|
زبير يوسف ؛ في منحَتِ الحَديد والتحدّي 2 / 2
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1715 - 2006 / 10 / 26 - 11:01
المحور:
الادب والفن
1 لكأنما زبير يوسف ، الفنان ، هوَ الريحُ التي تصْدي صوتَ بيئته ، الأولى . أعماله الطينية ، بشكل خاص ، تعيدنا إلى تلك البيئة جذوراً وتاريخاً وحضارة . فإقليمه المنتمي جغرافياً وإثنياً ، لعالم ما بين النهريْن ، ما فتأ أعماق صدره ، الكبير المترامي ، ينفثُ بإستمرار اللقى الأثرية ؛ من فخاريات وخزفيات ومنحوتات . يخيّل إليك أحياناً ، أنّ هذا العمل من الطين المشوي أو ذاكَ ، الحامل توقيع زبير يوسف ، ليسَ إلا لقية مستلة من كنز حوريّ أو آشوريّ أو آراميّ ؛ كما نرى ذلك في منحوتاته : " حاملة القش " / مادّة جص ملوّن ، وابعادها 30 × 32 × 40 سم ؛ و" أطفال عامودا اليوم " / من المادة نفسها ، وأبعادها 57 × 45 × 71 سم ؛ و" الريح " / مادّة الطين المشوي ، وأبعادها 10 × 40 × 45 سم . ففي كلّ من هاته المنحوتات ، تتجسّد البدائية ، المقصودة ، في التعامل مع المواضيع ، من خلال إضفاء التجريد عليها . ولا أعني هنا مسألة التأثر بفنون بلاد الرافديْن ، القديمة ، بقدَر ما أذهبُ إلى مسألة اخرى ، وهيَ المُحيلة دوماً إلى إنتماء الفنان لبيئته ؛ الإنتماء الأشبه بقدَر أسطوريّ . على أنّ الإحالة هنا ، إلى التاريخيّ خصوصاً ، ليستْ بمعزل أيضاً عن الإرث الدينيّ ، بكل نصوصه المحرّمة ، الأصلية والمزيفة . هذا الإرثُ المتناهض أبداً ، في عقيدتنا ، كحائل صَلدٍ بين إنسانها والخلق الفنيّ . بعبارة اخرى ، فإنّ النحتَ من بين كافة أشكال الفنون التشكيلية ، يوحي إعتباطاً بشبهة عبادة الأصنام ، المنبوذة إسلامياً . في خلاء مُجدبٍ ، على صعيد التقاليد النحتية ، ما كان لتغرب فناننا ، المثّال ، إلا أن يتفاقمَ ؛ وما كان لمشروعه إلا أن يغدوَ تحدّياً للسائدِ ، قبل كل شيء . في المقابل ، يجوز الإستطراد بالقول ، أنه ربما كان من سعدِ فأل زبير يوسف ، على الأقل ، كونَ بوارق جيله قد سطعتْ في حقبةٍ زمنيّةٍ ، معاصرة ، مُنارةٍ أصلاً بمفاهيم المدنية والحداثة والتطور والتقدم .
