أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام حافظ الزند - جذور المشكل العراقي















المزيد.....



جذور المشكل العراقي


عصام حافظ الزند

الحوار المتمدن-العدد: 7522 - 2023 / 2 / 14 - 14:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خاصَّةً مُنْذُ ظُهُورِ الفَضائِيّاتِ فِي العِراقِ وَحَتَّى اليَوْمِ ظَهَرَ عَشَراتُ المُحَلِّلِينَ السِياسِيِّينَ وَتَحْتَ عَناوِينَ مُخْتَلِفَةٍ "مُحَلِّلٌ سِياسِيٌّ، مُدِيرُ مَعْهَدِ دِراساتٍ، مُدِيرُ مَرْكَزِ البُحُوثِ، الخَبِيرُ الاِسْتراتِيجِيُّ، الصَحَفِيُّ البارِزُ، المُفَكِّرُ المَوْسُوعِيُّ، بَلْ وَحَتَّى أُسْتاذٌ جامِعِيٌّ وَباحِثُونَ فِي الشُؤُونِ الدَوْلِيَّةِ أَوْ الشَرْقِ أَوْسَطِيَّةٌ أَوْ العَسْكَرِيَّةُ أَوْ الإِرْهابُ" فَالعَرَبُ وَالعِراقِيُّونَ بِالخُصُوصِ مُغْرَمُونَ بِأَلْقابِ الَّتِي تَعْظِيمِ المَكانَةِ وَمِنْها (الأَوَّلُ، الأَقْرَبُ، الأَقْدَمُ، الأَعْلَى، الأَعْرَضُ، الأَكْثَرُ، الأَكْبَرُ، الباحِثُ، المُخْتَصُّ، الدكتورُ، المُحَلَّلُ..) وَهِيَ فِي واقِعِ الأَمْرِ أَوْصافٌ تَمْتَدُّ جُذُورَها مِنْ صَمِيمِ قِيَمِ البَداوَةِ، يُحَلِّلُونَ الأَخْبارَ: غَرَّدَ الصَدْرُ، وَقالَ مَسْعُودٌ، وَأَصْدَرَ التَحالُفَ، وَقَرَّرَ التَجَمُّعَ، وَصَرَّحَ المالِكِي. وَالمُهِمُّ فِي كُلِّ ذٰلِكَ اِرْتِسامُ مَلامِحِ الجِدِّيَّةِ عَلَى وَجْهِهِ وَبَدْلَتِهِ، وَرَبْطَةُ عُنُقِهِ وَلا يَنْسَى أَنْ يَذْكِرَنا أَنَّهُ صَدِيقٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ مَصادِرِ القَرارِ، وَأَنَّهُ سَبَقَ أَنْ نَبَّهَ إِلَى ذٰلِكَ الأَمْرِ مُنْذُ فَتْرَةٍ "وَأَنْتَ تَعْرِفُ جُرْأَتِي وَصَراحَتِي!" وَبِاِخْتِصارِ كُلِّ العَناصِرِ الساذجة الَّتِي تَجْعَلُهُ أَحْسَنَ مِنْ الآخَرِينَ وَأَكْثَرِهِمْ دِرايَةً، فِي نِهايَةِ المَطافِ نَجِدُ أَنَّنا أَمامَ الخَبَرِ نَفْسِهِ اِشْتَراهُ مِنّا، وَباعَهُ عَلَيْنا بَعْدَ أَنْ أَضافَ لَهُ جُمْلَةً مِنْ صَحِيفَةٍ وَزائِدَةٍ سَمِعَها مِنْ مَحَطّاتٍ أَوْ أَشْخاصٍ آخَرِينَ، كَما هِيَ قِصَّةُ السُودانِ فِي الماضِي القَرِيبِ تَبِيعُ الفُولَ السُودانِيَّ لِلشَرِكاتِ الإنكليزِيَّةِ وَتَسْتَوْرِدُ مِنْهُمْ "مَصْنَعاً" الفُولَ السُودانِيَّ المُحَمَّصَ. أَوْ غانا الَّتِي تَصْدُرُ الكاكُوا، وَتَسْتَوْرِدُ الشكولاتا أَوْ العِراقُ اليَوْمَ يَحْرِقُ غازَهُ، وَيَسْتَوْرِدُ الغازُ مِنْ إِيرانَ لِمَحَطّاتِهِ الكَهْرُبائِيَّةِ. وَالمُحَلِّلُونَ" المُسْتَقِلُّونَ!" أَنْواعٌ مِنْهُمْ الصَدْرِيُّ، وَمِنْهُمْ المالِكِي وَمِنْهُمْ الإِطارِيُّ وَآخَرُ بَرْزانِيٌّ أَوْ حَلْبُوسِيٌّ أَوْ... وَلا يَنْسَى أَنْ يُطْعِمَ تَحْلِيلاتِهِ بِعِباراتِ التَبْجِيلِ لِ "هَبْلِهِ" أَوْ "إِمامِهِ المَعْصُومِ" وَأَنْ يَرُدَّ عَلَى الآخَرِ قَبْلَ الجَوابِ عَلَى سُؤالِهِ، فَكُلُّ مُعارَضَةٍ أَوْ اِخْتِلافٍ هُوَ إِهانَةٌ لَهُ وَلِمَعْلُوماتِهِ كَما تَرَبَّى بَدَوِيّاً، وَلا يَنْسَى أَنْ يَطْلُبَ مَزِيداً مِنْ الوَقْتِ وَالأَهَمُّ مِنْ كُلِّ ذٰلِكَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِاِسْمِ الشَعْبِ وَالجَماهِيرِ (فَهُوَ اِبْنُ القَبِيلَةِ) وَيَأْنَسُ لِلمُقَدِّماتِ الَّتِي تُقَدِّمُ لَهُ الأَلْقابَ وَالإِطْراءَ بِدُونِ حِسابٍ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يَسْكُتُ عَنْ لَقَبِ الدكتورِ البَعِيدِ عَنْهُ بِمَراحِلِ ناهِيكَ عَنْ حَمْلَةِ الشَهاداتِ الوَهْمِيَّةِ وَالمُزَوَّرَةِ، وَلا يَنْسَى البَسْمَلَةَ وَتَحِيَّةَ المُقَدَّمِ وَالفَضائِيَّةِ وَالضُيُوفِ. وَالمُشْتَرَكُ بَيْنَ أَغْلَبِهِمْ صِفاتُ الرُوزْخُونِ الشائِعَةِ وَهِيَ الأُخْرَى مِنْ قِيَمِ دِيوانِ العَشِيرَةِ، وَلا يَنْسَ أَنْ يُشِيرَ أَوْ يُؤَكِّدَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ الدِيمُقْراطِيَّةِ فَهُوَ دِيمُقراطِيٌّ بِالوِلادَةِ وَمُتَمَسِّكٌ بِالدُسْتُورِ وَمَطالِبِ الشَعْبِ، عِيشَتِهِ وَحَياتِهِ مُرْتَبِطَةً بِالتَغْرِيداتِ وَالتَصْرِيحاتِ، وَفِي هٰذا السِياقِ نُلاحِظُ كَيْفَ أَنْ تَوَقَّفَ الصَدْرَ عَنْ تَغْرِيداتِهِ تَرَكَ لَنا أَيْتاماً مِنْ المُعَلِّقِينَ فِي بَعْضِ الفَضائِيّاتِ الَّتِي عانَتْ هِيَ الأُخْرَى
ذٰلِكَ هُوَ مُخْتَصَرٌ شَدِيدٌ لِواقِعِ الحالِ فِي المُجْتَمَعِ العِراقِيِّ الَّذِي وَصَفَهُ جون فَلَبِّي قَبْلَ أَكْثَرَ مِن قَرْنٍ "مِن أَشَدِّ المُجْتَمَعاتِ تَعَلُّقاً فِي السِياسَةِ فِي العالَمِ" أَوْ كَما يَقُولُ أَبُو گاطِع "العُوراقِيُّونَ وَلُوعُونَ بِالسِياسَةِ ،حَدَّ أَنَّهُمْ "يُمَزْمِزُونَ"بِها عَلَى مائِدَةِ الشَرابِ" وَهُوَ كَذٰلِكَ حَتَّى اليَوْمِ، بَلْ وَبِفَضْلِ الفَضائِيّاتِ وَصَفَحاتِ التَواصُلِ الاِجْتِماعِيِّ تَضاعَفَ ذٰلِكَ التَعَلُّقُ حَتَّى لا تَجِدَ مَنْ يُحاوِرُكَ فِي مَواضِيعَ أُخْرَى، تَخْرُجُ مِن تِلْكَ، وَيَتَّضِحُ عَبْرَ الكَثِيرِ مِن البَرامِجِ الساذَجَةِ المُتَدَنِّيَةِ المُسْتَوَى فِي غالِبِيَّةِ الفَضائِيّاتِ أَنَّ الغالِبِيَّةَ مِن الأَفْرادِ مِن مُخْتَلِفِ الأَعْمارِ وَالأَجْناسِ يَكادُ لا يَعْرِفُونَ أَبْسَطَ المَعْلُوماتِ العامَّةِ، وَأَنْ لا مَقَدَّمَ البَرْنامَجِ وَلا ضُيُوفَهُ اِطَّلَعُوا أَوْ دَرَسُوا شَيْئاً مِن التارِيخِ أَوْ الجُغْرافِيَّةِ أَوْ أَيِّ مَعْلُوماتٍ عامَّةٍ أَوْ دِراساتٍ أُخْرَى مِثْلَ عِلْمِ النَفْسِ أَوْ الاِجْتِماعِ أَوْ السِياسَةِ أَوْ تارِيخِ بَغْدادَ نَفْسِها هَلْ يَعْرِفُ هٰؤُلاءِ المُحَلِّلُونَ مَثَلاً شَيْءٌ عَنْ سُلَيْمانَ "أَبُو لَيْلَة" وَعَصْرُ مَمالِيكِ الأَمْسِ وَصِراعاتِهِم وَنِزاعاتِهِم مَعَ العَشائِرِ وَصِراعاتِ العَشائِرِ نَفْسِها، وَيُقارِنُونَهُم "بِمَمالِيكَ" اليَوْمَ فَلَيْسَ الجَوْهَرُ فِي المَمْلُوكِ أَصْلَهُ، بَلْ تَرْبِيَتَهُ وَطَرِيقَةَ تَفْكِيرِهِ، هَلْ يَعْرِفُونَ أَنَّ أَوْسِمَةَ وَأَنْواطَ بِكْرِ صِدْقِي الكَثِيرَةَ الَّتِي تُوَشِّحُ صَدْرَهُ كانَت