أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - عن مخاطر التبعية الاقتصادية والاجتماعية – عبر التحليل السياسي والرقمي - في بلدان الوطن العربي















المزيد.....


عن مخاطر التبعية الاقتصادية والاجتماعية – عبر التحليل السياسي والرقمي - في بلدان الوطن العربي


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 7535 - 2023 / 2 / 27 - 10:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




إن مظاهر التراجع أو الانهيار التي أصابت المكونات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا العربية، لم يكن ممكناً لها أن تنتشر بهذه الصورة، بدون تعمق المصالح الطبقية الأنانية للشرائح الاجتماعية البيروقراطية والكومبرادور التي كرست مظاهر التخلف عموماً والتبعية خصوصاً في هذه البلدان بما يضمن تلك المصالح.
وقد كان طبيعياً في ضوء هذه المعطيات التي تؤكد على تعمق مظاهر التخلف والتبعية واحتجاز التطور، أن تتكرس ثقافة الاستهلاك أو التبعية الثقافية بصورة مشوهة في بلدان وطننا العربي، عبر استيراد أنماط الاستهلاك الرأسمالية بأنواعها، والتبدلات النوعية السالبة في القيم لحساب التقليد الباهت للثقافة الغربية، بحيث بات الطريق ممهداً في بلادنا العربية لانتشار وتعمق التبعية بالمعنى السيكولوجي تتويجاً لكل تراكمات الأشكال السابقة، وهذه التبعية هي الأكثر خطورة في الحاضر والمستقبل، لأن تكريس هذا الشكل – السيكولوجي، في الأوساط الشعبية العربية، سيجعل من كل مفاهيم التحرر والنهضة والديمقراطية والتنمية كائنات غريبة مُشَوِّهة للشخصية الوطنية والقومية العربية، إضافة لتأثير التيارات اليمينية بمختلف اطيافها العلمانية والميتافيزيقية الرجعية، والقوى الليبرالية الرثة، من خلال طروحاتها التي انتشرت في أوساط الجماهير الشعبية عموماً والطبقة العاملة العربية والجماهير العفوية الفقيرة خصوصاً، بديلاً لمشروع التطور والنهوض الديمقراطي والتقدم والعدالة الاجتماعية. فبالرغم من ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي العربي إلى 2.43 تريليون دولار عام 2020، إلا أن قسماً كبيراً من هذا الناتج، لم يوظف في تطوير البنية التحتية والمستشفيات والمدارس والجامعات والتقدم العلمي ومشاريع الرعاية الاجتماعية ودعم السلع الغذائية للفقراء من ناحية، وفي تطوير الصناعات التحويلية العربية وتطوير الإنتاجية الزراعية والتوسع في الأراضي الزراعية من ناحية ثانية، حيث بقيت القطاعات الاقتصادية الخدماتية والاستهلاكية ومظاهر الفساد والمحسوبيات وتراكم الثروات غير المشروعة، ومظاهر الإنفاق الباذخة الكمالية والتفاخرية، هي السائدة في البلدان العربية، وخاصة النفطية منها، السعودية والخليج عموماً، كما استمر إيداع أو توظيف أموال النفط خارج البلدان العربية، وفق شروط رأس المال المالي الأمريكي والغربي علاوة على شروطه السياسية، حيث تقدر الأموال المودعة أو الموظفة في الخارج بما يزيد عن تريليون دولار متراكمة منذ أكثر من ثلاثة عقود إلى يومنا هذا، في مقابل تزايد حالة التدهور الاقتصادي وتراجع عناصر النمو والتنمية، وتزايد مظاهر الإفقار والبطالة في البلدان غير النفطية التي تضم 78% من مجموع السكان في الوطن العربي، وخاصة مصر التي وصل عدد سكانها نهاية العام 2022 الى ما يقرب من 102 مليون نسمة، وتعرضت، بعد سقوط مبارك فبراير 2011 عموماً وسقوط محمد مرسي والإخوان المسلمين 30/يونيو/2013 خصوصاً، إلى