أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق التونجي - الشاعر لطيف هلمت، طيف القلب النابض بين هموم الناس والمسارات السياسية















المزيد.....



الشاعر لطيف هلمت، طيف القلب النابض بين هموم الناس والمسارات السياسية


توفيق التونجي

الحوار المتمدن-العدد: 7593 - 2023 / 4 / 26 - 14:10
المحور: الادب والفن
    


حب الوطن يقتل المرء
مثلما يقتله السيف
مثلما يقتله السرطان
مثلما يقتله الكوليرا*





يعتبر الشاعر لطيف هلمت احد الشعراء الكورد المحدثين والأكثر غزارة وتنوعا واصالة في الإنتاج الادبي والإبداعي. الشاعر من مدينة كركوك والتي تعتبر عراقا مصغرا وتعددي الانتماءات والعقائد. قدمت المدينة كوكبة من الادباء اغنوا الادب العراقي والانساني بنصوص خالدة امثال:
, مؤيد الراوي, زهدي الداوودي, صلاح فائق, الاب يوسف سعيد محي الدين زنكنه, يوسف الحيدري, سركون بولص, جليل قيسي, قحطان الهرمزي, عبد اللطيف بندر اوغلو, فاضل العزاوي, جان دمو, انور الغساني, عبد الله ابراهيم, هشام قيسي, أسماعيل ابراهيم, عواد علي, حمزة حمامجي, خاجيك كرابيت آيدنجيان, نصرت مردان,.......وعشرات الاخرون اعتذر منهم جميعا, لا مجال هنا لذكرهم جميعا. مما أضفى طعما خاصا على الإنتاج الإبداعي لأدبائها.
ألتقي اليوم بقامة ادبية وعبر صفحات الشبكة العنكبوتية " الانترنت" وكنت قد كتبت له قبل سنوات عن رغبتي لاجراء حوار معه. اليوم مشكورا ارسل لي اجوبة تلك الاسئلة. لنتحاور حول هموم المبدعين والأدب بصورة عامة وبصورة خاصة هموم الاديب الكوردستاني. ومسار الادبي للشاعر والحياة الأدبية عامة.
في هذا سفر يأخذنا أديبنا الجليل في رحلة عبر تاريخ الأدب لنكتشف من خلاله معاناة الكاتب المبدع ومخاض ولادة النص الإبداعي الإنساني.


عملية الكتابة الإبداعية ذو مسار تاريخي معقد والمبدعين عانوا ما عانوه وفي غياب الحرية من السلطات الحاكمة في معظم أنظمة الحكم في العالم, كيف تقيمون هذا المسار التاريخي بصورة عامة وبصورة خاصة في العراق وفي إقليم كوردستان؟

بصورة عامة لا يمكن ربط عملية الإبداع الأدبي بوجود الحرية وعدم وجودها. هناك مبدعون قدموا أعمالا أدبية رائعة في كلتا الحالتين . أمثال بوشكين ، ليرمنتوف ، غوركي ، غوغول ، تولستوی ، تورغنيف ، ديستویفسكي وعشرات آخرون من الكتاب والشعراء برزوا كمبدعين في العهود القيصرية التي سادت فيها قوانين العبودية والاضطهاد والاستبداد.
لا تظنن بان جميع عهود النظام الماركسي كانت حقولا وبساتین للحرية بل كان مقص الرقابة يقص أحيانا كلمات وكلمات وان تطلب الامر كان يقص الكلمات والألسن والرؤوس معا و يمحو المبدع من الوجود محوا والمثل علی ذلك اغتيال الشاعر المبدع (اوسیب مندلشتام) واخرون.
ومنع الشاعرة (آنا اخماتوفا) من نشر قصائدها لمدة طويلة وكتب باسترناك روايته الرائعة ــ دكتور زيفاغو ــ في زمن ستالين الاستبدادي وحین حصل علی جائزة نوبل منعه ستالين من استلام الجائزة واجبره علی ان يقول بانه لا يرغب في استلام الجائزة دون اية مضايقات او تهديدات سياسية.
وكتب الشاعر الداغستاني رائعته الخالدة ــ داغستان بلدي ــ في العهد الماركسي ولا احد ينكر الرقابة الاستبدادية الشديدة علی الفنون والآداب في ذلك العهد.
وفي فلسطين المحتلة كتب مجموعة من شعراء فلسطين اروع قصائد المقاومة , قصائد اعترف بعض رموز الكيان الصهيوني المحتل بانها قصائد تخيفهم اكثر من الأسلحة الفتاكة وفاقت آنذاك شهرة أسماء شعراء وكتاب من أمثال محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران والشاعرة فدوی طوقان وغسان كنفاني شهرة أسماء جميع ملوك العرب ورؤسائهم وهم كانوا يكتبون في ظل الاحتلال الصهيوني
وفي العراق كتب الشاعر العراقي الخالد بدر شاكر السياب مجموعته الشعرية الرائعة ــ أنشودة المطر ــ في العهد الملكي الذي كان الاستعمار البريطاني المستبد يحكم العراق.
كما كتب الجواهري الخالد قصيدته الرائعة (اخي جعفر) وعشرات القصائد الاخری وكتب حسين مردان رائعته المسماة (قصائد عارية ) وعوقب بسببها قانونيا في فترة الاحتلال البريطاني المستبد.
كتب الشاعر الكردي الكبير عبدالله گۆران كثيرا من روائع قصائده في العهد المذكور واستوحی الهام احدی اروع قصائده الغزلية وهو مكبل بالأغلال تقوده الشرطة الملكية للسجن.



