أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين الناشئ - القيم الجمالية وحوافز الأبداع في فنون الحداثة















المزيد.....

القيم الجمالية وحوافز الأبداع في فنون الحداثة


تحسين الناشئ

الحوار المتمدن-العدد: 7555 - 2023 / 3 / 19 - 09:44
المحور: الادب والفن
    


لم تنتظم العملية الأبداعية في يوم من الأيام بمعزل عن الفكر البشري الفعال والمتجدد، ولا يتأتى لعملية الأبداع النضوج الكامل من غير اشراقة ذلك الوهج الكامن في أعماق الفنان والمرتبط باستنهاض الشعور واِعمال الحدس (Intuition)ومن ثم تلقائية التعبير. فعملية الخلق الفني عملية شعورية متسقة واعية يحكمها التأثر والتفاعل والأستجابة لفاعلية الحدث، ويدعمها تنامي وارتقاء الأحساس بما هو قائم من قيم جمالية متجددة. كما ان قدرة الفنان على الأبداع ترتبط لاشك بقدرته على الأستنتاج ((conclusion، الأستنتاج الذي يرتبط بالحدس كما يرى كروتشيه Croce دون استبطان قيمة الفعل الجمالي الموصوف للصور الكامنة في الذهن. فوجود الأشكال Figures)) كصور مرئية مدركة لها قدرتها وخصائصها الفاعلة في التحريض على استخلاص طاقاتها الحسية والبصرية هو ضرورة بغض النظر عن ماهيتها المجردة، ومن هنا تأتي أهمية توظيفها كعناصر داعمة في البناء العام للمنجز الفني الحداثوي.

في مراحل عديدة من مسيرة الفن التشكيلي، ثمة نتاجات كثيرة تم صياغتها بجهد ابداعي فذ، بقيت قادرة على طرح نفسها وفرض خصائصها وأطرها الفنية العالية بتواتر مستمر وبجدارة بين مرحلة وأخرى من مراحل تأريخ الفن، فمثل تلك النتاجات كانت قادرة على الدوام على فرض حضورها وتأثيراتها الحسية البصرية على المتلقي أينما كان وأي كانت هويته، وذلك يعود الى ماتتضمنه من عناصر فاعلة عميقة في مدياتها وما تحويه وتختزنه من مزايا مدهشة لا تتقبل الأستهلاك، وبسبب امتلاكها قدرا مقبولا من الوضوح clarity)) فبدت سريعة القبول عند جميع الثقافات.
يحسب بعض علماء الجمال المحدثون الفن في شكله العام على انه تعبير عن شعور (Expression of feeling) قبل ان يكون تعبير عن أفكار.. فالحقائق قادرة على فرض وجودها دون الحاجة للأشارة اليها، وبطبيعة الحال لا يمكن للفنان اقامة صلة حقيقية وتواصل معرفي أدائي اِلا مع الصور والمفردات والمشاهد والأحداث القادرة على اثارته حسيا وجماليا ووجدانيا، أي ماتتقبله روحه وعقله وذائقته منها، وهي اللحظة التي ينعطف فيها للتعبير عن كل ذلك بشكل ما من اشكال الخلق الفني وسياقاته. أما الى أي مدى يمكن ان يصل عمق ذلك التعبير، أي التناغم والأنغماس الحسي المباشر بين الفنان ومفرداته، فهنا تكمن المسألة.