2 كلّ نحّاتٍ رسامٌ ، بالأساس ، كما يقولُ منظرو الفنّ ؛ مقولة ٌ ، تضعنا في أجواء الأعمال الأولى ، لفناننا . رسومه في تلك المرحلة ، المبكرة ، لا يمكن فصلها إسلوباً وتكويناً وفكرة ، عن واقعه المعاش آنئذٍ ؛ بكل ما فيه من فاقةٍ وخصاصةٍ وحرمان : خطوط ٌ ، فيها ما فيها من توتر ونزق وإنفعال ؛ وألوانٌ ، مقتصَدَة وشحيحة . هذا بالرغم من تفرّد رسومه ، المعنية ، بتلاوين طبيعة الإقليم ، الهادئة . وإذاً ، فالطبيعة الكردية ، تؤثرُ الألوان الإنطباعية ، الحارّة والرخيّة في آن . طبيعة ٌ ، أبصرتْ عيونُ فناننا مناظرَها ، لتسجلها من ثمّ ذاكرته النابهة . لاحقاً ، وعلى الرغم من إغتناء تجربة زبير يوسف ، الرسام ، بالممارسة العملية والمثاقفة البصرية والنظرية ؛ فلم يغب شماله الكرديّ بيئة ً وطبيعة ً وإنساناً وتاريخاً ، عن موضوع لوحته . لدينا إحدى هذه اللوحات ؛ وعنوانها " جبلُ " كوكب " ، من فوق سطح البيت " / أكريليك على الورق 37 × 48 سم : هنا ، يستعيدُ الفنانُ عبرَ ذاكرته حسب ، تفاصيل المكان الأثير ، المفقود ؛ من طغيان لونيّ لأصفرَ السنابل والبيادر ، المائل للإخضرار هنا وهناك ، إلى بنيّ التربة والسهوب المترامية ، وحتى ليلكيّ الجبل ، الضئيل ، المترائي على المشهد . فهذا العمل الصغير، المنجز في عام 1996 ، لا يمكن إلا أن يكشفَ خصبَ مخيلة رسامنا ؛ المخيلة المتحررة من قيود الغربة ، الثقيلة ، والمستعيدة أدق الملامح لمشهد القرية ، الأولى ، المسترخية كتل ألوانها القوس قزحية بيوتاً وحقولاً وأبعاداً في الظلال الداكنة لذلك الجبل ، المتسيّد على المنظر جميعاً . بيدَ أنّ المنظر هذا ، الطبيعيّ ، شاءَ له خالقه أن يُخترق بحضور خرافيّ ؛ حينما تكوّن الغيوم ما يشبه رأسَ فرس ٍ ، مبهم الملامح ، فيما أشباه اخرى تتشكل من السحب المترامية هنا وهناك ، فوق المشهد . وفي هذا المقام ، يتعيّن علينا الإشارة إلى فهم الفنّ التصويريّ ، الخاص بالمنظر الطبيعي ، كما يعرضه شاعرٌ فنانٌ ، بحجم " بودلير " ؛ الذي يعتبر في إحدى مقالاته النقدية ، أنّ المنظر التخيلي : " هوَ أكثر المناظر الطبيعية تعبيراً عن الأنا الإنسانية ، التي تحل محلّ الطبيعة " . ويستطردُ شاعرنا ، فيما يتعلق بأهمية المخيلة للفنان وأنها : " تعادلُ الإحساسَ ، ومن يملك موهبة المخيلة يستطيع إدراك جوهر روح اللون ، الإطار ، الصوت ، الرائحة . المخيلة توزع العناصر الأساسية في العالم ، وتعود لتجميعها وتنسقها وفق قانون جوهر الروح ، فتخلق عالماً جديداً وتستدعي أحاسيس جديدة " . (1)