ان الأرضية الحقيقية للإبداعات الشعرية بصورة خاصة والإبداعات الأدبية والفنية الكردية تٱسست ابان اتفاقية 11 / 3 / 1970 التي دامت اربعة سنوات. خلال تلك المدة برزت الی الوجود حركة جماعة روانگە ــ المرصد ــ الحداثوية في مدينة السليمانية عاصمة الثقافة الكردية الی الوجود.
وكذلك ازدادت نشاطات جماعة قصبة كفري المسماة بـــ : جماعة كفري التي تشكلت سرا في اواخر ستينيات القرن المنصرم وكانت جماعة متطرفة متاثرة بالأفكار السريالية والدادائية تدعو في بداية تشكيلها الی نبذ كل قديم وتقديس كل ما يرتبط بالحداثة وكنت انا احد مؤسسي تلك الجماعة ... والی جانب هذين الجماعتين اجتاحت الساحة الشعرية والأدبية عشرات الأسماء البارزة وقدمت اعمالا شعرية وقصصية وفنية ابداعية لايمكن تجاهلها او نسيانها ... وبصورة عامة لا تخلوا اي مرحلة من مراحل الشعر الكوردي من الابداعات الشخصية فالشاعر الكردي احمدي خاني كان مبدعا كبيرا ورائعته الإبداعية ــ مم و زين ــ وعشرات من قصائده الخالدة تشهد علی ذلك. وكذلك ملا الجزيري ونالي وعبد الرحيم المولوي. يعتبر الشاعر الكوردي الكبير عبدالله كوران رائدا عظيما للحداثة الشعرية الكوردية في النصف الاول من القرن الماضي ولا يمكن تجاهل دور الشاعر نوري شيخ صالح صديق عبدالله گوران في تللك الفترة في الحداثة الشعرية الكردية.

برٱيي ان حكومة إقليم كوردستان لم تهتم بالإعمال الأدبية والفنية بالشكل الذي تتطلبه المرحلة الراهنة. كافة الإبداعات هي إبداعات شخصية او إبداعات تقدمها جماعات مغرمة بالحداثة دون تقديم اية تسهيلات حكومیة للمبدعين. لا تغرانك الأمسيات والمهرجانات الأدبية والشعرية والثقافية وتوزيع الهدايا والشهادات التقديرية لهذا وذاك وتلك .فأكثرها احتفالات روتينية تقام سنويا او فصليا لأسباب شبه سياسية.
مختصر الكلام ان الثقافة الكردية نالت نوعا من الغبن والإهمال في ظل حكومة كردستان ومؤسساتها الثقافية الحزبية ولكن المبدع الكردي كالسيل الجارف يقفز علی كل السدود والمتاريس و يخلق إبداعاته دوما.
الف تحية وتحية للمبدع الكوردي الذي ابدع ويبدع في اي مجال من المجالات الثقافية بجهوده الخاصة لا بمساندة اي مؤسسة ثقافية حكومية ــ حزبية .

اللغة مهمة في العملية الإبداعية وعدم وجود لغة موحدة للكورد حاجز في عملية التواصل كيف ترون مستقبل اللغة الموحدة؟
فلتسكت البنادق
إن طفلا ينوي أن ينام
ولتسكت الأباطرة والقياصرة
إن شاعرا يود أن يتكلم.

الإبداع غير مرتبط بوجود لغة موحدة او عدم وجودها كتب دانتي رائعته الخالدة ــ الكوميديا الالهية ــ باحدی اللهجات الشعبية الايطالية . وكما قرأت في مصادر كثيرة ان اللغة التي كتب بها الشاعر الانجليزي الكبير شكسبير هي غیر اللغة التي كتب بها برناردشو مسرحیاته وكتب بها الشاعر الانجليزي المبدع ت . س . اليوت رائعته الشهیرة المسماة ــ الأرض اليباب ــ وهناك شعراء شعبيون كتبوا باللهجات الشعبية العربية وابدعو فيها اشهرهم الملا عبود الكرخي صاحب قصيدة ( اين حقي ) ومظفر النواب وغيرهم في العراق واحمد فؤاد النجم في مصر ووو الخ
علی صعيد اللغة الكوردية كتب كثير من الشعراء البارزين من امثال عبد الرحيم المولوي و بيساراني وصيدي هورامي قصائدهم باللهجة الهورامية وأبدعوا قصائد خالدة يتباهی بها تاريخ الشعر الكوردي .
الجدير بالذكر بدات علی صعيد الشعر العربي في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي محاولات جادة لكتابة القصائد السياسية وحتی الغزلية واصدار صحف ومجلات باللهجات الشعبية العربية وان لم تخنني الذاكرة قادت الاحزاب الشيوعية العربية تلك الحملات لتسهيل عملية توصيل الشعر والكتابة الی الجماهير الشعبية والطبقات البائسة.
لا يخفی ان معظم الأغاني العربية من المحيط الی الخليج مكتوبة باللهجات الشعبية العربية وهي لهجات بعدد الدول والقبائل العربية وأفخاذها ولا تنسی بان اللهجة الموصلاوية تختلف عن اللهجة البغدادية .. والبغدادية تختلف عن البصراوية.
ان اللغة الموحدة هي شبه أسطورة فبرٱيي لا يوجد شاعران او كاتبان يكتبان بلغة موحدة واحدة.
فهل لغة الروائي السوداني المبدع الطيب صالح هي ذات اللغة التي كتب بها الكاتب المبدع عبدالرحمن منيف او جبرا ابراهيم جبرا او الكاتب الجزائري مولودفرعون رواياتهم ... ؟
اما علی صعيد اللغة الكردية . فقد كتب نالي ومحوي وسالم وعبدالله كوران واخرون باللهجة السورانية وأبدعوا ايما إبداع. كما كتب شعراء مبدعون اخرون قصائدهم باللهجة الكرمانجية وابدعوا الی درجة الاندهاش وفي مقدمتهم احمدي خاني وملاي جزيري وقدري جان وكامران بدرخان وجكرخوين وغيرهم. برأيي تكمن عملية الإبداع في شاعرية الشاعر ومساحة موهبتها الشعرية وثقافتها وليست له اية علاقة باللغة الموحدة او باللهجة التي يكتب بها قصائد.
اكتب بأية بلهجة تريدها وحين تبدع في الكتابة تتهافت ملايين القراء علی كتاباتك لقراءتها .
وأخيرا أقول في استطاعة اي شاعر موهوب الإبداع حتى بلهجة قريته التي يعيش فيها ... وكما يقول الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت:

