أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تميم منصور - مذكرات معلم سابق - يوم الاستقلال















المزيد.....

مذكرات معلم سابق - يوم الاستقلال


تميم منصور

الحوار المتمدن-العدد: 7592 - 2023 / 4 / 25 - 13:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


استغلت المؤسسات الأمنية والمدنية الحاكمة في إسرائيل حالات الهلع والخوف والتشرذم والفقر, التي عانى منها المواطنون العرب داخل الخط الأخضر بسبب النكبة فحاولت كسر شوكتهم وإذلالهم ومصادرة أراضيهم واحتواء انتمائهم وهويتهم بواسطة الإرهاب والملاحقة والضغط النفسي والانفصال عن ذاتهم وشعبهم. ومن أجل تنفيذ هذه السياسة, التي وضع خطوطها حزب مباي (العمل حالياً) استخدمت المؤسسة الحاكمة آليات عديدة، ومن بينها استغلال المدارس العربية, باعتبارها المؤسسات العربية الوحيدة القائمة فوق أرض الواقع المتواجدة داخل المؤسسات الحاكمة القادرة على عجنها وطبخها وتجسيمها كما تشاء .
وقد استخدم هذا الجهاز المفتشين من المواطنين العرب, والعديد من مدراء المدارس والمعلمين, أدوات ومادة من الصمغ لإلصاق المواطن العربي بجسم الدولة وإقناعه بمصداقية قيامها ، حتى لو كان الأمر على حساب المليون فلسطيني الذين شردوا من وطنهم والخمسمائة قرية التي دمرت.
وحمل القائمون على جهاز التفتيش استخدام المدارس العربية فرشاة لتلميع وجه إسرائيل البشع الأسود، مستغلين براءة الطلاب والفراغ الذي يعانون منه وهشاشة نسيج مجتمع المعلمين العرب من أجل الأسرلة والاندماجية, دون أي اعتبار للثوابت القومية وحقوق المواطنين العرب المدنية وهويتهم الوطنية. وقد آمنوا أن ربط المدارس بعجلة الأسرلة سيكون الباب الذي تدخل منه الجماهير العربية إلى هذه المتاهات ، والحارس الذي سوف يصادر انتماءهم إلى وطنهم وشعبهم الفلسطيني. ومارسوا الضغط على المدارس العربية وسلطاتها المحلية لإحياء الاحتفال بيوم الاستقلال، بإقامة الاحتفالات والمهرجانات والمعارض الفنية المزيفة الكاذبة التي تعكس تطور الوسط العربي غير المتطور.
وقبل انتهاء الفصل الأول من كل سنة دراسية كانت تصل توصيات وأوامر, لا تراجع عنها ولا نقاش فيها, من مدير المعارف العربية - إذا جازت التسمية - إلى المدارس, ضمن منشور خاص يتحدث عن تصوره وطريقة الاحتفالات في يوم الاستقلال من كل عام. وكان ذلك المنشور يسقط على رؤوس المدراء كما يسقط النيزك الملتهب ، ما إن يصل إلى أيديهم حتى ترتعش فرائصهم وتتوتر أعصابهم ، فلا خيار أمامهم إلا الطاعة لإخراج وإنتاج وتحقيق كل ما ورد في المنشور ، كما كان عليهم المشاركة بالاحتفالات المحلية والقطرية . وكانت المدارس العربية وسلطاتها المحلية تتحمل أكثر من طاقتها ، حيث يتحول المسؤولون فيها إلى شبه مرتزقة تحركهم أيادي الحكم العسكري وزيارات المفتشين.
لقد اتبع المفتشون أساليب كثيرة لإثارة روح التنافس بين المدارس، ليس في مستوى التحصيل العلمي بل في التفنن وبذل كافة الجهود في الاحتفالات الخاصة بيوم الاستقلال - النكبة - وخصص هذا الجهاز الجوائز الفارغة من كل مضمون للمدارس التي أبدعت بالاحتفالات. وكانت بعض المدارس تصدر مجلات خاصة في هذه المناسبة تكون مليئة بالكذب والنفاق والانهزام والقصائد العصماء، عدا عن تزيين الصفوف والساحات وإقامة المسابقات الرياضية، ومن الطبيعي أن لا تختلف خامات مدراء المدارس في كفر قاسم عن غيرهم من المدراء في المدارس العربية، مع وجود بعض التفاوت . وكان معظم مدراء المدارس العربية يعانون من الانفصام في الشخصية. الحقيقة المركزية التي يمارس فيها المدير حياته من خلالها في البيت والشارع والمقهى. وهي لا تختلف في مواقعها الوطنية وصدق الانتماء عن أي مواطن عادي ، وربما تفوق. أما الظل الثاني الذي يحجب الشخصية الطبيعية المذكورة, فهو نابع من كابوس وزارة المعارف. إذ كانت هذه الوزارة تلزم كل مدير مدرسة أن يكون جزءاً من هذا الجهاز بكل مقاييسه السلبية والايجابية ، وكان على المدير إطاعة الأوامر خاصة التي لها علاقة بيوم الاستقلال - يوم النكبة - .
