|
ابتسامة جورج وسمير… وجميلتان!
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 7632 - 2023 / 6 / 4 - 10:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في شهر مايو تحلُّ ذكرتان: عيد ميلاد "جورج سيدهم"، وذكرى رحيل "سمير غانم". صديقان من كبار الموهوبين في صرحِ مصر الفنيّ الشاهق. التقيا على الفنّ مع صديق ثالث، "الضيف أحمد"، وتعاهدوا ثلاثتُهم على هدف نبيل وهو: “رسم البهجة على وجوه العبوسين”. كوّنوا معًا أشهرَ وأجملَ الفرق الكوميدية في تاريخ الفنّ، أطلقوا عليها: "ثلاثي أضواء المسرح"؛ أشرق وهجُها سنواتٍ في سماوات المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون مطلعَ الستينيات الماضية. ومع رحيل "الضيف أحمد" شابًّا عام ١٩٧٠، استمر الثنائي: “سمير وجورج" على عهد الكوميديا الراقية، فقدّما عددًا هائلا من المسرحيات والأفلام، مُجتمعيْن أو منفرديْن. والعجيبُ أن مصطلح "ثلاثي أضواء المسرح" مازال حيًّا في العقل الجمعي المصري والعربي حتى اليوم؛ ليس وحسب بعد انكسار المثلث وبقاء ضلعين فقط، بل حتى بعد رحيل "جورج" عام ٢٠٢٠، ثم "سمير" بعده بعام واحد. منح اللهُ "سمير وجورج" زوجتين من أجمل سيدات هذا العالم وأرقاهنّ روحًا وطيبةً. “دلال عبد العزيز"، الفنانة الجميلة رفيقة درب "سمير غانم" التي ما كانت تترك فنانًا، مشهورًا كان أو مغمورًا، في أزمةٍ مادية أو وعكة صحية إلا وكانت صخرتَه. تساعدُ مَن يحتاج المساعدة في عوزه أو مرضه، وتواسي الفاقدين. فإن رحل راحلٌ، تكون هي مَن تستقبلُ العزاءَ فيه كأولى الأقربين. حتى أنني قلتُ لها يومًا في أحد واجبات العزاء: “هو مكتوب علينا بس نتقابل في سرادقات العزاءات يا دلال؟!” فقالت لي بابتسامتها الطيبة الحزينة: “الظاهر كده للأسف!” وحين رحلت الجميلة "دلال"، وكان "سمير" قد سبقها بشهرٍ حتى يكون في انتظارها في فردوس الله، اكتست وجوهُ الملايين بسحائب الحزن، واشتعلت صفحاتُ التواصل الاجتماعي رثاءً وتأبينًا لهذا الكوبل" الفني الجميل، وامتدت ملايين الأيادي لتحتضن ابنتيهما: "دنيا، وإيمي"، الفنانتين الجميلتين. وأما زوجة "جورج سيدهم" فهي الصيدلانية الجميلة د. “ليندا مكرم" صديقتي التي أعتزُّ بها وكتبتُ فيها قصيدة عنوانها: “ثمنُها يفوق اللآلئ". لا تحبُّ الأضواء وتهربُ من الإعلام والملاحقات الصحفية، لأن رسالتها الشاقة في رعاية زوجها "جورج" طوال فترة مرضه التي امتدت ربعَ قرنٍ، كانت هي عالمها ودنياها التي من أجلها هجرت عملها كصيدلانية، وخاصمت جميع الأنشطة والواجبات الاجتماعية، لتسافر مع زوجها راقدًا على سريره في غيبوبة تامة إلى بلاد العالم تطاردُ أي بارقة أمل تظهر في عالم الطب وتعِدُ بعلاجه. وحدها دون معين إلا الَله الذي لا يُطلَبُ معه آخرُ. لم تلجأ إلى نقابة، ولا صديق. بل حملت، بكل رضًا وفرح، جبلَ المحنة وحدها، وكانت أهلا لها. لم أصادف في حياتي زوجةً أفنت حياتَها من أجل زوجها مثلما فعلت د. "ليندا”. لهذا صدّقتُ فيها قولَ "سليمان الحكيم": “امرأة فاضلة ثمنُها يفوقُ اللآلئ". في إحدى زياراتي لهما، كان الجميلُ "جورج" يجلسُ على مقعد وثير جوار تمثال كبير للسيدة العذراء، عليها السلام، تمدُّ يدها البيضاءَ صوب قلبه الأبيض. يجاوره مقعدٌ آخرُ بالكاد تجلس عليه د. “ليندا”. فهي أغلبَ الوقت تُحوّم في الدار مثل عصفور لا يعرف الكسلَ ولا الركون