أنتظر آخي
لدي عسل في وعائي
ستأتي النحلة من بغداد


إشعارك وصلت للبسطاء ويتغنون بكلماتها بينما هناك شعراء يكتبون ويكتبون لكن الجمهور لا يستسيغ كتابتهم ولا يحفظون إشعارهم ما السر وراء ذلك؟

انا منذ مجموعتي الشعرية الاولی المسماة بــ ): الله ومدينتنا الصغيرة ( شاعر تجریبي اجرب الكتابة مع جميع التيارات والمدارس الشعرية القديمة والحداثوية في آن واحد فمجموعتي الاولی المذكورة والمطبوعة في العام 1970 في مطبعة ــ الشمال ــ في كركوك الی جانب عشرات القصائد الحداثوية تضم عددا من القصائد المقفاة المكتوبة بالأسلوب السائد في الشعر الكوردي في تلك الفترة وبرٱي ان من لايجيد كتابة الشعر بشكله القديم ربما يستحيل عليه ان يكتب قصائد حداثوية مبدعة. لان الحداثة ليست نبذ كل قديم بل الحداثة هي استعمال كل الأدوات الشعرية القديمة بشكل حديث .. فالحديد الذي كان يحوله الحداد الی محاريث يدوية .. تقوم المصانع الحديثة الآن بتحوله الی محاريث تجرها العربات الضخمة بدل الثيران ... وتحوله ايضا الی طائرات مدنية وحربية وصواريخ عابرة القارات والخ وفي استطاعة الشاعر الحداثوي المبدع ان يكتب بنفس الكلمات التي كتب بها اي شاعر قديم قصائده ان يكتب قصائد حداثوية عابرة البلدان والقارات والقلوب والأذواق الشعرية .
واحد أسباب شهرة قصائدي هي انني ولدت ونشٱت في أحضان عائلة دينية مثقفة حيث كان ابي الی جانب كونه شاعرا وشيخا من شیوخ الطريقة القادرية ... كان مثقفا يجيد الی جانب اللغة الكوردية اللغة الفارسية واللغة العربية وكانت مكتبته عامرة بدواوين حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي وفريد الدين العطار وديوان خيام وكتب اخری كالف ليلة وليلة وبعض اعداد مجلة كلاويز الكردية ... وكان في ليال كثيرة يقرا لنا بعض نصوص كتابي بستان وكلستان الشاعر الفارسي الكبير سعدي الشيرازي وبعض قصائد حافظ الشيرازي او فريد الدين العطار او غيرهم من شعراء الفرس ك ــ بيدل ــ و ــ كليم ــ وغيرهم ثم يترجمها لنا الی اللغة الكردية وكنت استمع الی ترجماته لتلك القصائد باشتياق ولهفة ومن هنا عشقت الكلمة الجميلة وعشقت الشعر اي إنني أشبعت روحي بروائع هؤلاء الشعراء العظام ثم بدأت بكتابة الشعر.
وورثت شفافية الكتابة من تلك المجالس المرصعة بدرر وجواهر حافظ وسعدي و فريددين العطار ... وبعد ذلك وقبل سن الرشد تطلعت علی قصائد كبار شعراء العالم والعرب وقرات دواوين او بعض قصائد رواد الحداثة الأوربية والعربية ... حيث قرات في سن مبكر قصيدة ـ الارض اليباب ـ الشهيرة للشاعر الامريكي / الانجليزي ( ت . س . الیوت ) في العدد 40 / 1968 / من مجلة ــ شعر ــ أللبناية ترجمة الدكتور لويس عوض ... ثم قرات دواوين رواد الحداثة العراقية والعربية دواوين بدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري وادونيس وشوقي ابي شقرا وانس الحاج ويوسف الخال ونزار قباني وجبران خليل جبران وغیرهم وكنت متلهفا في سنوات شبابي اي في اواسط وٱواخر ستینيات القرن الماضي بقراءة مجلة العاملون في النفط و مجلة الاداب ومجلة شعر اللبناني ومجلة الكلمة التي كان يشرف علی ادارتها حميد المطبعي .. والاعداد الاربعة الصادرة من مجلة :شعر 69 العراقية ... وفي تلك السنوات قرات بودلير وماياكوفسكي واراغون ولوركا وناظم حكمت ولامارتين والخ وحسب تعبير بول فالیري اذا كان الاسد يتكون من الخراف والغزلان و الثيران التي اصطادها فانا كشاعر اتكون من الكتب والمجلات والدواوين التي قراتها .



سبب اخر لشهرة قصائدي هي انني من رواد شعر المقاومة بعد انتكاسة ثورة ايلول حيث نشرت عشرات قصائد المقاومة والدواوين الشعرية في اواسط سبعينيات القرن المنصرم ولم يسبقني تاريخيا في تلك الفترة اي شاعر كوردي آخر في كتابة شعر المقاومة ونشره ولا زلت احتفظ بعشرات الرسائل التي وصلتني من الشعراء الكورد وقرائهم يكيلون المديح لروعة تلك القصائد وتاثيرها الايجابي في زرع روح المقاومة والصمود في قلوب الجماهير في تلك الفترة الرهيبة ... ويشجعونني علی كتابة المزيد من امثال تلك القصائد لابد ان اقول بان مسيرتي الشعرية المفعمة بالتمردات الجميلة والفوضی الرائع قربتني من الجماهير وخاصة بعد ان منعت من الاشتراك في الندوات التي اقامتها اتحاد الادباء الكورد في المؤتمر الثاني للاتحاد التي اقيم في اربيل في تموز 1971 واجبرت علی العودة الی كركوك بامر من شرطة اربيل آنذاك مع مجموعة من أصدقائي الفوضويين حسب اقوالهم. وفي المهرجان الشعري الذي اقيم في عام 1971 في كركوك طردت وألقت علي القبض شرطة امن كركوك وكان من الصعب إنقاذي من براثن شرطة كركوك آنذاك لولا تدخل رئیس اتحاد الأدباء الكورد الشهيد الخالد صالح اليوسفي رحمه الله.

