أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (1-3)















المزيد.....



ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (1-3)


غياث المرزوق
(Ghiath El Marzouk)


الحوار المتمدن-العدد: 7613 - 2023 / 5 / 16 - 21:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ ٱلْسَّاعَةِ ٱلْهَرْجَ.
قِيلَ: وَمَا ٱلْهَرْجُ؟ قَالَ: ٱلْكَذِبُ وَٱلْقَتْلُ [أَيْضًا].
قَالُوا: أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ ٱلْآنَ؟
قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ [أَعْدَاءً]، وَلٰكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا!
ٱلْرَّسُولُ مُحَمَّدٌ

(1)

قلتُ افْتِتَاحًا في مقالٍ آنفٍ إنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ إنَّمَا هُوَ، بِجَلِيِّ الكلامِ، دَاءٌ نفسيٌّ عُضَالٌ يَسْتَحْوِذُ كلَّ الاسْتِحْوَاذِ على ذِهْنِيَّاتِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ كافَّتِهِمْ، أينمَا ثُقِقُوا في أرْجَاءِ هذا العَالَمِ العربيِّ المُوحِشِ واللَّهِيفِ، وفي أمثالِهِ كذلك. وقلتُ أيضًا إنَّ هذا الدَّاءَ النفسيَّ العُضَالَ، مِنْ حيثُ تكوينُهُ الفعليُّ، إنَّمَا تَبْتَنِيهِ بنْيَتَانِ نَقِيضَتَانِ في آنٍ واحدٍ، إحْدَاهُمَا بنيةٌ فِطْرَانِيَّةٌ وأُخْرَاهُمَا بنيةٌ خِبْرَانِيَّةٌ (بالمعنى المُكْتَسَبِيِّ): فهُوَ، من طرفٍ أوَّلَ، دَاءٌ فِطْرَانِيٌّ بِبُنْيَانِهِ هذا لأنَّ الطاغيةَ الفاشيَّ العَتِيَّ المُصْطَنَعَ المَعْنِيَّ ليسَ فردًا مُتَفَرِّدًا قائمًا في ذاتهِ ولِذَاتِهِ كيفمَا اتَّفَقَ، بَلْ فرعًا مُتَفَرِّعًا، في الأسَاسِ «الوَضْعِيِّ» أو شِبهِهِ، عن جَذْرٍ تَالِدٍ يتغلغلُ، أو حتى عن جُذُورٍ تليدةٍ تتغلغلُ، أيَّمَا تَغَلْغُلٍ في ثنايَا «نظامٍ كُلِّيَّانِيٍّ» Totalitarian Regime مُفْتَعَلٍ ومُصْطَنَعٍ اصطناعًا أجنبيًّا، في الحَيِّزِ الأولِ، نظامٍ كُلِّيَّانِيٍّ لا يعْدُو كذاك أنْ يكونَ، في حقيقةِ الأمرِ، «نظامًا أبَوِيًّا» Patriarchal System وِراثِيًّا ومُتَوارَثًا يطمعُ في الدَّوَامِ المُطْلَقِ في الحُكْمِ للذُّكُورِ من «سُلالَتِهِ» دونَ غيرِهِمْ إلى يومِ يُبْعثُونَ، سَوَاءً تسرْبَلَ هذا النظامُ بِسِرْبَالٍ «مَلَكِيٍّ» أو «عَاهِلِيٍّ» سَافرٍ أم تقنَّع بِقنَاعٍ «جمهوريٍّ» أو حتى «اشتراكيٍّ» طافرٍ. وهُوَ، من طرفٍ آخَرَ، دَاءٌ خِبْرَانِيٌّ (بالمعنى المُكْتَسَبِيِّ) بِبُنْيَانِهِ كذلك لأنَّ الطاغيةَ الفاشيَّ العَتِيَّ المُصْطَنَعَ المَعْنِيَّ يَكادُ أنْ يُعيدَ للنَّاظِرِ المنتمي، أو حتى للنَّاظِرِ اللامنتمي، بِناءَ عَيْنِ المَشاهِدِ السياسيةِ، أو حتى المُسَيَّسَةِ، بالحذافيرِ طُرًّا، تلك المَشاهِدِ التي تَجَلَّى فيها مَنْ سَبَقَهُ مِنْ أسْلافِهِ مِنَ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «الأَمَاثِلِ»، سَوَاءً أيضًا من حيثُ المَسَارُ الذَّميمُ الذي سَارُوا عليهِ وهُمْ باقُونَ، أو عَائِشُونَ، أمْ من حيثُ المَصِيرُ الدَّميمُ الذي صَارُوا إليهِ وهُمْ فانُونَ، أو سَاقطونَ – نَاهِيكُمَا، بالطبعِ، عَنْ تِبْيَانِ البحثِ العلميِّ في بنيةِ الدماغِ والجهازِ العصبيِّ تحديدًا لعَرَضِ أو أَعَرَاضِ ارتفاعِ مَنْسُوبِ ذاك الهرمونِ المُسَمَّى عُضْوِيًّا بالـ«دوپامين» Dopamine، ارتفاعًا زائدًا عن حَدِّهِ لدى فَلِّ هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «الأَمَاثِلِ»، مِمَّا يمنحُهُمْ شُعُورًا مَاثلاً بِـ«الجَذَلِ» المُفْرِطِ حَدًّا وإلى حَدِّ التمثيلِ المَرَضِيِّ الخَطِيرِ لإحدى هَيْئَتَي هذا الدَّاءِ الذِّهْنِيِّ المَدْعُوِّ نفسيًّا كذاك بـ«الوُهَامِ» Paranoia، ألا وهي هَيْئَةُ «الوُهَامِ العُظَامِيِّ»، في مقابلِ هَيْئَةِ «الوُهَامِ الصُّغَارِيِّ» التي يعرضُونَهَا في حالاتٍ سريريَّةٍ معيَّنَةٍ أُخرى كذلك. وقد كانَ الكلامُ الجَلِيُّ في مُتَتَالِيَةِ أقسَامِ هذِهِ المقالاتِ كلِّهَا، أو حتى جُلِّهَا، يدورُ حولَ فَلِّ أولئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ من ذاك النظامِ الكُلِّيَّانِيِّ ذاتِهِ لدَى تَقَنُّعِهِ بِقناعٍ «جمهوريٍّ»، أو «اشتراكيٍّ»، ابتداءً من نشوءِ مَا سُمِّيَ، حينَئذٍ، بـ«حركاتِ التحرُّرِ الوطني»، أو بـ«حركاتِ التحرُّرِ القومي»، بُعَيْدَ أوَارِ «الحربِ العالميةِ الثانيةِ» WWII، وانتهَاءً باندلاعِ، لا بَلِ استمرَارًا وإكمَالاً، لِنشُوبِ نيرَانِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ هذا الذي سُمِّيَ بـ«الرَّبيعيِّ» خلالَ هذا العقدِ الدَّمَوِيِّ والدَّامِي من هذا الزمانِ المُدَمَّى – وعلى الأخصِّ في تلك البلدانِ العربيةِ التي تقنَّعتْ طَبَقَاتُ حُكْمِهَا بالقناعِ «الجمهوريِّ»، أوِ «الاشتراكيِّ»، المُتَكَلَّمِ عنهُ هٰهُنا في كلٍّ من تونسَ وليبيا ومصرَ واليمنِ وسوريا، على أقلِّ تقديرٍ (اُنْظُرَا، أيضًا، القِسْمَ الثانيَ مِنْ مَقَالِي: «ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّعَلُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّغَلُّمِ؟» (2)، للمَزِيدِ مِنَ الاطِّلاعِ).

بَيْدَ أنَّ سَيْرُورَةَ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ المُسَمَّى بـ«الرَّبيعيِّ» في هذِهِ البلدانِ العربيةِ بالذاتِ، وبالأخصِّ في البلدينِ المذكورَيْنِ الأخيرَيْنِ منهَا، في واقعِ الأَمْرِ، لمْ تَكُنْ سَيْرُورَةً دائبةً ذلك الدُّؤُوبَ الذي كانَ يُؤْمَلُ منهُ أنْ يَشْرَحَ الصُّدُورَ وأنْ يُثْلِجَ القُلوبَ من المعنيِّينَ بهكذا أَمْرٍ، ذلك الدُّؤُوبَ نحوَ حُرِّيَّةٍ وعدالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ شُعُوبُ هذِهِ البلدانِ المقهُورةُ من كلِّ الجِهَاتِ، ومَا بَرِحَتْ كذاك، تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوَقَانٍ، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ. ومَرَدُّ ذلك، في التحليلِ المفيدِ أولاً وآخرًا، إلى رُجْحَانِ كَفَّةِ الميزانِ، ميزانِ الرَّيْهِ والهَيَجَانِ، رُجْحَانًا زمنيًّا ليسَ غيرَ في الوَجْهِ الخَبيثِ المقابلِ (للوَجْهِ الحَميدِ أو السَّليمِ) من قضيةِ مَا يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ، عندمَا يدافعُ أولئك السُّفَهَاءُ والمُراؤونَ والمتملِّقونَ والمتزلِّفونَ، على اختلافِ مَشَارِبِهِمْ ومَآرِبِهِمْ، عندمَا يدافعونَ عمدًا، وحتى هذِهِ اللحظةِ بالذاتِ، عن شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ (كمثلِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، وأمثالِهِمَا) تشويهًا وتشنيعًا سَافِرَيْنِ وصَارِخَيْنِ لوَجْهِ الحقيقةِ، وعندمَا يتيحُونَ من ثمَّ لتلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، منهمْ أنْ يحملوا مَا يتيسَّرُ وَ/أوْ مَا يتعسَّرُ لَهُمْ من «مشاعِلِ» الثَّوَرَانِ المُضَادِّ، إلى أجلٍ مَسَمًّى، حتى لو كانوا يظنُّونَ أو يُوقِنونَ أنَّ هذا الثَّوَرَانَ المُضَادَّ عينَهُ لا يعدُو أنْ يكونَ، إبَّانَ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، طورًا مذمُومًا من أطوارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا محْتُومًا زمَانيًّا ومحْسُومًا مكانيًّا مهمَا امتدَّ زمَانُهُ ومهمَا اتَّسَعَ مكانُهُ، طورًا محْمُومًا ومسْمُومًا لا بُدَّ لَهُ، من كلِّ بُدٍّ، من أنْ يسْعَى دائبًا إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينمَا تندلعُ ألْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الخَبِيءِ من جديدٍ عاليًا عاليًا، وحينمَا تُعْلِنُ هذهِ الألْسِنَةُ إعلانًا بسَعِيرِهَا العَارمِ إرْهاصَاتِ الطورِ القَرَاريِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ ومَا بَعْدَ الأخيرِ والذَّخِيرِ، شاءَتْ أرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلاءَ لهُمْ من لفيفِ أسيادِهَا من الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أولئك، أمْ أبتْ. ففي «مَعْمَعَانِ» هذا الطورِ المذمُومِ والمحْمُومِ والمَسْمُومِ في حدِّ ذاتِهِ، طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ المحْتُومِ والمحْسُومِ الذي تمرُّ بِهِ سَيْرورةُ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ المَدْعُوِّ بـ«الرَّبيعيِّ» في تلك البلدانِ العربيةِ الآنفةِ الذكرِ (إذْ يتبدَّى هذا الطورُ في ترميمِ الوِفَاقِ الدبلوماسيِّ من جديدٍ كذاك لاستعادةِ أولئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «العَقُوقِينَ» منهُمْ إلى حظيرةِ الطغيانِ والاستبدادِ القديمةِ، تمَامًا مثلمَا يَحْصُلُ الآنَ في هذا الاستقطابِ الإفْكِيِّ والنِّفَاقِيِّ لِعَيْنِ الطاغيةِ الفاشيِّ الإجرَاميِّ بشار الأسد بالذاتِ)، ينجلي الآنَ كذاك كلَّ الانجلاءِ عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» منفصلانِ انفصَالاً ظاهريًّا ولكنَّهُمَا في جوهرِ الشَّأْنِ مكمِّلانِ لبعضِهِمَا البعضِ، أوَّلُهُمَا داخليٌّ مَرْئِيٌّ مباشرٌ وثانيهُمَا خارجيٌّ لامَرْئِيٌّ لامباشرٌ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ ليسَ لَهُمَا إلاَّ أنْ يَعْمَلا بِدَأَبٍ مَصُونٍ على إدَامَةِ هذا الطورِ الثَّوَرَانِيِّ المُضَادِّ ذاتًا، وعلى دَيْمُومَةِ مُنْتَهَاهُ من ثَمَّ، بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هذِهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّمِيمِ، وحتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاإنسَانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً حتى، في صَمِيمِ الصَّمِيمِ.