العديد من الضغوطات الاقتصادية، المحلية والإقليمية والعالمية، حيث نلاحظ تزايد مظاهر الفقر والبطالة، حيث بلغ عدد العاطلين عن العمل 17.3 مليون عام 2020 نسبة 12.7% من إجمالي قوة العمل العربية البالغ 136 مليون نسمة، وقد سجلت سورية والسودان وفلسطين والأردن أعلى معدلات البطالة في الدول العربية (تتراوح بين 20% في سورية والسودان - 40% في فلسطين، حسب العدد 41 من التقرير الاقتصادي العربي الموحد الصادر عام 2021)، وارتفاع حجم الديون الداخلية والخارجية التي وصلت إلى ما يقرب من 395 مليار$، علماً بأن إجمالي الناتج المحلي المصري لعام 2020 بلغ (363) مليار دولار، أما الديون الداخلية والخارجية في السودان فقد بلغت 74 مليار $، في حين أن الناتج الإجمالي 38.6 مليار $، بالنسبة لتونس بلغ الدين الإجمالي46.7 مليار $، وناتجها الإجمالي 39.2 مليار $، وبلغت ديون المغرب الاجمالية حوالي 100.9 مليار $ عام 2020، علما بأن ناتجه الإجمالي 363 مليار$، وفي الأردن بلغت ديونه الاجمالية 37.3 مليار $ مقابل ناتج محلي مقداره 43.7 مليار $، وبلغت ديون لبنان حوالي 93 مليار$ عام 2020 وناتجه الإجمالي حوالي 53 مليار $، أما إجمالي الديون العربية فقد بلغت عام 2020 حوالي 752 مليار $، حسب التقرير الاقتصادي العربي المشار إليه أعلاه.
في دويلات النفط، بلغ الناتج المحلي للسعودية عام 2019 (792) مليار دولار، وعدد سكانها (28) مليون نسمة فقط! أما الناتج الإجمالي للإمارات فقد بلع عام 2019 421 مليار $، وقطر حوالي 175 مليار $، والكويت 136 مليار $، وهذه الدويلات الغنية لا تكتفي بعدم تقديم أية مساعدات تنموية أو دعم حقيقي لمصر أو فلسطين أو سوريا فحسب، بل تعمل أن تتولى صدارة وقيادة المشهد العربي الراهن – بصورة مباشرة وغير مباشرة - إلى جانب دورها في إضعاف وتفكيك سوريا واليمن وليبيا، علاوة على تشجيع هذه البلدان للصراعات الدينية والطائفية وفق توجهات السيد الأمريكي، الأمر الذي يؤكد على صحة قولنا، بأن هناك تحالفاً موضوعياً بين احتكار السلطة عبر الشرائح الطبقية الكومبرادورية واحتكار الحقيقة عبر النظام المستبد أو الأنظمة الرجعية، فهما يكملان بعضهما البعض.
أهم مؤشرات التراجع الاقتصادي على الصعيد العربي:
1. استمرار تراجع القطاع الصناعي في مجمل الصناعات التحويلية العربية بسبب هيمنة الأسواق الرأسمالية على الأسواق العربية، رغم الامكانات العربية المتوفرة للتطور الصناعي، لكن الكومبرادور العربي لا يجد مصالحه سوى في استمرار خضوعه وعمالته للنظام الرأسمالي العالمي.
2. تراجع مساهمة قطاع الزراعة في الناتج العربي عام 2019إلى 5.8% حسب التقرير الاقتصادي العربي، وهذا يعني استمرار تراكم عوامل العجز في توفير مقومات الاكتفاء الذاتي الغذائي العربي، فالمعروف أن الطلب على الغذاء ينمو بمعدل 6% سنوياً، في حين أن الإنتاج لا تزيد نسبة نموه عن 2 - 3% فقط، فقد تزايدت الفجوة الغذائية العربية من 29 مليار دولار عام 2010 إلى 33.6 مليار دولار عام 2019، والمفارقة هنا أنه في ظل هذا العجز وما رافقه من بطالة وإفقار، فقد قامت الدول العربية، النفطية منها خصوصا، باستيراد أسلحة ومعدات عسكرية بلغت قيمتها –حسب العديد من المصادر- 3 تريليون دولار خلال العقود الثلاث الماضية، بما في ذلك 480 مليار دولار عن صفقة أسلحة تم تقديمها إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته شهر حزيران 2017 للسعودية! وهي أسلحة ومعدات لم تستعمل قط .
