أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم صفي الدين - «المصدومون فى الإله».. لعنة شريعتى















المزيد.....

«المصدومون فى الإله».. لعنة شريعتى


سليم صفي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 5802 - 2018 / 3 / 1 - 17:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قام من نومه مبكرا على غير عادته فى يوم الإجازة، مضطرب الفكر، مشتت التركيز، مهزوز الكيان، شاحب الوجه.. هل كل ما أعتقدت فيه كان خطئا؟ هل الخطأ فى الدين أم فى التطبيق؟ منذ ولادتى وأنا أسمع عن طاعة الله ومقاصد الشرع، هل للشرع مقاصد؟ أم للدين غاية؟ هل لا أسأل عن أشياءَ إن تُبد لي تسؤنى، أم اقرأ، ما هذا التناقض، لأول مرة أشعر وكأنى لا أفهم أى شئ فى الدين، ولا حتى من أنا، أو ماذا أريد؟ هل حقا أنا شاب نشَّأَ فى عبادة الله؟ ومشروع عابد وعالم؟ أم أنَّ هذا كله محض كذب؟ وماذا عن دراستى للطب، هل القراءة فيه أولى، أم التفقة فى الدين؟ هل الدين يحتاج إلى فقهاء ينوبون عن العباد؟ أم أن لكل فرد فقهه، من منطلق أن الدين أمر شخصى يخص كل إنسان على حدة؟ هل الدين أمر شخصى من الأساس أم أنه عام؟
باحت بواطنه بصرخة هزت ما حوله آآآآه.. يا إلهى، لا تتركنى أرجوك..


توضأ وذهب إلى المسجد، يقرأ القرآن ويتعبد..
هو شاب بسيط، لا يأبه بالحياة، كل معرفته بها وعنها أن يُصلىّ، ويراع أبوه وأمه، وبين الجامعة ومحاضرات المسجد، لا يعرف شيئا آخر، وكل أوقات فراغة قراءة في التفاسير أو استماع إلى مشايخ عصرنا الحالى، لا يفرقض بين السلف، والأزهر، والصوفية، هو نقى ما زال يعيش بفطرته، يرى كل من يتكلم بالدين، شيخا جليلا عظيما، ولا يعرف أن هناك فرق بين المذاهب والمشايخ والطرق والفقة وتفضيل السنة على القرآن فى النسخ والعكس..


ذات مرة وهو يتصفح فيسبوك، وجد شيخا جليلا ممن يحبهم، يبث فيديو من الحرم المكىّ، ويدعو لكل متابعيه، كان فرحا أنه أحد المتابعين المدعو لهم، وتغلب فى قرارة نفسه على غرابة الفَعْلَة، وبينما يتنقل بين صفحات الموقع، وجد صديقا نشر مقولة لـ«علي شريعتى»، الذى أتهمته أهل السنة بالتشيع، والشيعة باتباع السنة! "خير عندى أن أسير فى الشارع وانا افكر فى الله، من أن أجلس في المسجد وأفكر فى حذائى"، وقتها لم ينشغل بها، خصوصا أنه سنى وشريعتى عند السنة شيعى كافر، ذهب فى اليوم التالى إلى المسجد مرتديا زيا جديدا، فهو أنيق، يحب الظهور جميلا بشكل دائم، ليحضر أحد الدروس، جلس واستمع لشيخيه وكأن على رأسه الطير، وعندما انتهى الدرس، قَبلَ يد مولاه، وقام ليذهب فلم يجد الحذاء! من وقتها كلما جلس فى المسجد شتت انتباهه التفكير فى الحذاء! فيتذكر شريعتى! ومنذ ذلك الحين وهو يقول فى نفسه "أصابتنى لعنة شريعتى".


فقرر أن يعرف عنه أكثر، قتلته الشيعة بتهمة الإنتماء للسنة، الذين قالوا أنه شيعى، بينما كان شرعتى إنسانا يفكر ليس إلا، وبقراءته له، تعرف على عبدالرزاق الجبران، ووصل إلى نصر حامد أبوزيد، وفرج فودة الذى كان يكرهه، وحسن حنفى، والراحل حديثا على مبروك، وقرأ كتاب الإسلام وأصول الحكم، للقاضى الشرعى علىّ عبدالرازق، وقرأ عن الدهرانية، بعدما تعرف على المغربى طه عبدالرحمن، ومنه إلى الجزائرى محمد أركون، وكان شيخه يلحظ عليه التشتت والشرود، فيما أوضح هو أن دراسة الطب صعبة وهى التى تحول دون تركيزه.