يتبدَّى العاملُ القَمْعِيُّ الداخليُّ المَرْئِيُّ المباشرُ، من جانبٍ أوَّلَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ العسكريِّ و«السَّمْكريِّ» الجَلِيِّ الذي كانَ فَلُّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، ومَا انفكُّوا كذاك، يتولَّوْنَ القِيَامَ بِهِ على أكملِ وَجْهٍ بكلِّ مَا أُوتوا «مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ»، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي، كَمَا ذُكِرَ تَوًّا. ففي قرينةِ هذا المَآلِ الوَخِيمِ الذي آلَتْ إليهِ الآنَ «سوريا» الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الأوَّلِ، على سبيلِ التمثيلِ المُؤَوَّلِ، فإنَّ مَا يُسَمَّى بـ«عَسْكَرةِ» الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبيعيِّ» التي تُؤْخَذُ غالبًا كمأخَذٍ جِدِّ سَلبيٍّ على هذا الثَّوَرَانِ بالذاتِ لَمْ تَجِئْ، بادئَ ذي بدءٍ، بمثابةِ قرارٍ إراديٍّ تبنَّاهُ أيُّ طرفٍ من الأطرافِ شعبيٍّ ثائرٍ على الطغيَانِ والاستبدَادِ هكذا عنوةً، بلْ جاءتْ بمثابةِ ردِّ فعلٍ مؤجَّلٍ أيَّمَا تأجيلٍ، بعدَ أنْ بلغَ السَّيْلُ الزُّبَى، على مَا قامَ بِهِ أزلامُ النظامِ الأسديِّ الطائفيِّ المَافْيَويِّ الإجراميِّ من عَسْفٍ واعتسَافٍ عسكريَّيْنِ بحقِّ العُزَّلِ مِمَّنْ ثارُوا ثَوَرَانًا سلميًّا، في المقامِ الأوَّلِ. حتى أنَّ هذا النظامَ الأسديَّ الطائفيَّ المَافْيَويَّ الإجراميَّ ذاتَهُ، على سبيلِ التمثيلِ الراهنِ أيضًا، إنَّمَا يتحمَّلُ المسؤوليةَ كلَّهَا عن أكبرِ نسبةٍ من نِسَبِ الاختفاءِ القَسْريِّ (نسبةٍ قَدْ بلغتْ حينذاك 90% منهُ)، حيثُ يخضعُ المختفونَ والمختفياتُ، على اختلافِ أعمارِهِمْ وأعمارِهنَّ، قَسْرًا وقَهْرًا إلى أسَاليبَ تعذيبيَّةٍ غايةٍ في الوحشيَّةِ والهمَجيَّةِ والحُوشِيَّةِ، وأشدَّ من ذلك حتى – وهذِهِ النسبةُ الشُّؤْمَى إنَّمَا تستبيءُ قمَّتَهَا اللاإنسانيةَ، لا بَلْ مَا دُونَ-الحَيَوانِيَّةَ، وحدَهَا، ووحدَهَا فقط، في مقابلِ نسبةِ الاختفاءِ القَسْريِّ الذي تتحمَّلُ المسؤوليةَ عنهُ بكليَّتِهِ كذلك بقيةُ الأطرافِ الأُخرى، أطرافِ هذينِ الاحترابِ والتحَارُبِ «المُحْتَدِمَيْنِ»، في المسرحِ السُّوريِّ الدَّمويِّ والدَّامي (نسبةٍ لمْ تبلغْ، بالمِيدَاءِ المُقَارَنِ، سوى 10% منهُ)، كمثلِ تنظيمِ «الدولةِ الإسلاميةِ» (أو «داعش»، اختصارًا)، وتنظيمِ «هيئةِ تحريرِ الشَّامِ» (أو «جبهةِ النُّصْرةِ»، سَابقًا)، وتنظيمِ «حزبِ الاتحادِ الديمقراطيِّ الكرديِّ»، وغيرِهَا من تنظيماتِ فصائلِ هاتيك «المعارضةِ المسَلَّحَةِ» الأُخرى، حَسْبَمَا جاءَ في تقريرٍ حَدِيثِ العَهْدِ إذَّاكَ صَادرٍ عن «الشبكةِ السوريةِ لحقوقِ الإنسانِ» ذاتِها. ويتبدَّى العاملُ القَمْعِيُّ الخارجيُّ اللامَرْئِيٌّ اللامباشرُ، من جانبٍ آخَرَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ الاقتصاديِّ و«العتاديِّ» الخَفِيِّ الذي باتَ فَلُّ الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ (أو، بالحَرِيِّ، حتى من ذواتِ ممثِّليهِمْ من أولئك «الانفتاحِيِّينَ» و«الحَداثوِيِّينَ» الجُدُدِ)، في «الإماراتِ» أوْ في «المملكاتِ»، ومَا فَتِئُوا كذاك، يتولَّوْنَ القِيَامَ بِهِ على قَدَمٍ وسَاقٍ، ولكنْ من وَرَاءِ الكواليسِ والكراريسِ، بكلِّ مَا أُوتوا من «حِرَانٍ»، لا بلْ من «خِلاءٍ» بعبارةٍ إبْلِيَّةٍ بَدَوِيَّةٍ بَيْدَاويَّةٍ أقربَ إليهِمْ، من أمثالِ وليِّ عهدِ أبو ظبي، محمد بن زايد، ووليِّ عهدِ آلِ سعودٍ، محمد بن سلمان، على وجهِ التحديدِ. كلُّ هذا «القِيَامِ على القَدَمِ والسَّاقِ» إنْ هو، في بَاطِنِ الأمرِ، إلاَّ تخوُّفٌ، أو حتى تَوَجُّسٌ، دفينٌ من وُصُولِ المَدِّ الثوريِّ إلى عُقر الدِّيَارِ وَاعِدًا بآلاءِ الحُرِّيَّةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ بوصفِهِمَا، في واقعِ الشَّأْنِ السِّيَاسيِّ، «ألَدَّ عدوَّتَيْنِ» جَاثِمَتَيْنِ قُدَّامَ هٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ الفاشِيَّيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ»، دونَ غيرِهِمَا كذلك – ناهيكُمَا هٰهُنَا، أيَّتُهَا القارئةُ الكريمةُ وأيُّهَا القارئُ الكريمُ، عن أنَّ هذا «القيامَ على القَدَمِ والسَّاقِ» بالذاتِ لا يتمُّ أيَّ تَمَامٍ إلاَّ من خلالِ أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا إِتْيَانًا من لفيفِ أسيَادِهِمَا في كلٍّ من أمريكا وبريطانيا وحتى إسرائيلَ، على وجهٍ أكثرَ تحديدًا، أوامِرَ مدروسَةٍ «مُرَوْسَمَةٍ» تأتيهِمَا إِتْيَانًا مَا بينَ آنٍ وآنٍ، وعلى شَاكلةِ «التَّحَكُّمِ عنْ بُعدٍ» Remote Control، تِبْعًا لظروفِ الزَّمَانِ والمَكَانِ.

وهٰكذا، فيمَا يتبدَّى حتى هذِهِ النقطةِ ذاتًا، على هٰكذا مِنْوَالٍ حَزِينٍ أو مُحْزِنٍ ليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُعِيدَ عَيْنَ «الذكرى» إلى وَرَاءِ الوَرَاءِ، في ذلك التاريخِ القديمِ الأشَدِّ حُزْنًا أو الأشَدِّ إحْزَانًا، كانَ العربُ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حينمَا كانوا يَحْيَوْنَ حَيَاةَ التهدُّمِ والبَدَاوَةِ، أوْ حينمَا كانوا من قبلُ «كَأُمَّةٍ وَحْشِيَّةٍ، أَهْلَ نَهْبٍ وَأَهْلَ عَبَثٍ»، على حدِّ تعبيرِ العلاَّمَةِ الفذِّ ابنِ خلدونٍ. وهٰكذا، فيمَا يتبدَّى حتى هذِهِ النقطةِ ذاتًا كذلك، على هٰكذا مِنْوَالٍ ألِيمٍ أو مُؤْلِمٍ ليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يستعِيدَ عَيْنَ «الذكرى» ذاتِهَا إلى أمَامِ الأمَامِ، في هذا التاريخِ الحديثِ الأشَدِّ ألَمًا أو الأشَدِّ إيلامًا، صَارَ العربُ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حتى عندمَا صَارُوا يَحْيَوْنَ حَيَاةَ «التقدُّمِ» و«الحَضَارَةِ»، لا بلْ صَارُوا مَعَ هذهِ الحياةِ كُلِّهَا يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا قتلاً عُصَابيًّا وقتلاً ذُهَانيًّا لمْ يسبقْ لأيٍّ منهُمَا مثيلٌ في أيٍّ من التاريخِ القديمِ والتاريخِ الحديثِ أيًّا، وذاك لأنَّهُمْ صَارُوا كذاك من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً، أَهْلَ كُلِّ النَّهْبِ وَأَهْلَ كُلِّ العَبَثِ»، استئناسًا بتعبيرِ ابنِ خلدونٍ ذاتِهِ، أو بصُورةٍ أرْقى بَيَانًا وبَلاغَةً وفَصَاحَةً حتى، عندمَا صَارُوا من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً بِكَثِيرٍ، أَهْلَ كُلِّ الهَرْجِ وَأَهْلَ كُلِّ الكَذِبِ وأَهْلَ كُلِّ القَتْلِ»، استئناسًا بتعبير الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ بالذاتِ، هذا التعبيرِ بالذاتِ الذي وقعَ عليهِ الاختيارُ كعبارةٍ تصديريَّةٍ لِهٰذَا المقالِ حَرِيَّةٍ! – ولهٰذَا الكَلَامِ، فيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

(2)

مَرَّةً أُخْرَى، قلتُ افْتِتَاحًا في القسمِ الأوَّلِ من هٰذا المقالِ إنَّ ذٰلِكَ الغَبَاءَ القَهْرِيَّ التَّكْرَارِيَّ المَعْنِيَّ إنَّمَا هُوَ دَاءٌ نفسيٌّ عُضَالٌ يستحْوِذُ استحْوَاذًا فِطْرَانِيًّا وخِبْرَانِيًّا (بالمَعْنَى المُكْتَسَبِيِّ) على ذِهْنِيَّاتِ فَلِّ أولئك الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أينمَا ثُقِقُوا في أصْقَاعِ هذا العَالَمِ العربيِّ المَحْزونِ، وأمثالِهِ من ذاك العَالَمِ اللاعربيِّ كذلك: قلتُ «استحْوَاذًا فِطْرَانِيًّا»، من جَانبٍ أَوَّلَ، لأنَّ هؤلاءِ الطُّغَاةَ الفاشيِّينَ لا يعْدُونَ أنْ يكونوا، في الأصْلِ، فروعًا مُتَفَرِّعَةً عن جُذُورٍ تليدةٍ تتغلغلُ في ثنايَا «نظامٍ كُلِّيَّانِيٍّ» Totalitarian Regime مُخْتَلَقٍ اخْتِلَاقًا أجنبيًّا ليسَ لَهُ إلاَّ أنْ يُجَانِسَ في صَيْرورتِهِ كذاكَ «نظامًا أبَوِيًّا» Patriarchal System وِرَاثِيًّا طامعًا في الدَّوَامِ المُسْتَدِيمِ أَيَّمَا طَمَعٍ في الحُكْمِ المُطْلَقِ والمُلْصَقِ بالذُّكُورِ من «سُلالَتِهِ» دونَ غيرهِمْ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، سَوَاءً تَسَرْبَلَ هذا النظامُ بِسِرْبَالٍ «مَلَكِيٍّ» أوْ «عَاهِلِيٍّ» سَافرٍ أمْ تقنَّعَ بِقِنَاعٍ «جمهوريٍّ» أوْ حتى «اشتراكيٍّ» طافرٍ. وقلتُ كذاك «استحْوَاذًا خِبْرَانِيًّا (مُكْتَسَبِيًّا)»، من جَانبٍ آخَرَ، لأنَّ هؤلاءِ الطُّغَاةَ الفاشيِّينَ ذواتِهِمْ يَكادُونَ أنْ يُعيدوا للعَيْنِ بِناءَ عَيْنِ المَشاهِدِ السياسيةِ، أو حتى المُسَيَّسَةِ، التي تَبدَّى فيهَا مَنْ سَبَقَهُمْ ومَنْ عَاصَرهُمْ مِنَ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «الأَمَاثِلِ»، سَوَاءً من حيثُ المَسَارُ الذَّميمُ الذي سَارُوا عليهِ تَسْيَارًا وهُمْ بَاقُونَ، أوْ عَائِشُونَ، أمْ من حيثُ المَصِيرُ الدَّميمُ الذي صَارُوا إليهِ تَصْيَارًا وهُمْ فانُونَ، أو سَاقطونَ – نَاهِيكُمَا عَنْ تِبْيَانِ البحثِ العلميِّ في بنيةِ الدماغِ والجهازِ العصبيِّ لأَعَرَاضِ الارتفاعِ الزَّائِدِ في مَنْسُوبِ ذاك الهرمونِ «الجَذَلِيِّ» المُسَمَّى عُضْوِيًّا بالـ«دوپامين» Dopamine، لدى فَلِّ هؤلاءِ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ «الأَمَاثِلِ»، مِمَّا يمنحُهُمْ شُعُورًا مَاثلاً بِـ«الجَذَلِ» المُفْرِطِ حَدًّا وإلى حَدِّ التمثيلِ المَرَضِيِّ الخَطِيرِ لإحدى هَيْئَتَي هذا الدَّاءِ الذِّهْنِيِّ المَدْعُوِّ نفسيًّا بـ«الوُهَامِ» Paranoia، ألا وهي هَيْئَةُ «الوُهَامِ العُظَامِيِّ»، في مقابلِ هَيْئَةِ «الوُهَامِ الصُّغَارِيِّ» التي يعرضُونَهَا في حالاتٍ سريريَّةٍ معيَّنَةٍ أُخرى كذلك. تِلْكُمَا إذن هُمَا الحَالانِ، أعْنِي حَالَيْ ذلك الاِستحْوَاذِ اللاسَوِيِّ، ابتداءً من نُشُوءِ مَا سُمِّيَ حينَئذٍ بـ«حركاتِ التحرُّرِ الوطنيِّ»، أو حتى «القوميِّ»، بُعَيْدَ أَوَارِ تلك «الحربِ العالميةِ الثانيةِ» WWII، وانتهاءً واستمرارًا بِنُشُوبِ نيرانِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبيعيِّ» خلالَ مَا خَلا من عقدٍ دَمَوِيٍّ ودَامٍ من هذا الزَّمَانِ المُدَمَّى، في تلك البلدانِ العربيةِ التي تَقنَّعَتْ طَبَقَاتُ حُكْمِهَا بالقِنَاعِ «الجمهوريِّ»، أوِ «الاشتراكيِّ»، في تونسَ وليبيا ومصرَ واليمنِ وسوريا، على الأخصِّ وعلى الأقلِّ تقديرًا. إلاَّ أنَّ سَيْرورةَ هذا الثَّوَرَانِ الشعبيِّ لمْ تدأبْ، حقيقةً، ذلك الدُّؤُوبَ المَأمُولَ منهُ نحوَ آلَاءِ حُرِّيَّةٍ وعَدَالةٍ اِجتماعيَّةٍ كانتْ شُعُوبُ هذِهِ البلدانِ المقهُورةُ من كلِّ الجِهَاتِ، ومَا بَرِحَتْ كذاك، تَتُوقُ إليهِمَا أيَّمَا تَوْقٍ، كبدايةٍ لحَاضِرٍ جَديدٍ وبدايةٍ لمستقبلٍ مَجيدٍ. ومَرَدُّ ذلك، أوَّلاً وآخِرًا، إلى رُجْحَانِ كَفَّةِ الميزانِ رُجْحَانًا أَوَانِيًّا في الوَجْهِ الخَبيثِ المُقَابِلِ (للوَجْهِ الحَميدِ أو السَّليمِ) من قضيةِ مَا يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ، عندمَا يدافعُ السُّفَهَاءُ والمُرَاؤونَ والمتملِّقونَ والمتزلِّفونَ، على اختلافِ مَشَارِبِهِمْ وعلى ائتلافِ مَآرِبِهِمْ، عندمَا يدافعونَ عن شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ (كمثلِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر، وغيرِهِمْ) تشويهًا وتشنيعًا لوَجْهِ الحقيقةِ، وعندمَا يتيحونَ من ثمَّ لتلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، منهُمْ أنْ يحملوا مَا يتيسَّرُ وَ/أوْ مَا يتعسَّرُ لهُمْ من «مشاعِلِ» الثَّوَرَانِ المُضَادِّ، إلى أجلٍ مَسَمًّى، حتى لو كانوا يظنُّونَ ظَنِينًا، أو كانوا في المُقَابِلِ يُوقِنونَ يَقِينًا، أنَّ هذا الثَّوَرَانَ المُضَادَّ ذاتَهُ، في إبَّانِ المَسَارِ التاريخيِّ «الطبيعيِّ»، ليسَ إلاَّ طورًا مَذمُومًا من أطوَارِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ (الكونيِّ) ذاتِهِ، طورًا مَحْتُومًا زمَانيًّا ومَحْسُومًا مَكَانيًّا مهمَا امتدَّ زَمَانُهُ ومهمَا اتَّسَعَ مَكَانُهُ، طورًا مَحْمُومًا ومَسْمُومًا لَا بُدَّ لَهُ من أنْ يسْعَى إلى حَتْفِهِ بِأظْلافِهِ، حينمَا تندلعُ ألْسِنَةُ اللَّهَبَانِ الخَبيءِ من جديدٍ عَاليًا عَاليًا، وحينمَا تُعْلِنُ هذهِ الألْسِنَةُ بسَعِيرِهَا العَارمِ إرْهاصَاتِ الطورِ القَرَارِيِّ الأخيرِ، طورِ الحَسْمِ الثوريِّ الذَّخِيرِ، شاءَتْ أرْجَاسُ تلك السِّفْلَةِ، أو تلك الحُثَالةِ، ومَنْ تُكِنُّ الوَلاءَ لهُمْ من لفيفِ أسْيَادِهَا الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، أمْ أبتْ.