3. التدني الشديد في معدلات الاكتفاء الذاتي العربي، حيث انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي – حسب التقرير الاقتصادي 2021- من الحبوب إلى 37% والسكر المكرر إلى 45% والزيوت النباتية إلى 51% بالإضافة إلى العجز في اللحوم 23.5% والبقوليات 35% والأرز 38% ، رغم وجود مساحات هائلة من الأراضي الصالحة للزراعة في السودان والجزائر والعراق ما زالت دون أي اهتمام اقتصادي أو تنموي، فقد بلغت مساحة الأراضي الصالحة للزراعة والمتروكة دون استغلال عام 2019 حوالي 197 مليون هكتار، في حين قدرت المساحة المستغلة بنحو 75 مليون هكتار أي بنسبة 38.1% من مساحة الأراضي الزراعية الصالحة للزراعة ما يعني أن المناطق الريفية في جميع البلدان العربية من المناطق الأكثر إهمالاً، رغم أن سكان الريف في الدول العربية عام 2019، بلغ عددهم حسب التقرير المشار اليه 88.8 مليون نسمة، وبلغ عدد العاملين في القطاع الزراعي 26.1 مليون نسمة، يعيشون في أوضاع شديدة الفقر والبؤس.
يتضح مما تقدم، تزايد الاعتماد العربي في تأمين المواد الغذائية الأساسية على الغرب ووفق شروط منظمة التجارة الدولية، رغم توفر الأراضي الزراعية لتأمين احتياجات المواطن العربي.
وفي هذا الجانب نورد مثالاً على هزال النظام العربي: في السودان حوالي 650 مليون دونم صالحة للزراعة لا يزرع فيها سوى 30 مليون فقط، ممكن أن نزرع القصب والقمح والشعير والذرة والحبوب والفواكه ونكتفي ذاتياً في كل بلدان العرب ... لكن؟!
وبالتالي الحديث عن التنمية-مع استمرار أوضاعنا على ما هي عليه- نوع من الوهم إن لم يكن تجسيدا للانتهازية السياسية لدى المنتفعين من الغرب والأنظمة العربية عموماً، ومثقفي الأنظمة ممن روجوا لليبرالية الجديدة خصوصا، مع ملاحظة تزايد أوضاع التخلف وتجديده وإعادة إنتاجه على كافة المستويات الاقتصادية والمجتمعية عموماً والتركيز على الخرافات والأوهام الغيبية في أوساط الجماهير العفوية الفقيرة.
إن السمة الغالبة للنظام العربي الراهن، هي الارتهان للنظام الرأسمالي في شكله المعولم الراهن، أو استمرار عملية التكيف السلبي على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والعلمي... الخ، وما يعنيه من تعمق التبعية بكل أنواعها (التجارية والمالية والنقدية والسياسية والثقافية والنفسية).
4. الميــاه: الوطن العربي هو الأفقر في المياه بالمقارنة مع دول العالم الأخرى، إذ يبلغ المعدل السنوي لنصيب الفرد من المياه حوالي 814 متر مكعب سنوياً، بالمقارنة مع 7 آلاف متر مكعب للفرد على المستوى العالمي. وتواجه بعض الدول العربية وضع الفقر المائي الخطير، إذ لا يتجاوز معدل نصيب الفرد فيها 500 متر مكعب سنوياً، كما هو حال قطاع غزة، علاوة على المخاطر الناجمة ضد شعبنا العربي المصري في محاولة لتعطيشه، عبر حرمانه من حصصه التاريخية والدولية من مياه النيل، بسبب تآمر التحالف الأمريكي الصهيوني وقيامه بدعم النظام الأثيوبي العميل لبناء سد النهضة.
أما الصورة المستقبلية فهي أشد حدة، إذ يقدر أن ينخفض معدل نصيب الفرد السنوي إلى 400 متر مكعب (بدلاً من 814 م3 حالياً) وستصبح (13) دولة تحت خط الفقر المائي، يضاف إلى ذلك أن الدول العربية مهددة بتناقص في كمية المياه التي ترد إليها من الخارج، والتي تمثل حوالي 50% من المياه المتاحة، وذلك مثل المياه الواردة عبر نهر النيل ونهري دجله والفرات.
