ بطلنا ( بسام كوسا ) في أدائه ، فيما هوَ يتمثلُ حلقة ً بعدَ حلقة ، وكابوساً إثرَ كابوس ، صورة َ الحارس القتيل ، الذي إعترضَ ليلتئذٍ طريقه .



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهدات : جولة في دمشق صلاح الدين 2 / 2
- زبير يوسف ؛ في منحَتِ الحَديد والتحدّي 2 / 2
- مشاهدات : جولة في دمشق صلاح الدين 1 / 2
- زبير يوسف ؛ منشدُ الأزمان القديمة
- إسمُ الوردَة : ثيمة الجريمة في رواية لباموك
- أورهان باموك والإشكالية التركية
- معسكراتُ الأبَد : شمالٌ يبشّر بالقيامَة 2 / 2
- العثمانيون والأرمن : الجينوسايد المتجدد
- غزوة نوبل ، العربية
- معسكراتُ الأبَد : إلتباسُ التاريخ والفنتاسيا
- مقامُ المواطَنة ، سورياً
- الوحدة الوطنية ، المفقودة
- حوارُ أديان أمْ حربٌ صليبيّة
- نصرُ الله والعَصابُ المُزمن للفاشية الأصولية
- سليم بركات ؛ الملامحُ الفنيّة لرواياته الأولى
- خيرُ أمّةٍ وأشرارُها
- إعتذار بابا الفاتيكان ، عربياً
- وليم إيغلتن ؛ مؤرخ الجمهورية الكردية الأولى
- الثالوث غيرَ المقدّس
- الحادي عشر من سبتمبر : خمسة أعوام من المعاناة


المزيد.....




- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - الحارَة ؛ بابُها وبشرُها