3 في أحد أيام الخريف ، المعتدلة ، من أواسط ثمانينات القرن المنصرم ، تضحي دمشقُ وجهة َ قِبلة فناننا . يفترقُ زبير يوسف بجسده عن ريفه الأليف ، فيما يبقى متواشجاً معه بمخيلته ؛ أو بـ " جوهر روحه " ، على حدّ توصيف " بودلير " ، آنف الذكر . بالنسبة لطالبٍ ، متغرّب ، على جانبٍ من الفقر ، لم تكُ العاصمة دارَ مسرّة ، على الإطلاق . إلا أنّ تلك المدينة الكبيرة ، على أيّ حال ، منحته فرصة الكشف ؛ وخصوصاً تدريب عينيه على إستجلاء مكامن الجمال ، الطبيعيّ والمعماريّ ، فضلاً عن معاينة الحسن الإنسانيّ ، الأنثويّ . أينما يتولى ببصره ، سيكون منذئذٍ على موعدٍ مع كشفٍ جديد . زيارة الصالات الفنية ، تقوده إلى معرفةٍ ، عن قرب ، لذخائر الفنّ العالميّ عموماً ، والسوريّ ، العريق ، خصوصاً ؛ رواداً ومعلمين مخضرمين . ما كان لداخله إلا الزهوَ ، وهوَ يرى جدرانَ تلك الصالات ، وغيرها من الأماكن الخاصة والرسمية ، وقد أفردتْ مساحاتٍ هامة منها للوحات فنانين ، كرد ، من الأقاليم الشمالية ؛ كبشار العيسى وعنايت عطار وعمر حسيب وخليل عبد القادر وعمر حمدي .. وغيرهم . تأثرُ فناننا ببعض أولئك الفنانين ، نحدسُهُ في لوحاتٍ له ؛ مثل هذه المنعوتة بـ " الثلج والإنسان " : أكريليك على كرتون ، 45 × 70 سم . إنها هارمونيا ، لونية ، لزوجيْن بلباس فولكلوريّ كرديّ ؛ تكوينها على جانب ملحوظ من العفوية ، حتى ليتكهن المرءُ بسهولة أنها موتيفٌ ( موضوع ) ، معدّ دونما تخطيط مسبق أو موديل . يتبدى تأثر فناننا هنا بإسلوب بشار العيسى ؛ لجهة ضربات الريشة ، الرشيقة ، المنثالة عبرها الألوان على اللوحة ، كطيور زاهية ، متزاحمة ، حاطة من سمائها على أرض صديقة . تأثيرٌ " بشاريّ " ، نلحظهُ أيضاً في مساحة الفراغ ، الناصعة ، المسكونة في الخلفية بتناثر أليفٍ لتكوينات ريفية ؛ من منازل وأشجار ، مبهمة التفاصيل . هذا التأثير ، عاضده فيما بعد إنفتاحُ فناننا زبير يوسف على تجارب المدرسة الألمانية ؛ ومنها تجربة الفنان النمساوي " إيغون شيليه " ( 1890 ـ 1918 ) ، على سبيل التمثيل : فهذا الفنان ، الفذ ، ذو الموضوعات الإيروتيكية ، الجريئة ، أرخى سدوله على الفنّ العالميّ برمته . ونتمثل تأثر زبير يوسف بموضوعاته وأسلوبه ، في عمل له ، بلا عنوان / زيت على القماش ، بقياس 55 × 75 سم . تكوين هذه اللوحة ومساحات الفراغ فيها ، فضلاً عن ألوانها البنية المحروقة ، يذكرنا بلوحة " شيليه " ، المعروفة ، " العائلة " / زيت على القماش 152 × 162 سم ؛ والتي تحمل تاريخ العام الذي شهدَ وفاته (2) . أجواء الفنان النمساوي هذا ، ربما تتداخل كذلك في أجواء لوحة اخرى لزبير يوسف ، ( بلا عنوان ) ؛ زيت على الكرتون ، بقياس 55 × 75 سم . لوحة ، غرائبية التكوين ، بشطحات الريشة النزقة وبالوانها العاصفة . يبقى القول ، أنّ التجارب النحتية ، لفنانين منتمين لتلك الأقاليم الكردية ، كانت معدومة حتى ذلك الوقت : كانت بإنتظار جيل زبير يوسف ، بالذات .