لِيْ أنْ أقولَ هٰذا القولَ بكلِّ تفاؤُلٍ وافْتِآلٍ وإِنْ كَانَا بعيدَيْنِ هناك في المَآلِ، مرَّةً أُخرى، رَغْمَ أنَّهُ، في عَيْنِ «مَعْمَعَانِ» هذا الطورِ المَذْمُومِ والمَحْمُومِ والمَسْمُومِ، طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ المَحْتُومِ والمَحْسُومِ الذي تمرُّ بِهِ سَيْرورةُ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ ذاتِهِ، رغمَ أنَّهُ ينجلي فيهِ انجلاءً، على أدْنَى تخمينٍ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مُتَفَاضِلانِ ومُتَكَامِلانِ في آنٍ معًاِ، أَوَّلُهُمَا داخليٌّ مباشرٌ وثانيهمَا خارجيٌّ لامباشرٌ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ يعملانِ على إدَامَةِ هذا الطورِ، وعلى دَيْمُومَةِ مُنْتَهَاهُ، بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ هذِهِ الذريعةُ لاأخلاقيةً في الصَّميمِ، وحتى لو كانتْ هذهِ الذريعةُ لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ: ينجلي العاملُ القَمْعِيُّ الداخليُّ المباشرُ، من طرفٍ أَوَّلَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ العسكريِّ و«السَّمْكريِّ» المَرْئيِّ الذي كانَ فَلُّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، ومَا انفكُّوا كذاك، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على أكملِ وَجْهٍ وبكلِّ مَا أُوتوا «مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ»، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر، كمَا ذُكِرَ. ففي قرينةِ المَآلِ الوَخِيمِ الذي آلَتْ إليهِ «سوريا» ذلك الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ الأوَّلِ، وأيَّةً كانَتْ بهَيْئَةٍ أَوْ بأُخرى راهنيَّةُ التمثيلِ المُؤَوَّلِ، فإنَّ أزلامَ النظامِ الأسديِّ الطائفيِّ المَافْيَوِيِّ الإجراميِّ إنَّمَا يتحمَّلُونَ المسؤوليةَ كلَّهَا عن أكبرِ نسبةٍ من نِسَبِ الاختفاءِ القَسْريِّ حتى الآنَ من حينِهِ (90%)، حيثُ يخضعُ المختفونَ والمختفياتُ، على اختلافِ أعمارِهِمْ وأعمارِهنَّ، قَسْرًا إلى أسَاليبَ تعذيبيَّةٍ غايةٍ في الوحشيَّةِ والهمَجيَّةِ والحُوشِيَّةِ، وأشدَّ من ذلك حتى: وهذهِ النسبةُ الشُّؤْمَى تستبيءُ قِمَّتَهَا اللاإنسانيةَ، لا بَلْ مَا دُونَ-الحَيَوانِيَّةَ، وحدَهَا، ووحدَهَا فقط، في مقابلِ نسبةِ الاختفاءِ القَسْريِّ الذي يتحمَّلُ المسؤوليةَ عنهُ بكليَّتِهِ أيضًا كلُّ مَا تبقى من أطرافِ الاحترابِ والتحَارُبِ «المُحْتَدِمَيْنِ» في مَسْرَحِ الدِّمَاءِ السُّوريِّ (10%)، كمثلِ تنظيمِ «الدولةِ الإسلاميةِ» (أو «داعش»، اختصارًا)، وتنظيمِ «هيئةِ تحريرِ الشَّامِ» (أو «جبهةِ النُّصْرةِ»، سَابقًا)، وتنظيمِ «حزبِ الاتحادِ الديمقراطيِّ الكرديِّ»، وغيرِهَا من تنظيماتِ فصائلِ «المعارضةِ المسَلَّحَةِ» الأُخرى. وينجلي العاملُ القَمْعِيُّ الخارجيُّ اللامباشرُ، من طرفٍ آخَرَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ الاقتصاديِّ و«العتاديِّ» اللَّامَرْئِيِّ الذي باتَ فَلُّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ (أو، بالقَمِينِ، ممثِّليهِمْ من أولئك «الانفتاحِيِّينَ» و«الحَداثوِيِّينَ» الجُدُدِ)، في «الإماراتِ» أوْ في «المملكاتِ»، ومَا فَتِئُوا كذاك، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على قَدَمٍ وسَاقٍ، ولكنْ من وراءِ الكواليسِ والكراريسِ، بكلِّ ما أُوتوا من «حِرَانٍ»، لا بلْ من «خِلاءٍ» بعبارةٍ إبْلِيَّةٍ بَدَويةٍ بَيْدَاويَّةٍ أقربَ إليهِمْ، من أمثالِ محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، على وجهِ التحديدِ. كلُّ هذا «القيامِ على القَدَمِ والسَّاقِ» إنْ هو، في وَاقِعِ المَسَاقِ، إلاَّ تخوُّفٌ دفينٌ من وُصُولِ المَدِّ الثوريِّ إلى عُقْرِ الديارِ، في «الإماراتِ» أو حتى في «المملكاتِ»، وَاعِدًا بآلاءِ الحُرِّيَّةِ والعَدَالةِ الاجتماعيةِ بوَصْفِهِمَا «ألَدَّ عَدُوَّتَيْنِ» جَاثِمَتَيْنِ لِهٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ الفاشِيَّيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ»، دونَ غيرِهِمَا – ناهيكُمَا بالطبعِ، أيَّتُهَا القارئةُ الكريمةُ وأيُّهَا القارئُ الكريمُ، عن أنَّ هذا «القيامَ على القَدَمِ والسَّاقِ» لا يتمُّ أيَّ تَمَامٍ إلاَّ من خلالِ أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا من لفيفِ أسْيَادِهِمَا في أمريكا وبريطانيا وإسرائيلَ، على وجهٍ أكثرَ تحديدًا، أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا آنًا بعدَ آنٍ، وعلى شَاكلةِ «التَّحَكُّمِ عنْ بُعدٍ» Remote Control تِبْعًا لظروفِ الزَّمَانِ والمَكَانِ – وناهيكُمَا، بطبيعِةِ الحَالِ، عن ذلك التَّحَابُبِ «الفُجَائِيِّ»، لٰكِنِ المِرَائِيِّ، بينَ عُرْبَانِ النَّفْطِ في «الإماراتِ» وبينَ رُؤُوسِ العَفْطِ في «الاتحاداتِ»، على وجهٍ أكثرَ تحديدًا بكثيرٍ، ذلك التَّحَابُبِ العَجَائبيِّ والغَرَائبيِّ الذي أسْفَرَ عنهُ إتْمَامُ عُقُودِ التَّصَافُقِ الليليِّ والنهاريِّ إذَّاك مَا بينَ الشركةِ الإماراتيةِ الشهيرةِ «مبادلة البترول» والشركةِ الروسيةِ الأشهرِ حتى «غازبروم» Газпром، وذلك سَعْيًا حَاثًّا حثيثًا إلى تطويرِ عددٍ من حُقولِ النَّفْطِ والعَفْطِ في الجَانِبِ الغربيِّ من «سيبيريا» Siberia، وعلى مَقْرَبَةٍ من سُفُوحِ تلك الجِبَالِ التي تَسَمَّتْ، عَصْرَئِذٍ، بالـ«أورالِ» Ural باسْمِ ذاك البطلِ الأسطوريِّ المُتَحَزِّمِ شَامِخًا بـ«حِزَامٍ نَضَيدٍ بالحَصَيَاتِ والصُّخُورِ»، تمامًا مثلمَا يتحزَّمُ أَرَاهِيطُ عُرْبَانِ النَّفْطِ هؤلاءِ شَامِخِينَ بـ«أحْزِمَةٍ نَضِيدَةٍ بالفَشَكَاتِ والخَرَاطِيشِ».