لِحُرُوبِهِ ضِدَّ القَبائِلِ العِراقِيَّةِ وَالآشُورِيِّينَ وَالبَرْزانِيِّينَ، رُبَّما يُدْرِكُونَ أَنَّهُم لَمْ يَأْتُوا بِمَعْلُومَةٍ تُفِيدُ المَطْلَعَ حَقّاً وَرَغْمَ أَنَّهُم قَدْ يَعْرِفُونَ أَنَّ صَنَمَهُم الَّذِي يَتَحَدَّثُونَ عَن قَراراتِهِ وَخُطُواتِهِ العَبْقَرِيَّةِ يَكادُ يَكُونُ أُمِّيّاً مِثْلَهُمْ، وَفِي الغالِبِ اِسُوءُ مِنْهُمْ، وَقَدْ جاءَ لِلسِياسَةِ "بِثِيابِ المَلِكِ الجَمِيلَةِ" لِهانْس كْرِسْتْيان المَشْهُورَةِ وَالَّتِي أَدْخَلَها الكاتِبُ الراحِلُ أَبُو گاطِع فِي إِحْدَى حِكاياتِهِ، يَقُومُونَ بِبِناءِ تارِيخٍ لَهُ، وَيُصَبِّغُونَ عَلَيْهِ مُصْطَلَحاتٍ فِكْرِيَّةً قَدْ يَكُونُ هُوَ نَفْسَهُ لا يَفْهَمُ مَعْناها. وَمِن الأُمُورِ الَّتِي يَتَمَسَّكُ بِها العِراقِيُّونَ "العَرَبُ" إِنَّهُم وَرَثَةٌ وَأَبْناءُ حَضارَةٍ مِن أُولَى حَضاراتِ الكِتابَةِ وَالقانُونِ، رَغْمَ أَنَّ الواقِعَ وَالتارِيخَ الصَحِيحَ يَقُولُ إِنَّهُم لَيْسُوا وَرَثَةً، بَلْ مُغْتَصِبِي تِلْكَ الحَضارَةِ فَأَبْناءُ العِراقِ "العَرَبُ " اليَوْمَ هُمْ فِي النَسَبِ أَبْناءُ الغَزَواتِ البَدَوِيَّةِ قَبْلَ وَبَعْدَ الإِسْلامِ، وَأَنَّ هٰذِهِ القَبائِلَ لا صِلَةَ لَها البَتَّةُ لِما أَنْجَزَتْهُ الحَضارَةُ السُومرِيَّةُ أَوْ البابِلِيَّةُ أَوْ الأَكَدِيَّةُ وَلا بِالمَدَنِيّاتِ الَّتِي شَهِدَتْها المِنْطَقَةُ قَبْلَ الإِسْلامِ، وَأَنَّ تارِيخَ هٰؤُلاءِ الأَعْرابِ هُوَ فِي الواقِعِ "تارِيخُ "الغَزْوِ وَما صاحَبُهُ مِن دَمارٍ وَدِماءٍ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الأَبْنِيَةِ الَّتِي بُنِيَت فِي أَوْقاتٍ مُتَأَخِّرَةٍ مِن العَصْرِ الإِسْلامِيِّ كانَت قَدْ سَرِقَتْ الطابُوقَ مِن تِلْكَ الآثارِ الَّتِي اِنْدَرَسَتْ أَوْ أَوْشَكَتْ عَلَى ذٰلِكَ. أَنَّ البَدْوَ فِي واقِعِهِمْ "مُجْتَمَعاتٌ بِلا تارِيخٍ" كَما يَصِفُهُمْ تَونُبِيٌّ فِي مُؤَلِّفِهِ بَحْث فِي التارِيخِ. وَيُقْصَدُ هُنا أَنَّهُمْ لا يَبْنُونَ وَلا يُسَجِّلُونَ (أُمِّي غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ فِي الفِكْرِ وَالمَكانِ) وَأَخِيراً وَلِمَعْرِفَةِ مَدَى الاِنْحِدارِ الَّذِي وَصَلَ إِلَيْهِ العِراقُ أَنْ تَعُودَ إِلَى الشَبَكَةِ العَنْكَبُوتِيَّةِ لِتُقارِنَ فَقَط بَيْنَ الدُكْتُورِ عَبْدِ الجَبّار عَبْدِ اللّٰه أَمِين ثُمَّ رَئِيسِ جامِعَةِ بَغْدادَ عامِ 1958 وَ"الدكتورِ" نَعِيم العَبُّودِي وَزِيرِ التَعْلِيمِ العالِي عامَ2022.
الكَثِيرُ، وَمِنْهُمْ "كِتابٌ وَباحِثُونَ" لا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ العَرَبِ وَالأَعْرابِ، عَلَى الرَغْمِ مِنْ أَنَّ القُرْآنَ وَمُحَمَّدٌ فَعَلُوا ذٰلِكَ {الأَعْرابُ أَشَدُّ كَفْراً وَنِفاقاً} (سُورَةُ التَوْبَةِ الآيَةُ97 ) وَقَدْ وَرَدَتْ فِي آياتٍ أُخْرَى مِنْ سُورَةِ التَوْبَةِ وَسُورَةِ الفَتْحِ، وَفِي الأَحْزابِ وَالحُجُراتِ وَسُورَةِ يُوسُفَ. {وَهٰذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبَيَّنٌ} (سُورَةُ النَحْلِ 103) وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي 11 آيَةً فِي سُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَمِنْ الأَحادِيثِ "لا تَغْلِبْنَّكُمْ الأَعْرابُ عَلَى اِسْمِ صَلاتِكُمْ.."وَ "مَنْ بَدا جَفاً" وَغَيْرُها الكَثِيرُ وَرَغْمَ أَنَّ هٰذا الخَلْطَ كانَ كَما يُشِيرُ التارِيخُ إِلَى فَتَراتٍ زَمَنِيَّةٍ أَقْدَمَ بِكَثِيرِكُما فِي العَصْرِ البابِلِيِّ، بَلْ وَفِي التَوْراةِ، فَقَدْ دَرَّسَهُ وَأَشارَ إِلَيْهِ باحِثُونَ مُهِمِّينَ بَدَأَ بِاِبْنِ خَلْدُونَ وَأوبنهايم وَدكسون وَتَونِبِي وَمونغمري وات وَجَواد عَلِي وَجُرْجِي زَيْدان وَفليب حَتِّي وَالوَرْدِيِّ وَفايس(مُحَمَّد أَسَد) وَالرَيْحانِيِّ وَلُوبُون وَحافِظ وَهْبَة وج س بَلَر وَغَيْرِهِمْ العَشَراتِ مِنْ القُدَماءِ وَالمُعاصِرِينَ، إِذَنْ يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ هُناكَ عُرْبانَ العَرَبِ الحَضَرِ وَالعَرَبَ البَدْوَ(الأَعْرابَ)
لَنْ نَقُومَ هُنا بِدِراسَةٍ بَلْ فَقَط إِشارَةً لِلعَرَبِ وَمَدَنِيّاتِهِم الَّتِي قامَت قَبْلَ الإِسْلامِ فَذٰلِكَ مَوْضُوعٌ آخَرُ وَلٰكِنَّنا سَنُرَكِّزُ عَلَى القِيَمِ البَدَوِيَّةِ (الأَعْرابِ) وَالَّتِي لا تَعْنِي المَكانَ وَالتَنَقُّلَ وَالغَزْوَ التَقْلِيدِيَّ، بَلْ أَساساً تَعْنِي طَرِيقَةَ التَفْكِيرِ وَالسُلُوكِ الاِجْتِماعِيِّ أَيْ أَنَّنا سَنَخْرُجُ عَن مَفْهُومِ الدُكْتُورِ الوَرْدِيِّ مِن أَنَّ البَداوَةَ نِظامٌ اِجْتِماعِيٌّ مُرْتَبِطٌ بِالصَحْراءِ وَنَدْخُلُ أَكْثَرَ فِي القِيَمِ البَدَوِيَّةِ الفِكْرِيَّةِ وَأَساساً الاِجْتِماعِيَّةَ لا يُمْكِنُ لَها أَنْ تَخْتَفِيَ بِمُجَرَّدِ اِسْتِبْدالِ بَيْتِ الشَعْرِ بِبَيْتِ الطِينِ "الهَجْرُ" وَلَيْسَ كُلٌّ مِنْ سَكَنِ المَدِينَةَ أَصْبَحَ مَدَنِيّاً (فَتَحالُفاتُ العَشائِرِ وَتَجَمُّعاتُها أَصْبَحَت مِن مُنَظَّماتِ المُجْتَمَعِ المَدَنِيِّ، وَتَحِلُّ عَبْرَها أَوْ تَعْقِدُ الكَثِيرَ مِن النِزاعاتِ)، يَقُولُ فُلِيب حَتِّي فِي مُؤَلِّفِهِ (تارِيخُ العَرَبِ-مُطَوَّلٌ -ص 29) " وَالبَدَوِيُّ بِاِعْتِبارِهِ جِنْساً مِن أَجْناسِ البَشَرِ لا يَزالُ عَلَى حالَتِهِ إِلَى اليَوْمِ كَما كانَ بِالأَمْسِ وَكَما سَيَكُونُ فِي الغَدِ بِحَيْثُ أَنَّ نَمَطَ ثَقافَتِهِ لا يَتَغَيَّرُ أَبَداً" وَهُوَ بِهٰذا التَشْخِيصِ يَأْخُذُ وَيَتَّفِقُ مَعَ تَحْلِيلاتِ حافِظِ وَهْبَة أَحَدِ أَرْكانِ المَلِكِ عَبْدِ العَزِيز وَسَفِيرِهِ فِي لَنْدَن الَّذِي يُؤَكِّدُ مِثْلَ ذٰلِكَ الرَأْيِ حَتَّى قَبْلَ حَتِّي ، بَلْ وَكَتَبَ أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ فِي مُؤَلِّفِهِ جَزِيرَةَ العَرَبِ فِي القَرْنِ العِشْرِينَ وَكَذٰلِكَ كِتابُهُ الآخَرُ خَمْسُونَ عاماً فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَمِنْ المَعْرُوفِ أَنَّ البَداوَةَ أَقْدَمُ مِنْ الإِسْلامِ بِمِئاتِ السِنِّيِّينَ، وَلِذا فَإِنَّ مُحَمَّد، وَأَنْ حاوَلَ وَخاصَّةً فِي المَرْحَلَةِ المَكِّيَّةِ إِحْداثَ تَغَيُّرٍ فِي القِيَمِ البَدَوِيَّةِ إِلّا أَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِن تَحْقِيقِ ذٰلِكَ الهَدَفِ، لِأَنَّ قِيَمَ البَداوَةِ كانَتْ أَقْوَى مِنْ الدِينِ يَقُولُ اِبْنُ خَلْدُونَ فِي هٰذا الصَدَدِ " وَالعِلَّةُ الطَبِيعِيَّةُ فِي ذٰلِكَ هِيَ قُوَّةُ العَصَبِيَّةِ مِن سائِرِ القُوَى الطَبِيعِيَّةِ وَكُلُّ قُوَّةٍ يَصْدُرُ عَنْها فِعْلٌ مِنْ الأَفْعالِ فَشَأْنُها فِي ذٰلِكَ فِعْلُها" ( مُقَدِّمَةُ اِبْنِ خَلْدُونَ البابَ الثالِثُ الفَصْلَ السابِعُ ص163) بَلْ إِنَّ العَصَبِيَّةَ القَبَلِيَّةَ هِيَ الَّتِي حَمَتْ الدِينَ نَفْسَهُ فَلَمْ تَسْتَطِعْ قُرَيْشٌ إِيذاءَ مُحَمَّدٍ وَصَحابَتَهُ بِقَسْوَةٍ، أَوْ حَتَّى قَتْلِهُ نَتِيجَةً لِلتَوازُناتِ القَرِيشِيَّةِ القَبَلِيَّةِ بَلْ الجُزْءُ الأَكْبَرُ مِنْ بَنِي هاشِمِ(بَيْتَ النَبِيِّ) لَمْ يُؤْمِنْ بِما جاءَ بِهِ اِبْنُهُمْ مُحَمَّدٌ وَما دَعا إِلَيْهِ، بَلْ بَقَوْا عَلَى دِينِهِمْ وَدِينِ آبائِهِمْ، وَلٰكِنَّهُمْ حَمَوْهُ وَدافَعُوا عَنْهُ، حَماهُ دُونَ أَنْ يُؤْمِنَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طالِبٍ الَّذِي رَبّاهُ بَعْدَ وَفاةِ جَدِّهِ، وَحَماهُ عَمُّهُ العَبّاسُ وَالَّذِي لَمْ يُسَلَمْ إِلّا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، أَيْ بَعْدَ ما يَقْرُبُ مِنْ 20 عاماً عَلَى بَدْءِ الدَعْوَةِ، بَلْ حَتَّى عَمَّهُ أَبُو لَهَبٍ (عَبْدُ العُزَّى وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَتْبَةَ) الَّذِي عادَى مُحَمَّدٌ إِلَى دَرَجَةِ أَنَّ القُرْآنَ خَصَّهُ بِسُورَةِ المَسَدِ(رَقْمِ 111) وَتَضَمَّنَتْ خَمْسَ آياتٍ لِذَمِّهِ وَزَوْجَتِهِ، وَتَوَعَّدَهُ بِالعِقابِ الصارِمِ، أَبُو لَهَبٍ هٰذا حَمّا النَبِيِّ وَلَمْ يُمْكِنْ بَقِيَّةُ قُرَيْشٍ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ تَوَلَّى الزَعامَةَ بِوَفاةِ أَبِي طالِبٍ وَالحِمايَةُ نَفْسَها قامَتْ بِها البُيُوتاتُ الأُخْرَى مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمانَ الَّذِي كانَ مِنْ البَيْتِ الأُمَوِيِّ "أَشَدُّ أَعْداءِ الإِسْلامِ" وَغَيْرِهِمْ وَمِنْ عُوقَبَ مِنْ المُسْلِمِينَ هُمْ العَبِيدُ وَالمَوالِي وَهُمْ لا سَنَدً قَبْلِيٌّ يَتَعَصَّبُ لَهُمْ وَيَحْمِيهِمْ وَكانُوا يُعاقِبُونَ حَتَّى عَلَى "سَرِقَةٍ" حَفْنَةٍ تَمُرُّ، وَالرِوايَةِ الأُخْرَى الَّتِي تُؤَكِّدُ ذٰلِكَ وَالمُرْتَبِطَةَ بِالهِجْرَةِ وَالَّتِي تَقُولُ: اِخْتارَتْ قُرَيْشٌ عِدَّةَ رِجالٍ مِنْ بُيُوتاتِ قُرَيْشٍ" نَضْرِبُهُ ضَرْبَةَ رَجُلٍ واحِدٍ، فَيَتَوَزَّعُ دَمُهُ بَيْنَ القَبائِلِ مِمّا لا يُمْكِنُ بَنِي هاشِمٍ مِنْ القِصاصِ مِنْ الجَمِيعِ فَتَرْضَى بِالدِيَةِ". البَداوَةُ وَبَدَلاً مِنْ أَنْ تَسِيرَ وِفْقَ الدِينِ الجَدِيدِ آمَنَتْ بِهِ خَوْفاً وَنِفاقاً، ثُمَّ اِلْتَهَمَتْهُ وَسِيرَتُهُ وَفْقَ قِيَمِها، فَخَرَجَتْ مِنْهُ عِنْدَما شَعَرَتْ قُوَّتُها لِذا نَرَى أَنَّ بِمُجَرَّدِ وَفاةِ مُحَمَّدٍ اِرْتَدَّتْ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثَيْ قَبائِلِ الجَزِيرَةِ لِثَلاثَةِ أَسْبابٍ قَبائِلَ رَفَضَتْ دَفْعَ الزَكاةِ أَحَدَ أَرْكانِ المُسْلِمِ، بِاِعْتِبارِها ضَرِيبَةً يَدْفَعُها الضَعِيفُ لِلقَوِيِّ وَهِيَ فِي هٰذِهِ الحالَةِ نَوْعٌ مِنْ المَهانَةِ، وَقَبائِلُ لَمْ تَقْبَلْ عَصَبِيَّتُها أَنْ يَكُونَ أَنْ يَكُونَ لَها نَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِها، فَتَبِعَ بَنِي حَنِيفَةَ نَبِيُّهُمْ مُسْلَمَةُ بْنُ ثُمامَةَ بْنِ حَبِيبٍ، وَالَّذِي أَسْماهُ المُسْلِمُونَ "مُسَيْلِمَةَ الكَذّابِ " وَالياءُ لِلتَصْغِيرِ، فَقِيلَ فِي بَنِي حَنِيفَةَ "كَذّابُ رَبِيعَةَ أَحَبَّ إِلَيْنا مِنْ صادِقِ مُضِرَ –يَقْصِدُونَ قُرَيْشٌ-" وَذَهَبَ بَنِي أَسَدٍ لِنَبِيِّهِمْ طُلِيحَةَ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ نَوْفَل الأَسَدِيِّ، وَذَهَبَ بَنِي تَمِيمٍ وَبُنِي تَغَلَّبَ إِلَى نَبِيَّتِهِمْ سَجاحُ بِنْتِ الحارِثِ التَمِيمِيَّةِ وَأَخْوالُها بَنِي تَغَلُّبٍ، وَكَذا أَمَرَ الأَسْوَدُ العِنْسِيُّ فِي اليَمَنِ، وَاِتَّبَعَهُ قَوْمُهُ مِنْ عُنْسٍ وَغَيْرِ عُنْسٍ، وَسَمَّى نَفْسَهُ رَحْمانِ اليَمَنِ. أَمّا المَجْمُوعَةُ الثالِثَةُ، فَقَدْ اِسْتَغَلَّتْ ضَعْفَ المُسْلِمِينَ، وَعادَتْ إِلَى عِبادَةِ الأَصْنامِ دِينَ آبائِها وَالَّذِي دَرَجَتْ عَلَيْهِ، وَكُلُّ تِلْكَ القَبائِلِ كانَت قَدْ قَبِلَت الإِسْلامَ خَوْفاً أَوْ نِفاقاً (القَبائِلُ الَّتِي غَزَت العِراقَ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ مِن الإِسْلامِ إِلّا اِسْمَهُ) وَهِيَ فِي كُلِّ الأَحْوالِ مِن قِيَمِ البَداوَةِ خانِعٌ لِلقَوِيِّ مُتَمَرِّدٌ وَمُتَجَبِّرٌ عَلَى الضَعِيفِ، وَلَمْ تَعُدْ لِلدِينِ إِلّا بَعْدَ أَنْ أَقْنَعَها وَوَجَّهَها خالِد وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى الغَزَواتِ خارِجَ الجَزِيرَةِ حَيْثُ الغَنائِمُ الوَفِيرَةُ وَحَيْثُ شَرْعَنَتْ وَبُورَكَتْ تِلْكَ الغَزَواتُ وَأَصْبَحَتْ جِهاداً. وَفِيما بَعْدُ فُتُوحاتٌ، وَلَعَلَّ الإِسْلامَ حَقَّقَ النَجاحَ فِي تَغْيِيرِ أَوْ تَوْسِيعِ مَعْنَى العَصَبِيَّةِ، فَبَعْدَ أَنْ كانَتْ مُقْتَصِرَةً عَلَى القَبِيلَةِ أَصْبَحَتْ أَيْضاً تَشْمَلُ عَصَبِيَّةً لِلمَبادِئِ الجَدِيدَةِ (الإِسْلامِ) وَإِنْ كانَتْ اِسْمِيّاً، وَهٰذا التَوَسُّعُ اِسْتَمَرَّ فِي التَعَصُّبِ لِلقائِدِ أَوْ الزَعِيمِ كَما نَراهُ حَتَّى اليَوْمِ بِأَقْصَى تَجَلِّياتِهِ، فَالدَيْنُ فِي بَعْضِ الوُجُوهِ جَعَلَ مِنْ العَصَبِيَّةِ أَكْثَرَ قُوَّةً وَأَشَدَّ بَأْساً، وَهٰكَذا عادَتْ البَداوَةُ، بَلْ وَاِتَّخَذَتْ مِنْ الإِسْلامِ رايَةً وَشِعاراً وَحُجَّةً مِنْ أَجْلِ سِيادَةِ قِيَمِها.