تقلبات جغرافية

حفر صورة فتاة علی صخرة كبيرة
وامطر في ثغرها دمعتين
فعطست الصورة
وبدٱت تتبادل الكلام مع الفنان
تحت سقف المساء ناما معا
وفي الصباح ولد من تلامسهما
نهر عمق
فصنع الفنان من أشجار الغابة سفينة
وصعدا علی متنها معا
فجرفهما النهر الی البعيد البعيد ..
ربما ارادا ان يعثرا علی ارض جديدة
لاحفادهما ....

وهناك الی جانب النواحي الإبداعية في شعري أسباب اخری جعل شعري محبوبا في قلوب الجماهير وهو لعدم انتمائي لاي حزب من الأحزاب في اية فترة من فترات عمري .. وشاركت في ثورة ايلول عام 1974 / 1975 دون ان اكون عضوا في الحزب الديمقراطي الكوردستاني ... ولان قصائدي مكتوبة بلغة سلسة شفافة ترجمت الكثير منها الی بعض اللغات الأوروبية والعربية والفارسية ولا زلت احتفظ باحدای رسائل الشاعر والناقد الإيراني الكبير سید علي الصالحي يشید بقصائدي ويصفها بقصائد عالمية .. وافتخر بان كثيرا من كبار النقاد والأدباء في العراق كتبوا دراسات هامة عن جماليات قصائدي و مستواها الإبداعي.
هناك سبب آخر لإعجاب القراء بقصائدي وهو انني شاعر قومي ولكن شاعر أنساني وغیر عنصري وبعید بعد السماء والأرض عن الافكار الشوفينية فكما أحب الحرية لشعبي أحب الحرية للشعوب التي تعاني من ويل الاضطهاد وجبروت المحتلين. فنشأتي الخاصة في أحضان عائلة دينية بذرت في قلبي افكارا صوفية.

اعتز بديني الإسلامي ومقدساته واحترم كافة الاديان والمذاهب والطوائف ومقدساتها. رغم عدم انتمائي طوال عمري لاي حزب شيوعي نلت وسام الدرع الذهبي للحزب الشيوعي الكوردستاني .ورغم عدم انتمائي للاتحاد الوطني الكوردستاني فزت بجائزة الشاعر والروائي والسياسي الكوردي الكبير ابراهيم احمد ــ بله ــ القیادي البارز او الأوحد في صفوف الاتحاد الوطني الكوردستاني ... ونلت جائزة بابا گوڕگوڕ الذهبية من قبل الاتحاد الوطني الكوردستاني في كركوك ولم اكن في اي يوم عضوا في صفوفه .. وربما احيانا رشقته بشواظ من نیران قصائدي ان تطلب الامر ذلك ... واخيرا انا صوفي والصوفية حركة تحررية نادت وتنادي بالحرية لجميع الاديان والامم والشعوب والمذاهب والطوائف وضحت من اجل نشر افكارها بصوفيين كبار كالحلاج والنسيمي والسهروردي ..... وآخرين ..



أتعجب من صمت معظم المثقفين في العراق والبلدان العربية ودول العالم تجاه ما تمارسها الدول العظمی وبعض الدول العربية من الانتهاكات التعسفية للحريات والتوجهات الشوفينية والمذهبية والدينية والطائفية والجغرافية ضد الآخرين.
المجد كل المجد للشعر الذي لا يتجمد في دائرة السياسة وللمثقف الذي لا يستسلم لاية سلطة.

النقد الأدبي بصورة عامة ليس بالمستوى المطلوب وربما لقلة النقاد او لان آلنقد بصورة عامة غير مرغوب في المجتمعات الشرقية كيف تقيمون تجربتكم في النقد؟

الناقد الجيد هو الناقد المزود بطاقة ثقافية واسعة وبدون تلك الثقافة الموسوعية يستحيل علی اي ناقد ان يكتشف جماليات اي نص شعري وأدبي او سلبياتهما .. ولكن من المؤسف جدا هناك من اصبحوا نقادا لا يقرؤون طوال حياتهم سوی النصوص التي ينتقدونها سلبا او إيجابا حسب أهوائهم الشخصية وذائقتهم الأدبية الخاصة وهي ذائقة واطئة في اكثر الاحيان.
مع ذلك ثمة نقاد بارزون في العراق واقليم كوردستان في المستوی المطلوب ولا يقلون شٱنا عن النقاد العالميين ... وبمناسبة ذكر كلمة العالمية اقول ان العالمية لا تدل في اكثر الاحيان علی الجودة والتمايز والابداع . فهناك قصائد عالمية هي رديئة بكل معنی الرداءة ومع ذلك نالت جوائز عالمية.

ربما هناك اسباب سياسية او عنصرية في نيلها تلك الجوائز فانا أتعجب كيف فازت الشاعرة الهولندية (شیمبوريسكا ) بجائزة نوبل ولم اجد في اعمالها الشعرية المترجمة للعربية قصيدة في مستوی قصائد بدر شاكر السياب وادونيس ونزار قباني وغادة السمان وفدوی طوقان ويوسف الخال ونازك الملائكة وبلند الحيدري وانس الحاج وابو القاسم الشابي وخليل حاوي والشاعر الكوردي عبدالله گوران ومحمد ماغوط ... وعبدالوهاب البياتي والجواهري ومحمود درويش وسميح القاسم ومحمود البريكان ومظفر النواب وفاضل عزاوي وجان دمو وامل دنقل والشاعر التركماني عبداللطيف بندر اوغلو وووو ...
فباستطاعتي تعداد عشرات الشعراء المبدعين في العراق واقليم كوردستان مكانتهم الشعرية ارقی واعلی بعشرات المرات من مكانة( شيمبوريسكا ) ولم ينالوا اية جوائز محلية او عالمية.