كان موقف المدراء في مدارس كفر قاسم حرجا, حيث تتضاعف الحساسية قياسا لبقية المدارس العربية ، لأنهم يعيشون داخل جرح المجزرة الذي ينزف ، وبين وجود مجموعة كبيرة من المعلمين اليهود من أصل عراقي, منهم من زرعته المخابرات عينا على زملائه وطلابه وأهالي القرية عامة. ورغم فشلهم بالتدريس كانوا دائما يقظين سبّاقين إلى رفع رايات الاستعداد للاحتفال بيوم الاستقلال، مع أنهم كانوا عاجزين عن القيام بأي عمل بأنفسهم، وكانوا يثيرون الزوابع والعواصف ولا يعملون شيئاً..!!
يحضرني اليوم كيف وصل منشور وزارة المعارف الخاص بيوم الاستقلال الخامس والعشرين – النكبة – إلى المدارس العربية, مع بداية شهر تشرين أول سنة 1973. كان عدد صفحاته مضاعفا, ومحشوا بالأوامر والتعليمات والمطالب. لم يتأخر مدير المدرسة في عقد اجتماع طارئ لإعداد جدول خاص بيوم الاستقلال. ولأول مرة عقدت الهيئة التدريسية اجتماعاً مطولاً على حساب الدوام التدريسي.
قرأ مدير المدرسة بعض المواد التي وردت في ذلك المنشور وكانت جميعها تصب في مستنقع واحد، وذكر بلغة تهديد ووعيد ان وزارة المعارف لن تتهادن ولن تتهاون مع أي معلم يتقاعس عن القيام بواجبه تمجيداً لمناسبة يوم الاستقلال. وأضاف ان وزارة المعارف على استعداد لتغطية كل ما يطلبه المعلمون لإنجاح هذه المناسبة الهامة، المهم ان تكون الاستعدادات كاملة معبرة والاحتفالات غنية وحافلة في النشاطات والابداع كمّاً وكيفاً.
دهش المعلمون من هذا التوقيت المبكر ونظر كل منهم بوجه الآخر، خاصة بعد أن ذكر المدير برامج الاحتفالات والمعارض المحلية والقطرية والمهرجانات الرياضية. شعرنا كأننا سقطنا في حفرة معتمة، علينا أن نعيش بداء الانفصام في الشخصية. أما المعلمون اليهود العراقيون فقد انسجموا مع تعليمات وزارة المعارف، وعبّروا عن فرحتهم من خلال نشاط دب فجأة في أوصالهم الباردة. وعبّر أحدهم عن فرحته لمدير المدرسة قائلاً:
- أنت تتكلم زين يا استاذ... بلى احنا مستعدين من اليوم نبدأ بالشغل الوقت قدامنا مو طويل، كلش رايح يكون زين عيني..!
بعد أن انهى ذلك المعلم كلامه المليء بموسيقى الحماس والاستيقاظ والابتعاد عن جحور العجز التي كان نائماً فيها طوال الوقت، شعرت أن منسوب الاحتقان قد تضاعف في صدري ولم أعد احتمل الاستمرار في لعب دور المستمع فقط. سألت مدير المدرسة:
- متى يحل موعد يوم الاستقلال (النكبة) الذي تتحدث عنه؟ يعني في أي تاريخ يا استاذ؟
أجاب المدير: العيد سيحل اليوم الخامس من شهر أيار. قلت له: يعني في السنة القادمة ونحن ما زلنا في الأسبوع الأول من شهر تشرين الاول، فلماذا هذا الاستعجال والالحاح؟؟! اليس الوقت مبكراً أيها الاساتذة؟! امامنا اكثر من ستة أشهر على الأقل..!!
واكملت حديثي بسؤال آخر: لماذا لا يطلب من المدارس اليهودية كما يطلب من المدارس العربية في هذه المناسبة؟ انهم أحق منا بهذا اليوم..!! وكنت اخص بهذه الكلمات المعلمين اليهود، بعد ان شعرت أن هذه المناسبة كالجمرات الحارقة من الصعب المشي فوقها.
انتابني بعد هذه المداخلة القصيرة احساس بأنني تخلصت من جزء صغير من ترسبات وشحنات احتقاني، لكنها لم تكن كافية وما تبقى منها كان كالزفير الخانق، أطلقته وقمت من مكاني تاركاً غرفة المعلمين لهؤلاء العراقيين الذين بدأوا يخططون ويرسمون لليوم الهام.
كان ذلك حال معظم المعلمين العرب الذين اختاروا هذا الدرب لا رغبة فيه بل رهبة من الاذلال والبطالة والجوع ، كان خيارهم الصمت والمدارة يعني بلغة الواقع التنازل والصمت والنفاق للطرف المعتدي الذي بنى صروح دولته فوق جماجم شعب آخر ، كما فعلت البربرية والمغولية عندما أقامت امبراطورياتها .
من كتاب ( مذكرات معلم ) تميم منصور