وصل إلى المسجد آخيرا، وقف فى وسطه تماما جسده متجها ناحية المنبر، ورأسه تنظر إلى السماء، بين التحدى والرجاء، انحصرت وقفته التى لا يعرف حقيقتها وبواطن صراعها غيره. لا يوجد إلا الخادم وبعض الحضور القلائل، عادت الأسئلة المُرة تُطرح عليه، دم الإنسان أم الصلاة؟ التكفير أم الحب؟ الرحمة أم الرجم؟ العفو أم القطع والتنكيل؟ وبصرخة غير متوقعة قال: أجبنى يا إلهى، أيهما عندك أهم؟..
قاطع خياله الآذان "الله أكبر....."، جلس فى مكانه، لم يصلى، ولم يتحرك، الطير هذه المرة ليس على رأسه وإنما على روحه، انتهى الأذان الأول والثانى، وصعد الإمام للمنبر، يتحدث عن الدين القيم، الذى تكلف الله بحفظه، أما كل الأديان محرفة، صرخة الأسئلة بداخله، من أين عرف بتحريفها؟ وحتى إن حرفت، كيف نُهينها ونزدريها فى الميكروفونات المزعجة أمام معتنقيها؟ حتى استدل الإمام بآية " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ"، ولسوء الحظ أنه قرأ الثالوث المقدس، وهو يسعى لفهم غيائم ظلمات الفقة الذى حشر فى رأسه..

انتفض من مكانه فجأة، وترك المسجد، لم يذهب إلى حذاءه، وكأنه أدرك الله فى الحفى، أو أنه اعتقد بسرقته فققرر ألا يبحث عن عدم.. مهزوم الكيان، مهلهل الروح، حىٌ بجسد مقتولة روحه.. بعد عن المسجد قرابة الــ1500 مترا، وفجأة دوى صوت عظيم، هز أرجاء القاهرة، هلعت نفسه رعبا حتى ارتطمت رأسه بالأرض من هول الصدمة، نظر خلفه والرعب متجسدا فيه، صرخ بتمتمات، وكلام فحواه "ولاد الكلب.. يا كفرة.. يلعن دين أبوكو..


تفجير إرهابى ساوى المسجد بالأرض، رجع نحوه يجرى، محاولا مساعدة المصابين، وبسرعة خرافية، جاءت سياراة الإسعاف والدفاع المدنى.. تبرع بالدم، ومضى واضعا يده الملطخة بدماء الأبرياء خلف ظهره المنحى، وبينما يمر أمام مقهى اخترق سمعه صوت المذيع لأسماء الشهداء، والناس يجلسون مخيما الحزن على رؤوسهم، قال فى نفسه وهو ينظر إلهم " تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى".. جاء أسم خطيب الجمعة فى صدارة الشهداء، ابتسم بسخرية، ثم ضحك، وتعالت أصوات ضحكاته الساخرة.. الناس كانت تنظر إليه على أن الصدمة أصابته بالجنون، فلم يعترض أحد، وعادت الأسئلة تترامى فى عقله.. شهيد ازاى وكان يكفر الناس؟ ويعلم الكره والبغض؟ شهيد ازاى وهو يعلم تفاصيل يوم القيامة، التى هى من الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله؟ شهد ازاى وهو يجتهد لدفع الناس لكره المسيحين وتضييق الطريق عليهم، وتضليل الناس حول اليهود، وكأن كل اليهود صهاينة..