وهكذا، وبدافعٍ من غَضَبٍ ومن سُخْطٍ دفينَيْنِ مَعْجُونَيْنِ باسْتِسْخَارٍ وباسْتِصْغَارٍ لا يحتاجَانِ بَتًّا إلى أيِّمَا تعليلٍ أو تفسيرٍ، كنتُ على الدَّوَامِ، كما كانَ الكثيرُ من الأخَوَاتِ القادمَاتِ والإخوةِ القادمينَ من ذاك العالمِ العربيِّ المَرْسُومِ بِدَمْعِ، لا بَلْ بِدَمِ، التَّفَجُّعِ والمَأسَاةِ مِمَّن تعرَّفتُ إليهِنَّ وإليهِمْ في بلادِ التغرُّبِ والشَّتاتِ، كنتُ على الدَّوَامِ أستخدمُ في الكتابةِ والكلامِ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحَالُ واللامَحَالُ في اللغةِ العربيةِ الأُمِّ، أو في أَيَّةِ لغةٍ أجنبيةٍ بالإزَاءِ غيرِهَا، وذاك بُغْيَةً للإشارةِ الجَلِيَّةِ والمَلِيَّةِ إلى أمثالِ ذينك الطاغيتَيْنِ الفاشِيَّيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ» المعنيَّيْنِ، في «الإماراتِ» و«المملكاتِ»، وإلى زبانِيَتِهِمْ كذاك مَاهِنِينَ عِتَافًا واحدًا واحدًا، وإلى كلِّ مَنْ يُكِنُّونَ الوَلاءَ لهمْ، في الجَهَارِ وفي الخَفاءِ، من شعُوبِهِمْ ذَوَاتِهَا، ومن غيرِهَا من الشعُوبِ العربيةِ وغيرِ العربيةِ، دُونَمَا الاستثناءِ. وهٰذانِ الاِسْتِسْخَارُ والاِسْتِصْغَارُ اللذانِ لا يحتاجَانِ إلى أيِّمَا تعليلٍ أو تفسيرٍ، علاوةً على ذلك، إنَّمَا يشيرَانِ بِجَلاءٍ ومَلاءٍ أشدَّ من سَابقِهِ حتى، وبالأخصِّ إلى أولئك الموظَّفاتِ العربياتِ والموظَّفينَ العربِ، وهنَّ «يَرْتَعْنَ» وهمْ «يَرْتَعُونَ» في شتَّى مَجَالاتِ توظيفهِنَّ وتوظيفهِمْ في التدريسِ والطِّبَابةِ والهندسَةِ والمُحَامَاةِ وغيرِهَا، أولئك الطُّفَيْلِيَّاتِ اللواتي يَعْتَشْنَ، والطُّفَيْلِيِّينَ الذينَ يَعْتَاشُونَ، على «الفائضِ» من أموالِ «الإماراتِ» و«المملكاتِ» بالذواتِ، وأولئك المتطفِّلاتِ اللواتي يَقْتَتْنَ، والمتطفِّلينَ الذينَ يَقْتَاتُونَ، على «الفَضْلِ» من أطعمتِهَا كذلك. فكمْ هو مثيرٌ للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ من هؤلاءِ الطُّفَيْلِيَّاتِ المتطفِّلاتِ أنفسِهِنَّ، ومن هؤلاءِ الطُّفَيْلِيِّينَ المتطفِّلينَ أنفسِهِمْ، وقدِ اكتظَّتْ جيوبُهُنَّ وجيوبُهُمْ من تلك «الفوائضِ»، وقدِ امتلأتْ بطونُهُنَّ وبطونُهُمْ من تلك «الفَضَلاتِ»، كمْ هو مثيرٌ للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ منهنَّ ومنهُمْ كلَّ الاِشْتِفَافِ، من وَجْهٍ «حَميدٍ» أوْ «سَليمٍ»، فَخَارٌ ليسَ بعدَهُ فَخَارٌ بِمَا نَجَزَهُ وأنْجَزَهُ من «تقدُّمٍ» ومن «حَضَارةٍ» لَفيفُ أسْيَادِهِنَّ وأسْيَادِهِمْ من عُرْبَانِ النَّفْطِ مِمَّنْ وَصَفْتُهُمْ قبلَ قليلٍ بعبارةِ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ»، أيَّا كانوا. وكمْ هو حتى أشدُّ إثارةً للتقزُّزِ والقَرَفِ أنْ يُشْتَفَّ منهنَّ ومنهُمْ كلَّ الاِشْتِفَافِ، في الوَجْهِ الخَبيثِ النقيضِ، دِفاعٌ مُسْتَمِيتٌ عن شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتِيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ، تَحَرُّزًا واحْتِرَازًا من فُقْدَانِ مَا اكتظَّتْ بِهِ جيوبُهُنَّ وجيوبُهُمْ من تلك «الفوائضِ» عينِهَا على «أملٍ إبْلِيسِيٍّ» بِعودتِهِنَّ وعودتِهِمْ إلى أحضَانِ «الوطنِ الحبيبِ» في ظَنِّهِنَّ وظَنِّهِمْ – وهٰذا الدفاعُ المُسْتَمِيتُ، في حدِّ ذاتِهِ، لا يختلفُ بَتَّةً، من حيثُ لاأخلاقيَّتُهُ الذرائعيَّةُ في الوصولِ والانتهازِ الشَّائنَيْنِ، عن «دفاعِ» أولئكَ السُّفَهَاءِ والمُرائينَ والمتملِّقينَ والمتزلِّفينَ في ذاتِ الوَجْهِ الخَبيثِ النقيضِ من قضيةِ مَا يُفْضِي إلى تعدُّديةِ الشخصيةِ الواحدةِ ذاتِهَا، شَخْصِ الطاغيةِ الفاشيِّ العَتيِّ المُصْطَنَعِ المَعْنِيِّ ذاتِهِ، كمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ. والآنَ، في هذا الأَوَانِ، وبعدَ انقضَاءِ أكثرَ مِنْ سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ بِاللَّيْلِ وَسَارِبَيْنِ بِالنَّهَارِ حِينَذَاك، سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ بينَ آلِ سعود وآلِ صهيونَ، من جهةٍ أولى، وبينَ آلِ صهيونَ وآلِ نهيانَ، من جهةٍ أخرى، وبينَ آلِ نهيانَ وآلِ سعود، من كلٍّ من الجهتَيْنِ، صَارتِ العبارةُ المَعْنِيَّةُ ذاتُهَا قدَّامَ الكبيرِ وقدَّامَ الصَّغيرِ وقدَّامَ حتى المُقَمَّطِ بالسَّريرِ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ المُؤَسْرَلِينَ»، أو «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ المُتَأسْرِلِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحَالُ واللامَحَالُ كذلك. وبهذا، وبذلك، فقدْ تحقَّقَ بالحَقِّ والفعْلِ مَا تنبَّأَ بِهِ المُخَضْرَمُ الشاعرُ الفَذُّ، مظفر النوَّاب، عندمَا قالَ بالقولِ السَّلِيقِ والصَّفِيقِ عَمْدًا في خِتَامِ قصيدتِهِ الشهيرةِ «تلُّ الزَّعْتَرِ» قبلَ أكثرَ من أربعينَ عامًا: «لٰكِنْ يَا سَادَةُ، يَا سَادَهْ / لَنْ يَتَعَشَّى أَحَدٌ في الشَّرْقِ العَرَبِيِّ عَلى طَبَقٍ مِنْ ذَهَبٍ / صَرَّحَ نَفْطُ ابْنِ الكَعْبَةِ / [لا بَلْ صَرَّحَ نَفْطُ ابْنِ القَحْبَةِ] / صَرَّحَ أَنْ يُعْقَدَ مُؤْتَمَرٌ بِالصُّدْفَةِ / وَاللّهِ بِمَحْضِ الصُّدْفَةِ كَانَ سُدَاسِيًّا / أَرْكَانُ النَّجْمةِ سِتٌّ بِالكَامِلِ / يَا نَجْمَةَ دَاوُدَ ابْتَهِلِي [عَرَبًا] / يَا مَحْفِلَ مَاسُونَ تَرَنَّحْ طَرَبًا / يَا إِصْبَعَ كِيسِنْجَرَ إِنَّ الإسْتَ المَلَكِيَّ سُدَاسِيٌّ»، إلى أوَّلِهِ، إلى أوَّلِهِ، من تلك القصيدةِ الشهيرةِ!

ثَمَّةَ في ذاك الحِينِ المُحَانِ، إذنْ، أكثرُ مِنْ سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مُسْتَخْفِيَيْنِ بِاللَّيْلِ وَسَارِبَيْنِ بِالنَّهَارِ، سَنَتَيْ سَمْنٍ وعَسَلٍ مَا انْفَكَّتَا إِذَّاكَ تلتهبَانِ تَشَاغُفًا وتَعَالُقًا وتَعَاشُقًا مَا بينَ أطرافِ ذلك الثالوثِ المُدَنَّسِ، ثالوثِ «الآوَالِ» المُجَنَّسِ، أو ثالوثِ «الآيَالِ» المُنَجَّسِ (مثلمَا تُريدانِ هٰهُنَا)، آلِ الصَّهَايِينِ وآلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ ذَوَاتِهِمْ، في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ وحتى في وَسَطٍ وَسِيطٍ وَاسِطٍ فيمَا بَيْنَ بَيْنَ. لكنَّ اشتدادَ أوَارِ هذا الالتهابِ التَّشَاغُفِيِّ والتَّعَالُقِيِّ والتَّعَاشُقِيِّ، في إبَّانِ هٰتَيْنِ السَّنتَيْنِ السَّمْنيَّتَيْنِ والعَسَليَّتَيْنِ، وفي إبَّانِ خَمْسٍ مُخَمَّسَةٍ قبلَهُمَا (أو يزيدُ حتى) من سَنَوَاتِ ذينك الاِرْتِهَازِ واللااِرْتِهَازِ ومَا بينَهُمَا كذلك، لكنَّهُ لا ينشَأُ نُشُوءًا ذَاتِيًّا لاإراديًّا هٰكذا، كمَا ينبثقُ الْتِحَاصُ الجُمُوحِ الرَّغَائبِيِّ أيًّا كانَ، حتى قبلَ أنْ يُصَارَ إلى إشْبَاعِ الرَّغَائبِ المعنيَّةِ، أو حتى قبلَ أنْ يُصَارَ إلى تكْبِيتِ هذِهِ الرَّغَائبِ (تِبْعًا لما يُتَاحُ، أو لا يُتَاحُ، للنيابةِ الإنسانيةِ من حُرِّيَّةٍ نفسيةٍ وَ/أوِ اجتماعيةٍ)، بلْ ينشَأُ نُشُوءًا آخَرِيًّا إراديًّا، على النقيضِ التَّامِّ، نُشُوءًا يَرْقُبُ «رَسْمَهُ البَيَانيَّ» Diagram مِرْقَابٌ مِقْرَابٌ رُقُوبَ الدَّيْدَبَانِ «الأمينِ»، ومنْ لَدُنْ طَرَفَيْ ثَانُوءٍ دَنَسِيٍّ أو «جَنَسِيٍّ» أو نَجَسِيٍّ كذلك، أحدُهُمَا إِذَّاكَ أمريكيٌّ ذو تجسيدٍ «ترامْبيٍّ» جَليٌّ في أكثرِ الأحَايينِ، والآخَرُ روسيٌّ ذو تجسيمٍ «بوتينيٍّ» جَليٌّ حينًا وخَفِيٌّ حينًا آخَرَ حَسْبَمَا يقتضيهِ كذاكَ دورُهُ المَكِينُ. من هُنا، من تَسَافُدِ أطرافِ ذاك الثَّالُوثِ المُدَنَّسِ و«المُجَنَّسِ» والمُنَجَّسِ، من جَانبٍ أوَّلَ، ومن تَسَافُحِ طَرَفَيْ هذا الثَّانُوءِ الدَّنَسِيِّ و«الجَنَسِيِّ» والنَّجَسِيِّ، من جَانبٍ ثانٍ، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ للصُّورةِ «الليبراليةِ» و«التقدُّميةِ» التي فَبْرَكَهَا طاغيةُ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيُّ، محمد بن زايد، لطاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيِّ الآخَرِ، محمد بن سلمان، أمامَ كلٍّ من العَالَمِ العربيِّ والعَالَمِ الغربيِّ، على حدٍّ سَوَاءٍ. فمَا إنْ بانتْ إرهاصَاتُ هذِهِ الصُّورةِ «الليبراليةِ» و«التقدُّميةِ» المُفَبْرَكَةِ في العَالَمِ العربيِّ، على وَجْهِ الخُصُوصِ، حتى شَرَعَ طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيُّ الآخَرُ ذاتُهُ في تعزيزِهَا تعزيزًا دوليًّا وتعزيزًا عالَمِيًّا من خلالِ إصْدارِ ذلك «المرسُومِ الملكيِّ» الشهيرِ الذي يُجيزُ للنساءِ قيادةَ السَّيَّارَاتِ، من بينِ أشياءٍ أُخرى، على الرَّغْمِ من قَمْعِهِ الجَوْرِيِّ لكلِّ مَسَاعي المثقَّفينَ والصِّحافيِّينَ في السُّؤَالِ المُلحِّ عن مَآلاتِ أولئك النساءِ المُعْتَقَلاتِ في سُجُونِ آلِ السَّعَادِينِ، من مثلِ: سمر بدوي ونسيمة السادة (وهُمَا تانك الناشطتانِ اللتانِ كانتا قدْ دافعتا عنْ حقِّ المرأةِ في قيادةِ السَّيَّارَاتِ ذاتِهَا، قبلَ كلِّ شيءٍ)، وعلى الرَّغْمِ من قَمْعِهِ الجَوْرِيِّ كذلك لكلِّ مَسَاعي المثقفاتِ المُعَارِضَاتِ في المُطالبةِ بشيءٍ من آلاءِ الحُرِّيَّةِ والعَدَالةِ الاجتماعيةِ، من مثلِ: نهى البلوي وإسراء الغمغام (وهُمَا أيضًا تانك الناشطتانِ اللتانِ كانتا تعملانِ جَادَّتَيْنِ في مَجَالِ حُقُوقِ الإنسانِ تحديدًا، حتى أنَّ أزلامَ آلِ السَّعَادِينِ الإجراميِّينَ أنفسِهِمْ كانوا يناشدونَ «القَضَاءَ الملكيَّ» في ذاك الأوَانِ بإعدامِ هذِهِ الناشطةِ الأخيرةِ بعدَ اعتقالِهَا لأكثرَ من ثلاثةِ أعوامٍ حِينَهَا وبدونِ أيَّتِمَا مُحَاكمةٍ). ومن هُنا أيضًا، من تَسَافُدِ أطرافِ ذاك الثَّالُوثِ المُدَنَّسِ و«المُجَنَّسِ» والمُنَجَّسِ، من ذاك الجَانبِ الأوَّلِ، ومن تَسَافُحِ طَرَفَيْ ذلك الثَّانُوءِ الدَّنَسِيِّ و«الجَنَسِيِّ» والنَّجَسِيِّ، من ذلك الجَانبِ الثَّاني، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ الآخَرُ للصُّورةِ «الكاريزماتيةِ» و«الشَّعْبَوِيَّةِ» التي ابْتَدَعَهَا طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ، محمد بن سلمان، بدورِهِ الفاشيِّ هو الآخَرُ، لطاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ، محمد بن زايد، أمَامَ كلٍّ من العَالَمَيْنِ العربيِّ والغربيِّ، على حدٍّ سِوًى، بالمَثَابةِ ذاتِهَا – ولَوْ أنَّ هٰذِهِ الصُّورةَ «الكاريزماتيةَ» و«الشَّعْبَوِيَّةَ» المُبْتَدَعَةَ في العَالَمِ الغربيِّ، على وَجْهِ التخصيصِ، قَدْ جَاءتْ، في حقيقةِ الأمرِ، بإيعَازٍ أمريكيٍّ مباشرٍ، هذِهِ المرَّةَ، وذلك لمُجَرَّدِ النظرِ إلى طاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيِّ عَيْنِهِ بوَصْفِهِ «أفضلَ تَابِعٍ» يخدمُ المَصَالحَ الأمريكيةَ على الصَّعيدَيْنِ الاقتصَّاديِّ والعسكريِّ، على أقلِّ تقديرٍ.