وتقدر الموارد المائية في الوطن العربي بحوالي 350 مليار متر مكعب، يستخدم منها حوالي 245 مليار م2 (70% من الموارد المتاحة) ويحظى الري بالنصيب الأكبر من تلك الموارد، حيث يستحوذ على 85% منها، يليه الاستخدامات المنزلية 9% ثم الاستخدامات الصناعية 6%..
5. تزايد مظاهر التخلف التي كرست القطعية مع مفهوم "الاستثمار في رأس المال البشري"، فلا تعليم جامعي وفق منهجية علمية معاصرة، تسعى إلى امتلاك علوم التكنولوجيا الحديثة وفق الرؤى العقلانية الديمقراطية، ولا كفاءة في التخطيط والهندسة والإدارة لدى قوة العمل العربية التي ظلت متخلفة، وهذه إشكالية أو مفارقة كبرى تتجلى في توفر الثروات المالية من ناحية وافتقارنا للثروات البشرية من ناحية ثانية، فبالرغم من أن العرب ينتجون الفوائض المالية، والغرب الرأسمالي ينتج العجز والأزمات، إلا أن تبعية وارتهان عرب النفط أو دويلات الصحراء للغرب ستحول دون استفادة شعوبنا من ثرواتها، وإبقاء تطورنا محتجزاً ومتخلفاً.
6. تراكم مظاهر التخلف التي لم تؤثر سلباً على القطاعات الإنتاجية – الزراعة والمياه بشكل خاص – فحسب، وإنما امتد تأثيرها على الجامعات ومؤسسات التطور والبحث العلمي التي لم تعمل جدياً على تأسيس منظومة قومية للعلوم والتكنولوجيا الحديثة وتكنولوجيا المعلومات، بالرغم من توفر الخبرات والإمكانات اللازمة لهذه المنظومة، حيث تشير البيانات إلى ضعف وهشاشة مخصصات البحث العلمي التي لا تزيد عن نصف بالمائة أو ما يعادل 12 مليار دولار من أصل إجمالي الناتج المحلي العربي لعام 2020، البالغ 2.4 تريليون دولار، في حين أن هذه النسبة تزيد في دولة العدو الصهيوني عن 3% أو ما يعادل 11.1 مليار دولار من الناتج الإجمالي الإسرائيلي الذي يقدر بحوالي 380 مليار دولار في نهاية 2021.
وفي هذا الجانب، نشير إلى الحجم الهائل للتخلف العلمي والتكنولوجي لدى المجتمعات العربية، ارتباطاً بسياسات أنظمتها ومصالح الطبقات الحاكمة فيها، ويتجسد هذا التخلف بصورة فاقعة في مجال البحث العلمي والجامعات الأكاديمية العربية، حيث نلاحظ أن الجامعات الإسرائيلية، حظيت في الأعوام الأخيرة بمراكز متقدمة على المستوى العالمي حسب التصنيفات الدولية، وخاصة الجامعة العبرية التي احتلت المركز 64 على مستوى العالم، بينما لم يرد ذكر أي من الجامعات العربية في الخمسمائة جامعة الأولى، وأن هنالك تسعة علماء اسرائيليين حازوا على جوائز نوبل، بينما حاز العرب على 6 جوائز، ثلاثة منها بدوافع سياسية.
7. انخفاض –وهشاشة- حجم التجارة البينية العربية، بحيث لم تتجاوز نسبة 8.3% طوال الأعوام السابقة، وهذا يعني دليلاً فاضحاً على حجم سيطرة الكومبرادور العربي على الاقتصاد العربي! (في هذا الجانب نشير إلى أن حجم التجارة البينية في الاتحاد الأوروبي وصل إلى 85% من إجمالي التجارة الأوروبية) .
8. تزايد الفجوة في متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي العربي، حيث يبلغ متوسط دخل الفرد (حسب التقرير الاقتصادي العربي الصادر عام 2021) حوالي 58634 دولار، أما على مستوى الدخل للفرد في كل بلد عربي، فهناك فجوة هائلة بين هذه المستويات، حيث يبلغ دخل الفرد رغم انخفاض أسعار النفط عالمياً، 53250$ سنويا في قطر والإمارات 40900 $ وفي الكويت 22838 $ والبحرين 23560 $ والسعودية 21050$ وعُمان 14750 $ وليبيا، بسبب تفكك النظام، 2266 $ فقط (كان 9600 $ عام 2012)، والأردن 4050 $ والجزائر 3505$ وتونس 3401 $ واليمن 681$ ثم لبنان 2744 $، في حين بلغ في فلسطين أقل من 2000 $ في قطاع غزة و3000 $ في الضفة الغربية وفي مصر 3606 $ وفي السودان 869 $، ما يعني اتساع الفقر والفقر المدقع في العديد من البدان غير النفطية العربية.