4 في عام 1990 ، يتخرجُ فناننا هذا ، بإمتياز ، من كلية الفنون الجميلة / قسم النحت . وفي الفترة نفسها ، تقريباً ، تخرّج الكلية الدمشقية ، أيضاً ، نحاتاً كردياً آخر ، موهوباً ، هوَ " سيدو رشو " ؛ الذي رحل عن العالم ، مبكراً ، قبل حوالي العام . غادرَ عالمنا إثرَ مرض عضال ، مخلفاً منحوتاته وتماثيله ، المركونة ـ كإسمه ، سواءً بسواء ـ في ظلمة ورطوبة الأقبية الأوروبية . مات غريباً ، دونما أن يحظى حتى بإقامةٍ شرعيةٍ ، بائسة ، في القارّة العجوز . قدَرٌ ظالم ، وإن كان أقلّ وطأة ، سيكون زبير يوسف ، بدوره ، على موعدٍ معه في غربته هذه ، الألمانية . فلا أفدحَ جناية ، من وضع المبدع / فناناً كان أم أديباً ، في مكان غريب عن خلقه وهاجسه . سعياً لسدّ الرمق ودفعاً للحاجة ، سيكون على فناننا ، إذاً ، توزيع وقته ، الثمين ، على مهن ٍغيرَ متوافقة وموهبته الأصيلة ، كنحاتٍ . هذا ما تسنى لي معرفته ، لدى قيامي بزيارة زبير يوسف ، في هذا الصيف المنقضي للتوّ . خلال الطريق راجلينَ من محطة القطار ، في مدينة " سيبورغ " ، إلى منزله ، القريب ، تجاذبنا جوانبَ الحديث فعلمتُ من صديقنا الفنان ، أنه لا يملك محترفاً خاصاً . وما صدمني بعدئذٍ ، فعلاً ، كونَ شقته الوديعة ، الهادئة ، خالية ً أيضاً من مرسم له أو مشغل . بيدَ أنّ زبيراً لم يبع عَبْرَته ، لكائن من كان . بكلمة اخرى ، قبلَ صامتاً ورابط الجأش ، قدَر غربته ؛ وقبلَ ، في الآن نفسه ، التحدّي وكما في كلّ مرة يواتيه فيها التحدّي : ينفضُ عن يديه غبار اليأس ، ولا يجدُ غضاضة في العمل بورشةٍ لتصليح السيارات ، المستعملة . كان صاحب الورشة ، وهوَ كرديّ إيزيديّ ، قد تكرّم على فناننا بزاوية فسيحةٍ من المكان المنذور لمختلف أنواع العدّة وإستعمالاتها . إصطحبَنا زبيرُ ، في اليوم التالي لحلولنا في ضيافته ، إلى ذلك المكان . لوهلة أولى أدهشني ثمة ، إحتماله المكوث لساعاتٍ مديدة ، في جوّ مهنيّ ، عمليّ ، لا صلة له البتة بالفنّ وأهله . بيدَ أنني كنتُ على خطل مبين ، والحق يقال . فهذا الفنان ، إستطاعَ خلق مكانه ذاك من جديد ، وعلى هوى أهوائه وجموحه وعواصفه . إنّ كل من موهبته ومخيلته ، الأصيلة سواءً بسواء ، قد طوّعتِ الحديدَ وحولته من معدن قاس ، فظ ، إلى أشكال فنية بديعة ؛ أنسية وحيوانية وخرافية . من خردة حديدية ، عشوائية ، خلقَ فناننا منحوتاتٍ غرائبية ، بالكاد يتمكن المرءُ من إستكناه ملامحها ومعانيها . كما في عمل ( بلا عنوان ) ، بأبعاد 40 × 80 × 80 سم ؛ يمثل ما يُشبه الفارس المقاتل ، وبيده أداة ما يلكزُ بها دابته المكدودة ، ذات العين الغاية في إتساع ألمها ، الممضّ . أو في ذلك العمل الآخر ( بلا عنوان ) ، وأبعاده 40 × 30 × 90 سم ؛ الموحي بشكل حشرة تدبّ على الأرض بقوائمها الأربعة ، المتباعدة : لكأنما هيَ " الجندبُ الحديديّ " ، الذي تقمصتْ إسمَه عنوانُ السيرة الذاتية لكاتبنا الكرديّ السوريّ ، سليم بركات (!) . على أنّ تعامل زبير يوسف مع مادة الحديد ، ما كان دوماً بهذه العفوية ، الموصوفة . وكمثال هنا ، فها هيَ منحوتة ، حديدية المادّة ، ذات الأبعاد 20 × 15 × 30 سم ؛ تتمثل رجلاً يقف على قدم واحدة ، وبحركة بهلوانية يرفع إمرأة بيديْه . الظلال المذيّلة خلف المنحوتة ، توهمكَ بشكل شجرة متسامقة ، عظيمة الجذع والهامة . إن هذه المنحوتة ، التي عنوانها " الفتاة والقوس " ، تحيلنا إلى أسلوب فناننا ومواضيعه التي سنعرض لها فيما يلي من حديثنا ، بخصوص تعامله مع المواد الأخرى ؛ من حجرية ومرمرية وبرونزية وخزفية . 