مُنْذُ نِهايَةِ القَرْنِ الأَوَّلِ الهِجْرِيِّ وَالبَداوَةِ هِيَ الَّتِي "تَكْتُبُ "التارِيخَ والدِين العَرَبِيُّ وَمِنها أَساساً التارِيخُ العِراقِيُّ مِن شَرِيعَتِهِ إِلَى أَحادِيثِهِ وَمَغازِيهِ وَسَيْرِهِ وَالتَحْلِيلِ وَالتَحْرِيمِ وَالتَفْسِيرِ وَالفِقْهِ وَالناسِخِ وَالمَنْسُوخِ، الَّذِي غَلَبَ آياتِ السَيْفِ وَعَدَمِ الاِعْتِرافِ بِالآخَرِ عَلَى آياتِ الإِسْماحِ، حَتَّى إِنَّ جَمِيعَ عُلُومِ الحَدِيثِ مِن رِوايَتِهِ وَإِسْنادِهِ إِلَى الجُرْحِ وَالتَعْدِيلِ كُتِبَت وَشُيِّعَت فِي ذٰلِكَ الزَمانِ، بَلْ أَنَّ البَداوَةَ هِيَ أَحَدُ الأُسُسِ المُهِمَّةِ وَالأَساسِيَّةِ لِاِنْشِطارِ الإِسْلامِ إِلَى طَوائِفِ وَمَذاهِبِ وَاِنْشِطارِ الطَوائِفِ وَالمَذاهِبِ ذاتِها بِواجِهاتٍ وَشِعاراتٍ دِينِيَّةٍ تارَةً وَفِقْهِيَّةً أُخْرَى أَوْ اِقْتِصادِيَّةً أَوْ اِجْتِماعِيَّةً أَوْ ثَقافِيَّةً ، وَصَفُوا ما قَبْلَهُم بِالجاهِلِيَّةِ لِيَرِثُوا وَيَنْسِبُوا لِنَفْسِهِم مَدَنِيّاتٍ كانَت لِلعَرَبِ، الحَواضِرُ العَرَبِيَّةُ الجَنُوبِيَّةُ، دَوْلَةٌ مُعَيَّنٌ وَقِتْبانٌ وَمَمْلَكَةُ حَضْرَمَوْت وَالدَوْلَةُ السَبْئِيَّةُ وَالدَوْلَةُ الحَمِيرِيَّةُ وَغَيْرُها وَحَواضِرُ عَرَبِيَّةٌ شَمالِيَّةٌ مِن الأَنْباطِ إِلَى دَوْلَةِ تَدَمُّرِ وَالغُساسِنَةِ وَالمُناذَرَةِ وَغَيْرِهِم نَعَم أَجْمَلُوهُم بِالجاهِلِيَّةِ، وَنَتَحَدَّثُ اليَوْمَ عَن تِلْكَ الحَواضِرِ وَكَأَنَّهُم نَفْسُ أُولٰئِكَ وَهٰؤُلاءِ بَدْوُ الأَمْسِ وَاليَوْمَ هُم نَفْسُهُم عَرَبُ الحَضاراتِ. إِنَّ دِراساتِ جَوادِ عَلِي فِي المِفْصَلِ تَتَوَسَّعُ فِي تَوْضِيحِ الفِرَقِ العَرَبِ وَالأَعْرابِ، نَعَمْ وَصَفُوا ما قَبْلَهُم جاهِلِيَّةً وَلٰكِنَّهُمْ عِنْدَما وَجَدُوا الكافُورَ فِي خَزائِنِ فارِسٍ حَسَبُوهُ مِلْحّاً، وَذُرْوَةً فِي عَجِينِ خُبْزِهِمْ، وَجَعَلُوا الجُمَلَ يَتَكَلَّمُ وَآخَرَ يَسْجُدُ، وَجِبْرِيلُ عَلَى ظَهْرِ حَيْزُومٍ يَقُودُ الآلافَ مِنْ المَلائِكَةِ بِأَرْدِيَتِهِمْ البَيْضاءِ وَعَمائِمِهِمْ الصَفْراءِ أَوْ الحَمْراءِ يَقْتُلُ آلافَ المُشْرِكِينَ، بَلْ وَيَحْصُلُ عَلَى سَهْمٍ مِنْ الغَنائِمِ، وَلٰكِنَّهُ يُقَدِّمُها لِأَحَدٍ الصَحابَةَ. وَعَشَراتُ الرِواياتِ وَالخُرافاتِ تُساقُ لِذٰلِكَ البَدَوِيِّ الأُمِّيِّ "المُؤْمِنِ" وَالمُصَدِّقِ لِلخُرافاتِ. يَقُولُ البَلاذِرِيُّ فِي فُتُوحِ البُلْدانِ أَنَّ عَدَدَ مَنْ يُجِيدُ القِراءَةَ وَالكِتابَةَ فِي فَجْرِ الإِسْلامِ فِي قُرَيْشٍ لَمْ يَكُنْ يَتَعَدَّى سَبْعَةَ عَشَرَ فَرْداً وَمِنهُم أَرْبَعُ نِساءٍ بَيْنَهُنَّ عائِشَةُ الَّتِي كانَتْ تُجِيدُ القِراءَةَ دُونَ الكِتابَةِ(وَالَّتِي تَنْسَبُ لَها الآلافَ الأَحادِيثَ وَالفَتاوَى الشَرْعِيَّةَ وَالفِقْهِيَّةَ) وَهُوَ يُعَدِّدُ تِلْكَ الأَسْماءَ، وَيَتَحَدَّثُ كَيْفَ وَصَلُوا إِلَى القِراءَةِ (أَحْمَد بِن يَحْيَى البَغْدادِي الشَهِيرِ بِالبَلاذِرِيِّ كِتابَ فُتُوحِ البُلْدانِ الطَبْعَةِ الأُولَى مَطْبَعَةُ المَوْسُوعاتِ1901 ص 476-478) وَإِلَى اليَوْمِ فَالبَدَوِيُّ الَّذِي لا يَعْرِفُ القِراءَةَ وَالكِتابَةَ وَلا تَجِدُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى اليَوْمِ كِتاباً وَلا يَعْرِفُ الحِسابَ وَالعَدَّ وَيَمْقُتُهُ، يُسَمِّي العَشَرَةَ الآلافِ (10000) دَفْتَرٍ. وَيَمْتَلِكُ صِحْناً لِيَسْتَقْبِلَ البَرامِجَ التافِهَةَ الَّتِي تَعْرِضُها الفَضائِيّاتُ وَلَدَيْهِ شَبَكَةٌ إلكترونِيَّةٌ يَسْتَخْدِمُها لِمُتابَعَةِ وَ"الاِسْتِفادَةِ" مِنْ الفيسبوك أَوْ وَسائِلِ التَواصُلِ الاِجْتِماعِيِّ الأُخْرَى، وَلَيْسَ لِقِراءَةِ البُحُوثِ وَالدِراساتِ وَمِئاتِ الآلافِ مِن الكُتُبِ المَجّانِيَّةِ فِي مُخْتَلِفِ الحُقُولِ المَعْرِفِيَّةِ. إِذَنْ وَمُنْذُ قُبَيْلِ النِصْفِ الأَوَّلِ لِلقَرْنِ الأَوَّلِ الهِجْرِيِّ أَخَذَ الدِينُ الأُمَوِيُّ يَحُلُّ مَحَلَّ الدِينِ المُحَمَّدِيِّ أَبُو هُرَيْرَة وَعائِشَةَ وَاِبْنُ عَبّاسٍ وَأَسْماءً قَلِيلَةً أُخْرَى تَصَدَّرُوا المَشْهَدَ الرِوائِيَّ فِي التَشْرِيعِ وَالحَدِيثِ وَحَوْلَ هٰذِهِ الشَخْصِيّاتِ هُناكَ الكَثِيرُ مِن عَدَمِ الاِتِّفاقِ تارِيخِيّاً عَن طَبِيعَتِهِمْ وَصِفاتِهِمْ وَمَدَى دِقَّةِ أَوْ صِحَّةِ ما نُقِلَ عَنْهُمْ أَوْ حَتَّى الثِقَةِ فِيهِ (وَلٰكِنَّهُ لَيْسَ مَجالَنا الانَّ وَقَدْ نُخَصِّصُ لَهُ عَرْضاً خاصّاً فِي المُسْتَقْبَلِ) وَقَدْ شَهِدَتْ تِلْكَ الحِقْبَةُ صِراعاتٍ قَبْلِيَّةً شَدِيدَةً تَنْطَبِقُ عَلَيْها تَماماً ما نُسِبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ مِنْ حَدِيثٍ نذكره في مكان آخر.