#تميم_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صفحات مطوية من التاريخ
- موسم التين في الفلكلور الفلسطيني
- ايدينا في النار دائماً
- رسائل صهيونية لم تصل الى اصحابها
- صفقة الاسلحة التي غيرت ميزان القوى عام 1948
- كيف حاولت الأحزاب الصهيونية أسرلة المواطنين العرب
- المعنى التاريخي الصهيونية
- هس ... الشعوب العربية نائمة
- لا تتم حماية أهل السنة بالعمالة الامريكية
- نتنياهو وحزامه الأسود
- سلام بدون سلام (2) الأخيرة
- سلام بدون سلام
- لماذا أغفل العرب دور العراق في حرب تشرين 1973 - 4 -
- لماذا أغفل العرب دور العراق في حرب تشرين 1973 - 3 -
- لماا أغفل العرب دور العراق في حرب تشرين عام 1973 ( 2)
- لماذا أغفل العرب ور العراق في حرب تشرين 1973
- لا يوجد للسياسة مقياس ، يوجد مصالح
- السنة التي امتدت سنوات طويلة - 3 - الاخيرة
- قانون جديد يضاف الى كومة قوانين العنصرية
- السنة التي امتدت سنوات طويلة


المزيد.....




- فعل فاضح لطباخ بأطباق الطعام يثير صدمة بأمريكا.. وهاتفه يكشف ...
- كلفته 35 مليار دولار.. حاكم دبي يكشف عن تصميم مبنى المسافرين ...
- السعودية.. 6 وزراء عرب يبحثون في الرياض -الحرب الإسرائيلية ف ...
- هل يهدد حراك الجامعات الأمريكية علاقات إسرائيل مع واشنطن في ...
- السودان يدعو مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة الاثنين لبحث -عدوان ...
- شاهد: قصف روسي لميكولايف بطائرات مسيرة يُلحق أضرارا بفندقين ...
- عباس: أخشى أن تتجه إسرائيل بعد غزة إلى الضفة الغربية لترحيل ...
- بيسكوف: الذعر ينتاب الجيش الأوكراني وعلينا المواصلة بنفس الو ...
- تركيا.. إصابة شخص بشجار مسلح في مركز تجاري
- وزير الخارجية البحريني يزور دمشق اليوم للمرة الأولى منذ اندل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تميم منصور - مذكرات معلم سابق - يوم الاستقلال