أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميمد شعلان - الجميلة وقصاب الطب














المزيد.....

الجميلة وقصاب الطب


ميمد شعلان

الحوار المتمدن-العدد: 7631 - 2023 / 6 / 3 - 00:00
المحور: الادب والفن
    


كان راكبًا لسيارة الترحيلات مكبلًا بالقيود وعيناه تزرف ندمًا على ما لحق به لم يكن يتصور أنه سيصنع هذه العاقبة، وأن يستقر به الحال في هذه العربة، وأن يضع في زنزانة مليئة بضباع بشرية بعدما كان يخالط سادة المجتمع وصفوته. أدرك وقتها قيمة ما أتلفه على نفسه وأنه أودى بنفسه إلى سوء السبيل! هذا هو حصاد يداه اللتان بالرغم من أنهم تسببتا في تخفيف الآلام للبعض، إلا أنهما تسببتا في جراح كثيرون وخانتا للقسم الذي أخذه على نفسه وبما تعهد به، فقد حول نفسه من طوق نجاة إلى دوامة يبتلع من يستند به ويجذبه نحو قاع الهلاك.

كان يعمل طبيبًا في إحدى المستشفيات الحكومية ويتقاضى راتبًا ضئيلًا؛ مما كان يوغر صدره ويزيده ضيقًا بأنه أضاع الكثير من عمره ولا يوجد المقابل لهذا، فقلبه كان يتدور المال كلما شعر أن أحلامه أصبحت ركامًا لا يستطيع أن يحقق ولو جزء بسيط منها بسبب ضيق الحال لم يتحلى بالصبر ونقم من حياته، ولذلك قرر أن يحول نفسه من طبيب جراح يداوي آلام المرضى إلى قصاب يقتطع أحشائهم ويبيعها لمن أراد أن يشتريها واحترف مهنة السرقة، ولكن سرقة من نوع جديد- متخفيًا وراء ستار الطب التي يسدلها أمام الناس- التي وسرعان ما تحققت أمانيه ومكتسباته المادية وكلما كانت تزداد أمواله كانت تتلاشى من قلبه الرحمة وتجردت منه العواطف وصنع لنفسه فلسفة أثمه بأنه يفعل ذلك من أجل شفاء الآخرين حتي يبرر أفعاله المشبوهة.

وفى يوم جاءته إحدي تلك الفتيات ولم تكن معها المال الكافي لغسل كليتيها الذي أتلفهما المرض والذي جعل منها حالة يرثي لها مما جعله يتحدث معها بشأن إجراء عملية جراحية ونقل كلية جديدة، ولكنها استوقفته بكلمة واحدة بأنها لا تأمل فى الشفاء ولا تريده لأنها لا تملك المال الذي سينجيها من الموت ولا تريد الحياة التى حكمت عليها بالفقر والمرض معًا.
تألم لكلامها وتهشم قلبه وشعر بالخجل أمامها الذي ذكره بالماضي الغميق، حينما ذاق مكانها مرضًا وفقرًا وعسرًا أليمًا، فأخذ على عاتقه مساعدة هذه الفتاة المسكينة وأن ينجيها من الموت وبدون مقابل لأول مرة، ولكن رفض القدر أن يساعدها فلم تسنح له الفرصة بأن يعود إلى صورته الأولى كطبيب لتنقشع ستار الطب والوقار الذى كان يختبأ وراءه، حتى يجد نفسه مكبل اليدين وقد انتزعوه من مكان عمله كما كان هو يستئصل الأعضاء من الجسد وأودعوه في زنزانة كمان كان يودع الأعضاء التى يسلبها فى صناديق، ليدخل في دوامة بكاء تجعله يندم على كل لحظة إفتقر فيها لرحمة ضميره في الخوض علي معترك النزيف البشري وما فعله مرارًا وتكرارًا ففي اللحظة الوحيدة التي قرر فيه أن يعود لطبيعته الملائكية وأن يكفر عن ذنوبه ونجدة هذه الفتاة تتدخل القدر وكأنه رافضًا منه أي عمل يتسم بالخير.
فيالها من فتاة عاثرة الحظ! فالحياة رفضتها كما كانت ترفضها من ذي قبل، إلى أن جاء اليوم بها لتأتي به وتسأله في أضغاث أحلامه: (كيف كان يريد مساعدتها؟!) أهل من المتصور أن الشيطان – الذي يوسوس في صدور الناس- يساعدهم ويعطى لهم الأمل فى الحياة والتنعم بها؟! لتنهي كلامها مطمئنة بذكر الله وتقول: (ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق...) صدق الله العظيم. كان كلامها جارح فكل حرف كانت تنطقه كان بمثابة شفرة تحفر في أذنيه وتقطع أوصاله وتزرف عينه دماءً بدلًا من بحورها دمعًا.
هذه القصة هي ليست من وحي الخيال وليست لمحاسبة جزاري مهنة الطب بعينهم، لكنها لمخاطبة ضمائر من يجدوا أنفسهم محور إهتمام ما كُتب بين السطور. فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.



#ميمد_شعلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصيلة في وادي المغارة
- الصداقة الروسية المصرية وشمولية التعاون الدولي بين جامعة الص ...
- شبح الذكاء الاصطناعي في ظل تطور العالم المعاصر
- ألف باء ديمقراطية | معركة الوعي
- حروب البحار وصراع الطاقة
- فن الدعاية الكاذبة
- كش ملك
- أسباط المايا وجنرالات الدم
- مذبحة المقطم.. بعين الشاهد والناقد!
- أرفض زيارة نجاد لمصر, وتلك أسبابي..
- تحرر وجودي, تحرش وإغتصاب
- ثائر حق وثائران بالباطل
- 16 سببا لموافقتك علي الدستور المصري الجديد
- الإعلان الدستوري الجديد وكشف الأقنعة
- المنتدي الإجتماعي العالمي بين نظرة الإسلامي وغياب اليساري
- بمصر ظاهرة التحرش الجنسي.. ماأسبابها ومسبباتها؟
- أكذوبة ثورة 23 يوليو
- البراجماتية العسكرية.. إنقلابات وإنتهاكات!
- اُصمت اليوم.. تُقتل غدا
- قانون الطواريء المصري مابين المد والجزر


المزيد.....




- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميمد شعلان - الجميلة وقصاب الطب