ان مثل هذه الاختيارات لنيل الجوائز هي وليدة النقد السياسي او النقد العنصري او الديني ... ولندع شعراء العراق واقليم كوردستان جانبا ونتذكر الشاعرة الإيرانية الراحلة ( فروغ فروخزاد) المتمردة المبدعة التي لا يمكن مقارنة قصائدها الراقية بقصائد شيمبوريسكا الاعتیادية ... ولم تنل اية جائزة عالمية رغم ابداعاتها ... ومثال آخر علی دور النقد السياسي او العنصري هو فوز رواية ــ الارض الطيبة ــ للروائية الامريكية / الصينية (بيرل باك ) بجائزة نوبل وهي رواية اعتيادية في حين ان روايات الشهيد غسان الكنفاني وحنا مينا وعبدالرحمن منيف وجبرا ابراهيم جبرا والطيب صالح والروائي التركي الكردي يشار كمال والروائي السوري الكوردي سليم بركات والروائي الايراني الراحل صادق هدايت كاتب رواية (البومة العمياء) الرائعة ورواية (موبي ديك) الرائعة جدا جدا للروائي هرمان ملفل اكثر عمقا وابداعا من رواية ــ بیرل باك المذكورة بمقياس تجاربي الخاصة لقراءة الروايات. وفي راي ان السبب الوحيد لمنح جائزة نوبل لرواية ــ دكتور زيفاغو ــ هو عداء كاتب الرواية الروسي ــ باسترناك ــ للنظام الشيوعي السائد آنذاك في روسيا السوفيتية. وفوز الشاعر الهندي طاغور بجائزة نوبل له أسباب سياسية ودينية ولا اود الدخول في التفاصيل .. وبروز الروائي سلمان رشدي من قبل الأوساط النقدية يرجع الی عداء سلمان رشدي المسلم للإسلام والتراث الإسلامي ومقدساته . وأتعجب كيف حصل الشاعر الايطالي (روفائیل البيرتي ) علی جائزة نوبل فبمقارنته بالشاعر التركي الكبير ناظم حكمت ان روفائيل البيرتي يعتبرشاعرا اعتاديا فكيف فاز هو بالجائزة ولم يفز بها ناظم حكمت اذن تستطيع ان نقول ان النقد له دور رئيسي هام في ابراز بعض الاعمال الادبية وان لم تكن في المستوی الإبداعي المطلوب وذلك لأسباب سیاسية او ربما دينية او عنصرية او جغرافية او مذهبية.
في استطاعة النقد أيضا ان يزيح عن الأنظار كثيرا من الإعمال الأدبية الإبداعية للأسباب المذكورة آنفا .
فانا اعتبر نفسي قارئا جادا التهم الكتب التهاما منذ صباي كما يلتهم الجائع اقراص الخبز الحار ولا يعجبني كثير من الروايات والدواوين الشعرية والمجاميع القصصية التي يصفها بعض النقاد بالعالمية.

تعجبني احيانا كثيرة اعمال شعرية وقصصية وروائية لم يصنفها النقد الادبي ضمن الاعمال الابداعية واكتشف فيها جوانب ابداعية تصلها للعالمية ومع ذلك لم يتطرق اليها النقد باية صورة من الصور . ولا بد ان اقول انني راض عن الكثير من الدراسات النقدیة التي ناولت اعمالي الشعرية من قبل نقاد وادباء كبار لهم مكانتهم البارزة في الادب العراقي والكوردي والفارسي ... ونالت دواويني الشعرية وقصائدي واعمالي الشعرية والقصصية المكتوبة للأطفال كثيرا من الشهادات التقديرية ... والجوائز المحلية ... وكثيرا من شهادات الدكتوراه والماجستير في جامعات إقليم كردستان وبغداد وتبريز وسنندج في الجمهورية الاسلامية الايرانية ... وفزت بجائزة ــ آبيك ــ الادبية الكردية السويدية .. عن اعمالي القصصية الشعرية المكتوبة خصيصا للأطفال لمختلف الأعمار .
ان النقد البناء ساهم كثيرا لترجمة عدد غير قليل من مجاميعي الشعرية وقصائدي المكتوبة للكبار وقصصي المكتوبة للأطفال الی اللغة الفارسية وغيرها من اللغات وترجمت روايتي الوحيدة المسماة ــ زوجات شيخ محمود الجنيات ــ الی الفارسية مرتين الاولی من قبل الشاعرة الكوردية الايرانية سارا قوبادی والمرة الثانية من قبل الشاعر الكوردي الايراني المعروف فرياد شیري وهي رواية غرائبية كتب عنها عدد من نقاد الكورد في اقليم كوردستان و ايران وصنفوها في قائمة الروايات الحداثوية ووصفها الناقد الكوردي الايراني ـــ محمد بوور ـــ قائلا رغم بعض آرائي الخاصة حول محتوی الرواية اقول بانها رواية تمتاز باسلوب تجريبي رائع نادر ولا نظير لاسلوبها في عالم الرواية الكوردية حتی الآن.
كلمتي الأخيرة حول النقد ودوره الايجابي والسلبي أقول ان كثيرا من الشعراء والروائيين وكتاب القصة القصيرة الأوربيين ليسوا كبارا بالحجم الذي قدمهم ويقدمهم الناقد الغربي للقارئ الشرقي ... كنت في صباي و طوال سنوات شبابي اؤمن بما يقوله نقاد الغرب حول شعرائهم وكتابهم وإبداعاتهم ولكني الآن لي مقاييسي الجمالية الخاصة للتحكيم بمستوی اي نص أدبي اقرٱه ومن المحال تصديقهم كسنوات صباي وشبابي.