في أزمان سابقة كانت كل الأحتمالات قائمة فيما يخص عملية الخلق الفني اِلا ماهو منافِ للذوق فيرفضه الذوق وماهو منافِ للعقل فيرفضه العقل او ماهو منافِ للجمال فيرفضه البصر، غير ان تلك السياقات تساقطت كلها مع الزمن بفعل تنامي القيم الجمالية والأختلاف في طبيعة النظرة الى الأشياء وتبعا للتفسير المعاصر لجوهر الأداء الفني وصيرورته المهارية. ففي واقعنا المعاصر تلاشت جميع المحددات والقيود ولم يعد هناك مايربك فطرة الفنان او يحد من تلقائيته وانطلاق افكاره ومشاعره ورؤاه. ومع هذا بقي من الضروري للفن ان يسعى الى خلق نوع من التوازن في استجابة حواس المشاهد جميعها للنتاج الفني دون تعطيل اِحداها أو شلها. هذا إضافة الى ضرورة مخاطبة هذه الحواس والتأثير عليها قبل مخاطبة العقل والتأثير عليه، ففي هذه النواحي يكمن الشعور النفسي والجمالي بالمرئيات، فالفن أولا وقبل كل شيء ممارسة شعورية واعية وفعل ارادي راق من شأنه بعث الصور التي يتم التفاعل معها بصريا ووجدانيا بنمط جديد. وبالنتيجة فان قدرة المشاهد (المتلقي) على تلمس خصائص النتاج الفني وتذوقه والتفاعل معه هو الأمر المعول عليه.
لاشك ان بعض النتاجات الفنية تقتفي أثر محيطها زمن الأنجاز فتكون مرهونة بالأطار العام لعصرها، ففاعليتها وعمق سطوتها مرتبط بزمنها، زمن وجودها (إنجازها) بفعل خضوعها لكل معطيات واسقاطات ذلك الزمن الذي يطبعها بطابعه ونمط ثقافته واسقاطاته الجمالية وقيمه المجتمعية... الخ، وان لم يكن هذا الأمر حتميا في جميع الأحوال. فعمل فني (مهما كانت طبيعته) مؤثر في فئة من الناس قد لا يؤثر في فئة أخرى، وان نتاجا ابداعيا مقبولا عند ثقافة معينة، ليس بالضرورة ان يكون مقبولا لدى ثقافة اخرى... لهذا السبب تأفل أعمال عديدة (يضعف تأثيرها في المشاهد) في أوانها وتزول.

ان الحجاب (الغموض) الذي تلقيه على نفسها بعض انجازات التشكيل المعاصر لا يشكل بطبيعة الحال سرا من أسرارها ولا يمثل نمطا من دعامات القوة والنضج فيها، انما هو في أحيان كثيرة اعلان عن عدم فاعليتها مع الواقع. فكيف يمكن للعمل الفني ان يكون مؤثرا في الوقت الذي يكون فيه معقدا وغامضا؟ ان التعقيد Complexity)) يقضي على واحدة من أهم مزايا العملية الأبداعية وهي البساطة (Simplicity)، ومن ثم الوضوح والقدرة على التأثير الأيجابي، فالتعقيد والغموض من شأنهما ان يوسعا الهوة بين نتاج الفنان والجمهور، في الوقت الذي يستلزم فيه حث المتذوق (المشاهد) على التمسك بلذة المتابعة عن طريق الصور المبتكرة سلسة المنحى. واذا كان الأبتكار (في الشكل والأسلوب) داعيا من أهم دواعي واصول الحداثة، فانه يشكل مؤشرا مهما لقدرة الفنان على الخلق والأبداع والتجديد.

تبدو وقائع واحداث العالم المرئية في عيني الفنان على هيئة متوالية مستمرة من الصور المتتابعة تتشكل أمام بصره أينما اتجه دونما انقطاع، او انها أشبه بسرب من الأفكار تم بعثرتها في أرجاء هذا العالم وما عليه اِلا اقتناص تلك الومضات المشبعة بنبض الحقيقة والتي يرى فيها أسرارا فاعلة محفزة للوجود، مناسبة لأحساساته ومشاعره وذوقه، حينذاك يسعى الى طرحها (التعبير عنها) بوسائله العملية. ولعل من الضرورة ان يكون لتلك الوقائع صلة ما بحياته واِرثه الثقافي او اِنها على اقل تقدير تشكل جزءا مهما من ذاته، غير ان المهم في المسألة هو مدى تأثيرها ووقعها على روحه وفكره ومستوى استجابته أو ردة فعله تجاهها لكي تكون محرضة له بشكل يضمن له قبولها كثيمة فاعلة تستحق ان تكون مادة مناسبة لمنجزه الفني.