فلا غَرْوَ، إذنْ، معَ ذلك التَّسَافُدِ الثَّالُوثِيِّ المُدَنَّسِ مَا بينَ آلِ الصَّهَايِينِ وآلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ، ومعَ ما يَسْبِقُهُ من تَسَافُحٍ ثَانُوئِيٍّ دَنَسِيٍّ مَا بينَ آلِ «الطَّرَابِينِ» وآلِ «البَوَاطِينِ»، من حينٍ إلى حينٍ، لا غَرْوَ أنْ تصيرَ العبارةُ المَعْنِيَّةُ في وَصْفِ هؤلاءِ العُرْبَانِ، قدَّامَ أبْصَارِ بناتِ حوَّاءَ وقدَّامَ أنْظَارِ أبناءِ آدمَ أجمعينَ، لا غَرْوَ أنْ تصيرَ عبارةَ «العُرْبَانِ المُؤَمْرَكِينَ المُؤَسْرَلِينَ المُرَوَّسِينَ»، أو عبارةَ «العُرْبَانِ المُتَأَمْرِكِينَ المُتَأسْرِلِينَ المُتَرَوِّسِينَ»، حَسْبَمَا يقتضيهِ الحَالُ واللامَحَالُ، كمَا هي الحَالُ في سَابقتَيْهَا، كذلك. ولا غَرْوَ، لا غَرْوَى، فوقَ ذلك كُلِّهِ حتى، أن تكونَ الأحُبُولةُ الإستيراتيجيةُ على نَحْوٍ لا يقبلُ الجِدَالَ ولا يقبلُ السِّجَالَ هي ذاتُهَا، منذُ البدايةِ عَيْنًا، ألا وهي: «التَّعَاضُدُ الأمْنِيُّ مِنْ أجْلِ مُحَارَبَةِ الإرْهَابِ المُتَمَثِّلِ في تنظيمِ «الإخْوَانِ المُسْلِمينَ» ومَنْ على شَاكِلَتِهِمْ»، تلك الأحُبُولةُ الإستيراتيجيةُ الوَضِيعةُ التي كانَ فَلُّ الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِمْ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، ومَا انفكُّوا كذاكَ، يتذرَّعُونَ بِهَا بغيةَ الاسْتِوَاءِ على عُروشِ الحُكْمِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر، كما تَمَّ ذِكْرُهُ آنفًا. باختصَارٍ شَديدٍ، ذلك التَّسَافُدُ الثَّالُوثِيُّ المُدَنَّسُ، تحتَ مِرْقَابِ ذلك التَّسَافُحٍ الثَّانُوئِيِّ الدَّنَسِيِّ ليلَ نَهَارٍ، إنَّمَا كانَ، ولَمَّا يَزَلْ، منذُ البَدْءِ، يعملُ دَائِبًا، وبكلِّ مَا أوتِيَ «مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الخَيْلِ» (كَيْ نكرِّرَ التعبيرَ القرآنيَّ ذاتَهُ، هٰهُنا أيضًا)، على مُسَانَدَةِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ «الخَرِيفيِّ»، بأطولِ مَا يُمْكِنُ مِيعَادًا، في مَوَاطِنِهِ الأصليةِ، من طرفٍ أوَّلَ، وعلى إخْمَادِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبِيعِيِّ» بأسرعِ مَا يُمْكِنُ ميقاتًا، خوفًا من وصُولِهِ إلى عُقْرِ الدِّيَارِ في «الإماراتِ» و«المملكاتِ»، من طرفٍ آخَرَ. إنَّهُ ذلك العملُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (وبرِضْوَانٍ من آلِ السَّعَادِينِ أنفسِهِمْ) لَهُوَ الذي تمخَّضَ عنهُ شَنٌّ عنيفٌ لكلِّ أنواعِ الحملاتِ الإعلاميةِ والتسليحيةِ لكيمَا يُعَادَ الحُكْمُ الطغيانيُّ الإجراميُّ العسكريُّ في مصرَ، متمثِّلاً في الطاغيةِ الفاشيِّ العتيِّ المُصْطَنَعِ، عبد الفتاح السيسي، سفاحِ «ساحةِ رابعة» المعروفِ، وذلك بحُجَّةِ أنَّ لدى الرئيسِ المنتخَبِ انتخابًا ديمقراطيًّا، محمد مرسي (آنَذَاكَ قبلَ أنْ يَرْحَلَ عن هذِهِ الدُّنْيَا)، وذاك بحُجَّةِ أنَّ لدَيْهِ مَآربَ خفيَّةً في إلزامِ أحكامِ «الشَّريعةِ الإخْوَانِيَّةِ» في البلادِ. وإنَّهُ ذلك العملُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (وبرِضْوَانٍ من آلِ السَّعَادِينِ أنفسِهِمْ كذلك) لَهُوَ الذي أسْفَرَ عنهُ سَعْيٌ حثيثٌ إلى انتقاضِ أيِّمَا شكلٍ من أشكالِ التجربةِ الديمقراطيةِ في تونسَ، متمثِّلةً على الأخصِّ في حركةِ «النهضةِ» (أو حركةِ «الاتجاهِ الإسلاميِّ»، سَابقًا)، وذلك أيضًا بحُجَّةِ أنَّ لهذِهِ الحركةِ المنتخَبَةِ انتخابًا ديمقراطيًّا كذاكَ مَرَاميَ إجبارِ أحكامِ «الشَّريعةِ الإخْوَانِيَّةِ» في البلادِ، بذاتِ المَثَابةِ – هذا إنْ لمْ يُورَدْ بشيءٍ من الإسْهَابِ عن تآمُرِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ تآمرًا مخابراتيًّا (محليَّا، وبمعيَّةِ جهازِ مخابراتِ الآلِ الأوائلِ) على مزاولةِ الاضطهادِ اللاإنسانيِّ بحقِّ كلِّ مَنْ ينتمي إلى حركةِ «الإصلاحِ» الإماراتيةِ ذاتِ «التطلُّعَاتِ الإخْوَنْجِيَّةِ» مَأْرَبًا، بدورِهَا هي الأُخْرِى – وهذا إنْ لمْ يُذْكَرْ بشيءٍ من الإطْنَابِ أيضًا عن تواطؤِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ الصَّهَايِينِ تواطؤًا مخابراتيًّا (لامحليَّا، وبمعيَّةِ جهازِ مخابراتِ الآلِ الأواخرِ، «الموساد» המוסד بالذاتِ، هذهِ المرَّةَ) على ممارسةِ الاغتيالِ مادونَ-الحَيَوَانِيِّ، في فندقٍ إماراتي حِينَهَا، بحقِّ الناشطِ القياديِّ «الحَمْسَاويِّ»، محمود المبحوح، ذي «التوجُّهَاتِ الإخْوَنْجِيَّةِ» مَأْرَبًا كذلك، بدورِهِ هو الآخَرُ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ.

وفي الأخيرِ هٰهُنَا مَرَّةً أُخْرَى، ولكي نوردَ ذلك المِنْوَالَ الحَزِينَ والمُحْزِنَ الذي يُعيدُ «الذكرى» إلى وَرَاءِ الوَرَاءِ في التاريخِ القديمِ الأشَدِّ حُزْنًا والأشَدِّ إحْزَانًا، كانَ العربُ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حينمَا كانوا يَحْيَوْنَ حَيَاةَ التهدُّمِ والبَدَاوَةِ، أوْ حينمَا كانوا من قبلُ «كَأُمَّةٍ وَحْشِيَّةٍ، أَهْلَ نَهْبٍ وَأَهْلَ عَبَثٍ»، على حدِّ تعبيرِ العلاَّمَةِ الفذِّ ابنِ خلدونٍ. وفي الأخيرِ، هٰهُنَا مَرَّةً أُخْرَى أيضًا، ولكي نوردَ ذلك المِنْوَالَ الألِيمَ والمُؤْلِمَ الذي يستعيدُ «الذكرى» ذاتَهَا إلى أمَامِ الأمَامِ في التاريخِ الحديثِ الأشَدِّ ألَمًا والأشَدِّ إيلامًا، صَارَ العربُ (المتمثِّلونَ في أولئك «العُرْبَانِ» المعنيِّينَ الذين لا يختلفونَ، سُلوكًا ولا تفكيرًا، عَنْ مَا يُسَمَّوْنَ تَعْرِيبًا بـ«القَنْبَلِيِّينَ»، أَوْ «أَكَلَةِ اللَّحْمِ الآدميِّ» Cannibals، في بَاطِنِ الأمرِ)، صَارُوا يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا حتى عندما صَارُوا الآنَ يَحْيَوْنَ حَيَاةَ «التقدُّمِ» و«الحَضَارةِ»، لا بَلْ صَارُوا الآنَ معَ هذِهِ الحياةِ يقتلونَ بعضَهُمْ بعضًا قتلاً عُصَابيًّا وقتلاً ذُهَانيًّا لمْ يسبقْ لأيٍّ منهمَا مثيلٌ، وذاكَ لأنَّهُمْ صَارُوا من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً، أَهْلَ كُلِّ النَّهْبِ وَأَهْلَ كُلِّ العَبَثِ»، استئناسًا بتعبيرِ ابنِ خلدونٍ ذاتِهِ، أو بصُورةٍ أرْقى بَيَانًا وبَلاغةً وفَصَاحةً، حتى، لأنَّهُمْ صَارُوا من بعدُ «كَأُمَّةٍ أكثرَ وَحْشِيَّةً بِكَثِيرٍ، أَهْلَ كلِّ الهَرْجِ وَأَهْلَ كُلِّ الكَذِبِ وأَهْلَ كُلِّ القَتْلِ»، استئناسًا بتعبير الرَّسُولِ محمدٍ في حَدِّ ذاتِهِ، هذا التعبيرِ الذي تمَّ اختيارُهُ، عَنْ عَمْدٍ وعَنْ قَصْدٍ، كعبارةٍ تصديريَّةٍ لِكُلِّ قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ هذا المقالِ السَّمِيَّةِ – ولهٰذَا الكَلَامِ، فيمَا بعدُ، بَقِيَّةٌ!

(3)

إنَّ مَا حَثَّني على كتابةِ هذا القسمِ الثالثِ (ومَا اجْتَرَّ كذاكَ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ أَقْسَامٍ أُخَرَ)، في المَقامِ الأوَّلِ في حقيقةِ الأمرِ، إنَّمَا هو مَا جَاءَ من الأخواتِ القارئاتِ والإخوةِ القرَّاءِ من تعقيباتٍ لهَا مدلولاتُهَا الوَزِينَةُ في سيَاقِ مَا يَحْصُلُ الآنَ من مُجْرَيَاتٍ ومُسْتَجِدَّاتٍ يومًا بعدَ يومٍ. وكمَا قلتُ تذكيرًا في فحوى القسمِ الثاني من هذا المقالِ أيضًا، في مَعْمَعَانِ ذلك الطورِ المَذْمُومِ والمَسْمُومِ، طورِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ المَحْتُومِ والمَحْسُومِ الذي تمرُّ بِهِ سَيْرورةُ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ في أنحاءٍ مختلفةٍ من هذا العالمِ العربيِّ الشَّجِيِّ، ثَمَّةَ، على أقلِّ تقديرٍ، عاملانِ قَمْعِيَّانِ «كَمِّيَّانِ» مكمِّلانِ لبعضِهِمَا البعضِ، أولهُمَا داخليٌّ مباشرٌ وثانيهمَا خارجيٌّ لامباشرٌ، ذانك العاملانِ القَمْعِيَّانِ اللذانِ يعملانِ على إدَامَةِ هذا الطورِ المَعْنِيِّ بالذاتِ، وعلى دَيْمُومَةِ مُنْتَهَاهُ بأيَّتِمَا ذريعةٍ سياسيةٍ براغماتيةٍ بَخْسَةٍ كانتْ، حتى لو كانتْ ذريعةً لاأخلاقيةً في الصَّميمِ وحتى لو كانتْ ذريعةً لاإنسانيةً، لا بَلْ مَا دُونَ-حَيَوانِيَّةً، في صَميمِ الصَّميمِ: يتمثَّلُ العاملُ القَمْعِيُّ الأوَّلُ، من طرفٍ أوَّلَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ العسكريِّ و«السَّمْكريِّ» المَرْئيِّ الذي كانَ فَلُّ الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في أيٍّ من «الجمهوريَّاتِ» أو حتى من «الاشتراكيَّاتِ»، ومَا انفكُّوا كذاكَ، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على أكملِ وَجْهٍ، في الجَهَارِ فيمَا يتبدَّى، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر، كمَا ذُكِرَ. ويتمثَّلُ العاملُ القَمْعِيُّ الثاني، من طرفٍ آخَرَ، في حقيقةِ ذلك التنفيذِ الاقتصاديِّ و«العتاديِّ» اللَّامَرْئِيِّ الذي باتَ فَلُّ الطُّغاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِمْ (أو، بالقمينِ، ممثِّليهِمْ من أولئك «الانفتاحِيِّينَ» و«الحَداثوِيِّينَ» الجُدُدِ)، في أيَّةٍ من تلك «الإماراتِ» أو من تيك «المملكاتِ»، ومَا فَتِئُوا بذاكَ، يتولَّوْنَ القيامَ بِهِ على قَدَمٍ وسَاقٍ، ولكنْ في الخفاءِ فيمَا لَا يتبدَّى، من أمثالِ محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، كما ذُكِرَ أيضًا. كلُّ هذا «القيامِ على القَدَمِ والسَّاقِ» إنْ هو، في جوهرِ الشَّأْنِ، إلاَّ تخوُّفٌ كَائِنٌ كَنِينٌ من وُصُولِ المَدِّ الثوريِّ إلى عُقر الديارِ، في «الإماراتِ» أو في «المملكاتِ» بالذواتِ، وَاعِدًا بآلاءِ الحُرِّيَّةِ والعدالةِ الاجتماعيةِ، بوصفِهِمَا ألَدَّ عدوَّتَيْنِ جاثمتَيْنِ هُنَا وهُنَاكَ لِهٰذَيْنِ الطاغيتَيْنِ الفاشِيَّيْنِ «الانفتاحِيَّيْنِ» و«الحَداثوِيَّيْنِ»، دونَ غيرِهِمَا – ناهيكُمَا، بالطبعِ، عن أنَّ هذا «القيامَ على القَدَمِ والسَّاقِ» لا يتمُّ أيَّ تمَامٍ إلاَّ من خلالِ أوامِرَ مدروسَةٍ أَيَّمَا دَرْسٍ تأتيهمَا من لفيفِ أسيَادِهِمَا في أمريكا وبريطانيا وإسرائيلَ، على وَجْهِ التحديدِ، أوامِرَ مدروسَةٍ تأتيهِمَا إتْيَانًا آنًا بعدَ آنٍ، وعلى شَاكلةِ الإرسَالِ بميدَاءِ «التَّحَكُّمِ عنْ بُعْدٍ» Remote Control تِبْعًا لظروفِ الزَّمَانِ والمَكَانِ – وناهيكُمَا، كذلك، عن ذلك التَّحَابُبِ «الفُجَائيِّ» بينَ عُرْبَانِ النَّفْطِ والعَفْطِ في «الإماراتِ» وبينَ رُوسِ الشَّفْطِ في «الاتحاداتِ»، على وَجْهٍ أكثرَ تحديدًا، ذلك التَّحَابُبِ العَجَائبيِّ والغَرَائبيِّ الذي أسْفَرَ عنهُ إتْمَامُ التَّصَافُقِ الليليِّ والنهاريِّ إبَّانَئِذٍ مَا بينَ هذِهِ الشركةِ الإماراتيةِ الشهيرةِ «مبادلة البترول» وتلك الشركةِ الروسيةِ الأشهرِ «غازبروم» Газпром، وذلك سَعْيًا حَاثًّا حثيثًا إلى تطويرِ عددٍ من حُقولِ النَّفْطِ والعَفْطِ والشَّفْطِ في الجانبِ الغربيِّ من «سيبيريا» Siberia، وعلى مَقْرَبَةٍ كذاك من سُفُوحِ تلك الجِبَالِ التي تَسَمَّتْ عَصْرَئِذٍ بالـ«أورالِ» Ural باسْمِ ذلك البطلِ الأسطوريِّ الرُّحَامِسِ المِقْدَامِ والمُتَحَزِّمِ شَامِخًا كلَّ الشُّمُوخِ بـ«حِزَامٍ نَضَيدٍ بالحَصَيَاتِ والصُّخُورِ»، تمامًا مثلمَا يتحزَّمُ عُرْبَانِ النَّفْطِ والعَفْطِ هٰؤلاءِ شَامِخِينَ بذاتِ الشُّمُوخِ تقليدًا حَمِيًّا بـ«أحْزِمَةٍ نَضِيدَةٍ بالفَشَكَاتِ والخَرَاطِيشِ»!

ثَمَّةَ في هذا المآلِ، إذنْ، أكثرُ مِنْ سَنَتَيْ «عَسَلٍ» مَا انْفَكَّتَا تلتهبَانِ تَشَاغُفًا وتَعَاشُقًا بينَ أطرافِ ذلك الثالوثِ المُدَنَّسِ، آلِ الصَّهَايِينِ وآلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ، في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ. لكنَّ اشتدادَ أوَارِ هذا الالتهابِ، في إبَّانِ هٰتَيْنِ السَّنتَيْنِ ومَا خَلَتْ قبلَهُمَا (ومَا تَلَتْ بعدَهُمَا) من سَنَوَاتِ الاِرْتِهَازِ واللااِرْتِهَازِ، لا ينشَأُ نُشُوءًا ذَاتِيًّا لاإراديًّا هٰكذا كيفمَا اتَّفَقَ، بلْ ينشَأُ نُشُوءًا آخَرِيًّا إراديًّا يَرْقُبُ «رَسْمَهُ البَيَانيَّ» Diagram مِرْقَابٌ مِقْرَابٌ رُقُوبَ الدَّيْدَبَانِ «الأمينِ»، وكذاكَ منْ لَدُنْ طَرَفَيْ ثَانُوءٍ دَنَسِيٍّ آخَرَ، أوَّلُهُمَا أمريكيٌّ «ترامْبيٌّ» جَليٌّ في أكثرِ الأحَايينِ، وثانيهُمَا روسيٌّ «بوتينيٌّ» جَليٌّ أوْ خَفِيٌّ حَسْبَمَا يقتضيهِ دورُهُ المَكِينُ – وحتى قبلَ أنْ يتجلَّى ثَالِثٌ أمريكيٌّ «بايدنيٌّ» مَهِينٌ. من هُنا، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ للصُّورةِ «الليبراليةِ» و«التقدُّميةِ» التي افترَاهَا طاغيةُ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيُّ، محمد بن زايد، لطاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيِّ الآخَرِ، محمد بن سلمان، أمامَ العَالَمِ العربيِّ. فمَا إنْ بانتْ إرهاصَاتُ هذهِ الصُّورةِ المُفْتَرَاةِ بالذاتِ حتى شَرَعَ الطاغيةُ الفاشيُّ الأخيرُ في تعزيزِهَا أمامَ العَالَمِ الغربيِّ، من خلالِ إصْدارِ بَعْضٍ من المَرَاسيمِ «التحرُّريةِ» للنِّسَاءِ خَاصَّةً، رغمَ قَمْعِهِ الجَوْرِيِّ لأغلبيَّةِ الناشطاتِ والمثقفاتِ قَمْعًا آلَ بِهِنَّ في سُجُونِ آلِ السَّعَادِينِ مَا بينَ أحكامِ التأبيدِ والتنكيلِ وحتى الإعدامِ. ومن هُنا أيضًا، يجيءُ الرَّسْمُ البَيَانيُّ الآخَرُ ذاكَ للصُّورةِ «الكاريزماتيةِ» و«الشَّعْبَوِيَّةِ» التي اكْتَرَاهَا طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيُّ المَاثِلُ، محمد بن سلمان، بدورِهِ هو الآخَرُ، لطاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيِّ المُمَاثِلِ، محمد بن زايد، أمامَ العَالَمَيْنِ العربيِّ والغربيِّ، تباعًا – ولَوْ أنَّ هذِهِ الصُّورةَ المُكْتَرَاةَ جاءتْ، في الأساسِ، بإيعَازٍ أمريكيٍّ مباشرٍ لمُجَرَّدِ النظرِ إلى طاغيةِ آلِ النَّهَايِينِ الفاشيِّ المُمَاثِلِ عَيْنِهِ كـ«أفضلِ خادمٍ مَاهِنٍ وفيٍّ» للمَصَالحِ الأمريكيةِ اقتصَّاديًّا وعسكريًّا في دُوَلِ الخَليجِ، على أقلِّ تقديرٍ. فلا غَرْوَ، إذنْ، أن تكونَ الأحُبُولةُ الإستيراتيجيةُ هي ذاتُهَا، منذُ البَدْءِ ذاتًا: «التَّعَاضُدُ الأمْنِيُّ مِنْ أجْلِ مُحَارَبَةِ الإرْهَابِ المُتَمَثِّلِ في تنظيمِ «الإخْوَانِ المُسْلِمينَ» تَمَثُّلاً، وأمثالِهِ»، تلك الأحُبُولةُ الوَضِيعةُ التي لمْ يَبْرحْ فَلُّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ، في «الجمهورياتِ» أو في «الاشتراكيَّاتِ»، يتذرَّعُونَ بِهَا بغيةَ الاسْتِوَاءِ الأبديِّ على عُروشِ الحُكْمِ، من أمثالِ بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وخليفة بلقاسم حفتر. وهٰكذا، فإنَّ ذلك التَّسَافُدَ الثَّالُوثِيَّ المُدَنَّسَ، تحتَ مِرْقَابٍ دائمٍ من ذلك التَّسَافُحٍ الثَّانُوئِيِّ الدَّنَسِيِّ، إنَّمَا كانَ، ولَمَّا يَزَلْ، يعملُ دَائِبًا على مُسَانَدَةِ الثَّوَرَانِ المُضَادِّ «الخَرِيفيِّ» أطولَ مَا يُمْكِنُ زمانًا في مَوَاطِنِهِ الأصليةِ، من جانبٍ أوَّلَ، وعلى إخْمَادِ الثَّوَرَانِ الشعبيِّ «الرَّبِيعِيِّ» أقصرَ مَا يُمْكِنُ أوانًا لكيلا يمتدَّ إلى عُقْرِ الدِّيَارِ في «الإماراتِ» و«المملكاتِ»، من جانبٍ آخَرَ. إنَّهُ ذلك العَمَلُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (ومن ورائِهِمْ كذاكَ آلُ السَّعَادِينِ أنفسُهُمْ) لَهُوَ الذي تَمَخَّضَ عنهُ تَمَخُّضًا شَنٌّ عنيفٌ لكلِّ أنواعِ الحملاتِ الإعلاميةِ والتسليحيةِ كيْ يُعَادَ الحُكْمُ الطغيانيُّ العسكريُّ الإجراميُّ في مصرَ، متمثِّلاً في الطاغيةِ الفاشيِّ العتيِّ المُصْطَنَعِ، عبد الفتاح السيسي بالعَيْنِ، وذاك بحُجَّةِ أنَّ لدى الرئيسِ المنتخَبِ انتخابًا ديمقراطيًّا، محمد مرسي، «مَآربَ إخْوَانِيَّةً» في البلادِ (قبلَ أنْ يُغَيِّبَهُ المَوْتُ عَنْ هذهِ الدُّنْيَا). وإنَّهُ ذلك العَمَلُ الدَّؤوبُ من لَدُنْ آلِ النَّهَايِينِ (ومن ورائهِمْ كذاكَ آلُ السَّعَادِينِ أنفسُهُمْ بالمثابةِ ذاتِهَا) لَهُوَ الذي أسْفَرَ عنهُ إِسْفَارًا سَعْيٌ حثيثٌ إلى انتقاضِ أيِّمَا شكلٍ من أشكالِ التَّجْرِيبِ الديمقراطيِّ في تونسَ، متمثِّلةً إذَّاكَ على الأَدْنَى بَدئِيًّا في حركةِ «النهضةِ» بالذاتِ، وذاك بحُجَّةِ أنَّ لهذِهِ الحركةِ المنتخَبَةِ انتخابًا ديمقراطيًّا كذلكَ «مَرَاميَ إخْوَانِيَّةً» في البلادِ، بذاتِ الغِرَارِ – هٰذا إنْ لمْ يُورَدْ أَيُّ شيءٍ بالإسْهَابِ عن تآمُرِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ السَّعَادِينِ تآمرًا مخابراتيًّا تَعَاضُدِيًّا (سِرِّيًّا) على مزاولةِ الاضطهادِ اللاإنسانيِّ أشكالاً بحقِّ كلِّ ناشطٍ قياديٍّ «إصلاحِيٍّ» (نسبةً إلى حركةِ «الإصلاحِ» الإماراتيةِ) ذي «تطلُّعَاتٍ إخْوَنْجِيَّةٍ» مَأْرَبًا – وهٰذا إنْ لمْ يُذْكَرْ أيُّ شيءٍ آخَرَ بالإطْنَابِ، إضَافَةً إلى ذلكَ، عن تواطؤِ آلِ النَّهَايِينِ وآلِ الصَّهَايِينِ تواطؤًا مخابراتيًّا تَضَافُرِيًّا (أشدَّ سِرِّيَّةً حتى) على ممارسةِ الاغتيالِ مادونَ-الحَيَوَانِيِّ أنواعًا بحقِّ كلِّ ناشطٍ قياديٍّ «حَمْسَاويٍّ» (نسبةً إلى حركةِ «حماس» الفلسطينيةِ) ذي «توجُّهَاتٍ إخْوَنْجِيَّةٍ» مَأْرَبًا كذاك، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ.