الإنتاج الأدبي يسير بصورة متوازية مع الحريات وخاصة الحرية السياسية لانها تعكس الواقع اَي ان غياب الحريات الأساسية في المجتمع يؤدي الى انحسار وهزالة الإنتاج الأدبي ما رائيكم بهذه المقولة وهل يمكن مقارنة الإنتاج الأدبي إبان الحقبة البعثية و ما انتج بعد ٢٠٠٣ ؟

فكما تنمو كثيرا من الورود والأعشاب والأزهار الزاهية في ثنايا الصخور وعلی المنحدرات الجبلية الصلدة وحتی احيانا في ثقوب بعض الاقفال المزنجرة (الصدئة)هكذا تولد الإبداعات الأدبية والفنية في أحلك وأصعب الظروف وتحت الرقابات الشديدة التي تفرضها الأنظمة الدكتاتورية وكذلك في العهود المفعمة بالحرية المطلقة ايضا ... وكمثال علی ذلك كتابات الروائي دستويفسكي وروايته الشهيرة ــ ذكريات من بيوت الموتی ــ التي كتبها في اظلم العهود وأقساها وهو يعاني آلام سجون سيبريا القاسية.
كما كتب الشاعر الكوردي الكبير عبدالله گوران اجمل قصائده المدججة بالابداع في العهد الملكي الذي كان الاستعمار البريطاني يسود البلاد ويحكمها بالحديد والنار وكتب الشاعر الكردي الكبير المبدع الملا خضر الملقب بــ : ـــ نالي ـــ بعض قصائده الشهيرة في أحلك الظروف التي كانت تعيشها كوردستان في ظلال الامبراطورية العثمانية.
وكتب الشاعر بوشكين واوسيب مندلشتام وتولستوي وغوغول وبونين روائعهم الشعرية والقصصية والروائية رغم الرقابة المشددة في العهود التي عاصروها.
وفي فلسطين المحتلة والمحاطة بالاستبداد الصهيوني ولد شعر المقاومة وكان شعر المقاومة العربية كقصائد فدوی طوقان ومحمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد وسالم جبران وعزالدين المناصرة وغيرهم من الشعراء في فلسطين المحتلة اشد فتكا بالكيان الصهيوني من ازير البنادق ونيران المدافع وخطابات ملوك ورؤساء العرب آنذاك كما اعترف في حينه احد قادة الصهاينة
وهناك اعمال ابداعية يستحيل تعدادها ولدت في ظروف سادت فيها حريات مطلقة ... وبالنسبة للادب الكوردي في حقبة العهد المباد وفي فترة يمكن حصرها بكل دقة في : ( 1970 والی 1990 ) شهد الأدب الكوردي بصورة عامة والشعر الكوردي بصورة خاصة تطورا ابداعيا كبيرا ربما لامثيل له في تٱريخ الادب الكوردي .. فازداد قراء الكتب الكوردية وكان الاكراد الساكنين في بغداد والمثقفین الكورد المنفيين في بغداد وجنوب العراق وطلاب الكورد الدارسين في جامعات ومعاهد بغداد وجنوب العراق من هواة قراءة الكتب الكوردية يزورون القسم الكوردي من المجمع العلمي العراقي ودار الثقافة الكوردية ببغداد وجمعية الثقافة الكوردية في بغداد للحصول علی الكتب والمجلات الكوردية التي كانت تطبعها تلك المؤسسات الثقافية الكوردية باعداد وافرة ... كنت آنذاك أطبع حوالي الفين او ثلاثة آلاف او اربعة آلاف او سبعة آلاف من دواويني الشعرية وتنفذ اعدادها المطبوعة في مدة شهر او شهرين او ربما اقل .
كان هناك مكتبات كمكتبة مكنزي في شارع الرشيد ببغداد مخصصة لبيع الكتب الكوردية وكان المثقفون الكورد يقتنون تلك الكتب مهما كانت أثمانها ناهضة ... وكانت كل المكتبات البغدادية تفتح صدورها وترحب باستلام الكتب الكوردية وبيعها ... وفي كركوك وسليمانية واربيل ودهوك كان القاريء الكوردي يرتاد كل المكتبات ليقتني كل الكتب الصادرة آنذاك ويقراها بلهفة واشتياق .... واتذكر ان لهفة القاريء الكوردي للقراءة بلغت الی درجة تهشمت الزجاجات الأمامية لاحدی المكتبات وذلك لشدة ازدحام هواة المطالعة امامها للحصول علی احدی الصحف الكوردية التي انا قلت فيها ان حركة جماعة روانكه بيضة فاسدة لم تفقس اي شيء وكانت حركة روانكة حركة ادبية تدعو للحداثوية ... فكلما ازداد النظام الدكتاتوري بطشا كلما ازداد المثقف الكوردي حبا للكتاب والمتابعات الثقافية . وكان للشعراء الكورد صداقات ثقافية واخوية متينة مع عدد غيرقليل من الشعراء والأدباء العراقيين العرب والتركمان والمسيحيين.




من دواعي فخري ان الدكتور حاتم الصكر كتب عدة دراسات هامة عن قصائدي ومستواها الابداعي آنذاك وكتب في ذلك العهد اقلام اخری عراقية عربية مبدعة وبارزة دراسات عميقة عن قصائدي بصورة خاصة وعن الادب الكوردي وادباء وشعراء آخرون بصورة عامة لامجال هنا لذكر اسمائهم ولكني اقدم لهم شدات ورود اعتزازي وافتخاري بكتاباتهم تلك في تلك الظروف السوداء والاخص لاخي الكاتب والمترجم المسيحي بنيامين يوخنا دانيال الذي قام بترجمة مجموعة من قصائدي الی اللغة العربية في تلك الحقبة السوداء .. ولا زال مستمرا في ترجمة قصائدي ونشرها في مختلف الصحف العربية وفي فيس بوكه الخاص.

