أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - خيبة















المزيد.....

خيبة


مزهر جبر الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 7626 - 2023 / 5 / 29 - 16:44
المحور: الادب والفن
    


(خيبة)
كنت في لحظتي هذه، كما في حلم، عندما رأيته يدور حولي وعلى مقربة مني، ببزته العسكرية المرقطة، حتى اني خفت عليً منه. من ثم أخذ يبحلق فيً، بوجه متجهم. عيناه اللتان كما الخرز؛ تفتران في زوايا المكان. يلتفت في جميع الاتجاهات. ثمة بكاء وانين وتوجع، وصياح ومنادات، فقد كان الجميع ينادي على الجميع وسط بقايا فتائل الدخان التي لا تزال بقيتها؛ تصعد الى السماء الملبدة بالغيوم الرمادية الراكضة بسرعة، الى المجهول، أو هكذا تخيلتها في خيالي. فتح حقيبتي التي سحبها احدهم ووضعها الى جانبي، أو بالضبط ركنها عند رأسي. استلت يده رزم الاوراق النقدية من فئة المائة دولار. دسها في جيوب بزته المرقطة. لم يبق جيب فيها لم يستخدمه، بينما ظلت واحدة من الرزم، لم يتمكن في دسها في احد جيوبه، لأنها كانت قد امتلأت الى اخرها. تلفت مرة اخرى حوله لثواني، بعدها وبسرعة؛ دفنها في عبه. لم استطع ان امنعه، من سرقة مالي، او امسك به، وانتزعه منه. كنت حينها بين اغفاءة مؤلمة لعينين شبه مغمضتين، و حركات الجنود ظهروا بتحركاتهم كما الاشباح، أو كأنهم في حلم مرَ علىَ، ولم يختف، في وضعي هذا. صرت على الرغم مني؛ اراقب المشهد، أو أني كنت حينها رغم ما احس به من ألم في جميع انحاء جسدي، وبصيص شحيح من الرؤية لعينيَ اللتان بالكاد، افتحهما قليلا. أتمعن بدهشة فائضة، غير مصدق؛ في هذا الذي سرق مني مالي؛ يعمل مع بقية الجنود في اسعاف المصابين من الذين حالتهم خطيرة، ونقل البقية على جناح السرعة، الى الاسعافات التي كانت على مقربة في الانتظار. انشغلت في متابعة ما هو جاري قبالتي، من غير ان يكون باستطاعتي الحركة، أو اطلاق صيحة؛ ابلغ الاخيرين فيها، ان هذا الجندي الذي هو معهم او منهم، قد اخذ مالي من حقيبتي. كانوا يرتدون بزاة عسكرية مرقطة، هي نفس البزة التي كان يرتديها من سرق نقودي في التو واختفى بينهم. وجدتني اتألم كثيرا لفقداني للمال الذي جمعته بشق الانفس؛ خلال اقل من شهر، قبل ان اغادر، قبل عدة ساعات متوجها الى بغداد التي طالما حلمت بالسفر إليها بسبب الحنين الجارف في داخل نفسي إليها، او رؤيتها في هذه الاوقات وبعد ما حدث فيها من اهوال مؤلمة، كانت تنقلها محطات التلفزة الامريكية. اشعرتني المناظر هذه بالقرف منها، قرفا معجونا بألم الخسارة، ووجع في رأسي وصدري. نزلت ومن ثم مشيت الى اليسار، مبتعدا عن الجموع التي واصلت نزولها. وقفت، انظر قبالتي وحولي، باحثا عن اخي وزوجه. اخبراني بأنهما سيكونان بانتظاري ساعة وصولي. :- جمال نحن هنا. كانا اخي وزوجه يقفان هناك على مبعدة بضعة أمتار مني. سررت كثيرا حين رأيتهما. ركبنا في سيارة أجرة. كان اخي قد اشار لسائقها بالتوقف، عندما توقفت اعطاه العنوان، بعد اتفاقهما على الأجرة. كنت انظر موجوعا الى المدينة التي بدت عليها بوضوح اثار الخراب والدمار الذي خلفته المعارك. السؤال الوحيد، الذي ظل خلال الدقائق التالية، التي استغرقها الوصول الى بيت اخي، يدور في ذهني، هو؛ هل هذه الاطلال لمدينة كانت عامرة بالحب والألق يوما ما. لم تكن المدينة نائمة في هذا القطع الأخير من الليل، في الدقائق التي تسبق انبلاج الفجر، كما هي مدن هذا الكون. كانت ضاجه بتحركات الحرب، ذكرتني بحرب الثماني سنوات. اسمع ازيز الطائرات في اعماق السماء البعيدة، واصوات خافتة لسرفات الدبابات من بعيد، إنما اسمعها أنا بوضوح، رغم هذا الخفوت، وهي تدوس اسفلت الطرقات التي ربما مشيت عليها ذات مساء او ذات صباح، قبل عقدين، عندما كنت شابا مفعما بالآمل وحب الحياة. شعرت بالاختناق ورغبة عارمة بالبكاء، بالكاد سيطرت على خلجات نفسي التي تمور بطعم الخسارة المر، ومنعتني من البكاء بصوت مسموع. لقد شعرت حينها بالألم لمنظر هذا الخراب الذي ظهر لي كما اشباح المجانيين في الاساطير القديمة الذين يتحركون ليلا في الظلام. انزلت زجاجة النافذة الى جانبي بالكامل، التي كنت عندما جلست على المقعد، قبل تحرك السيارة التي تنقلنا، قد انزلتها بقدر اصبعين لا اكثر؛ حتى يكون بإمكاني ان اشم رائحة هواء المدينة كي يمتلأ صدري به، إنما سريعا قمت بأغلاق النافذة، فقد كان هبوب الرياح التي ازدادت فجأة حتى تحولت الى عاصفة، على حين غرة. أخذت آتآمل الغيوم عبر زجاج النافذة، وهي تتحرك بسرعة في كبد السماء، مخلفة ورائها مساحات من السماء، بين الفينة والفينة الأخرى للقمر الذي ظهر مكتملا تماما، وللنجوم