|
السوريون في تركيا بين نارين
جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)
الحوار المتمدن-العدد: 7621 - 2023 / 5 / 24 - 10:06
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
إنه لمشهدٌ مقزّزٌ حقاً مشهد الانتخابات التركية التي أصبح اللاجئون السوريون فيها كبش فداء ومحطّ مزايدة عدائية من قِبَل شتى الأطراف. وقد شهدت الأيام الأخيرة ذروةً في هذا الصدد، عكست نتيجة الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية يوم الأحد في 14 مايو/ أيار الماضي. فقد حصل الرئيس الحالي، رجب طيّب أردوغان، على أقل بقليل من نصف الأصوات، بحيث لزمت دورة ثانية، بينما حصل مرشّح المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، على ما يناهز 45 في المئة، وحاز مرشّح أقصى اليمين الفاشستي على حوالي 5 في المئة. وللتذكير، يخوض أردوغان الانتخابات عن «حزب العدالة والتنمية» الذي أسّسه ويتزعمه، و«تحالف الشعب» الذي يجمع بين حزبه و«حزب الحركة القومية» القومي المتعصّب والمصنّف في أقصى اليمين، فضلاً عن جماعات صغيرة منها «حزب الدعوة الحرّة» المعروف في تركيا بلقب «حزب الله التركي». أما كليتشدار أوغلو فهو زعيم «حزب الشعب الجمهوري» الذي ينتسب إلى تراث مصطفى كمال، مؤسس الجمهورية التركية، كما إلى التيار الاشتراكي الديمقراطي العالمي. وقد خاض الانتخابات الرئاسية عن ائتلاف يضم ستة أحزاب، يُعرف باسمي «طاولة الستة» و«تحالف الأمة» ويجمع أطرافاً تتراوح مواقفها بين الكمالي («الحزب الجيّد») والإسلامي المحافظ («حزب السعادة»). أما المرشّح الثالث، سنان أوغان، فهو عضوٌ سابق في «حزب الحركة القومية» خاض الدورة الرئاسية الأولى تحت لواء «تحالف الأجداد» الذي يتماثل مع التراث الفاشستي. وعلى نسق جماعات أقصى اليمين في كل مكان، فإن ركناً رئيسياً في برنامج «تحالف الأجداد» كما لدى «حزب الحركة القومية» هو العداء للمهاجرين واللاجئين، الأمر الذي يعني في المقام الأول العداء للاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم في تركيا ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف المليون، من أصل خمسة ملايين ونصف المليون غادروا سوريا في السنوات العشر الأخيرة.
هذا وقد ارتأى المرشّحان الطليعيان، الباقيان في الميدان لخوض الدورة الثانية يوم الأحد القادم، وهما أردوغان وكليتشدار أوغلو، ارتأى كلٌ منهما أن كسب دعم المرشح الثالث، أي أوغان، من شأنه أن يقود الذين صوّتوا لهذا الأخير في الدورة الأولى إلى التصويت له في الدورة الثانية بما يسمح له بالفوز. وقد بُذلت مساع محمومة في هذا السبيل خلال الأسبوع الماضي، حيث تبارى المرشّحان المتنافسان على اجتذاب تأييد مرشّح التحالف الفاشستي. فقد ألقى كليتشدار أوغلو يوم الخميس الماضي خطاباً غارقاً في الانتهازية في محاولة بائسة لاستهواء الناخبين الذين صوّتوا لأوغان في الدورة الأولى. فشنّ هجوماً على أردوغان متهماً إياه بإغراق تركيا باللاجئين، مع المبالغة في عددهم بالادعاء أنه عشرة ملايين، وبقطع وعد بإخراجهم من البلاد لو فاز في الانتخابات. كما أخذ كليتشدار أوغلو على أردوغان تفاوضه في أولى سنوات حكمه مع «الإرهابيين» قاصداً «حزب العمّال الكردستاني». وهذا الخطاب، الذي يعبّر عن يأس كليتشدار أوغلو من تحقيق حلمه، إنما هو حسابٌ خاسر، إذ فشل في استهواء أقصى اليمين، بل تسبّب في انتقادات كثيرة من المعارضة اليسارية التي يراهن على ضمان أصواتها، بما فيها أوساط «حزب الشعوب الديمقراطي» المتعاطفة مع «حزب العمّال الكردستاني». وفي الجهة المقابلة، اجتمع أردوغان بأوغان يوم الجمعة الماضي، ولم يُفصَح عما دار في الاجتماع، لكنّه أفضى إلى إعلان مرشّح «الأجداد» يوم الإثنين تأييده لتجديد ولاية الرئيس الحالي. ومن المرجّح أن تكون أوساط «حزب الحركة القومية» قد لعبت دوراً في