وقدِ انحطَّتْ مُمَارَسَةُ الاغتيالِ مادونَ-الحَيَوَانِيِّ هذِهِ إلى أحَطِّ دَرَكَةٍ من دَرَكَاتِ التوحُّشِ والتغوُّلِ في حَدَثِ الاغتيالِ «القَنْبَليِّ» Cannibalistic المُريعِ للكاتبِ الصِّحَافيِّ السُّعُودِيِّ (شبهِ المُعَارِضِ)، جمال خاشقجي، ذلك الحَدَثِ الواقعِ في اليوم الثاني من شهرِ تشرين الأول عامَ 2018، وعلى يُدِيِّ فريقٍ مؤلَّفٍ من خمسةَ عشرَ رجلَ أمْنٍ سُعُودِيًّا من أخَسِّ وأخْسَأِ مَا يُمْكِنُ أنْ يتصوَّرَهُ العقلُ البشريُّ من جنسِ «البَشَرِ» في ذينك الوُلُوغِ والتَّوَلُّغِ الاحترافيَّيْنِ في دِمَاءِ الجَريمةِ. رِجَالُ أمْنٍ سُعُودِيُّونَ قَدْ نَصَبُوا للكاتبِ الصِّحَافيِّ السُّعُودِيِّ، قُبَيْلَ يومِ ميلادِهِ الستِّينَ، كَمِينًا في مبنى قنصليَّةِ بلادِهِمْ في مدينةِ إسطنبولَ التي استدرجُوهُ واستجلبُوهُ بحيلةٍ زَنِيمَةٍ ذَمِيمَةٍ إليهَا من حيثُ يقيمُ في أمريكا، وذاك لأنَّهُمْ، بِمَحْضِ جَبَانَتِهِمْ وخَرَاعَتِهِمْ ومَهَانَتِهِمْ، مَا كانوا قدِ استطاعوا أن يغتالُوهُ ذلك الاغتيالَ «القَنْبَليَّ» المُريعَ في مبنى سِفَارَةِ بلادِهِمْ في مدينةِ واشنطن، ولا حتى أن يستدرجُوهُ وأن يستجلبُوهُ بأيَّةِ حيلةٍ زَنِيمَةٍ ذَمِيمَةٍ أخرى إلى أنيابِ عِصَابةِ آلِ السَّعَادِينِ أنفسِهِمْ في البلادِ. رِجَالُ أمْنٍ سُعُودِيُّونَ قَدْ نَصَبُوا للكاتبِ الصِّحَافيِّ السُّعُودِيِّ كَمِينًا لكَيْمَا يُصَفُّوهُ تصفيَةً لمْ تَعُدْ خافيةً على أحَدٍ من أيَّةٍ من جهاتِ الأرضِ الأربعِ، في هذا الآنِ وهذا الأوانِ، من حيثُ همجيَّتُهَا وحُوشِيَّتُهَا، لا بلْ من حيثُ «قَنْبَليَّتُهَا» ومادونَ-حَيَوَانِيَّتُهَا، في شتى أنواعِ التذليلِ والتعذيبِ والتزهيقِ والتقطيعِ والتذويبِ، إلى آخرِهِ، إلى آخرِهِ. وأيَّةً كانتْ تداعياتُ هذهِ الجريمةِ الشنعاءِ، في المشهدَيْنِ العربيِّ والغربيِّ الرَّاهنَيْنِ، فإنَّهُ لَمِنَ العسيرِ جدًّا، إنْ لمْ يَكُنْ مِنَ المستحيلِ بَتًّا، أنْ يُصَارَ إلى الفَصْلِ المُتَعَمَّدِ بينَ الصَّعيدَيْنِ السياسيِّ والاقتصاديِّ المترتِّبَيْنِ على تلك التداعياتِ في حَدِّ الذواتِ. حتى أنَّ طاغيةَ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيَّ، محمد بن سلمان، حينمَا لمَّحَ أيَّامَئذٍ تلميحًا إلى قوَّةِ قطر الاقتصاديةِ في مَعْرِضِ هٰتِيكَ الإجابةِ عن السُّؤَالِ عن هُوِيَّةِ الآمرِ الفعليِّ بتنفيذِ تلك الجريمةِ النكراءِ (في أثناءِ مؤتمرِ «الصحراءِ» الذي جُرِّدَ إذَّاكَ من صفتِهِ «الدافوسية» السويسريةِ عنوةً)، كانَ يُلَمِّحُ بعَيْنِ التَّلْمِيحِ إلى إمكانِ استردادِ هٰذِهِ الـ«قطر» من أحضانِ تركيا عَلَنًا، ويُلَمِّحُ من ثمَّ بعَيْنِ التَّلْمِيحِ ذاتِهِ إلى إمكانِ استردادِهَا كذاكَ من أحضانِ إيرانَ سِرًّا، وذلك من أجلِ التمهيدِ لتأسيسِ مَا بَاتَ يُدْعى مُذَّاكَ آخِرًا بـ«التحالف الإستيراتيجي الشرق-أوسطي»Middle East Strategic Alliance ، ذلك التحالفِ الذي كانَ عربانُ النفطِ المُتَأَمْرِكُونَ يدعُونَهُ باختصارِهِ المعرَّبِ «ميسا» MESA، والذي أعلنَ عنهُ السِّمْسَارُ معتوهُ أمريكا، دونالد ترامب، بينَ دولِ الخليجِ والسُّعُوديةِ (وكذلك مصرَ والأردنِّ) بمثابةِ، أو بالأحرى بذريعةِ، «إجراءٍ وقائيٍّ يحمي أبناءَ السُّنَّةِ من المَدِّ الشِّيعيِّ الفارسيِّ». وكانتْ لتطلُّعاتِ تركيا، على اعتبارِ القنصليةِ السُّعُوديةِ الكائنةِ في مدينتها إسطنبولَ مسرحَ ارتكابِ الجريمةِ المعنيةِ، وكانتْ لهَا مآربُهَا السياسيةُ والاقتصاديةُ هي الأخرى، وسواءً كانَتْ هناك مَسَاعٍ دبلوماسيةٌ أردنيةٌ، أو غيرُ أردنيةٍ، نحوَ تنسيقٍ ثنائيٍّ سُعُودِيٍّ-تركيٍّ مَرَامُهُ الأساسيُّ تحويلُ ملفِّ الجريمةِ المعنيةِ من ملفٍّ سياسيٍّ محضٍ إلى ملفٍّ قضائيٍّ (جنائيٍّ)، أمْ لمْ تَكُنْ. وهٰكذا، فإن الخلافَ السياسيَّ الجوهريَّ في أعقابِ اغتيالِ ذلكَ الكاتبِ الصِّحافيِّ، جمال خاشقجي ذَاتِهِ، لا يدورُ استثناءً حولَ ماهيَّاتِ أفرادٍ معيَّنينَ كهٰكذا كاتبٍ صِحافيٍّ في حدِّ ذاتِهِ، بلْ يدورُ كعادتِهِ «التاريخيةِ»، أو بالخَليقِ «اللاتاريخيةِ»، حولَ ماهيَّةِ التمثيلِ العِصَابَاتيِّ «المَافْيَوِيِّ» للمذهبِ السُّنِيِّ (الأرثوذكسي) في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ تحديدًا: السُّعُوديةُ من طرفِ عصابةِ آلِ سعود (الأبديةِ) تدَّعي هذا التمثيلَ بوصفِهَا «ماهدةَ» الرسالةِ الإسلاميةِ الأولى، وتركيا من كَنَفِ عصابةِ آلِ أردوغان (اللاأبديةِ) تزعمُ هذا التمثيلَ عينَهُ بكونِهَا «كانفةَ» الخلافةِ العثمانيةِ الكبرى، ومصرُ من جانبِ عصابةِ آلِ السيسي (الأبديةِ-اللاأبديةِ) تعتزي هذا التمثيلَ عينَ عينِهِ باعتبارِهَا «ضَامَّةَ» الكثافةِ السُّكَّانيةِ الأكبرِ، من هذا الخُصُوصِ، وهَلُمَّ جَرًّا. وبالتالي، فإن كلَّ تلك الحركاتِ الإسلاميةِ، أو حتى شبهِ الإسلاميةِ، التي انضوتْ، بنحْوٍ أو بآخَرَ، تحتَ لواءِ تنظيمِ «الإخْوَانِ المُسْلِمينَ»، بمَا فيها هذا التنظيمُ «الإخوانيُّ» نفسُهُ، إنَّمَا هي أجزاءٌ متجزِّئةٌ مِمَّا يُسَمَّى إجماعًا أو بالكادِ بـ«الإسلام السياسيِّ»، لا بالمثابةِ العكسيةِ، ومَا تبتَنِيهِ ابْتِنَاءً، مثلمَا يظنُّ عددٌ غيرُ قليلٍ من المحلِّلينَ السياسيِّينَ، وإنَّ جُلَّ وسائلِ الإعلامِ العربيِّ الإسلاميِّ، وبالأخصِّ مَا تجلَّى من تلك الوسَائلِ المَمْلُوكَةِ من لَدُنْ أنظمةِ الطغيانِ الإجراميةِ ذاتِهَا، إنَّمَا تحاولُ أن تُرَكِّزَ كلَّ التركيزِ على شَيْطَنَةِ هذا التنظيمِ «الإخْوَانِيِّ» ذاتًا، وعلى أبْلَسَتِهِ كذاكَ سَعْيًا حثيثًا لِتحقيقِ مَآرِبَ بَخْسَةٍ أُخْرَى، ليسَ إلاَّ – وهَا هُوَ طاغيةُ آلِ السَّعَادِينِ الفاشيُّ، محمد بن سلمان، متمتِّعًا بالكامِلِ من «قواهُ العقليةِ»، فيمَا تبدَّى، حينمَا صرَّحَ بشيءٍ من تصريحٍ مبثوثٍ في يومٍ من الأيَّامِ، إِذْ قالَ فيهِ: «إنَّ جمال خاشقجي إنَّمَا هو إسلاميٌّ سياسيٌّ (إخوانيٌّ) خطيرٌ جدًّا»!