ان العقدين الذين ذكرتهما كانا عقدين مفعمين بالابداع وحب الادب والهيام بالكتب الكوردية واقامة الندوات والمهرجانات الثقافية رغم الارهاب السائد فيهما وخاصة بعد فشل المفاوضات بين النظام العراقي وقيادة الثورة الكوردية .. ورغم اشتداد الإرهاب اكثر فاكثر بعد اخماد نار الثورة بعد المعاهدة العراقية الايرانية التي عقدت في الجزائر في عهد الرئیس الجزائري بومدين العام 1975 قدم الشعر الكوردي نماذجا رائعة مدججة بالخصائص الإبداعية من القصائد والدواوين المكتوبة باللغة الكوردية ... ولا زالت العملية الإبداعية مستمرة في الشعر والرواية والقصة والفنون التشكيلية الكوردية واني متفائل تجاه الحركة الابداعية رغم قلة او ندرة او عدم اهتمام المؤسسات الثقافية الحكومية والرسمية بالمبدعين والاعمال الابداعية في اقليم كوردستان ... وذلك لان الابداع عمل فردي ولا علاقة له بالمساندات الحكومية والحزبية فكل الحكومات والدكتاتوريات والأنظمة العادلة والفاسدة لاتستطيع ابدا خنق اي مبدع حقيقي ..... او خلق اي مبدع من لاشيء.


اللغة الأدبية يتعدى الضوابط القواعدية الى لغة الشاعر المفهوم من لدن الجميع. الكتابة الأدبية السردية السلسة تصل للمتلقي بصورة اسرع والنصوص الجأفة تحتاج في احيانا الى مفسرين وحتى علماء وخبراء في اللغة . كيف ترى عملية إيصال النص للعامة؟



باعتقادي ان اللغة الموحدة او اللغة العليا المسماة بلغة (الستاندارد) ليست لغة جاهزة بل هي لغة خاصة يخلقها الشاعر او الكاتب المبدع داخل اللغة التي يكتب بها ... فلكل شعب لغة وكل لغة تتكون من الكلمات ولكل كلمة معناها الخاص ودلالاتها الخاصة ... فكلمة المنجل في جميع لغات العالم تدل علی آلة للحصاد ... وكلمة قلم تدل علی آلة للكتابة وكلمة البندقية تدل علی آلة للقتل والحرب ... فالشاعر او القاص او الروائي المبدع هو الذي يخلق اللغة الموحدة او اللغة العليا من ادوات اللغة التي يكتب بها عبر نصه الابداعي المتميز.

كل يوم يصطاد حلما
وكل يوم يدفن جثة دمعة في مقابر الضباب:
قلبي

كتب دانتي الكوميديا الالهية بلغة محلية دارجة باسلوب مميز فحول اللغة الدارجة الی لغة موحدة في انحاء ايطاليا ... وروايات الروائي الطيب صالح مليء باللغة السودانية الدارجة ولكن الطيب صالح استطاع باسلوبه الابداعي المتميز ان ان يخلق لغته الكتابية العليا رغم تعامله مع الكثير من مفردات اللغة الشعبية السودانية ... وكتب الشاعر الكوردي الكبير احمدي خاني رائعته المسماة : بــ ــ مم و زين ــ بلغة مدينته باسلوب مبدع فحول لغة مدينته الی لغة موحدة يكتب بها جميع الكورد في كوردستان توركيا وبعض مناطق كوردستان العراق وايران .. .
براي لكل كاتب وشاعر مبدع لغة خاصة به و داخل كل لغة قومية لاي امة توجد لغات بعدد كتابها وشعرائها المبدعين ... فبالنسبة للشعر الكوردي المكتوب باللغة الصورانية ان لغة الشاعر القومي الكبير حاجي قادري كویی لها مميزات لاتتشابه مع لغة الشاعر الغنائي الكبير طاهر بيك الجاف ولغة الشاعر الكورد اثیري لها مميزات تميزها عن لغة الشاعر الكوردي الشيخ رضا الطالباني ...
وفي الشعر الكوردي المكتوب باللغة البهدينانية لكل شاعر اسلوبه الخاص وبتمايز اسلوبه الإبداعي يخلق اللغة الموحدة داخل لغتها القومية .. وهكذا ان لغة المتنبي ليست لغة ابي نواس بكل حذافيرها فلكل منهما اسلوبهما الخاص لخلق اللغة العليا داخل اللغة التي يوظف كلماتها للكتابة ..... ولغة ادونيس تختلف عن لغة بدر شاكر السياب نوعا ما.
ولغة محمود البريكان هي غير لغة محمد الماغوط ولغة احمد عبد المعطي الحجازي تختلف عن لغة عبدالوهاب البياتي و لغة محمد مفتاح الفيتوري تختلف عن لغة امل دنقل ولغة محمد شكري ليست بلغة محمد زفزاف طبق الاصل والخ ... فاللغة العليا ليست لغة جاهزة بل هي لغة يخلقها المبدع باساليبه الابداعية المتميزة . واستطاع الشعراء الكورد الناطقين باللهجة الهورامية وفي مقدمتهم الشاعر الكوردي عبدالرحيم المولوي وبيساراني وصيدي الهورامي وخاناي قوبادي استطاعوا ان يجعلوا من تلك اللهجة لغة ادبية دامت الكتابة بها منذ اكثر من قرن وحتی الآن وهي لهجة كوردية تتكلم بها مناطق واسعة وشاسعة من كوردستان العراق وكوردستان ايران .

القارئ الذكي بفطرته ينحاز الی قراءة الأعمال الإبداعية وهي مكتوبة بأسلوب السهل الممتنع الذي يعجز عن كتابتها الآخرون الهائمون بالكتابات العكرة المعقدة المكتظة بالشفرات والألغاز اللغوية والدلالات الغامضة التي تحتاج الی تفاسير وتوضيحات كثيرة .. وذلك لانهم عاجزون عن خلق لغة موحدة لكتاباتهم داخل اللغة التي يكتبون بها واقول مرة اخری ان اللغة الموحدة ليست بلغة جاهزة وليس بمقدور كل شاعر واديب الكتابة بها بل اللغة الموحدة هي لغة يخلقها المبدع من أدوات لغته التي يتكلم بها و هناك لغات موحدة لكل قومية بعدد شعرائها وكتابها المبدعين ... والاهم لدي هو الإبداع وليست اللغة او اللهجة التي نكتب بها.


