أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم صفى الدين - فرج فودة الذى قتله الجميع















المزيد.....

فرج فودة الذى قتله الجميع


سليم صفى الدين

الحوار المتمدن-العدد: 5899 - 2018 / 6 / 10 - 04:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فى ذكرى اغتيالهِ، هناك سؤالٌ مطروحٌ بقوة: لماذا لم يستطع الإسلاميون بكل طوائفهم، والنظام حينها، تَحمُّل فرج فودة ولجأوا إلى قتله؟ بنظرة بسيطة إلى واقعنا قد تعرف الإجابة دون بحث، غياب تام وكامل للأحزاب السياسية، شخص معروف سبق سجنهُ بتهمة ازدراء الأديان، يتفضل على الناس بأنه من سيعلمهم الدين وعلم الحديث... إلى آخره.
التنوير أصبح له أرباب وليس كيانا يتبناه، السياسيون يتحدثون في الدين، والمتدينون يضعون نظريات اقتصادية، نعيش فى قرن يسبق التقدم العلمى فيه نفسه، وهناك من يقول على رئيس الجمهورية "أب" وعلى الشيخ "ولىّ"، وعن المسيحىّ حدِّث ولا حرج، ما بين كافر وضال، وشعب منفصل داخل كنيسته عن باقى الوطن.

ببساطة فرج فودة، أدرك كل ما سبق ذكره، وبلوره فى مكانهِ الصحيح، فلم يقل إنَّ التنوير شىء، والسياسة والأحزاب السياسية شىء آخر، لم يتفرغ لنقد التراث وترك الساحة السياسية، بل إنه أبدع بربط كل الخيوط بدقة متناهية ليقول إن كل هذه القضايا هى قضية واحدة فى الأساس، فقال "إننا جميعا فى حاجة لإعادة توزيع الأدوار من جديد، ليتكلم رجال الدين فيه، وليتكلم رجال السياسة فيها، أما أن يرفع رجال الدين شعارات السياسة إرهابا، ويرفع رجال السياسة شعارات الدين استقطابا، فهذا هو الخطر الذى يجب أن ننتبه له. وإننا نقبل بمنطق الصواب والخطأ فى الحوار السياسى لأن قضاياه خلافية يبدو فيها الحق نسبيا والباطل نسبيا أيضا، ونرفض أن يُدار الحوار السياسى على أساس الحلال والحرام، حيث الحق مطلق والباطل مطلق أيضا، وحيث تبعة الخلاف فى الرأى قاسية".

وضَحتْ رؤيةُ "فودة" الفصل بين الدين والسياسة من جهة، وبين الدين والدولة من جهة أخرى، وهذا فى رأيى ليس كل شئ، وإنما سعيه للحداثة وتنفيذ أفكاره على أرض الواقع من أهم وأخطر جانب على السلطة والدين، العمل الميدانى من خلال الأحزاب السياسية، فعمل على تأسيس حزب المستقبل الذى تمحورت مبادئه وأفكاره على منهج العلمانية، ما دعا جبهة علماء الأزهر لشن حملة شرسة عليه دعت من خلالها لجنة شئون الأحزاب إلى عدم قبول اعتماد أوراق حزبه، ووصل الأمر إلى إصدارها بيانا، نشرته مجلة النور فى العام 1992، أى قبل اغتياله بأسابيع، كفّرته فيه وحرّضت على قتله. وبعد هذا البيان، جاءت المناظرة الشهيرة التى كانت بمثابة الضوء الأخضر لتنفيذ عملية اغتياله، والتى كانت ضمن فعاليات معرض الكتاب فى عام 1992، وحملت عنوان "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية"، كان فرج فودة، ومحمد أحمد خلف الله، فى مواجهة محمد الغزالى، الأزهرى الوسطى عضو جماعة الإخوان السابق، ومأمون الهضيبى المرشد العام لجماعة الإخوان حينها، ومحمد عمارة، الذى تحول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وكانت المناظرة عبارة عن تحريض واتهام "لفودة" فى دينهِ، وكلنا نعرف أن الكافر دمه حلال، وهذا ما قد حدث بعد أشهر قليلة من تلك المناظرة المشئومة.

نفذ عملية الاغتيال أبو العلا عبد ربه، الذى أفرج عنه الرئيس الأسبق محمد مرسى بقرار عفو رئاسى فى 2012، والذى لقى حتفه بين مقالتى تنظيم الدولة الإسلامية فى سورية مارس قبل الماضى.

ومع بدء محاكمة القاتل تقدم الشيخ محمد الغزالى إلى النيابة ليدلى بشهادته، رغم عدم استدعاء النيابة له، وقال نصًّا: "إنهم قتلوا شخصا مباح الدم ومرتدا، وهو مستحق للقتل، وقد أسقطوا الإثم الشرعي عن كاهل الأمة"، وأصدر نائب رئيس جبهة علماء الأزهر محمود المزروعى بيانا دعا بشكل صريح إلى قتل فرج فودة، وقع عليه الشيخ محمد متولى الشعراوى، والدكتور محمد عمارة، وآخرون من أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، وأعضاء الجماعة الإسلامية، ومن جبهة علماء الأزهر.