5 كان علينا ، قبل كل شيء ، التعرّف على زبير يوسف ، الإنسان . في مدخل شقته ، كان بإنتظارنا كلّ من زوجه الكريمة وصغيريْهما ، الجميليْن والصخابيْن ، ككلّ الأطفال . بضعة ٌ من لوحات فناننا ومنحوتاته ثمة ، مؤتلفة في أماكنها على جدران الحجرات أو في زوايا قطع الموبيليا ، القليلة . لوحاته الجديدة ، تبوحُ قبل كل شيء ، بحالة مبدعها ، النفسية : ألوانٌ ملتهبة ، كأنما هي جذواتٌ جمرية أو جحيمية ؛ تكويناتٌ سوريالية ، لكهوف كونية ومتاهاتها وبروجها ونيازكها ؛ مواضيعٌ / أو لامواضيع ، بصحيح العبارة ـ تنتمي لعالم المجردات لا عالم الواقع والأحاسيس . أما القطع النحتية ، وهيَ إثنان أو ثلاثة لا أكثر ، فلم تشفِ ظمأ فضولي في أن أنهَلَ ، عن قرب ، من سلسبيل موهبة زبير يوسف ، المثّال : كانت تلك ، كما أعلمني الرجلُ ، دراسات تحضيرية لأعمال نحتية ، سبق إنجازها وما فتئتْ حبيسة أركانها العتمة في الوطن . العريُ الأنثويّ ، موضوعُهُ المفضّل ، الأثير ؛ فكأنما هوَ حريته وشعبه ، المفقودة والمنشودة . أنامله القاسية والحنونُ في آن ، لا تجدُ إلفتها إلا بصحبة الطين . عندئذٍ ، تمسي العجينة الطينية ، في يدِ الفنان ، تكويرة نهدٍ أو إستدارة ردفٍ ، وكأنما هيَ منتمية للمحسوسات لا للمجاز . إيثارُهُ الطين وشبقهُ ، الموصوفان ، يحيلان المرءُ إلى إستعادة معلم النحت ، الأكبر ، " رودان " ؛ هذا القائلُ مرة ً ، في شرحه مفهوم الخلق الفنيّ : " ما من نحّات جيّد يستطيع تكوين شكل إنسانيّ دون أن يستند إلى سرّ الحياة . إن الشكل البشري فرديّ فيما سرّ الحياة ، في منوعاتها المتحولة ، يستثيران النموذج الحلولي . فتلقى النحات منقاداً بإستمرار من المخلوق إلى الخالق " (3) . ويمضي المعلّمُ في شرحه ذاك ، موضحاً : " ولهذا السبب فإنّ العديد من شخصياتي لها يد أو قدَم ، لا تزال حبيسة كتلة الرخام . إنّ الحياة كليّة الحضور ، لكن نادراً ما تبلغ تعبيرها الكامل أو يبلغ الفرد الحرية المطلقة " . هذه الملاحظة الأخيرة ، تضعنا أمام الكثير من منحوتات زبير يوسف ، المكوّنة من أجسادٍ عارية ما تفتأ مغلولة بقواعدها : كما في منحوتة من مادة الحجر الصناعي ؛ بلا عنوان / أبعادها 15 × 20 × 40 سم . وفيها منظرٌ إيروتيكيّ ، لجسديْن مترادفيْن ، عارييْن ، في قمة لحظة الشبق ، حتى أنّ قدَمَ الأنثى متبدية وهيَ تضغط على ركبة الرجل . فراشُ العاشقيْن هوَ القاعدة الملتصق بها جسديهما ، إلا أنه يُبتر عند مبتده حوضيْهما ؛ وكأنما كلّ من ذينك الجسديْن ، وقد أضحى فراشاً لصاحبه . منحوتة اخرى ، تكررُ المغزى نفسه ، الموصوف آنفاً : وهيَ من المادة الحجرية نفسها / بلا عنوان ، أيضاً ، وأبعادها نفسها . في هذه المنحوتة ، الفائقة الإتقان ، تتجلى غلمَة فناننا ، بأوضح عبارة . إمرأة بوضعية متطرفة في تكويرتها الإيروتيكية ، حتى أن ركبتيْها إلتصقتا بشدّة بنهديْها . القدَمُ في حركتها الجنسية تلك ، تتناهى نحوَ كتلة شجريّة ، في خلف المشهد ، حتى تمسي كأنما جذعٌ لها . القاعدة ، هيَ مجالُ لا فكاك منه لذلك الردف ، العظيم ، فيما الشجرة ، بدورها ، أسيرتها : إنها شجرة الحياة ، ربما ، التي تقول الأديانُ والأساطيرُ أنها أغرت أمّنا ، الأولى ، ومهّدت لإغوائنا البشريّ ، الأبديّ .
الهوامش
1 ـ زينات بيطار ، بودلير ناقداً فنياً ـ طبعة بيروت 1993 ، ص 79 Egon Schiele , Konstnarens midnattssjal – Stockholm 19922 ـ ـ جون برجر ، وجهات في النظر ـ الطبعة العربية في بيروت 1990 ، ص 158 3 * للإطلاع على أعمال الفنان زبير يوسف ، يمكن العودة إلى موقعه الإنترنيتي الخاص :
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشاهدات : جولة في دمشق صلاح الدين 1 / 2
-
زبير يوسف ؛ منشدُ الأزمان القديمة
-
إسمُ الوردَة : ثيمة الجريمة في رواية لباموك
-
أورهان باموك والإشكالية التركية
-
معسكراتُ الأبَد : شمالٌ يبشّر بالقيامَة 2 / 2
-
العثمانيون والأرمن : الجينوسايد المتجدد
-
غزوة نوبل ، العربية
-
معسكراتُ الأبَد : إلتباسُ التاريخ والفنتاسيا
-
مقامُ المواطَنة ، سورياً
-
الوحدة الوطنية ، المفقودة
-
حوارُ أديان أمْ حربٌ صليبيّة
-
نصرُ الله والعَصابُ المُزمن للفاشية الأصولية
-
سليم بركات ؛ الملامحُ الفنيّة لرواياته الأولى
-
خيرُ أمّةٍ وأشرارُها
-
إعتذار بابا الفاتيكان ، عربياً
-
وليم إيغلتن ؛ مؤرخ الجمهورية الكردية الأولى
-
الثالوث غيرَ المقدّس
-
الحادي عشر من سبتمبر : خمسة أعوام من المعاناة
-
الجريمة والعقاب : طريق نجيب محفوظ في بحث مقارن 3 / 3
-
الأعلام العراقية والإعلام العربي
المزيد.....
-
إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
-
سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال
...
-
الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
-
من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام
...
-
دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-.
...
-
-سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر
...
-
البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة)
...
-
تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
-
المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز
...
-
طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه
...
المزيد.....
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
-
عشاء حمص الأخير
/ د. خالد زغريت
-
أحلام تانيا
/ ترجمة إحسان الملائكة
-
تحت الركام
/ الشهبي أحمد
-
رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية
...
/ أكد الجبوري
-
نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر
...
/ د. سناء الشعلان
-
أدركها النسيان
/ سناء شعلان
المزيد.....
|