أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين الناشئ - تطور المنجز الفني وضرورته لدى الحضارات العراقية القديمة















المزيد.....

تطور المنجز الفني وضرورته لدى الحضارات العراقية القديمة


تحسين الناشئ

الحوار المتمدن-العدد: 4907 - 2015 / 8 / 25 - 05:16
المحور: الادب والفن
    


تحيلنا الاثار الغزيرة التي خلفتها الحضارات الرافدينية القديمة نحو وجهة خاصة يمكن ان يشكل الفن ابرز ملامحها واوسع اُطرها ، فمعظم الاثار والنفائس التي وصلتنا هي في حقيقتها نتاجات فنية تشير الى اهتمام واضح وشديد بالفن في شتى صوره ، بل يبدو ان الفن (الممارسة الفنية) كان بمثابة الوسيلة الأولى لتوثيق الاحداث والطريقة المثلى للترميز والتشخيص والتعبير عن كل مايحيط بالانسان انذاك من صور واحداث بما فيها تمثيل رموزه الروحية وادوات طقوسه الدينية ومايتصل بعباداته ومعتقداته ، اضافة الى كل مايمت بصلة بمتطلبات حياته الدنيوية ومجرياتها . فالانسان الرافديني القديم حقق صلة وثيقة بين منجزه الفني وبين شؤونه الحياتية وماتتطلبه من تواصل فكري ومنهجي ، فلم يكن الفن معيارا لقدرات عملية فحسب بل كان دليلا على نهضة فكرية متواصلة وتطورا في الرؤى وتقدما في وسائل العمل .

وماتحقق على صعيد المنجز الفني المتقدم يمكن تتبعه بوضوح من خلال الاشارات العبقرية الاولى التي انطلقت من ارض سومر ، فالحضارة السومرية التي تعتبر بحق اولى الحضارات الانسانية واعظمها ، كانت مثالا لامعا للعصور التاريخية الزاخرة بالمنجزات والاكتشافات التي حققها الانسان خلال التاريخ القديم ، فهذه الحضارة استطاعت ان تقدم اِرثا فنيا وفكريا وعلميا فريدا عبّر عن ارادة واعية وفكر خلاق . فهناك على ارض سومر خُطّت الصفحات الاولى من التاريخ وفيها وضع الانسان اولى خطواته في مسيرة التحضر والنهوض فمهد بذلك لعصور لاحقة زاهرة . واذا استهلينا بحثنا اليوم في تتبع الارث الفني للشعب السومري سنلاحظ بوضوح ومن خلال النتاجات الغزيرة الباقية من ذلك العهد، ان السومريين قد تمكنوا من ترك بصمتهم الابداعية العميقة وحققوا انجازات متفردة على صعيد الفن ، لازال العالم يُشير اليها بالاعجاب حتى بعد مضي آلاف السنين على انجازها .

لقد تمكن الفنان السومري من بسط هيمنته على المواد الخام ، بما فيها الخامات الصعبة والنادرة كالذهب او الاحجار شديدة الصلابة، واستطاع ان يوظفها توظيفا صحيحا في اعمال فنية متقنة متقدمة المستوى سواء في مجال النحت المجسم او البارز او في مجال صناعة الحلي والادوات الطقسية والملكية . كذلك على صعيد فن الخزف (الفخار) كان السومريون سباقين في ممارسة هذا النوع من الفن وكان اهتمامهم فيه كبيرا ، فابتكروا له طرقا واساليبا ذكية وتمكنوا من الارتقاء به الى مراحل تثير الدهشة ، لقد تمكن السومريون ومنذ السلالات الاولى لحضارتهم ، من التعامل مع مادة الصلصال ومع الاكاسيد والالوان والادوات المستخدمة تعاملا ذكيا اظهر قدرتهم على العمل بتوازن واتقان ، وامام غزارة ما أنتجه السومريون من اعمال الفخار سواء على صعيد النماذج النحتية المفخورة او على صعيد الادوات والاواني فان ذلك يُظهر براعتهم وسيطرتهم التامة على صناعة الخزف ، وان هذا الفن بدأ مرحلة جديدة على ايديهم بعد ان مر طويلا بعصور اخرى عرفته كعصر العبيد وحلف وجمدة نصر. وفي مجمل ما أنتجته العصور السومرية من اعمال الفخار يتوضح بشكل جلي مهارة السومريين في التشكيل والتعبير والقدرة على التنويع والافلات من الرتابة والتكرار .