كل هذا والدولة لا تسمع ولا ترى ولا تتحدث، وذلك لأن خطر فرج فودة لا يقتصر على التيار الإسلامي فقط، إنما هو خطر أكبر على كرسى الحكم، فهو يريد للعقول أن تعمل، وللشعب أن يستنير، وللدولة أن تنفصل عن الدين، ليصبح المسار الصحيح هو أن السياسة فن الممكن من منطلق النسبية، والدين بينك وبين ربك، فكانت ضرورة رحيله، ملحة وحتمية للنظام قبل الأزهر، للساسة قبل الشعراوى والغزالى وعلماء الأزهر، فهو صاحب الدائرة المغلقة التى حذر منها، ودعا الناس إلى ضرورة تجنبها لضمان الانتقال السلمي للسلطة، فقال "فى ظل غياب المعارضة المدنية، سيؤدى الحكم العسكرى إلى السلطة الدينية، ولن ينتزع السلطة الدينية إلا الانقلاب العسكرى، الذى يُسلم الأمور بدوره إلى سلطة دينية جديدة… وهكذا".

خطورة "فودة" تكمن فى أن المثقف الذى يمتلك المعلومة ولا يتحدث بها هو عالة على الثقافة والمجتمع، وقال: "أنا أخاطب أصحاب الرأى لا أرباب المصالح، أخاطب أنصار المبدأ لا محترفى المزايدة، وقاصدى الحق لا طالبى السلطان، وأنصار الحكمة لا محبى الحكم".
دائما ما كان يجول بخاطرى سؤال: ماذا لو كان فرج فودة حيا بيننا الآن؟، هو صوت جهور وعقل منير وساخر قوى، يعرف إمكاناته بدقة، ويعرف أين ومتى يستخدم أيا منها. أذكّر بجزء هام من كتابه الرائع "حوار حول العلمانية" يقول: "عندما رشحَ أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد، نفسه لعضوية البرلمان، تفتق ذهن منافسه عن حيله طريفة، فقد أخذ يجوب القرى والنجوع معلنا أن أحمد لطفى السيد والعياذُ بالله ديمقراطى! ولأن الجهل بهذه المصطلحات كان سائدا، فقد أخذ المستمعون يرددون وراءه عبارات من نوع (أعوذ بالله.. استغفر الله)، بينما انبرى أنصار لطفى السيد لإنكار الأمر، مؤكدين أنه من أسرة مؤمنة لم يُعرف عنها خروج على العقيدة أو انحراف عن الملّة. وكان موقف المدافعين عن لطفي السيد، عصيبا وضعيفا أمام عبارات المنافس الحاسمة: (لقد سمعته بأذنى يردد ذلك، وأقسم بالله إننى لو سمعت هذا من غيريهِ عنهُ لأنكرته، وها أنذا أعرض الأمر عليكم فإن كنتم تريدون ترك الإسلام واعتناق الديمقراطية انتخبوه، هذا شأنكم وقد أبلغت، اللهم فاشهد). وحدث هذا قبل أيام من عقد أحمد لطفي السيد مؤتمرا شعبيا فى دائرته، وبقية القصة معروفة، وضحايا القصة معروفون وإن شئت الدقة (معروفان)، فقد كان بالتحديد السرادق الذى احترق وتأمين الترشيح الذى لم يسترد".

حدث هذا منذ أكثر من ستين عاما، اليوم الديمقراطية أصبحت مطلبا جماهيريا عند هؤلاء الذين كادوا يقتلون لطفى السيد، اليوم حل محلها "العلمانية" التى كانت كفرا وفجرا وإلحادا، وأمك تخلع الحجاب، واليوم أصبحت تناقشُ بشكل موسع وكبير. إن المستقبل كما قال فرج فودة، يصنعه القلم لا السواك، والعمل لا الاعتزال، والعقل لا الدروشة، والمنطق لا الرصاص، الفرق يا عزيزى بيننا وبين الدول المتقدمة، أنهم يعيشون الحاضر تحضيرا للمستقبل، ونحن نبنى المستقبل بأحلام استرداد الماضي، عيشوا الحاضر وخططوا للمستقبل، لا تتركوا القلم ولا تعتزلوا الكتب.. الكتاب هو المعرفة، والقلم هو السيف الذى لا يذبح وإنما يداوى ببترهِ الأفكار الفاسدة والجامدة التى لا تقبل التطور والتغيير.

وأخيرا كما قال فرج فودة هي غمة ستزاح، وهو مأزق تاريخى سوف نعبره، وهى ردة حضارية سوف نتجاوزها دون شك، وهو اختبار لشجاعة الشرفاء وانتهازية الجبناء، وهو قَدَر البعض أن يتحدى الجميع من أجل الجميع، وهكذا كان، وهكذا فى تقديرى ما يجب أن يكون.

سلاما على أرواح قدمت نفسها قرابين من أجل أن نعيش نحن فى مستقبل أفضل، سلاما على فرج فودة.

المصادر: الجزء الخاص بالمحاكمة منقول بتصرف من بوابة اليوم السابع التعليمية والمعرفية. وبعض كتب الدكتور فرج فودة.



#سليم_صفى_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين زعيمين
- رمضان كريم
- «من اليقين إلى الشك» 3 الحقيقة التائهة
- «من اليقين إلى الشك» 2 حائر فى حضرة رئيس تحرير متصوف
- «من اليقين إلى الشك» 1 حسن ومرقص وبوذا
- «المصدومون فى الإله».. لعنة شريعتى
- رعب الجمعة.. «ازدراء الإنسان»
- التهمة «حوار صحفى»!
- من مهدى عاكف إلى أبوالفتوح.. يا حرية لا تحزنى
- عفروتو المجني عليه!


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليم صفى الدين - فرج فودة الذى قتله الجميع