وعموما يرى الفنان في الصور المُشكّله أمامه معانٍ أخرى غير المعاني التي تتضمنها في الحقيقة، وان جوهر الحقيقة في رأيه لا يكمن بما يراه أمامه في الواقع انما مايتشكل من تكوينات في ماوراء الصور، فالعالم الحقيقي في نظر الفنان ليس هو بالضرورة مانراه ونعيشه، بل هو العالم الذي يتشكل في مخيلته والذي يصل اليه عن طريق تحليل كل مايمكن كشفه من وراء الصور المرئية المدركة. هكذا يرى الفنان العالم، لذلك تبدو بعض الأعمال الفنية المعاصرة وكأنها نقيض للعالم الذي نعيشه، بسبب ما تتضمنه من غرائبية او تشويه للشكل او اختزال عميق او تحليق خارج المألوف. ان اكثر الفنانين سلوكا لهذا النهج هم أتباع الحركات الحداثوية الثورية المثيرة التي حققت فاعلية كبيرة في الفن المعاصر.



#تحسين_الناشئ (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأبتكار والتجريب في الفنون المعاصرة
- كلمات في حضن جدار
- جورنيكا - رائعة بيكاسو الخالدة
- الزقورات - المعابد الرافدينية المدرجة
- التناول الحر للُقى والآثار والرموز - مديات توظيفها كعناصر جم ...
- طبيعة الإرث الفني لحضارات وادي الرافدين - رصانة المنجز وقوة ...
- القيم الجمالية وحوافز الأبداع في الفن التشكيلي المعاصر
- جماليات العمارة الإسلامية في العصر العباسي - المدرسة المستنص ...
- فن الكرافيك والفنون الطباعية المعاصرة
- على ارض الوطن - حكاية
- لا للتمييز العنصري ضد الأقلية السوداء في العراق - الجزء الثا ...
- الحقوق المنسية لذوي البشرة السوداء في العراق - (الجزء الثاني ...
- الأقلية السوداء في العراق وحقوق الأنسان
- تطور المنجز الفني وضرورته لدى الحضارات العراقية القديمة
- جماليات العمارة الأسلامية في العصر العباسي - المئذنة الملوية ...
- الفن التشكيلي العراقي المعاصر - اسباب التقدم وسمات النضج وال ...
- حركة الأوب آرت - الفن البَصَري
- نينوى تبكي تاريخها المجيد


المزيد.....




- تكريم الأديبة سناء الشّعلان في عجلون، وافتتاحها لمعرض تشكيلي ...
- ميريل ستريب تعود بجزءٍ ثانٍ من فيلم -Devil Wears Prada-
- ستيفن سبيلبرغ الطفل الذي رفض أن ينكسر وصنع أحلام العالم بالس ...
- أشباح الرقابة في سوريا.. شهادات عن مقص أدمى الثقافة وهجّر ال ...
- “ثبت الآن بأعلى جودة” تردد قناة الفجر الجزائرية الناقلة لمسل ...
- الإعلان عن قائمة الـ18 -القائمة الطويلة- لجائزة كتارا للرواي ...
- حارس ذاكرة عمّان منذ عقود..من هو الثمانيني الذي فتح بيوته لل ...
- الرسم في اليوميات.. شوق إلى إنسان ما قبل الكتابة
- التحديات التي تواجه الهويات الثقافية والدينية في المنطقة
- الذاكرة السينما في رحاب السينما تظاهرة سينما في سيدي بلعباس


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين الناشئ - القيم الجمالية وحوافز الأبداع في فنون الحداثة