9- في ضوء إلغاء الحدود الجمركية وفتح الأسواق –خلال العقود الثلاثة الماضية- تعرضت الصناعات الوطنية العربية – إلى انهيار شبه شامل، نتيجة إغراق السوق المحلي العربي بالسلع والمنتجات الاجنبية في ظل غياب القدرة على المنافسة.
10- تراجع القوة التصديرية العربية – ما عدا النفط – في مقابل تنامي القوة التصديرية لكل من تركيا وإسرائيل، نتيجة التراجع والركود السياسي/ الاقتصادي العربي، وليس نتيجة لغياب الامكانيات العربية .
11- فشل كافة مشاريع التكامل الاقتصادي العربي، وهي مشاريع تم إقرارها على الورق منذ عام 1950، قرار إنشاء المجلس الاقتصادي العربي، واتفاقية التجارة والترانزيت عام 1953، واتفاقية الوحدة الاقتصادية عام 1957 واتفاقية الصندوق العربي للإنماء عام 1967، وصولاً إلى مصادقة 18 دولة عربية على اتفاقية منظمة التجارة العربية الحرة عام 1997 وما تلاها من اتفاقيات شكلية في إطار الجامعة العربية طوال الفترة منذ عام 2000 إلى نهاية عام 2022، دون تفعيل حقيقي، بل مزيد من التراجع والانهيارات.
وفي هذا السياق لا بد أن نشير إلى النفط العربي بما له من تأثير رئيسي على ما نحن فيه من تبعية وتخلف وخضوع، فقد كان النفط – وما زال – محوراً رئيسياً للمنافسة والصراع بين أقطاب النظام الرأسمالي، الأمر الذي أدى إلى سيطرة التحالف الامبريالي المعولم على النفط العربي .
أخيراً، لعل في هذه المؤشرات ما يستدعي المزيد من الوعي بالأزمة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتشخيصها، للتأكد من علاقة الترابط بين العولمة والتبعية والتخلف التي تحكم وتهيمن وتحتجز التطور العربي، وصولاً إلى صيغة البديل القومي النهضوي العلماني الديمقراطي العربي كطريق وحيد للخلاص من كل هذه القيود.
إن مخاطر هذا النمط المشوه من العلاقات الاقتصادية تنعكس بالضرورة على العلاقات الاجتماعية العربية بما يعمق الأزمة الاجتماعية واتساعها الأفقي والعامودي معاً، خاصة مع استشراء تراكم الثروات غير المشروعة، وأشكال "الثراء السريع" كنتيجة مباشرة لسياسات الانفتاح والخصخصة ، والهبوط بالثوابت السياسية والاجتماعية الوطنية، التي وفرت مقومات ازدهار اقتصاد المحاسيب وأهل الثقة، القائم على الصفقات والرشوة والعمولات بأنواعها، حيث يتحول الفرد العادي الفقير إلى مليونير في زمن قياسي (وهي ظاهرة لاحظناها في قطاع غزة مع تطور تجارة التهريب عبر الانفاق)، وهذه الظاهرة شكلت بدورها المدخل الرئيسي لتضخم ظاهرة الفساد بكل أنواعه في السياسة والاقتصاد والإدارة والعلاقات الاجتماعية الداخلية، بحيث تصبح الوسائل غير المشروعة، هي القاعدة في التعامل ضمن إطار أهل الثقة أو المحاسيب، بعيداً عن أهل الكفاءة والخبرة ، ودونما أي اعتبار هام للقانون العام والمصالح الوطنية .