مُنْذُ اِحْتِلالِ البَداوَةِ العِراقِ وَالشامِ اِشْتَدَّ الصِراعُ بَيْنَ البَداوَةِ وَالمَدَنِيَّةِ، وَعَلَى مَرِّ التارِيخِ وَنَتِيجَةً لِعَوامِلَ كَثِيرَةٍ كانَ الصِراعُ يَمِيلُ لِسَيْطَرَةِ البَداوَةِ وَلِأَنَّنا، وَعَلَى حَدِّ وَصَفِ حُسَيْن مُؤْنِسٍ "لِأَنَّنا نُحِبُّ الحَقِيقَةَ أَبَداً وَالتارِيخُ عِنْدَنا لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُحَلّىً بِالسُكَّرِ" (د. حُسَيْن مُؤْنِس باشَوات وَسُوبَر باشَوات فِقْرَةُ الباشَواتِ المِصْرِيِّينَ يَدْخُلُونَ) فَالغَزَواتُ غَدَت فُتُوحاتٍ، وَآياتُ الإِسْماحِ أُبْدِلَت بِآياتِ السَيْفِ وَمُعاوِيَةَ تَحَوَّلَ مِن طَلِيقٍ إِلَى صَحابِيٍّ، وَغَداً عَبْقَرِيّاً وَمُصْلِحِ الإِدارَةِ وَالجَيْشِ وَالسُوقِ وَالعُمْرانِ، رَغْمَ أَنَّ الشامَ كانَت حافِلَةً بِكُلِّ ذٰلِكَ قَبْلَ سُلْطَتِهِ البَدَوِيَّةِ وَاِحْتِلالِها بِمِئاتِ السِنِينَ، وَحِقْبَةِ الأَمِينِ وَأَصْلِهِ وَمَنْشَأِهِ وَصِراعاتِهِ الدَمَوِيَّةِ مَعَ أَخِيهِ الخَلِيفَةِ وَتَقَلُّباتِهِ السِياسِيَّةِ وَالمَذْهَبِيَّةِ نَسِيَت وَأُهْمِلَت لِصالِحِ دارِ الحِكْمَةِ وَالتَرْجَمَةِ وَالَّتِي فِي كُلِّ الأَحْوالِ رِجالَها غَيْرُ أَعْرابٍ وَلا عَرَبٍ، أَصْحابُ العُلُومِ وَالمُغازِي وَالحَدِيثِ وَالتَفْسِيرِ وَالتارِيخِ وَاللُغَةِ، غالِبِيَّتُهُم أَضْحَوْا عَرَباً أَوْ مُسْلِمِينَ البُخارِيَّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داوُد وَالتِرْمِذِيَّ وَالنِسائِيَّ وَاِبْنُ ماجَة وَهُمْ أَصْحابُ الصِحاحِ السِتَّةِ لِلحَدِيثِ كُلِّهِمْ غَيْرُ أَعْرابٍ، بَلْ وَلَيْسُوا عَرَباً ، وَالطَبَرِيُّ وَالقُشَيْرِي وَالقُرْطُبِيُّ وَالسَمَرْقَنْدِيُّ وَالدارَقْطَنِي وَغَيْرُهُم الكَثِيرُ فِي عُلُومِ القُرْآنِ غَيْرِ أَعْرابٍ وَلا عَرَبٍ، وَسِيبَوَيْهِ وَاِبْنِ فارِسِ وَالزَمَخْشَرِي وَالجُرْجانِي مِن أَشْهَرِ عُلَماءِ اللُغَةِ العَرَبِيَّةِ هُم أَيْضاً مِن غَيْرِ الاِعْرابِ، وَطالَت القائِمَةُ لَوْ أَرَدْنا ذِكْرَ الأَئِمَّةِ وَعُلَماءِ الفِقْهِ وَالفَلْسَفَةِ وَمُخْتَلِفِ العُلُومِ مِن الطِبِّ إِلَى الفَلَكِ وَالهَنْدَسَةِ، الغَزالِيِّ وَالأَصْفَهانِيِّ وَاِبْنِ خَلْكانَ (صاحِبِ وَفَياتِ الأَعْيانِ) وَالَّذِي يُعَدُّ مِن أَهَمِّ الكُتُبِ وَالبَلاذِرِيِّ وَالكِنَدِيِّ وَاِبْنِ سِينا وَالخَوارِزْمِيِ وَالطُوسِيِّ وَالبَلْخِيِّ وَالدِينُورِيِّ وَالفارابِيِّ وَمِئاتِ غَيْرِهِم غَيْرِ أَعْرابٍ، يَقُولُ عَبْدُ الرَحْمٰن بَدَوِي عَن أَمْثالِهِم" أَنَّ لَهُم الدَوْرَ الأَعْظَمَ فِي تَكْوِينِ الحَياةِ الرُوحِيَّةِ فِي الإِسْلامِ" ( شَخْصِيّاتٌ قَلِقَةٌ فِي الإِسْلامِ عَبْدِ الرَحْمٰن بَدَوِي صَفَحاتِ التَصْدِيرِ العامِّ) الحَضَرِيِّ يُفَكِّرُ وَيَكْتُبُ وَيُسَجِّلُ وَيُنْتِجُ وَيُحَلِّلُ وَيَشْرَحُ وَيَكْتُبُ وَالبَدَوِيُّ يَنْسِبُ ذٰلِكَ لِنَفْسِهِ "بِالرَغْمِ مِن أَنَّ بَعْضَهُم اِعْتَمَدَ عَلَى التارِيخِ الشَفَوِيِّ البَدَوِيِّ فِي إِعْدادِ مُؤَلَّفاتِهِ وَخاصَّةً مِنْها كُتُبَ الحَدِيثِ وَالمُغازِيَ وَالسَيْرَ وَالتارِيخَ. أَمّا كُتُبُ العُلُومِ وَالفَلْسَفَةِ، فَقَدْ اِسْتَفادَت مِنْ عُلُومِ الرُومانِ وَالبِيزَنْطِيِّينَ وَالفُرْسِ. غوستاف لوبون فِي مُؤَلِّفِهِ حَضارَةُ العَرَبِ عَلَى مَدْحِهِ لَهُم وَإِعْلاءِ شَأْنِهِم وَإِبْرازِ إِيجابِيّاتِهِمْ يَقُولُ فِيهِمْ (يَقْصِدُ البَدْوَ) ".... وَيَتَأَلَّفُ مِنْ الاِعْرابِ، الَّذِينَ يَظُنُّ الكَثِيرُونَ أَنَّ جَزِيرَةَ العَرَبِ لا تَشْمَلُ غَيْرَهُمْ، عَرَقٌ جَلِيفٌ بَعِيدٌ عَنْ التَمَدُّنِ عاطِلٌ مِنْ أَيِّ تارِيخٍ كانَ، وَنَحْنُ إِذا ما اِسْتَثْنَيْنا الدِينَ نَرَى أَنَّهُ لَمْ يَتَبَدَّلْ فِيهِمْ شَيْءٌ مُنْذُ أُلُوفِ السِنِينَ، وَعَلَى مَنْ يَوَدُّ أَنْ يَعْرِفَ ما كانُوا عَلَيْهِ مُنْذُ ثَلاثَةِ آلافِ سَنَةٍ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى حاضِرِهِمْ، وَهُمْ الَّذِينَ لَمْ يَطْرَأْ عَلَى ما وَصَفَهُمْ بِهِ هيرودتس أَوْ التَوْراةُ شَيْءٌ....... لا يَزالُ الأَعْرابُ مُحافِظِينَ عَلَى طَبائِعِ أَسْلافِهِمْ البَدَوِيَّةِ، وَهُمْ عَلَى ما فِي الأَضْدادِ مِنْ غَرابَةٍ، يَتَّصِفُونَ بِسَفْكِ الدِماءِ وَحُقْنِها، وَبِاِعْتِقادِ الخُرافاتِ وَرَدِّها، وَبِالإِيمانِ وَالإِلْحادِ...... وَفِي مَكانٍ آخَرَ يُورِدُ ما قالَهُ دِيفرجه: قَدْ يَكُونُ أَظْهَرَ ما فِي الأَعْرابِ هُوَ أَنَّهُمْ جِماعُ أَضْدادٍ، فَالنَهْبُ وَالكَرَمُ، وَالسَلْبُ وَالجُودُ، وَالقَسْوَةُ وَالنُبْلُ وَغَيْرُ ذٰلِكَ مِن الصِفاتِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى المَقْتِ وَالإِعْجابِ فِي وَقْتٍ واحِدٍ " (غوستاف لوبون حَضارَةُ العَرَبِ ص 73-75) كَما يَقُولُ تُونْبِي كَما أَشَرْنا "البَدْوُ مُجْتَمَعٌ بِلا تارِيخِ "(تونُبِي بَحْثٌ فِي التارِيخِ ص 313) وَالبَدَوِيُّ كَما يَقُولُ مُوسِيل " يَحْتَقِرُ كُلُّ شَيْءٍ لا يَفْهَمُ اِسْتِعْمالَهُ فَوْراً، أَوْ لا يَعْرِفُ كَيْفَ يَتَعامَلُ بِهِ" (الوِيس مُوسِيل فِي الصَحْراءِ العَرَبِيَّةِ دارُ الوَراقِ ص 141) عَلَى أَنَّنا يَجِبُ أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ تِلْكَ الطِباعَ إِنَّما تَرَسَّخَت وَنَمَت نَتِيجَةُ الطَبِيعَةِ الَّتِي وَجَدَ البَدْوُ أَنْفُسَهُم فِيها يَقُولُ تُونِبِي فِي نَفْسِ الصَفَحاتِ السابِقَةِ "فَإِنَّ البِيئَةَ الطَبِيعِيَّةَ الَّتِي نَجَحَ البَدَوِيُّ فِي قَهْرِها اِسْتَعْبَدَهُ اِسْتِعْباداً ماكِراً. وَقَدْ صارَ البَدْوُ مِثْلَ الأسكيمو مُقَيَّدِينَ بِدَوْرَةٍ سَنَوِيَّةٍ مِن التَغَيُّرِ المُناخِيِّ وَالنَباتِيِّ، فَالبَدَوِيُّ عِنْدَما يَخْرُجُ مِنْ بادِيَتِهِ وَيَغْزُو بُسْتانَ الزارِعِ، لَمْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ عَنْ عَمْدٍ وَتَدْبِيرٍ، إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَمّا اِعْتادَ عَلَيْهِ مِن دَوْرَةِ العَيْشِ وَالحَياةِ بِقَصْدٍ مِنْهُ بَلْ إِنَّهُ اِسْتِجابَةٌ مِيكانِيكِيَّةٌ إِلَى قُوىً خارِجَةٍ عَنْ سَيْطَرَتِهِ" (تونِبِي بَحْثٌ فِي التارِيخِ الجُزْءُ الأَوَّلُ ص 312) وَمِنْ مُنْطَلَقِ ذٰلِكَ وَاِمْتِداداتِهِ ذٰلِكَ يُمْكِنُنا تَفْسِيرُ ما نَراهُ اليَوْمَ مِنْ سَرِقَةٍ لِلمالِ العامِّ، وَمِنْ ظَواهِرَ سَلْبِيَّةٍ أُخْرَى.