لقد تميزت منحوتات العصر السومري بالدقة الشديدة خصوصا في ما يخص الاختام الاسطوانية وبعض نماذج النحت البارز ، فقد تضمنت الاختام مصورات معقدة من الاشكال المتشابكة الحيوانية والآدمية او من الكتابات الصورية ، كذلك تضمنت مشاهدا طقسية او اسطورية ، وقد حفرت تلك الموضوعات والاشكال على انواع مختلفة من الحجارة الصلبة ، منها الاحجار الكريمة كالعقيق الذي استخدم بغزارة وهو من الاحجار شديدة الصلابة . ويمكن مشاهدة آيات نادرة ودقيقة من تلك النماذج من ضمن ماتم العثور عليه في مقبرة اور الملكية . كما عرف السومريون ايضا القولبة (استخدام القوالب) لصنع نماذج نحتية مكررة بطريقة الشمع الضائع ، وصنعوا من خلالها نماذج بالغة الروعة .

ان اعمال النحت المجسمة والبارزة والاختام الاسطوانية والمسلات والرقم الطينية المختلفة التي حفلت بها مدن سومر تدفعنا وبقوة الى الانبهار بالمنجز القديم ، لأسباب عدة ، منها .. هيبة الماضي ، رصانة العمل الفني واحكام صياغته ، القدرة الواضحة على تمثيل الواقع ، البساطة ، العفوية ... الخ . الا ان قيمة تلك الاعمال ابرزتها جوانب عدة ، منها الكيفيات التي قامت عليها والوسائل المحققة لها والتي طبعت جوانبها المظهرية بطابع خاص غير مألوف ، ومن ثم اكسبتها مواصفاتها الفنية المتقدمة وصياغاتها الرصينة ودلالاتها العميقة قدرة متنامية على بسط هيبتها واستظهار كفاءتها كأعمال فنية متجددة تدعو الى التأمل الدائم والى الاشادة بالقدرات التي انجزتها ، خصوصا وانها نتاج زمن بعيد .

من جهة اخرى احتفظ فنانو العصر الاكدي بالكثير من الاشكال والتقاليد التي ورثوها عن اسلافهم السومريين ، الا ان الامر لم يتوقف عند هذا الحد ، فقد حقق النحات الاكدي تقدما كبيرا في المهارة وفي السيطرة التامة على وسائل العمل والخامات وخصوصا الاحجار التي انتج منها اعمالا مدهشة من النحت المجسم والبارز . والمعروف ان الاكديين احدثوا ثورة في فن النحت المجسم خلال عصرهم الزاهر . فلأول مرة في تاريخ النحت العراقي القديم أُنجزت تماثيل تقترب في مقاساتها من الحجم الطبيعي للجسم البشري ، واخذت نسب الاشكال والتفاصيل تقترب من الواقع ، كما اظهر الفنان الاكدي مهارة منقطعة النظير في المعالجة الفكرية والتعبير ، فاستطاع ان يمنح اشكاله مديات واسعة من التأثير في المشاهد .

ولم يكن الفن الاكدي محصورا ضمن افق المحاكاة والتسجيل فحسب بل تعداه الى ماهو ابعد من ذلك ، فاتسمت بعض النتاجات بالتحرر وبالانعتاق من سلطة الواقع ، واستطاع الفنان الاكدي في مراحل لاحقة ان يخضع مفرداته لمسارات منهجه ورؤيته الذاتية وفي حدود وعيه ومقدرته في بناء الشكل والسيطرة عليه . كما يضاف الى مزايا الفن الاكدي العديدة ما يمكن ملاحظته من جمال الخطوط ومرونتها وطابعها الرصين ، يتجلى ذلك بشكل واضح في اعمال النحت البارز (الرليف) الذي اقترب بعضها من المثالية .

ان الاطلاع على نماذج الفنون الاكدية الرائعة والمثيرة ، يبين بوضوح مدى النضج الفكري والفني الذي بلغه الشعب الاكدي ، فخلال مراحل تلك الحضارة التي ظلت قائمة على مدى قرنين من الزمن تمكن الفنان الاكدي ان يمنح منجزاته الفنية ثراء ابداعيا هاما وان يجعلها اكثر فاعلية على استدراج العواطف مع التركيز على واقعية الشكل والمضمون ، على عكس ماكان عليه منهج السومريين ، لهذا كانت هوية الفن الاكدي واضحة اقترنت بنماذج ذات بنية اسلوبية واحدة استطاع على ضوئها ان يؤسس منهجا آخر للفن الرافديني ، منهج فيه الكثير من الخصائص والسمات الرفيعة التي تدعو الى التأثر والاستلهام .