تلك، إذنْ، هي حَالُ الخلافِ السياسيِّ حولَ ماهيَّةِ التمثيلِ العِصَابَاتيِّ «المَافْيَوِيِّ» للمذهبِ السُّنيِّ (الأرثوذكسيِّ)، تلك هي حَالُهُ أينمَا حَلَّ وأينمَا نزلَ في أمداءِ التاريخِ العربيِّ الإسلاميِّ في الأغلبِ والأعمِّ، وعلى الأخصِّ إثْرَ نشوءِ الإسلامِ وإثْرَ نشوبِهِ كذاكَ كثورةٍ اجتماعيةٍ لَهَا مدلولُهَا التاريخيُّ في مدينتَيْنِ صغيرتَيْنِ نسبيًّا، مكةَ ويثربَ (قبلَ الهجرةِ)، أو مكةَ والمدينةِ (بعدَ الهجرةِ ذاتِهَا)، مدينتَيْنِ كانتا متَّكِئَتَيْنِ، بالحرفِ أو حتى بالمَجَازِ، على حَافَّةِ الإمبراطوريةِ الرُّومَانيةِ عَصْرَئِذٍ. فَمَا إنْ حقَّقتْ هذِهِ الثورةُ الاجتماعيةُ غاياتِهَا الأوَّليَّةَ المَأمُولَةَ والمَحْمُولَةَ، في حقيقةِ الأمرِ، حتى تحوَّلَ هذا الإسلامُ من ثمَّ تحوُّلاً من دِينٍ كانَ لَهُ أن يُحَاكِيَ معنَى التبسيطِ ومعنَى التواضُعِ في كلِّ تجلِّياتِهِمَا بـ«جِنْحٍ مَهِيضٍ» إلى دِينٍ صَارَ لَهُ أن يُحَاكَ وأن يُمَاحَكَ بِمغزَى التعقيدِ وبِمغزَى التعاظُمِ في كلِّ أشكالِهِمَا بـ«مُلْكٍ عَضُوضٍ». حتى أنَّ هناك حديثًا نبويًّا جَاءَ ذكرُهُ أكثرَ من مرَّةٍ في مواضعَ عدَّةٍ من كتبِ الحديثِ والتأريخِ في العصرِ الوسيطِ، فجاءتْ إعادةُ ذكرِهِ بعدَئذٍ كذاكَ في كتابِ «النهايةُ في غريبِ الأثر» للمؤرِّخِ الإسلاميِّ الشهيرِ ابن الأثير (1160-1233)، وذاك على شاكلةِ مَا معناهُ حَسْبَ صيغتَيْهِ المُثْبَتَتَيْنِ إِثْبَاتًا، هٰهُنا هٰكذا: ففي روايةٍ أولى من جَانِبٍ أَوَّلَ، «اَلْخِلاَفَةُ [مِنْ] بَعْدِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكٌ عَضُوضٌ»؛ وفي روايةٍ ثانيةٍ من جَانِبٍ آخَرَ، «اَلْخِلاَفَةُ فِي أُمَّتِي ثَلاَثُونَ سَنَةً، وسَتَرَوْنَ [مِنْ] بَعْدِي مُلْكًا عَضُوضًا» (أي: «مُلْكٌ» في الأَوَّلِ، أو «مُلْكًا» في الأَخِيرِ، إِذْ يُصِيبُ الرَّعِيَّةَ فِيهِ عَسْفٌ واعْتِسَافٌ وظُلْمٌ، وكَأنَّهُمْ يَعُضُّونَ فيهِ على النَّوَاجِذِ عَضًّا، وبنيةُ الـ«عَضُوضُ» هُنَا إنَّمَا هي مِنْ أبْنِيَةِ الغُلُوِّ والإِغْرَاقِ في علمِ الصَّرْفِ). وهٰكذا في هذِهِ الحَالِ العَجْفَاءِ، إِذَنْ، وبعدَ هٰتِيكَ الثلاثينَ سنةً بالذواتِ، أو يزيدُ من المِحَنِ، فقدْ مرَّتْ حَالاتُ التاريخِ العربيِّ الإسلاميِّ ذاتًا بحالاتٍ من هذا العَسْفِ وهذا الاعْتِسَافِ وهذا الظُلْمِ بالإتْبَاعِ المُدَانِ، وعلى مدى أكثرَ من أربعةَ عشرَ قرنًا كاملاً مُكَمَّلاً من الزمَانِ، إلى أن بزغَتْ فجأةً دونَ آنِفِ إيمَاءٍ من عَالَمِ الظلامِ ذلكَ المُسْحَمِّ، على سَبِيلِ المِثَالِ لا الحَصْرِ، إلى أن بزغَتْ «إشراقةٌ» من «إشراقاتِ» ذاكَ الخطابِ المَعْنِيِّ إبَّانَئذٍ لطاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ الأبَوِيِّ الفاشيِّ، سلمان بن العزيز (هذِهِ المرَّةَ). وبغضِّ الطَّرْفِ عن تلكِ الحَالةِ المِسْقَامِ التي يُرْثَى لهَا أيَّمَا رِثَاءٍ في قراءَةِ ذلك الخطابِ المَعْنِيِّ، من لدُنْ طاغيةِ آلِ السَّعَادِينِ الأبَوِيِّ الفاشيِّ ذاتِهِ، فقدْ جَاءَ فيهِ، من جملةِ مَا جَاءَ فيهِ، بعدَ كلِّ تلك الأكاذيبِ والألاعيبِ التي تَخرَّصَتْ بهَا عِصَابةُ آلِ سعود (الأبديةُ في الزَّمَانِ) حولَ الآمرِ الحقيقيِّ بمقتلِ الكاتبِ الصِّحافيِّ، جمال خاشقجي، والتي لمْ تَكُنْ لِتنطليَ بأيِّ نحوٍ من الأنْحَاءِ حتى على السُّذَّجِ والمغبونينَ من الأنَامِ الأشدِّ غَبَاءً من ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءِ ٱلْقَهْرِيِّ ٱلْتَّكْرَارِيِّ المَوْسُومِ بهِ أيٌّ من فَلِّ الطُّغَاةِ الفاشيِّينَ العُتَاةِ المُصْطَنَعِينَ أنفسِهِمْ، جَاءَ في ذلك الخطابِ المَعْنِيِّ بحرفيَّتِهِ مَا يلي: «إنَّ المملكةَ [العربيةَ السُّعُوديةَ] قدْ تأسَّسَتْ على نَهْجٍ إسلاميٍّ يرتكزُ على إرسَاءِ العَدْلِ [على وَجْهِ التحديدِ]»!

ومَنْ مِنْ آنَامِ إسْمَاعِيلَ الآنَ، في هٰذا الزَّمَانِ العَصِيبِ، تَخْفَى عليهِ هٰذِهِ الخَافِيَةُ الحَافِيَةُ؟ – مَنْ مِنْ هٰؤلاءِ الآنَامِ تَخْفَى عليهِ خَافِيَةُ أنَّ هٰذِهِ المملكةَ [العربيةَ السُّعُوديةَ]، في حدِّ ذاتِهَا، قَدْ تأسَّسَتْ على نَهْجٍ وَهَّابيٍّ أبويٍّ ذُكوريٍّ وراثيٍّ مُتَوَارَثٍ لا يخدمُ إلاَّ في تأبيدِ وإلاَّ في تأزيلِ عِصَابةِ آلِ سعود الإجراميةِ في الحُكْمِ إلى يومِ يُبْعَثُونَ؟ والأنكى من ذلك كلِّهِ، أنَّ أزلامَ هٰذِهِ العِصَابةِ الإجراميةِ، أيًّا كانوا منذُ عهدِ مؤسِّسِهَا الأولِ، محمد بن سعود (1744-1818)، إنَّمَا يعلمونَ علمَ اليقينِ بأنَّ الرَّسُولَ الكريمَ نفسَهُ كانَ قد رفضَ هٰذا الحكمَ الوراثيَّ المُتَوَارَثَ رفضًا قاطعًا منذُ بداياتِ مَا بَثَّ من الرسَالةِ الإسلاميةِ بَثًّ الهُنْوِ والهَنِيَّةِ إلى أن وافتهُ بعدَ ذلك الحينِ عَيْنُ المَنِيَّةِ – فلا السُّنَّةُ (الأرثوذكسُ) أمَامَ القائمِ الدائِمِ من «حَالِهَا» في شيءٍ من هٰذِهِ الرسَالَةِ الحَرِيَّةِ، ولا حتى الشِّيعَةُ (اللاأرثوذكسُ) قدَّامَ القائمِ المُوَائِمِ من «حَالِهَا» في شيءٍ من هٰذِهِ الرسَالَةِ الثَّرِيَّةِ. وهُنَا تَكْمُنُ إنسَانيةُ الرَّسُولِ الكريمِ اللافتُ للانتباهِ وللنظرِ، وهُنَا يَكْمُنُ تمهيدُهُ الاستثنائيُّ الفريدُ لأَوَّلِ نظامٍ إنسانيٍّ اِشتراكيٍّ حقيقيٍّ في التاريخِ البشريِّ برمَّتِهِ، حتى قبلَ مَا جَاءَ بهِ كارل ماركس، ومَا أدراك مَا جَاءَ بهِ كارل ماركس، بالعَدِيدِ من القرونِ. غيرَ أنَّ الطَّامَّةَ الكبرى ومَهْزَلَةَ المَهَازِلِ هٰهُنَا إنَّمَا تَكْمُنَانِ، أَوَّلاً، في ذينك الجَشَعِ اللاإنسانيِّ والطَّمَعِ اللاأخلاقيِّ اللذينِ يستحوذانِ أيَّمَا استحواذٍ على ذهنيَّاتِ أزلامِ هٰذِهِ العِصَابَةِ الإجراميةِ في تَسَلُّمِ مَقاليدِ الحُكْمِ إلى حَدِّ الذُّهَانِ السَّرِيرِيِّ المُزْمِنِ؛ وتَكْمُنَانِ، ثانيًا، في لُهَاثِ أزلامِ هٰذِهِ العِصَابَةِ الإجراميةِ المُسْتَدِيمِ وَرَاءَ دَيْمُومَةِ هٰذا الحُكْمِ لُهَاثًا أكثرَ دَيْمُومَةً حتى من لُهَاثِ الكلابِ بالذواتِ؛ وتَكْمُنَانِ، ثالثًا، والأهمُّ من ذلك كلِّهِ، في تدميرِ أزلامِ هٰذِهِ العِصَابَةِ الإجراميةِ بالتالي لتلك الفكرةِ الإنسَانيةِ الاشتراكيةِ العظيمةِ التي كانَ الرَّسُولُ الكريمُ قَدْ أشرقَ بإشراقاتِهَا الأولى منذُ بزوغِ الإشراقاتِ الأُولَيَاتِ من فَجْرِ الإسلامِ. ولَا يتفوَّقُ على أزلامِ هٰذِهِ العِصَابَةِ الإجراميةِ في هٰذا التدميرِ «التاريخيِّ»، أو بالحَرِيِّ هٰذا التدميرِ «اللاتاريخيِّ»، المتعمَّدِ لتلك الفكرةِ الإنسَانيةِ سِوَى أزلامِ عِصَابةِ آلِ الأسد الأشدِّ إجرامًا، في واقع الأمرِ. كلُّ هٰذا التدميرِ «التاريخيِّ»، أو التدميرِ «اللاتاريخيِّ»، بعينِهِ إنَّمَا يَدُلُّ دونَمَا أيِّ شكٍّ على أنَّ أزلامَ هٰذِهِ العِصَابَاتِ الإجراميةِ كلِّهَا ليسَ لَهُمْ سِوَى أن يخدموا، بكلِّ ذلٍّ وبكلِّ هَوَانٍ، في تحقيقِ مَآربِ الصهيونيةِ العالميةِ وآرَابِهَا الجَلِيَّةِ، حتى قبلَ أنْ يكونَ لَهُمْ، في الأسَاسِ، أن يخدموا في تحقيقِ مَآمِلِ الإمبرياليةِ الغربيةِ وآمَالِهَا المَلِيَّةِ – ولِهٰذَا الكَلَامِ، فِيمَا بَعْدُ، بَقِيَّةٌ!

*** *** ***

دبلن (إيرلندا)،
16 أيار 2023



#غياث_المرزوق (هاشتاغ)       Ghiath_El_Marzouk#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتّ ...
- ٱلْمُسْنَدُ إِلَيْهِ: تَمَدِّيَاتُ ٱلْتَّأْوِيلِ ...
- يَاْ نِسَاْءَ ٱلْعَاْلَمِ ٱتَّحِدْنَ (8)
- وَمَا قَبْلَ ذَيْنِكَ ٱلْجَحِيمَيْنِ حَوْلٌ: «بَائِنُ ...
- وَمَا قَبْلَ ذَيْنِكَ ٱلْجَحِيمَيْنِ حَوْلٌ: «بَائِنُ & ...
- وَمَا قَبْلَ ذَيْنِكَ ٱلْجَحِيمَيْنِ حَوْلٌ: «بَائِنُ & ...
- وَمَا قَبْلَ ذَيْنِكَ ٱلْجَحِيمَيْنِ حَوْلٌ: «بَيْنُ & ...
- وَمَا قَبْلَ ذَيْنِكَ ٱلْجَحِيمَيْنِ حَوْلٌ: «بَيْنُ &# ...
- وَمَا قَبْلَ ذَيْنِكَ ٱلْجَحِيمَيْنِ حَوْلٌ: «بَيْنُ &# ...
- وَمَا قَبْلَ ذَيْنِكَ ٱلْجَحِيمَيْنِ حَوْلٌ: «بَيْنُ &# ...
- وَمَشَاهِيدُ مِنَ ٱلْجَحِيمِ ٱلْفُرَاتِيِّ: «مَشْه ...
- وَمَشَاهِيدُ مِنَ ٱلْجَحِيمِ ٱلْفُرَاتِيِّ: «مَش ...
- وَمَشَاهِيدُ مِنَ ٱلْجَحِيمِ ٱلْفُرَاتِيِّ: «مَش ...
- وَمَشَاهِيدُ مِنَ ٱلْجَحِيمِ ٱلْفُرَاتِيِّ: «مَش ...
- وَمَشَاهِيدُ مِنَ ٱلْجَحِيمِ ٱلْفُرَاتِيِّ: «مَش ...
- مَشَاهِدُ مِنَ ٱلْجَحِيمِ ٱلْدِّمَشْقِيِّ: «مَشْهَ ...
- مَشَاهِدُ مِنَ ٱلْجَحِيمِ ٱلْدِّمَشْقِيِّ: «مَشْ ...
- مَشَاهِدُ مِنَ ٱلْجَحِيمِ ٱلْدِّمَشْقِيِّ: «مَشْ ...


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية في مصر وسط مفاوضات -مكثفة- لإطلاق ...
- الأولى عربيا وأفريقيّا.. كيف قفزت موريتانيا على سلّم حرية ال ...
- عقوبتها تصل لنحو عقد.. جدل بعد الحكم على السعودية مناهل العت ...
- جعجع: دخول حزب الله الحرب إلى جانب حماس أضر بلبنان ولم يساعد ...
- بينهم 5 أطفال.. مقتل سبعة أشخاص في غارة على رفح وفزع أممي من ...
- اليوم العالمي لحرية الصحافة: غزة المكان الأكثر دموية وخطورة ...
- المئات من أسود البحر تستمتع بالشمس على أرصفة سان فرانسيسكو و ...
- باكستان تسلم نرويجيا مسلما لأوسلو لتحديد دوره بقتل مثليين
- بعد وعود طنانة... مسؤول أمريكي يعلن عجز واشنطن عن إرسال جميع ...
- -حماس- تكشف أهداف نتنياهو غير المعلنة من تهديداته المتكررة ب ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - غياث المرزوق - ذٰلِكَ ٱلْغَبَاءُ ٱلْقَهْرِيُّ ٱلْتَّكْرَارِيُّ: طُغَاةُ ٱلْتَّقَدُّمِ أَمْ بُغَاةُ ٱلْتَّهَدُّمِ؟ (1-3)