صحيح أننا نعيش أزمة اقتصادية في الوطن العربي، لكن الأزمة الاقتصادية – كما يقول المفكر العربي الشهيد مهدي عامل – غير كافية لتوليد أزمة سياسية تنتقل فيها المبادرة داخل الصراع الاجتماعي العام من الطبقة المسيطرة إلى الطبقات صاحبة المصلحة في البديل الديمقراطي، فما دامت "الممارسة السياسية للطبقة المسيطرة هي الممارسة المسيطرة، فإن هذه الطبقة ليست في أزمة سياسية بالرغم من أزمتها الاقتصادية والأيديولوجية، ولكي تكون الطبقة المسيطرة في أزمة سياسية فعلية، فلا بد أن تكون السيطرة في الحقل السياسي للصراع الطبقي، أي للممارسة السياسية الديمقراطية للطبقة النقيض، فالأزمة التي تعاني منها حركة التحرر الوطني العربية في وضعها الراهن ليست فقط أزمة قيادتها الطبقية البرجوازية التابعة، بل هي أزمة البديل الديمقراطي لهذه القيادة .
إن استمرار حالة التبعية التي تعني أننا سنظل - إلى درجة كبيرة – محكومين إلى الفكر الرأسمالي الإمبريالي المعولم (وحليفه الصهيوني) والى العلاقات الرأسمالية المشوهة السائدة في بلادنا، ما زالت قائمة، ولن تزول إلا عبر إعادة بناء حركة التحرر العربية الديمقراطية في إطار الدور الطليعي لأحزاب وفصائل اليسار الماركسي العربي، المرهون بتوعية وتأطير الشباب الثوري العربي الطليعي الديمقراطي التقدمي عموماً وأبناء العمال والفلاحين الفقراء خصوصاً، لكي يسهموا بدورهم النضالي التحرري والطبقي صوب إضاءة مساحة هامة من هذا الإظلام الرجعي البشع المستشري في بلادنا، وصوب مراكمة عوامل التحول الديمقراطي الثوري– بصورة تدرجيه- لمجابهة هذا الواقع المنحط وتغيير أنظمته وتجاوزها، حينها فقط تصبح حركتنا الفكرية النهضوية الديمقراطية الثورية، عبر الممارسة قوة محركة للتاريخ في بلادنا، بما يسمح بأن تتحوّل إلى قوّة قادرة على بناء وتفعيل البديل الشعبي الديمقراطي التقدمي- في كل قطر عربي- وتحقيق أهدافها الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية للخلاص من كل أشكال ومظاهر وأدوات التخلف والتبعية والاستغلال الطبقي والاستبداد.



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بمناسبة مرور 175 عاماً على البيان الشيوعي دروس وعبر البيان ل ...
- لمزيد من التوضيح والفائدة.... حديث مختصر عن تخلف تكوين الأمة ...
- بوضوح معرفي....عن تخلف السوق القومية العربية وتخلف القضية ال ...
- كتاب - مقالات ودراسات ومحاضرات - المجلد الثاني عشر - 2020
- كتاب - مقالات ودراسات ومحاضرات - المجلد الرابع عشر - 2022 -
- كتاب - مقالات ودراسات ومحاضرات - المجلد الثالث عشر - 2021 -
- التحالف الصهيوني: اليميني العلماني واليميني الديني المتطرف ف ...
- رسالة دافئة الى رفاقي في الوطن العربي .... عن الأزمة الفكرية ...
- مجابهة الوجود الاستعماري الاستيطاني الصهيوني
- كلمة في مناسبة يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني ودور ا ...
- الاختصار في أزمة أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في بلدان الوطن ...
- حول مفهومي الانتماء والالتزام في الحزب او الفصيل الماركسي ال ...
- حول مفهوم الهوية ربطًا بمسألتي الوطنية والقومية
- المادية التاريخية وأهم مقولاتها :التشكيل الاجتماعي – الاقتصا ...
- 105 أعوام على وعد بلفور ......
- تعليقا وتقييماً لدراسة الرفيق د.وسام الفقعاوي -المقاومة: لما ...
- انعكاسا لادراكنا لطبيعة مرحلة الانحطاط العربي الراهن ، يبرز ...
- شرح تحليلي مختصر لمفهومي الليبرالية والليبرالية الجديدة .... ...
- حول أهمية الفلسفة ودورها في تطور واستنهاض شعوب بلدان مغرب وم ...
- أوهام ومخاطر الحديث عن تبلور مفهوم المجتمع المدني في بلداننا


المزيد.....




- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - عن مخاطر التبعية الاقتصادية والاجتماعية – عبر التحليل السياسي والرقمي - في بلدان الوطن العربي