ولم تكن وريثتها – الحضارة البابلية – بأقل شانا من ذلك ، فقد قدمت بابل وعلى مدى قرون من الزمن دررا من فنونها الرفيعة المتنوعة التي اصبحت شواهدا بارزة لنبوغ ابناء تلك الحضارة الفريدة ورموزا لعظمتها ورقيها . لقد اتصف الفن البابلي بخصوصية واضحة وتميز بكونه فنا سلسا متجددا ومتحررا من التأثيرات السابقة ، كما اظهر الفنان البابلي قابلية كبيرة في التوليف بين المواد الخام الموظفة في العمل الفني ، وكوّن البابليون اسلوبا متميزا خاصا بهم بعيدا عن التاثيرات السومرية والاكدية ، فلم يقع تحت تأثير فنون الحضارات التي سبقته فأستقل بطابعه وهويته الخاصة .

لقد كان الفن البابلي اكثر قربا الى الواقعية واعمق ميلا الى البساطة والرمزية ، ويمكن تلمس تلك المزايا من خلال تتبع الاثار العديدة التي خلفها البابليون . وما يميز الفن البابلي (على صعيد الرسم والخزف والنحت البارز والمدور) انه اصبح جزءا مهما ومكملا للعمارة البابلية ذائعة الصيت التي تميزت بجوانب ابداعية وجمالية بالغة الروعة ، والتي بلغت اعلى مراتب النضج والتطور خلال العصور البابلية القديمة والحديثة فاحتلت موقعها المميز بين فنون العمارة في العالم القديم . وخير مثال في هذا الجانب هو بوابة عشتار الشهيرة والجنائن المعلقة ، اضافة الى القصور العديدة الفخمة لملوك بابل وحكامها .

اما الفنان الاشوري فقد اختط لنفسه نهجا آخر واسلوبا خاصا ايضا هو ثمرة المزج والتأثر بفنون اسلافه التي صهرها في بودقة واحدة ليستخلص منها فنه الرفيع الذي عبر عن فكر ثاقب واحساس مرهف ومهارة عالية . وماتركته الحضارة الاشورية من منجزات فنية ثرية في مدياتها الفكرية والجمالية يؤكد عمق المستوى الابداعي لأبناء هذه الحضارة ومدى تواصلهم مع الحياة وسعيهم لتوثيق جوانبها العديدة لتكون تلك الاعمال شاهدا على عصر زاهر في جميع جوانبه . الفن الاشوري استطاع ان يمد تقاليده الى ازمان لاحقة ويؤثر بقوة في فنون قديمة جاءت بعده كالفنون الفارسية واليونانية وغيرها . لقد اظهر الفنان الاشوري مقدرة واضحة في بعث الحركة الايحائية للاشكال وفي اضفاء طابع المرونة في الخطوط والتكوينات والعناصر ، وفي تنويع الموضوعات- وان كان الغالب فيها مشاهد الصيد والحرب والغزوات – كما اثبت الاشوريون مهارة في تصوير الانفعالات على الاشكال ، وفي هذا الجانب يمكن ملاحظة اللوح الشهير من النحت البارز الذي يمثل مشهد (اللبوة الجريحة) ، هذا على سبيل المثال لا الحصر .

ان الدراماتيكية في الايديولوجية الفنية للمضمون كانت واحدة من اهم المبادئ التقليدية للفن الاشوري . ولعل اعظم انجازات الاشوريين واهمها هو ادراكهم الاهمية الفنية للتكوين المصور وايثارها على التطور الاسلوبي للشخوص الفردية ومن ثم نجحوا في صياغة اعمال متقدمة المستوى متينة البناء بأستخدامهم عناصر متعددة ضمن قواعد محددة ، ويبدو لنا من خلال ماأنتجه الاشوريون من روائع انهم يمارسون عملهم ضمن تنسيق رصين متكامل .

لقد تمكنت تلك النماذج الفنية الفريدة القديمة ان تبلور نفسها ضمن افق خاص لتتمكن من الولوج الى عالمنا الحاضر بكل عنفوانها لتكون فاعلة من جديد في مدياتها الواسعة ، كأرث عميق له شأنه في بعث روح الاجتهاد والعمل الخلاق لدى الفنان المعاصر الذي لم يتمكن من الانعتاق من تأثيراته الجمالية والفكرية القوية عليه ، فكان مستلهما لكل منطلقات وخصائص تلك الفنون ، وكانت تلك الفنون وذلك الارث الحضاري الثمين ملهما له على الدوام .



#تحسين_الناشئ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جماليات العمارة الأسلامية في العصر العباسي - المئذنة الملوية ...
- الفن التشكيلي العراقي المعاصر - اسباب التقدم وسمات النضج وال ...
- حركة الأوب آرت - الفن البَصَري
- نينوى تبكي تاريخها المجيد


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين الناشئ - تطور المنجز الفني وضرورته لدى الحضارات العراقية القديمة