ايضا. كانت السيارة التي اقلتنا تطوي بسرعة غير اعتيادية، المسافات الى بيت اخي القريب من المطار. لا اسمع الا صوت محرك السيارة وصوت احتكام عجلاتها بأسفلت الطريق. اخي وزوجه وحتى السائق؛ كانوا في صمت مطبق في هذا الليل الموحش كما هو السكون في ليل مقبرة تلفها الظلمة، او غارقة في العتمة، هكذا كانت تدور تصوراتي عن هذه الانحاء في ذهني، التي كنت ذات ايام بعيدة اعشق السياحة فيها، ولم ازل، وبالذات ليلا. كنت ولم ازل الى الآن احبها حبا جما. لا يخترق صوت السكون هذا، الذي ايقظ شيطان الرعب والخوف في نفسي الا اصوات الرصاص ودوي الانفجارات التي تسمع من امكنة متفرقة، وبعيده، وقريبة. وقفنا امام الباب. انشغل اخي بفتح باب البيت الذي كان غارقا في سكون مهيب ومخيف في وقت واحد. بينما هو منشغلا بفتح الباب الذي على ما يبدو استعصى عليه فتحه. التفت زوجه ألي، قالت: نعيش وحيدان، وقلقان، وخائفان، في هذا البيت الصغير؛ لأن مالك البيت يهددنا بالطرد. لا نستطيع منعه حين ينفذ ما وعد به من تهديد، فقد جاء في المرة الأخيرة غاضبا، واضافة الى ذلك، فهو فيه قدر كبير من القسوة والشراسة. استمر أخي يعالج القفل بتؤدة وهدوء كما هي عادته التي عرفته بها منذ كان شابا يافعا. تركته يعالج القفل واخذت أتأمل السماء التي ينام في حضنها، متلألأ في هذا الليل، قمرٌ، تحيط به نجوم الله بعد مغادرة الغيوم الرمادية، سريعا سمت السماء، وهدوء العاصفة. انما ما عكر صفو هذا المنظر الأسر لسماء بغداد؛ تواصل اصوات الرصاص، ودوي الانفجارات حتى وانبلاج الفجر على الأبواب، تُسمع من كل مكان في المدينة. فتح الباب اخيرا. بعد أن انتهينا من شرب اقداح الشاي التي تلت وجبة طعام خفيفة، قامت زوج اخي بتحضيرها على جناح السرعة، تلائم هذه الساعة من ليل على وشك المغادرة. كان وجه اخي تعلوه تقطيبه حزينة وقلقة، الى الدرجة التي لم اره فيها، أولم أره على هذه الحالة حتى في اشد حالات الخوف التي كانوا يتعرضون لها بسببي؛ هو وابي وامي. :- سألته ما الذي يجعلك قلقا ومضطربا؟ اجابني قائلا: لا شيء، المهم عندي رؤيتك بعد غياب طويل، لم اتصور اني ذات يوم سوف أراك. مع اني وبمعرفتي بأخي، قلت مع نفسي: حتما هناك ما يقلق اخي، انما لم يبح به لي. لكن زوجه تولت الاجابة بالإنابة عنه، بينما هو، لم يتفوه بأي كلمة. قالت وهي توجه كلامها لي :- يا اخي جمال؛ ان اخاك عادل، قلقا بسبب البيت. منذ شهرين جاءنا صاحب البيت، وطلب من عادل اخلاء البيت، واعطانا مهلة شهر. جاء فعلا بعد انقضاء المهلة. المشكلة انه في هذه المرة جاء في الليل، أو في اول الليل فقد كنا نتناول طعام العشاء، عندما سمعنا الطرق الشديد على الباب. قال عادل :- انه هو صاحب البيت، فلا يمكن لأحد معارفنا اولا ان يأتي في هذه الساعة، وثانيا لا يمكن ان يضرب الباب بهذه الشدة. فتح عادل الباب، ودعاه للدخول ومشاركتنا العشاء، لكنه رفض الدعوة بوقاحة وصلف. ثم بدأ بمهاجمة عادل بكلمات نابية، وهما على عتبة الباب. طالبه بإخلاء البيت، بحجة انه يريد ان يرممه حتى يكون جاهزا كي يعرضه للبيع. قلت لأخي من اني سوف اجمع له المبلغ عندما ارجع بعد ايام. فقد كانت اموالي، البعض منها، في السوق، والبعض الأخر مودع في البنك. ومن ثم بينت له؛ من اني ربما اتأخر عليه شهر وربما اقل. أذا ياأخي قل لصاحب البيت من انك ستشتريه منه، وعليك ان تحسم المبلغ من الآن. فعلا بعد عدة ايام تم الاتفاق على مبلغ البيع بينه وبين صاحب البيت. لم اتمكن من فتح عينيَ، أو فتح فاهي لأتكلم واقول لهم من اني لم ازل حيا؛ عندما رأيتهم، ينقلون الاموات الى الصالة الكبيرة الخاصة بحفظ الاموات. في اللحظة التالية شعرت بالاطمئنان حين انحنى جندي عليَ ووضع رأسه على صدري، رفع رأسه وقال مخاطبا هؤلاء الذين يتابعون نقل الاموات:- انقلوه بسرعة الى صالة الطوارىء. عندما فتحت عيوني في الصالة الواسعة التي ساد فيها الهدوء، لم ادر او لم احسب الايام التي كنت فيها، هنا، في المستشفى العسكري الامريكي، حيث هناك تلفاز يبث اخر اخبار الساعة الواحدة بعد منتصف الليل. الآن مع مراسل الحرة عراق في موقع سقوط الطائرة: سقطت طائرة بوينك 747أثناء محاولتها الهبوط في مطار بغداد، بعد اصابتها بصاروخ اطلقه الارهابيون عليها. قام فصيل من قوات المارينز بأخلاء ضحايا الطائرة المنكوبة، التي كانت تشتعل النيران في مؤخرتها؛ مما جعلها تنفجر رغم انتشار فرق الانقاذ، ومحالتهم اطفاء الحريق، لاحقا بعد اخلاء الضحايا. فارق الكثير منهم الحياة في الطريق الى المشفى، ممن لم يزلوا على قيد الحياة اثناء عملية الانقاذ، لم ينج سواء امريكيا واحدا من اصول عراقية..