منذ أقعد المرضُ زوجها وأفقده القدرة على الحركة وصار مثل طفلٍ يحتاج المتابعة والرعاية. شاركته سنوات تألقه على خشبات المسرح، ثم حملت معه محنةَ مرضه، رافضةً أن يحملَ معها التبعةَ الشاقّةَ أحدٌ. فهي الحبيبةُ والزوجةُ والأمُّ والابنة والشقيقة والصديقة، وهي الأهلُ والسندُ والأصدقاءُ، وهي الصخرةُ التي ارتكن إليها "جورج" حين تهالك ساقطًا في غيبوبة المرض، فكانت الحضنَ والسَّكن والدواء، ثم توكأ عليها رويدًا رويدًا، حتى اشتدّ عودُه ووقف على قدميه من جديد، وعادت مياه الحياة تسري في شرايينه، بعد يبوس. قصةٌ طويلة وهائلة تضيقُ عن سردها كتبٌ وقصائدُ وملاحمُ عشق. فهي، كما أسلفتُ، تجسيدٌ حرفيٌّ وجليّ لعبارة: "امرأةٌ فاضلة، مَن يجدها؟ لأن، ثمنَها يفوقُ اللآلئَ." لهذا؛ حين أهديتُ "جورج" أحدَ كتبي: "صانع الفرح"، كتبتُ على صفحته الأولى هذا الإهداء: (طوبى لكَ يا "جورج"، فها أنتَ قد وجدتَها. ) واخترتُ هذا الكتاب تحديدًا من بين كتبي لأهديه لهما لعدة أسباب: أولا عنوان الكتاب؛ لأن "جورج سيدهم" هو لا شك أحد "صنّاع الفرح" في حياتنا. وثانيًّا، لأن غلاف الكتاب عليه لوحةٌ جميلة رسمها ابني الفنان "عمر"، تمثل طفلا وطفلة يتزلجان على الجليد، ويمسك كلٌّ منهما بيد الآخر. فهل أدلُّ من تلك اللوحة على قصة الحب والحياة التي ربطت بين "جورج وليندا"؟! سافر إلى السماء "جورج وسمير"، ومن قبلهما "الضيف"، لكنهم تركوا لنا ابتساماتهم الآسرةُ كما عرفناها وسجّلتها الكاميرات؛ وكأن الزمانَ لا يمرّ. بصَفوها وعذوبتِها وطفولتها. “جورج"، "سمير" كل سنة وأنتما طيبين لا تبرحان المكانة الرفيعة في قلوبنا.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فكأنما أحيا الناسَ جميعًا
-
أنا أنتظرُ … إذن أنا موجود!
-
السلامُ … والنور
-
أنت مصري؟ سلِّم على -عادل إمام-
-
الناجحون … ماذا يضعون على رؤوسهم؟
-
طاووسيةُ الموسيقارِ الجميلةُ
-
فضيلةُ الحذف ... والبخل في الكلمات
-
سكنتُ على مقربةٍ من هذا العظيم!
-
صانعُ الجُرم … والمشيرُ إليه!
-
جميعُنا: ذَوو احتياجات خاصة
-
رسائل جعفر العمدة
-
غنّيتُ مكّةَ … وأعزَّ ربي الناسَ كلَّهمُ
-
انشطارُ واجهةِ الهرم... في عيد الحياة
-
أفطروا بأمانٍ … فنحن نحمي الوطنَ!
-
سعفةُ نخيلٍ خضراءُ … من أجل مصرَ
-
التوحّدُ .. التنمّرُ … الإناءُ المصدوع
-
في اليوم العالميّ للتوحّد … قطوفٌ من عُمَر
-
شنودة يعودُ إلى بيته … شكرًا للشرفاء!
-
أبله فضيلة … صوتٌ صنع طفولتَنا
-
في رمضان … نصومُ معًا!
المزيد.....
-
الناخبون اليهود في نيويورك يفضلون ممداني على المرشحين الآخري
...
-
الأردن يحيل شركة أمن معلومات تابعة لجماعة الإخوان المحظورة إ
...
-
كيف تدعم -خلية أزمة الطائفة الدرزية- في إسرائيل دروز سوريا؟
...
-
الخارجية الفلسطينية تدين دعوات اقتحام المسجد الأقصى غدًا بحج
...
-
3 أسباب تُشعل الطائفية في سوريا
-
آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى وسط قيود
...
-
جولي دهقاني في بلا قيود: لدينا أفراد في الكنيسة لا يقبلون سل
...
-
40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
-
الإفراج عن خطيب المسجد الأقصى وقاضي قضاة مدينة القدس بعد أن
...
-
رئيس تحرير جيروزالم بوست ليهود نيويورك: هذا دليلكم للإطاحة ب
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|