أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سليم صفي الدين - جمهورية بامبوزيا















المزيد.....

جمهورية بامبوزيا


سليم صفي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 5994 - 2018 / 9 / 14 - 07:50
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


فى غفلة من الزمن، وفى وقت غير محسوب، انتفض العشب البامبوزى العظيم ضد سلطة مستبدة أضرت بمصالح الوطن وأضاعت حقوق المواطنين، من خلال سياسة الخصخصة وبيع المصانع وشركات القطاع العام، وسن قوانين تنتصر للاحتكار والتحكم فى السوق والبورصة لصالح رجالات النظام. أسفرت الانتفاضة عن ثورة أطاحت بالنظام ومعاونيه من رجال الأعمال وأصحاب المصالح والنفوذ، وقلصت من السلطة الأمنية الباطشة، ليهنأ شعب بامبوزيا بنوم هادئ يحمل معه أحلام المساواة والعدالة والرخاء.

لم يفق شعب بامبوزيا من حلمه حتى تبدلت بسلطة رجال الأعمال السلطة الثيُقراطية التى تبدد معها الحلم، وعاش الشعب كابوس استبداد جديد، ليجد الجميع أنفسهم أمام تحدٍ آخر، إما الخنوع والاستسلام وإما الاستمرار فى النضال من أجل وحدة بامبوزيا العظمى، وبالفعل تحرك الشعب مرة تلو الأخرى فى مسيرات وتظاهرات ترفض السلطة الدينية وتسلطها، نحو عامٍ كامل تخرج الجماهير إلى الشوارع مطالبة بعزل الرئيس البامبوزى الذى جاء بعد ثورة، ليحقق له ولتابعيه سُنّة من سبقه، وأطاحت به الثورة البامبوزية التى غيرت مسار الشعب، فكريا وسياسيا، بشكل باتت السيطرة عليه أقرب إلى المستحيل.

رحلت السلطة الدينية، ليتولى الجنرال قيادة دولة بامبوزيا العظمى، وبقوة القبضة الأمنية، وببطش غير عادى، استطاع إخماد الثورة داخل روح الشعب البامبوزى، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه، من خلال سياسيات اقتصادية زادت من معدلات التضخم بشكل غير مسبوق، ما جعل الشعب يصرخ من الجوع ويئن من ألم الكبت، ويصرخ من القرارات الاقتصادية المؤلمة، وكلما خرج صوت زاعق كان الاعتقال والتنكيل سيد الموقف.

الدستور بات حبرا على ورق، والمجلس البامبوزى صار جزءا لا يتجزأ من سلطة الجنرال، والإعلام أصبح موحدا باسمه، وبات السبيل الوحيد للعيش آمنا هو الحمد والتسبيح باسم الجنرال البامبوزى العظيم.

زادت معدلات الانتحار من الكبت، ولا حياة لمن تنادى، هاجر كثير من الشباب بشكل مشروع وغير مشروع، والسلطة لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم، الشعب البامبوزى الطيب أصبح أكثر عدوانية وعشوائية تجاه بعضه، والإعلام ينقل صورة وردية لا يعلم مصدرها إلا هو، ارتفعت معدلات التحرش، وزادت العنصرية ضد الأقليات، والحكومة تؤكد أنها حوادث فردية وليست ظاهرة مقلقة، منظمات المجتمع المدنى تمت السيطرة عليها تماما، والصحافة أصبحت تطوف حول الجنرال كما يطوف الشعب البامبوزى حول معبده، فأُغلقت مئات المواقع الإخبارية، وتم تسريح مئات الصحفيين، وتصريحات الإعلام مضحكة: "بامبوزيا تعيش أزهى عصور الحرية"!

أصبحت الدولة كلها مثل أسرة مكونة من عدة أفراد، يحكمها فردٌ واحد بالسوط، لا صوت يعلو، ولا رأى يؤخذ، ولا طعام إلا كسرت الخبز التى يتفضل بها الحاكم على رعيته.

وجوه الناس عابسة بلا سبب، والكآبة سمة الشعب، والعنف ونفاد الصبر وهمجية التصرف أصبحت جزءا من مجتمع بامبوزيا الطيب، تبدلت الحال تماما، حتى أصبح أغلب البامبوزيين يتمنون يوما واحدا من أيام الرئيس الذى قاموا عليه بثورتهم العظيمة، تشعر أن الجميع ينتظر الكل، من يصرخ أولا سيزعق الكل وراءه، فى انتظار جيفارا لتشجيعهم على كسر القيود.