#مزهر_جبر_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا
- لا جديد في البيان الختامي لمؤتمر القمة العربي الأخير
- امريكا والصين: اللعب على تزاحم المصالح
- البلدة الاخرى: حزمة اسئلة واشارات ورموز مضمرة
- العلاقات الصينية الامريكية: حرب باردة ام تعايش سلمي وتنافسي
- الاتفاقية السعودية الايرانية: قراءة قد تكون مختلفة
- السودان: حرب الاخوة الاعداء
- السياسية الامريكية: اكاذيب وافتراءات وخدع
- الوعي العميق للبشرية: بارومتر لقياس حجم الظلم
- النظام الدولي الديمقراطي: قاعدة للعدالة
- المنطقة العربية: الاعتماد على الشعب في الدفاع عن السيادة
- السعودية: استعداد وقائي لمواجهة المتغيرات
- غزو
- لعراق: الدعوة الى اقامة الاقاليم مرة اخرى
- حكومة السوداني: اختبار صعب في ظروف مؤاتية
- روسيا- تركيا - ايران: اتفاقات وشراكات على قواعد هشة
- خطط الصين الطموحة: ضعف هيكلي وخلل بنوي ومؤسساتي
- الصين: خطط طموحة المدى والأمد
- التأريخ: يصنع الحاضر والمستقبل معا
- القنبلة القذرة: تعامل مزدوج مع تأثيراتها المدمرة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزهر جبر الساعدي - خيبة