حثّ أوغان على دعم أردوغان. والحال أن هذا الأخير، بعد أن خسر الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية لعام 2015، قام بانعطاف سياسي حاد وتحالف مع «حزب الحركة القومية» الذي بات يشاركه في الحكم منذ ذلك الحين، الأمر الذي ترافق مع إعادة إشعال الحرب مع الحركة الكردية. كما حصل انعطاف تدريجي في خطاب الحكم التركي وإجراءاته العملية، من الترحيب باللاجئين السوريين إلى اعتبارهم عبئاً على البلاد لا بدّ من التخلّص منه. فبات أردوغان مصمماً على خلق «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية بغية إخراج اللاجئين من تركيا إليها، مع الإيحاء بأن إعادة اللاجئين قسراً إلى الشرق السوري سوف يُغرق مناطق التمركز الكردي بالعرب. بيد أن هذا المشروع قد اصطدم بعقبات كبيرة، منها عدم الرضى الأمريكي عنه ومنها على الأخص رفض النظام السوري مدعوماً من روسيا وإيران. فبادر الحكم التركي إلى محاكاة الأنظمة العربية التي كان متخاصماً معها حتى زمن قريب، في توجّهها إلى التصالح مع حكم آل الأسد، آملاً أن يعقد مع هذا الأخير صفقة يتمكن بنتيجتها من إعادة معظم اللاجئين إلى داخل الأراضي السورية، مثلما يسعى وراءه الحكمان اللبناني والأردني. وعلى أي حال، فقد غدا أقصى اليمين القومي ماسكاً بمفتاح الحكم التركي منذ عام 2015، أي منذ أن بات «حزب العدالة والتنمية» محتاجاً إليه لضمان أغلبية في البرلمان التركي، وقد تكرّس الأمر في انتخابات عام 2018 التي حصل الحزب فيها على أقل من نصف المقاعد بقليل (295 من أصل 600). أما في الانتخابات الأخيرة، فلم يحصل الحزب سوى على 268 مقعداً بينما حاز حليفه القومي على 50 مقعداً، في حين حاز «تحالف الأمة» على 212. وهذا يعني أن أي من فاز في انتخابات يوم الأحد القادم، سواء أكان أردوغان (كما هو مرجّح) أم كليتشدار أوغلو، سيُضطر إلى الاستناد إلى «حزب الحركة القومية» في تشكيل أغلبية برلمانية، ما يؤكد أن اللاجئين السوريين سوف يشكّلون كبش الفداء بامتياز في المرحلة القادمة.
#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)
Gilbert_Achcar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فظائع السودان والدرس التاريخي
-
ماذا وراء الإغارة الأردنية داخل الأراضي السورية؟
-
هنيئاً لهم بتصالحهم مع بشّار الأسد!
-
حلمٌ سوداني
-
المغزى من اقتتال العسكر في السودان
-
تخبّط قيس سعيّد الاقتصادي وتبعاته
-
الثورة السودانية أمام منعطف جديد
-
قوة ديمقراطيتهم وضعف ديمقراطيتنا
-
أمريكا والصين: «فرِّق تَسُد» أم «وفِّق تَسُد»؟
-
أحلام فارقتنا وأحلام لن تفارقنا
-
من دروس المحنة التونسية
-
في المقارنة بين أفعال الصهاينة وأفعال النازيين
-
بين الرعونة الروسية والعجرفة الأمريكية
-
الاشتراكية والاستعمار والاستشراق
-
أطلال مصر ازدادت في عهد السيسي
-
سوريا والكارثة المستمرّة
-
الصهيونية والفاشية ومستقبل فلسطين
-
تحية إجلال ثانية لرئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة
-
العراق ولعبة إلهاء الجماهير
-
سنة جديدة في منطقة على كفّ عفريت!
المزيد.....
-
والدة شون كومز -مدمرة- بسبب الاتهامات الموجهة إليه
-
ماذا قال نتنياهو في الذكرى السنوية الأولى لهجوم 7 أكتوبر؟
-
جماعة انفصالية باكستانية تتبنى التفجير الذي أسفر عن مقتل عام
...
-
تونس: سعيّد يفوز بولاية ثانية وفق نتائج رسمية بأكثر من %90
-
مسيرة حاشدة في صنعاء في سنوية 7 أكتوبر
-
-سرايا القدس- تتحدث عن أمر سيجبر إسرائيل على إبرام -صفقة جاد
...
-
كيف ستوقف إيران حرب نتنياهو الوجودية؟
-
بعد خيبة أمل واشنطن فيها.. زيلينسكي يضع اللمسات الأخيرة على
...
-
الجيش الإسرائيلي يعزز قواته في لبنان بفرقة جديدة
-
حزب الله يضرب تل أبيب ومواقع عبرية تتحدث عن انفجارات ضخمة في
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|