آخر أحفاد جلجامش

كاظم فنجان الحمامي

الحوار المتمدن-العدد: 7608 - 2023 / 5 / 11 - 10:24
المحور: سيرة ذاتية
    

أغلب الظن انه آخر أحفاد جلجامش. كانت ولادته فوق جزيرة من جزر الچبايش الهائمة على وجه الماء، في المسطحات التي كانت مهداً للسلالات السومرية الأولى. لم يغادر الهور منذ ولادته، وقد بلغ الآن من العمر عتيا، ولا يعرف شيئاً عن الحكومات الغابرة والعابرة والعاهرة، حتى اسمه صار يحتاج إلى ترجمة لكي تفهم معانيه ودلالاته في لهجتنا الدارجة، فهو: رايح بن حندور بن دفّار بن كشيش الصيمري أو السومري، لا فرق هنا بين القبيلة والجذر، وليس عندي أدنى شك حول ارتباطه بأجدادنا السومريين، فمجرد النظر إليه تشعر انه نسخة طبق الأصل من جلجامش الذي خاض هنا ملحمة الطوفان، فالعينات الجينية المأخوذة منه اثبتت نقاوة انتماءه إلى الأقوام التي حملت ملامح انكيدو وانليل. .
يبدأ يومه قبل بزوغ الشمس بقليل، يتناول إفطاره بشرب حليب الجاموس والزبد البقري الغني بالمعادن، ثم ينطلق بقاربه (المشحوف) ليقطع مسافة تزيد على 10 كيلومترات معتمدا على ذراعيه في الجذف عبر مسارات محفوفة بالقصب والبردي، احياناً يأخذ معه رغيف واحد وفندوس تمر، (والفندوس: كتلة من التمر اللين المكبوس بحجم قبضة اليد). ثم يعود أدراجه بقاربه المحمل بالأعلاف ليشق طريقه في مواجهة التيارات المائية، يصل كوخه منهكاً من التعب، ليتناول غداءه المكون من الرز والسمك الطازج. .
كلما اراه عائداً من بعيد ترتسم في مخيلتي صورة جلجامش وهو يصدح بصوته:
يا جدار ! اسمع يا كوخ القصب، وأفهم يا جدار
أيها الرجل الشروپاكي يا ابن اوبار توتو
اهدم بيتك واصنع لك قاربا للنجاة. . .
يتعايش صاحبنا في الليل مع الاشباح والجنيات من دون ان يداهمه الخوف في مكان لا يبعد كثيراً عن إيشان (حفيظ) ومملكته السحرية المخبئة في قلب الهور. ينام قرير العين فوق كومة من القش وحصيرة الحلفا الطرية، حيث يصعب على البعوض اختراق مسامات جلده السميك. . تربطه علاقة حميمه مع قطعان الجاموس، يتفاهم معها بلغة خاصة، فيتحرك القطيع في ذهابه وايابه بصيحة واحدة منه. .
في الهور تبدو النجوم أقرب في الظلام الدامس مما هي عليه في الواقع، فتسحره الشهب والنيازك، ثم يهدأ كل شيء لينطلق نداء الاجداد من اللا مكان:
أسرع يا حفيد جلجامش وتناول مردياً ثانياً وثالثاً ورابعاً
وحذار أن تمس يدك مياه الموت
وكن حارساً على إيشان حفيظ. . .

#كاظم_فنجان_الحمامي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل