أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم صفي الدين - القاضي الجاني -قصة قصيرة-.














المزيد.....

القاضي الجاني -قصة قصيرة-.


سليم صفي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 7616 - 2023 / 5 / 19 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


لا أتخيل ما آلت إليه الأمور، ولم أتخيله قط. هل الصحافة أصبحت جريمة؟ هل التفكير خارج الصندوق جريمة؟ أم أصبحنا نعيش محاكم تفتيش جديدة؟ قطع الحارس خيال نوح، بعدما استدعاه لمقابلة السيد وكيل النيابة للتحقيق معه. مَثُل نوح أمام الوكيل، الجالس على مكتب فخم فاره، أشعل سيجارة، وأشار لنوح بالجلوس. رفض نوح الامتثال لدعوتهِ وصرخ في وجهه قائلا: أريد مقابلة القاضي حالًا.. نفث وكيل النيابة الدخان المعبأ في صدره وقال: ليس الآن، وليس بهذه الطريقة.. تابع نوح حديثه المنفعل "طريقتكم بلهاء، ومرفوضة.. قاطعه وكيل النيابة بهدوء شديد "سأتركك قليلا في الخارج، تشرب فنجان القهوة الذي طلبته قبل مثولك أمامي، وتهدأ، ثم نبدأ التحقيق. جذب الحارس ذراع نوح، وهو يصرخ: أي تحقيق، أنت مجرد أداة، كفاكم تمثيلا.

لم يخطئ نوح في أي كلمة قالها، فالقاضي شخص غامض، يسكن في قصر فخم جدًا، يقع على حافة المدينة، لم يظهر ولم يره أحد من قبل، ويقال إن وكلاء النيابة ووكيلهم العام فقط هم من رأوه بعد صدور قرارات تعيينهم، ولكن لا دليل على ذلك.
نوح، هو الصحفي البارز والمفكر الشاذ المهرطق الذي طرح الأسئلة حول القاضي، وطريقة تعيين وكلاء النيابة، وسأل العامة "من رأى منكم القاضي فليصفه لي". بدأ إيمان الناس يتزعزع في النظام كله، ومنظومة العدالة جميعها، وامتد الأمر إلى حدوث تظاهرة محدودة العدد بجانب المجلس القضائي تطالب القاضي بالظهور.. من هنا تحرك الأمن، وألقى القبض على نوح، بتهمة تكدير السلم العام، وإشاعة الفوضى بين الجماهير، والعمل على زعزعة ثوابت الأمة..

القاضي، نظر ملايين القضايا في المدينة من قبل، إلا أن الأحكام الصادرة ضد من نظر قضاياهم بعد الإحالة إليه، مجهولة، ومتروك للعوام تفسير وتحديد مصير المحالين إليه. لم تكن محاولة نوح هي الأولى من نوعها فقد سبقتها محاولات كثيرة عبر سنوات طوال ولكنها كانت أقل حدة وعمق، غير أن نوح، ومن يسير على دربه اتهموه بالانحياز والميل لفصيل دون الفصائل الأخرى.. الغريب في الأمر أن كل الفصائل تؤكد على أن الميل القضائي لصالحهم، وأن الفصائل الأخرى مصيرها السجن الأبدي.. هذا فضلا عن منظومة العدالة نفسها، فقد اتهمه كثيرون بالتطرف والعنصرية وارتكاب أفعال انتقامية لا يفعلها سوى المجرميين، مثل الحرق بالنار، وانحيازه للرجال دون النساء في نعيمه والعكس في عذابه.
ورغم أن تلك التهم الموجهة إلى القاضي "الذي كتب على قصرهِ الرحمة أساس الحكم" لا دليل عليها، غير بعض الكتب والمجلدات، وكتابه الخالد الذي يقال إن تلك المدينة أُسست على تشريعاته، ورغم امتثال مجموعة أخرى إلى دساتير غير هذا الكتاب، قالوا أيضا إن القاضي من وضعها وأسس عليها تشريعات نفس المدينة، إلا أن الإشكالية الكبرى تكمن في ألا أحد ذهب إليه بعد الإحالة، وعاد ليقص ما حدث معه وما حصل عليه من حكم!

دخل نوح، غرفة وكيل النيابة ثانية، حجرة فارهة جدًا، واسعةً للغاية، تتناسب مع من يجلس على مقعد مكتبها، شخص أسمر، دقيق القسمات، يبدو عليه الترف.
-ألقى إلى نوح سؤالا: هل أصبحت هادئًا الآن؟
-رد نوح: لم أكن منفعلًا من الأساس..
-إذًا لنبدأ التحقيق.
- كان نوح، جالسًا إلى يمين وكيل النيابة أمام مكتبه، وما أن سمع كلمة تحقيق، حتى جن جنونه.. فظل يرفع في صوته وهو ينظرُ في الفراغ ويقول: لم آتِ هنا للاستجواب، بل جئت لأسأل؟ بأي دستورٍ تحاكمني؟ بدستورٍ أكل عليه الدهر وشرب منذ أكثر من ألف عام؟ أم بما سبقه بألف أخرى؟ ولماذا تظن أن هذين الدستورين صحيحان؟ لماذا لا يكون ما سبقهما بخمسة آلاف؟ لماذا لا نصنع نحن دستورنا؟ العدالة آليات تطبق، ونظام حاضر لضمان بلوغ الغاية، فكيف نطبق الآليات في غياب رأس النظام؟ وكيف نبلغ الغاية بالوكالة؟.. كان نوح يتكلم مثل الروبوت، وكأنه تسجيل صوتي، لا حركة ولا تعبير ولا شيء، بل كلام منظم يلقيه في حالة من الغضب.. أنا أرفض التحقيق أمامك، وأرفض قاضيك، ولن أعترف بهِ إلا إذا قابلته، هو الجاني ولست أنا، أنا فكرت وهو من كبل العقول، أنا موجود وهو يوحي إليكم.. أهو وحي أم إيحاء خدعكم؟
هنا خرج وكيل النيابة عن صمتهِ وقال بحزم وحسم "تأدب".
وبعد كثير من السفسطة، والتحقيق الذي استمر لساعات طويلة، قرر السيد وكيل النيابة إخلاء سبيل نوح، بضمان محل إقامته، ما إن خرج نوح حتى وجد حشودًا تنتظره بالخارج، منقسمة بين مؤيدين ومعارضين، مجموعة ترفعه إلى السماء، وأخرى تقذفه بالكفر والحجارة. صرخ نوح، في الجميع: أليس لكم عقولًا تعمل؟ فكروا في أمر القاضي.. لا أقول اكفروا بهِ ولا بعدله، ولا جنبوه حياتكم، لكلٍ منكم ما يشاء، ولكن بموقف.. بإرادة.. بتفكير.. وليس كالأنعام تساق إلى حيث يقرر الراعي.. فكروا مرة واحدة فقط.. مرة واحدة فقط خذوا القرار بأنفسكم لا بوكلاء النيابة.



#سليم_صفي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فى بيتنا كلب -قصة قصيرة-
- ثالثوث الدائرة المفرغة.. لماذا يتغير الواقع دون أن ندري؟
- ما بين دين عبدالله رشدى وعلمانية خالد منتصر
- أحزب من ورق
- اخترناه وبايعناه
- شوكة الأزهر في حلق العلمانية.. إلى أين؟!
- كيف يدعو الأزهر إلى التجديد ويرفض التطوير؟
- بديهيات حقوق الإنسان
- ظاهرة الإلحاد بين الحوار الفلسفى والإرهاب الدينى
- الأزهر يحارب الدولة؟
- حول تصريحات السيسى
- جمهورية بامبوزيا
- فض اشتباك رابعة والنهضة
- يناير.. من حلم التغيير إلى كبت الوطن
- سيدى الرئيس.. نظرة دون خوف
- الأحوال الشخصية وقانون -ع-
- بين فراقين.. صديقى الذى لم يَعُد
- حرب الأسئلة «السؤال المناسب»
- الإله بين الكفر بالذات والإيمان الاجتماعى.. «الذات والإله»
- ارحل يا سيسى؟!


المزيد.....




- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...
- المؤسس عثمان الموسم 5.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 باللغة ...
- تردد قناة تنة ورنة الجديد 2024 على النايل سات وتابع أفلام ال ...
- وفاة الكاتب والمخرج الأميركي بول أوستر صاحب -ثلاثية نيويورك- ...
- “عيد الرّعاة” بجبل سمامة: الثقافة آليّة فعّالة في مواجهة الإ ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سليم صفي الدين - القاضي الجاني -قصة قصيرة-.