يَقُولُ اِبْنُ خَلْدُونَ فِي الفَصْلِ التاسِعِ مِن البابِ الثالِثِ مِن مُقَدِّمَتِهِ "أَنَّ الأَوْطانَ الكَثِيرَةَ القَبائِلَ وَالعَصائِبَ قَلَّ أَنْ تَسْتَحْكِمَ فِيها الدَوْلَةُ" (البابُ الثالِثُ الفَصْلَ التاسِعَ ص165 )وَلَعَلَّ تارِيخَ العِراقِ مُنْذُ الغَزْوِ البَدَوِيِّ الأَوَّلِ قَبْلَ الإِسْلامِ وَحَتَّى الهِجْراتِ القَرِيبَةِ قَبْلَ قَرْنَيْنِ مِن الجَزِيرَةِ وَحَتَّى الآنَ أَسْطَعُ دَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ ذٰلِكَ الاِسْتِنْتاجِ وَبَدْوِّ العِراقِ، وَالَّذِينَ يَمْلِكُونَ السُلْطَةَ مُنْذُ الغَزْوِ النَجْدِيِّ بَعْدَ الإِسْلامِ لا يَزالُونَ إِلَى حُدُودٍ بَعِيدَةٍ مُتَمَسِّكِينَ بِقِيَمِهِم البَدَوِيَّةِ الفِكْرِيَّةِ، وَذٰلِكَ ما أَبْرَزَهُ الكَثِيرُ مِن الباحِثِينَ، وَفِي طَلِيعَتِهِم عَلِي الوَرْدِيِّ، أَوْ دِراساتٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالبَدْوِ لِلدُكْتُورِ جَواد عَلِي أَوْ جُرْجِي زَيْدان أَوْ فلِيب حَتِّي أَوْ تُونْبِي أَوْ الرَيْحانِيِّ أَوْ وَهْبِهِ أَوْ الحَصْرِيِّ ساطِع أَوْ مُحَمَّد أَسَد (ليوبولد فايس) أَوْ دكسون وَعَشَراتِ غَيْرِهِم وَما تُؤَكِّدُهُ النِزاعاتُ العَشائِرِيَّةُ وَالحِزْبِيَّةُ وَاِسْتِعْراضاتُ القُوَّةِ اليَوْمِيَّةِ الَّتِي تَجْرِي فِي العِراقِ حَتَّى اليَوْمِ. حَتَّى ذَكَرَ مُؤَخَّراً أَنَّ عامَ 2022 شَهِدَ أَكْثَرَ مِن 400 نِزاعٍ عَشائِرِيٍّ، وَأَنَّ "كُلَّ عَصَبِيَّةٍ مِمَّنْ تَحْتَ يَدِها تَظُنُّ فِي نَفْسِها مَنَعَةً وَقُوَّةً" كَما يَقُولُ اِبْنُ خَلْدُونَ (المُقَدِّمَةُ البابَ الثالِثَ الفَصْلَ التاسِعَ ص 165). وَسِياسِيُّ العِراقِ سَلَفُهُم وَسِياسِيٌّ اليَوْمَ وَعَشائِرُهُ أَوْفِياءُ لِقِيَمِ البَداوَةِ هٰذِهِ.
وَفِي مَعْرِضِ تَوْصِيفِهِ لِحُكْمِ الاِعْرابِ يَقُولُ: "ثُمَّ إِنَّ المُٔلَكَ مَنْصِبٌ شَرِيفٌ مَلْذُوذٌ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ الخَيْراتِ الدُنْيَوِيَّةِ وَالشَهَواتِ البَدَنِيَّةِ وَالمَلاذِ النَفْسانِيَّةِ، فَيَقَعُ فِيهِ التَنافُسُ غالِباً وَقَلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ أَحَدٌ لِصاحِبِهِ إِلّا إِذا غَلَبَتْ عَلَيْهِ، فَتَقَعُ المُنازَعَةُ وَتُفْضِي إِلَى الحَرْبِ وَالقِتالِ وَالمُغالَبَةِ. وَشَيْءٌ مِنْها لا يَقَعُ الا بِالعَصَبِيَّةِ كَما ذَكَرْنا آنِفاً" (المُقَدِّمَةُ اِبْنُ خَلْدُونَ ص 156)، إِنَّ ذٰلِكَ التَشْخِيصَ الَّذِي ثَبَّتَهُ اِبْنُ خَلْدُونَ قَبْلَ ما يَقْتَرِبُ مِن السَبْعَةِ قُرُونٌ نَرَى مَرَّةً أُخْرَى العِراقَ كانَ وَما يَزالُ شاهِداً وَبُرْهاناً عَلَيْهِ، وَلَوْ تَفَضَّلَ المُحَلِّلُونَ، وَاِطَّلَعُوا عَلَى التارِيخِ البَدَوِيِّ فِي المِنْطَقَةِ لَوَجَدُوا أَنَّ نِزاعاتِ الحُكّامِ وَالحُرُوبِ وَالغَزَواتِ وَالاِنْتِفاضاتِ وَالتَمَرُّداتِ لَمْ تَتَوَقَّفْ مُنْذُ دَوْمَةِ الجَنْدَلِ وَالحَيْرَةِ إِلَى القادِسِيَّةِ وَاليَرْمُوكِ وَما بَعْدَها وَحَتَّى يَوْمِنا هٰذا، وَأَنَّ المُدُنَ الَّتِي أُنْشِئَت بِما فِيها البَصْرَةُ وَالكُوفَةُ وَواسِطُ وَبَغْدادُ نَفْسُها لَمْ تَنْشَأْ إِلّا لِأَغْراضٍ عَسْكَرِيَّةٍ لِمَصالِحِ السُلْطانِ، وَأَنَّنا لا نَجِدُ مُنْذُ ذٰلِكَ التارِيخِ وَحَتَّى يَوْمِنا هٰذا، وَلَوْ عُقِدَ واحِدٌ (عَشْرَ سَنَواتٍ) مَرَّ بِسَلامٍ وَدُونَ دِماءٍ وَقِتالٍ أَساسُهُ العَصَبِيَّةُ القَبَلِيَّةُ وَالتَفْكِيرُ البَدَوِيُّ فَخِلافَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ الَّذِي اِتَّخَذَ الكُوفَةَ عاصِمَةً لَهُ وَالَّتِي لَمْ تَسْتَمِرَّ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةِ أَعْوامٍ قامَتْ بِها ثَلاثُ حُرُوبِ الجَمَلِ وَصِفِّينَ وَالنَهْرَوانِ وَالأُمَوَيْنِ مُنْذُ مُعاوِيَةَ وَحَتَّى مَرْوانَ لَمْ تَهْدَأْ الحُرُوبُ فِي زَمَنِهِمْ، وَكانَتْ أَشَدَّ مَعارِكِهِمْ فِي العِراقِ وَقِصَّةَ كَرْبَلاءَ ثُمَّ الثَقَفِيِّ وَوِلايَةِ الحُجّاجِ غَنِيَّةً عَنْ التَعْرِيفِ (وَلَعَلَّ واحِدَةً مِنْ أَشْهَرِ كَلِماتٍ مُعاوِيَةَ هِيَ الَّتِي قالَها فِي مَسْجِدِ النَخِيلَةِ فِي مُحافَظَةِ بابِلَ الآنَ" ما قاتَلْتُكُمْ لِتَصِلُوا وَلا لِتَصُومُوا وَلا لِتَحِجُّوا وَلا لِتَزَكُّوا، وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذٰلِكَ، وَلٰكِنْ قاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ، وَقَدْ أَعْطانِي اللّٰهُ ذٰلِكَ وَأَنْتُمْ كارِهُونَ "(البِدايَةُ وَالنِهايَةُ اِبْنُ كَثِيرِ الجُزْءِ الثامِنُ تَرْجَمَةُ مُعاوِيَةَ وَذِكْرُ شَيْءٍ مِن أَيّامِهِ، وَذَكَرَتها مَصادِرُ كَثِيرَةٌ أُخْرَى) وَإِنْ أَرَدنا المَزِيدَ فَأَغْلَبُ مَعارِكِ الخَوارِجِ ضِدَّ الأُمَوِيِّينَ ثُمَّ العَبّاسِيِّينَ فِي العِراقِ وَكَذا الأَمْرُ مَعَ الزَنْجِ وَقِصَّةُ القَرامِطَةِ وَالبَصْرَةِ شائِعَةٌ وَالمَعْرَكَةُ الفاصِلَةُ بَيْنَ الأُمَوِيِّينَ وَالعَبّاسِيِّينَ وَقَعَت عِنْدَ الزابِ الكَبِيرِ فِي العِراقِ وَلِأَنَّ الاِعْرابَ يُحِبُّونَ التارِيخَ مُحَلّىً بِالسُكَّرِ تَناسَوْا أَنَّ الدَوْرَ المُهِمَّ كانَ لِأَبُو مُسْلِمٍ الخُراسانِي الفارِسِيِّ وَأَنَّ أَبا العَبّاس السَفّاحُ وَأَنْ يُعِدَّ الخَلِيفَةَ الأَوَّلَ وَبِدايَةَ خِطابِهِ فِي الكُوفَةِ إِيذاناً بِبَدْءِ حُكْمِ العَبّاسِيِّينَ إِلّا أَنَّهُم تَجاهَلُوا دَوْرَ أَوَّلِ الوُزَراءِ وَاللاعِبِ المُهِمَّ قَبْلَ وَبَعْدَ الدَعْوَةِ وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ الخِلالُ فَقَتَلُوهُ كَما قَتَلَ المَنْصُورُ أَبُو مُسْلَم الخُراسانِي، بَلْ أَنَّ الحُكْمَ وَحُرّاسَهُ وَجُيُوشَهُ وَعَوائِلَهُ وَدَواوِينَهُ كانَتْ فارِسِيَّةً " كَما هِيَ اليَوْمَ" وَلَمْ يَأْمَنْ العَبّاسِيِّينَ لِلشامِ، وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِن دِمَشْقَ لِذا اِتَّخَذُوا الكُوفَةَ عاصِمَةً، بَلْ إِنَّهُم لَمْ يَأْمَنُوا الكُوفَةَ نَفْسَها عاصِمَةَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ، فَأَسَّسُوا الهاشِمِيَّةَ فِي الأَنْبارِ إِلَى أَنْ بَنَى المَنْصُورُ بَغْدادَ الَّتِي غَدَت العاصِمَةَ لِلعَبّاسِيِّينَ لِفَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ، بَلْ إِنَّ المَنْصُورَ أَنْتَقِلُ مِن هاشِمِيَّةِ الأَنْبارِ إِلَى هاشِمِيَّةٍ أُخْرَى قُرْبَ النَجَفِ، وَلَمْ تَكُنْ كُلُّ تِلْكَ الهَواجِسِ تَخْرُجُ عَن الطابَعِ الأَمْنِيِّ وَالعَسْكَرِيِّ تَماماً كَما "الخَضْراءُ اليَوْمَ" الفِرَقُ الوَحِيدُ هُوَ أَنَّ الهاشِمِيَّةَ وَبَغْدادَ كانَت عاصِمَةَ القَرارِ وَالحُكْمِ وَالخَضْراءِ اليَوْمَ أَقْرَبَ إِلَى واقِعِ الحُكْمِ دُونَ القَرارِ فَالقَرارُ يُتَّخِذُ فِي عاصِمَةٍ أُخْرَى تَتَّخِذُ مِن التَرْبِيَةِ البَدَوِيَّةِ أَساساً لِتَنْفِيذِهِ، البَدَوِيُّ يُعْقِدُ التَحالُفَ اليَوْمَ وَيَنْقَلِبُ عَلَيْهِ غَداً، مُلُوكُ الطَوائِفِ الاعراب فِي تَنافُسٍ مُسْتَمِرٍّ عَلَنِيٍّ وَمُسْتَتِرٍ،وَلَوْ عُدْنا إِلَى تارِيخِ الدَوْلَةِ العُثْمانِيَّةِ فِي العِراقِ لَوَجَدْناهُ تارِيخَ الصِراعِ بَيْنَ القَبائِلِ البَدَوِيَّةِ وَغَزَواتِها، وَنَهَبِها وَمُحاوَلاتِ السَلاطِينِ السَيْطَرَةَ عَلَى ذٰلِكَ بِالمالِ تارَةً وَالقُوَّةَ تارَةً أُخْرَى، وَأَشَرْنا أَعْلاهُ إِلَى بَعْضِ ذٰلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ الصِراعُ الطَوِيلُ العُثْمانِيُّ الصَفَوِيُّ (1623-1639) عَلَى أَرْضِ العِراقِ إِلّا لِأَنَّهُ يَضُمُّ عَشائِرَ تَمِيلُ إِلَى هٰذا الطَرَفِ أَوْ ذاكَ، أَنَّ كُلَّ ذٰلِكَ وَهٰذا هُوَ فِي واقِعِ الأَمْرِ تارِيخُ الحُكْمِ البَدَوِيِّ فِي العِراقِ.
كَتَبَ اِبْنُ خَلْدُونَ فِي مُقَدِّمَتِهِ فِي الفَصْلِ السادِسِ وَالعِشْرِينَ مِنْ البابِ الثانِي "فِي أَنَّ العَرَبَ "وَيَقْصِدَ طَبْعاً البَدْوَ" إِذا تَغَلَّبُوا عَلَى الأَوْطانِ أَسْرَعَ إِلَيْها الخَرابُ وَالسَبَبُ يَكْمُنُ فِي تَوَحُّشِهِمْ، بِاِسْتِحْكامِ عَوائِدِ التَوَحُّشِ فِيهِمْ، فَصارَ لَهُمْ خَلْقاً وَجَبْلَةً" وَهُوَ يُورِدُ فِي ذٰلِكَ الكَثِيرِ مِن الأَمْثِلَةِ مِن العِراقِ وَالشامِ وَشَمالِ أَفْرِيقْيا، وَلَعْنا اليَوْمَ نَعِيشُ وَنَشْهَدُ أَسْطَعَ حالاتِ التَوَحُّشِ وَذٰلِكَ لِأَنَّ البَداوَةَ فِي أَقْوَى مَراحِلِها بَعْدَ أَنْ شَهِدْنا ما يُقارِبُ القَرْنَ مِنْ الصِراعِ الاِجْتِماعِيِّ وَالفِكْرِيِّ بَيْنَ المَدَنِيَّةِ (الإِصْلاحِ وَحَرَكَةِ النَهْضَةِ وَالتَحْدِيثِ) وَبَيْنَ البَداوَةِ. وَلا نَسْعَى إِلَى الذَهابِ بَعِيداً فِي التارِيخِ نَذْكُرُ أَنَّ المَلِكَ فَيْصَل الأَوَّل مَلِكَ العِراقِ (وَإِنْ كانَ بَدَوِيّاً، إِلّا أَنَّهُ تَأَثَّرَ نَتِيجَةَ سِيرَتِهِ الطَوِيلَةِ فِي إِسْطَنْبُولَ مَعَ والِدِهِ وَأَفْكارِ الجامِعَةِ الطُورانِيَّةِ أَوْ أَفْكارِ عَصَبَةِ الوَطَنِ العَرَبِيِّ بِالمَدَنِيَّةِ، وَأَرادَ أَنْ يَسِيرَ عَلَى بَعْضِ خُطاها أَوْ خُطَى جَدِّهِ الأَوَّلِ، وَرَغْمَ أَنَّهُ كانَ الاِبْنَ الثالِثَ لِأَبِيهِ الحُسَيْنِ شَرِيف مَكَّةَ، إِلّا أَنَّهُ الأَقْرَبُ إِلَيْهِ وَقِصَّةُ فَيْصَلٍ طَوِيلَةٌ وَمُفِيدَةٌ ذُو شُجُونٍ قَدْ نَعُودُ إِلَيْها فِي دِراسَةٍ) كانَ قَدْ كَتَبَ مُذَكِّرَةً إِلَى بَعْضِ وُزَرائِهِ وَبَعْضِ السِياسِيِّينَ مِمّا يَقُولُ فِيها: "أَنَّ البِلادَ العِراقِيَّةَ مِنْ جُمْلَةِ البُلْدانِ الَّتِي يَنْقُصُها أَهَمُّ عُنْصُرٍ مِنْ عَناصِرِ الحَياةِ الاِجْتِماعِيَّةِ ذٰلِكَ هُوَ الوَحْدَةُ الفِكْرِيَّةُ وَالمَلَلِيَّةُ وَالدِينِيَّةُ، فَهِيَ وَالحالَةُ هٰذِهِ مُبَعْثَرَةُ القُوَى، مُنْقَسِمَةً عَلَى بَعْضِها، يَحْتاجُ ساسَتَها أَنْ يَكُونُوا حُكَماءَ مُدْبِرِينَ، وَفِي عَيْنِ الوَقْتِ أَقْوِياءُ مادَّةٌ وَمَعْنىً، غَيْرُ مَجْلُوبِينَ لِحِساباتٍ أَوْ أَغْراضٍ شَخْصِيَّةٍ، أَوْ طائِفِيَّةٍ، أَوْ مُتَطَرِّفَةٍ، يُداوِمُونَ عَلَى سِياسَةِ العَدْلِ وَالمُوازَنَةِ، وَالقُوَّةِ مَعاً، عَلَى جانِبٍ كَبِيرٍ مِنْ الاِحْتِرامِ لِتَقالِيدِ الأَهالِي، لا يَنْقادُونَ إِلَى تَأْثِيراتٍ رَجْعِيَّةٍ، وَالمُذَكِّرَةِ طَوِيلَةٌ وَمِمّا يَقُولُ فِيها" السَوادُ الأَعْظَمُ الجاهِلُ المُسْتَعِدُّ لِقَبُولِ كُلِّ فِكْرَةٍ سَيِّئَةٍ بِدُونِ مُناقَشَةٍ....... وَلَوْ كانَتْ البِلادُ خالِيَةً مِنْ السِلاحِ لَهانَ الأَمْرُ لا كُنْهَ يُوجَدُ فِي المَمْلَكَةِ ما يَزِيدُ عَلَى المِائَةِ أَلْفِ بُنْدُقِيَّةٍ يُقابِلُها خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفَ بُنْدُقِيَّةٍ حُكُومِيَّةٍ،" فِي مُذَكِّرَتِهِ فَهُوَ يُرَكِّزُ عَلَى ضَعْفِ الحُكُومَةِ مُقابِلَ الشَعْبِ (وَيَقْصِدُ هُنا العَشائِرَ) وَطَبْعاً الآنَ نَرَى وَضْعَ العَشائِرِ، وَمَنْ يُمْسِكُ بِالحُكُومَةِ هُمْ فِي الواقِعِ ما عُرِفَ بِالدَوْلَةِ العَمِيقَةِ المُرْتَبِطَةِ مَصالِحَها بِأَجَنَداتٍ أُخْرَى غَيْرِ الشَعْبِ، وَلَوْ اِنْتَبَهْنا إِلَى المَقُولَةِ القَدِيمَةِ الَّتِي يَرُدُّها عَدَدٌ مِنْ الباحِثِينَ، وَالَّتِي تَقُولُ كُلَّما قَوِيَّةِ الدَوْلَةِ ضَعُفَتْ العَشائِرَ وَالعَكْسَ صَحِيحٌ كُلَّما ضَعُفَتْ الدَوْلَةُ قَوِيَّتْ العَشائِرُ وَقِيَّمَها الاِجْتِماعِيَّةَ، وَطَبَّقْناها عَلَى عِراقِ اليَوْمِ كَما هُوَ ماثِلٌ أَمامَنا فِي حالَةِ ضَعْفٍ كَبِيرٍ وَالمُقابِلِ، فَإِنَّ الدَوْلَةَ العَمِيقَةَ مُتَمَثِّلَةٌ بِالمِلِيشْياتِ وَذاتِ القِيَمِ الفِكْرِيَّةِ العَشائِرِيَّةِ المُتَخَلِّفَةِ هِيَ الَّتِي تَحْكُمُ وَالقَرارُ يَأْتِي مِن خارِجِ مَنْظُومَةِ الشَعْبِ العِراقِيِّ