إقليم كوردستان يعيش حركة أدبية وتنشر الكتب وتقام المهرجانات الثقافية ومعارض الكتب لكن الشباب لا يزالون ملتفون حول اجهزة الكومپيوتر والتلفون الخلوي يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي مبتعدين عن الكتاب. كيف ترون مستقبل الكتاب في عالم الكومبيوتر والمعلوماتية؟ وماذا ننتظر في المستقبل من انتاج لشاعرنا لطيف هلمت؟

لقلة هواة المطالعة والمتابعات الثقافية هناک ا سباب سياسية واسباب مادية واسباب لايمكن تسميتها مثل هجرة عشرات الالوف من الشباب او اكثر الی خارج اقليم كوردستان للبحث عن لقمة العيش او الهروب منك بطش دول الجوار او استنكارا للفساد الاداري والاقتصادي والسياسي السائد في اقليم كوردستان بصورة خاصة وعموم المنطقة بصورة عامة.

فهناك بطالة ولاتوجد اعمال مهنية او وظيفية رسمية وغير رسمية تضمن حياة سعيدة للكل وهناك نعرات حزبية وقبلية وطائفية ونزاعات داخلية وهذه الأسباب لاتدع مجالا كافيا لهواة الكتب للمطالعة والمتابعات الثقافية ... وخلق اجواء ملائمة للتبادل الثقافي بين مكونات مجتمعاتنا وهذه المعوقات لا تشجع دور النشر ان تنشر مجموعات كبيرة من الكتب باعداد كثيرة ... فالوضع الاقتصادي المتدني بصورة عامة هو السبب الرئيسي لنفور هواة الكتب من المتابعات الثقافية والفنية وشراء الكتب ....
اتذكر اني كنت في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كنت اطبع من كل كتاب الفين او ثلاثة آلاف او اربعة آلاف نسخة او سبعة آلاف نسخة وتنفذ جميع الاعداد في غضون شهر او ثلاثة اشهر وكان هواة الكتب يسجلون اسمائهم مسبقا لدی احدی المكتبات ويستلمون وصلا من المكتبة كضمان للحصول علی الكتاب ويدفعون ثمنه مسبقا وكان اصحاب بعض المكتبات يدفعون قبل طبع الكتاب مسبقا نصف ثمن الاعداد التي يريدونها من اي كتاب ... اتذكر كان صاحب مكتبة السليمانية في مدينة السليمانية وصاحب مكتبة ــ آسو ــ كاك جبار آسو في كركوك وبعض اصحاب مكتبات هولير كانوا يدفعون مقدما اثمان الاعداد التي يطلبونها من كتبي قبل صدورها من المطبعة.
الآن رغم كل المعوقات انا متفائل تجاه الكتاب الكوردي والثقافة الكوردية والقاريء الكوردي فرغم قلة هواة المطالعة وعشاق الكتب بالنسبة للماضي لا زالت توجد مجموعات غير قليلة من القراء وهواة الكتب والمطالعة نفتخر بهم ويفتخرون بكتاباتنا وهناك جسور تواصل ثقافية وادبية بينهم وبيننا ... وهناك قراء مبدعون لهم ذائقة ادبية وثقافية عالية وراقية يميزون بفطرتهم القرائية بين الذهب والنحاس بطرفة عين ... وربما هذه النكسة الثقافية الصعبة واتصورها نكسة وقتية شائعة في بلدان اخری ايضا ولكن بنسب متفاوتة ربما للاقليم فيها حصة الاسد .

في ختام لقائنا هذا نتمنى لشاعرنا دوام الصحة والعافية والإنتاج الوفير والى لقاءات اخرى في المستقبل باذن الله.
* الترجمة للعربية لأبيات الشعر من الكوردية: الاستاذ المرحوم سعدي المالح (1951-2001
بقية الأشعار من ترجمة الشاعر.
لا تظهر الصور في موقع الحوار المتمدن

.أجرى الحوار: د. توفيق رفيق التونجي



#توفيق_التونجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعد الاجتماعي في أشعار الشاعرة مرام المصري
- حكاية التفاح و الكمثر ي
- العدو والعدوانية في السلوك البشري
- يوم في حياة الشعب العراقي، الفاتح من تموز
- حوار مع الاستاذ سعدي احمد عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني ...
- المنفى والشعر مع الشاعرة باهره عبد اللطيف
- ايام مهرجان الشعر الثاني في مدينة يونشوبنك السويدية
- اخر الملائكة يحلق في سماء كركوك القرمزيه , الاديب فاضل العزا ...
- الموروث الثقافي والهوية الثقافية والبيئية لابناء مدينة كركوك
- اللغة وكتابتها بين الدولة القومية والوطنية
- كركوك و اللغة الثقافية
- فن الكاريكاتير والصراع مع السلطة. لقاء مع الرسام علي درويش
- بين بغداد وطبيعة السويد الخلابة-لقاء مع الرسام عدنان عمر
- المخرجة انعام عبد المجيد والفلم السينمائي القصير -شروق- 17 د ...
- التامل للوصول الى اليقين والتوحد مولانا جلال الدين الرومي
- التمثيل وسيلة للتكامل في المجتمعات الاوربية لقاء مع الفنان ط ...
- السياسة الثقافية بين هيمنة الفكر الحزبي والفكر المؤسساتي


المزيد.....




- توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف ...
- كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟ ...
- شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي ...
- رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس ...
- أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما ...
- فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن ...
- بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل ...
- “حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال ...
- جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
- التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!


المزيد.....

- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - توفيق التونجي - الشاعر لطيف هلمت، طيف القلب النابض بين هموم الناس والمسارات السياسية