حل عيد العمال مايو/ أيار 2019 وهو يوم إجازة رسمية للشعب البامبوزى، وكان عامل يتجول عابس الوجه مهلهل المظهر، مشحم الملبس، وهو ذو شعر أبيض مخلوط على بعضه، يرتدى حذاء مقطوعا من الجانبين، يسير بأحد الميادين البامبوزية الكبيرة، عيناه مغرورقتان بالدموع، يده ترتعش كأنه ينوى فعل شىء لا يقدر عليه. ظل يلف حول نفسه دون وعى، فكره مشتت؛ حتى إنه كادت أكثر من سيارة تصدمه. ارتمى واقفا على أحد جوانب الميدان، ثم صرخ فى رجل يلبس بدلة قيمة، وشعره مهندم وبشرته ناضرة: "جعااااااااااااان" وانخرط فى البكاء، وظل يتحرك بشكل عشوائى، ويصرخ فى جميع من حوله: "جعان.. جعااااان.. والله العظيم جعان.. العيال مش عارف أأكّلها ولا أشرّبها.. أب مش عارف يأكّل عياله.. باخد ملاليم والدنيا بتغلا".. وتلعثم كثيرا فى أثناء صراخه. تجمع حوله نحو 50 فردا، وفجأة صرخ الجميع معه "جعااان... جعااان.. جعانين.. جعانييييين" أصابهم الهلع والجنون والتحرك العشوائى وعدم الوعى، وفجأة تطور الأمر، بدأوا يعترضون الناس فى الشوارع، ويصرخون فيهم: "إنتَ مش جعان؟ مش لاقيين ناكل". ثم تطور الأمر أكثر بالهجوم على المطاعم الفاخرة، وبدأوا يعتدون على من فيها، ويسرقون الطعام. تحركت قوات الأمن بسرعة شديدة، فالأمر لم يأخذ أكثر من دقائق معدودة حتى وصل إلى الاعتداء على المحلات، بدأت القوات بإلقاء قنابل الغاز لتفريقهم، وبدأ القبض العشوائى على المارة، سواء كانوا مشاركين أو غير مشاركين، مؤيدين أو معترضين، ما جعل كثير من الشعب البامبوزى ينضم إلى المجموعة القليلة التى قُبِض على أكثر من نصفها، الأمر بات خارج السيطرة، فالأعداد ارتفعت من عشرات إلى مئات، يتم إغراقهم بالقنابل المسيلة للدموع، والخرطوش، وطلقات رصاص حى فى الهواء، ولا رد من المتظاهرين، الذين تجمعوا حول فرد واحد، إلا كلمة واحدة: "جعانين"!

القنابل زادت بمعدل غير عادى، وظهرت عناصر من البلطجية تشتبك بعنف مع المتظاهرين، وطلقات رصاص حى فى الرأس والصدر مجهولة المصدر، فى يومين فقط سقط أكثر من 5000 قتيل، فى المرة الأولى والثانية، خرج الشعب البامبوزى فى أيام محددة، ليقول للسلطة الدينية وما قبلها، ارحلوا، اليوم لا ترتيب ولا تخطيط ولا عناصر جاهزة لتولى المسئولية، فقط غضب لا تطفئه كلمات معسولة ولا وعود براقة ولا حتى انتخابات رئاسية مبكرة، ولا سبيل إلا رحيل الجنرالات.

اعتصم الشعب البامبوزى بكل طوائفه فى الميادين العامة، مطالبين بشكل واضح وصريح برحيل الجنرال ومن عاونه، وتشكيل مجلس مكون من مجموعة منتخبة من الشعب تحمل كل الطوائف اليمينية والليبرالية، تتولى الحكم لمدة عامين كاملين، يتم تغيير الدستور فيهما، وتنعقد انتخابات رئاسية جديدة لا يترشح فها كل أعضاء المجلس الرئاسى المنتخبين.

اليوم ينظر العالم إلى الشعب البامبوزى بشكل مختلف، فقد عاد الهدوء والرصانة إلى المشهد، رغم البداية المقلقة التى استهدفت محلات الطعام والملابس وغيرها. التحم الشعب كله من دون النظر إلى الدين أو اللون أو الأيديولوجية، وبدأت كثير من دول العالم تطالب الجنرال بالرحيل، فى الوقت الذى سافر فيه المحامى الدولى الملقب بـ"ضمير الثورة" إلى المحكمة الجنائية الدولية، لتوثيق ما تم من عمليات قنص وقتل عشوائى بأوامر الجنرال بحق المتظاهرين السلميين، وليؤكد على ضرورة دعم الثورة البامبوزية. اليوم يرسل الشعب البامبوزى رسالة إلى كل دكتاتور، مهما كان البطش شديد فالشعب أقوى.



#سليم_صفي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فض اشتباك رابعة والنهضة
- يناير.. من حلم التغيير إلى كبت الوطن
- سيدى الرئيس.. نظرة دون خوف
- الأحوال الشخصية وقانون -ع-
- بين فراقين.. صديقى الذى لم يَعُد
- حرب الأسئلة «السؤال المناسب»
- الإله بين الكفر بالذات والإيمان الاجتماعى.. «الذات والإله»
- ارحل يا سيسى؟!
- فرج فودة الذى قتله الجميع
- بين زعيمين
- رمضان كريم
- «من اليقين إلى الشك» 3 الحقيقة التائهة
- «من اليقين إلى الشك» 2 حائر فى حضرة رئيس تحرير متصوف
- «من اليقين إلى الشك» 1 حسن ومرقص وبوذا
- «المصدومون فى الإله».. لعنة شريعتى
- رعب الجمعة.. «ازدراء الإنسان»
- التهمة «حوار صحفى»!
- من مهدى عاكف إلى أبوالفتوح.. يا حرية لا تحزنى
- عفروتو المجني عليه!


المزيد.....




- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سليم صفي الدين - جمهورية بامبوزيا