صعد إلى غرفته، نظرت أمه إليه فبكت، وأبوه الإندهاش كان هالة حوله.. كلّماهُ فلم يرد.. لم يسمع، أصم محاصرا بصوت السؤال.. دخل غرفته.. وقف أمام بلكونة حجرته المغلقة بزجاج يوضح ما بالخارج، ناظرا إلى السماء، متحدثا صوت ضعيف، مكسور، مهزوم، وزخات الدمع تتساق من عينه دون أى تعبير من وجهه..
فى خلل، وأنا تعبان، أنت فين؟ انت مين أصلا؟ انت الرحيم، ولا من بدل دينه فقتلوه؟ انت الروح، ولا الطواف حول حجر؟ انت رحمان، ولا اعتدنا للكافرين نارا؟ ازاي تحرق، ازاي تفعل افعال المجرمين؟



سقط من طوله ونام مكانه، وعلى غير عادته لم يقم لصلاة الفجر، ولا الظهر، استيقظ بعد موت.. خرج من حجرته، فغسل وجهه بالماء، وحضر قهوة وجلس على السفرة ينظر فى هاتفه، قالت له أمه: انت تمنع أبوك من شرب القهوة دون إفطار وتشربها انت؟
أجاب: فاقد الشئ يعطيه، وما تقوليش من امتا... قاطعه والده:
- مالك يا ابنى أحوالك مش عجبانى؟
• أنا قررت ماكملش دراسة الطب! هحول فلسفة!
- انت اتجننت؟
• تصدق أول مرة أسمعك بتسأل يا بابا، طول عمرك ماشى فى الدنيا بأقوال العلماء والمشايخ، وللأسف ربتنى على كده، طلعت نسخة منك، ولما سألت مرة واحدة، بقى ده حالى، هدرس فلسفة وماحدش هيمنعنى..
أنهى حديثه بعد تقوف مفاجئ.. وخرج

جلس على قهوة لم يجلس عليها من قبل، ونزل إليه صديقه، بعد اتصال به..

كان دوما يتهمه بتطرف الفكر والإلحاد، فقط لأنه يدرس الفلسفة، كان يردد عليه كلما رآه فى الجامعة مقولة أبوحامد الغزالى "من تمنطق فقد تزندق"، اليوم يحتاج إلى المنطق، بدء كلامه دون أن يسلم عليه، ولا أن ينظر فى وجهه، حتى أن صديقه أصيب بالرعب عليه، ظل يتحدث وكأنه جالسا على شيزلونج لدى طبيب نفسى، صديقه لم تغيب عينه عنه، ولم ينطق بكلمه، يسمع بإهتمام، ويهز رأسه..



حتى جاء صوت من خلفه لرجل حسن المظهر، بشوش الوجه، اكتسى شعره بلون الماس، فى العقد السابع من عمره.. قال: الله موجود عند المشردين، وفي البساطة والضحكة الصافية والبسمة التي تكسر الحزن.. الله لا يُكسي بيته بالذهب والحرير! الله موجود فينا.. فالطواف حول الإنسان، الله لا يُسجن في المعابد ... قاطعة صديقه الذى نطق آخيرا: متسيبه يا عم الحاج يقول، شيوخ إيه وأديان إيه وإله مين، إن هى إلا حياتنا الدنيا، عمرك شوفت حد مشى وجه حكى عما حدث معه، الضمير والإنسانية هم الميزان والفيصل، لو الإله موجود هيحبك، ولو مش موجود، الناس كلها هتحبك، الإله مش موجود، رد الرجل: كلامك صح الإله واجد وليس موجود...


تركهم وقام من مكانه دون كلمة وهو لا يكترث لأى شئ، أفلت هاتفه من يده، وأخرج من جيبه أذكر الصباح والمساء، ومسبحه، ووضعهم على جانب الطرق.. دخل البيت مباشرة إلى الحجرة.. لملم ملابسه، وذهب إلى الأسكندرية، بعيدا عن الجميع، ليكتشف ذاته، من أنا؟ من أكون؟ لماذا أنا هنا؟ هل يوجد إله أم لا؟ لماذا الإسلام دون غيره؟......



#سليم_صفي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رعب الجمعة.. «ازدراء الإنسان»
- التهمة «حوار صحفى»!
- من مهدى عاكف إلى أبوالفتوح.. يا حرية لا تحزنى
- عفروتو المجني عليه!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم صفي الدين - «المصدومون فى الإله».. لعنة شريعتى