أَمّا أَمِين الرَيْحانِي فَيَقُولُ فِي كِتابِ تَأْرِيخِ نَجِدُ الحَدِيثَ وَمُلْحَقاتِهِ فِقْرَةَ البَدْوِ وَالهَجْرِ "البَدْوُ مُنْذُ القَدَمِ عُصاةٌ، عُتاةٌ وَلَهُمْ غَرِيزَةٌ دِينِيَّةٌ غَذَّتْها الخُرافاتُ، وَمَطامِعُ تَكادُ تَنْحَصِرُ بِالأَقْواتِ، فَهُمْ يُسارِعُونَ إِلَى القِتالِ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ، كُلَّما نَفَرَ النافِرُ، وَضاقَ بِهِمْ العَيْشُ، وَلٰكِنَّهُمْ فِي طاعَتِهِمْ وَإِخْلاصِهِمْ وَجِهادِهِمْ وَوَلائِهِمْ لا يَتَحَمَّلُونَ فَوْقَ طاقَتِهِمْ وَقَلَّما يُفادُونَ بُشِيٌّ مِنْ أَشْيائِهِمْ يُحارِبُونَ وَيُشَرِّدُونَ وَيَخُونُونَ وَهُمْ وَأَنْ غالُوا فِي دِينِهِمْ لا يُثْبِتُونَ بَلْ إِنَّهُمْ فِي الرَدَّةِ سَرِيعُونَ، .... دَعاهُمْ مُسَيْلِمَةً فَلَبُّوهُ، ثُمَّ دَعاهُمْ الشَيْخُ طاهِر القُرْمُطِي فَحارَبُوا مَعَهُ كَالبُنْيانِ المَرْصُوصِ ثُمَّ تَشَتَّتُوا بَعْدَ كَسْرَةِ القَرامِطَةِ، فَجاءَتْهُم مِن البَصْرَةِ وَالنَجَفِ عَقائِدُ فِي الدِينِ جُدِّدَت فِي جَمْعِ شَمْلِهِم وَتَعْزِيزِ مَدِّهِم فَبَنَوْا القِبابَ فَوْقَ القُبُورِ وَعَلَّقُوا الرِقاعَ عَلَى الأَشْجارِ –سُبْحانَ مَنْ هُوَ صَدِيقٌ لِلواحِدِ القَهّارِ- ثُمَّ جاءَ اِبْنُ عَبْدِ الوَهّاب يُعَلِّمُهُم أَنَّ التَسْبِيحَ لا يَجُوزُ لِغَيْرِ اللّٰهِ الواحِدِ القَهّارِ جاءَ يُعَلِّمُهُم التَوْحِيدَ وَاِسْتَعانَ عَلَى ذٰلِكَ بِسَيْفِ اِبْنِ سُعُود فَقامُوا يُحارِبُونَهُ مَعَ أَبْنِ الدَوّاسِ وَاِبْنِ العُرَيْعِرِ وَكانُوا مَدْحُورِينَ. جَمَعَهُم اِبْنُ سُعُود تَحْتَ عِلْمِ التَوْحِيدِ، فَوَحَّدُوا اللّٰهَ وَأَقْسَمُوا أَنْ لا شَرِيكَ لَهُ، وَلٰكِنَّهُمْ فِي كُلِّ أَطْوارِهِمْ بَدْوٌ، وَالبَدْوُ مِثْلُ ذِي الاِجْنِحَةِ طَيّارُونَ، وَأَنَّ لَهُمْ مَزِيَّةَ الزِئْبَقِ، فَيَجْتَمِعُونَ وَيَفْتَقِرُونَ وَأَنْتَ تَتْلُوا الفاتِحَةَ، .... رِفاقَكَ فِي الطَرِيقِ اليَوْمَ، وَأَعْدائِكَ غَداً، وَلا أَظُنُّهُمْ لَوْلا الجَنَّةُ وَالحُورِيّاتُ، يَخْضَعُونَ لِرَبِّ الكائِناتِ ..... وَلٰكِنَّ النَبِيَّ نَفْسَهُ أَنَبَهُمْ وَلَمْ يَنْفَعْهُمْ التَأْنِيبُ (تَأْرِيخُ نَجْدِ الحَدِيثِ وَمُلْحَقاتِهِ أَمِين الرَيْحانِي فِقْرَةُ البَدْوِ وَالهَجْرِ ص 232 وَهُوَ فَصْلٌ طَوِيلٌ وَمُشَوِّقٌ بَلْ وَالكِتابُ كُلُّهُ وَفِيهِ الشَرْحُ الكَثِيرُ عَن القِيَمِ البَدَوِيَّةِ) وَلَوْ تَتَبَّعْنا التارِيخَ بَعْدَ الرَيْحانِيِّ وَحَتَّى اليَوْمِ وَطَبَّقْناهُ عَلَى العِراقِ لَما وَجَدْنا غَيْرَ ذٰلِكَ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ وَتَنَوَّعَت القِياداتُ وَالمَطالِبُ. وَفِي صَحِيحِ البُخارِيِّ"...أَنَّ أَبا هُرَيْرَة قالَ: قامَ رَسُولُ اللّٰهِﷺ فِي صَلاةٍ وَقُمْنا مَعَهُ، فَقالَ أَعْرابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَلاةِ: اللّٰهُمَّ اِرْحَمْنِي وَمُحَمَّداً، وَلا تَرْحَمْ مَعَنا أَحَداً، فَلَمّا سَلَّمَ النَبِيُّ قالَ لِلأَعْرابِيِّ: "لَقَدْ حَجِرْتُ واسِعاً"يُرِيدُ رَحْمَةَ اللّٰهِ (البُخارِيُّ كِتابَ الأَدَبِ بابُ رَحْمَةِ الناسِ وَالبَهائِمُ 6010 ص 1084) ذٰلِكَ هُوَ الأَعْرابِيُّ.
وَالمُسْتَشْرِقُ التْشِيكِيُّ الوِيس مُوسِيل يُؤَكِّدُ فِي ذٰلِكَ السِياقِ قَبْلَ الرَيْحانِيِّ بِعِدَّةِ عُقُودٍ حِينَ يَقُولُ "إِنَّ البَدْوَ مُسْلِمُونَ بِالاِسْمِ فَقَط فَهُم فِي الحَقِيقَةِ لا يُؤَدُّونَ تَعالِيمَ الإِسْلامِ وَلا يُقَدِّسُونَ الأَماكِنَ وَالمَتاعَ (وَيُعَدُّ مِن أَهَمِّ مَنْ كَتَبُوا عَن المِنْطَقَةِ الَّتِي تَنْقُلُ فِيها، وَعاشَ مَعَ قَبائِلِها وَخاصَّةً قَبائِلَ الرولَةِ وَيَصِفُهُ المُجَمَّعُ العِلْمِيُّ العِراقِيُّ الَّذِي تَرْجَمَ وَنَشَرَ أَحَدُ أَعْمالِهِ العَدِيدَةِ بِأَنَّهُ دَقِيقُ المُلاحَظَةِ واسِعُ الأُفُقِ وَغَنِيُّ المَعْلُوماتِ وَعُمْقُ التَفْكِيرِ وَشُمُولُهُ المَعْرِفَةُ وَالاِتِّزانُ بِالحُكْمِ، فَيَكُونُ مِنها صُورَةٌ صادِقَةً قَدْ تُغَنِّينا، تَرْجَمَ وَنَشَرَ المُجَمَّعُ العِلْمِيُّ العِراقِيُّ مُؤَلِّفُهُ الفُراتِ الأَوْسَطَ) (المَقْطَعُ المَأْخُوذُ أَعْلاهُ مِن دِراسَتِهِ آلَ سُعُودِ دِراسَةٌ فِي تَأْرِيخِ الدَوْلَةِ السَعُودِيَّةِ ص55) أَوْ كَما يَقُولُ عَلِي الوَرْدِي العَرَبِيُّ بَدَوِيٌّ فِي عَقْلِهِ الباطِنِ، مُسْلِمٌ فِي عَقْلِهِ الظاهِرِ " (وَعاظُ السَلاطِينِ ص 20) وَفِي حَدِيثٍ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طالِبٍ " وَاِعْلَمُوا أَنَّكُمْ صِرْتُمْ بَعْدَ الهِجْرَةِ أَعْراباً، وَبَعْدَ المُوالاةِ أَحْزاباً ، ما تَتَعَلْوقُونَ مِن الإِسْلامِ إِلّا بِاِسْمِهِ وَلا تَعْرِفُونَ مِن الإِيمانِ إِلّا رَسْمَهُ" ( نَهْجُ البَلاغَةِ شَرْحُ الشَيْخِ مُحَمَّد عَبْدِه دارُ البَلاغَةِ الجُزْءُ الثانِي 192-ص 440) وَلِذٰلِكَ فَإِنَّ الشِعارَ الَّذِي رَفَعَهُ الشَبابُ إِبّانَ الاِنْتِفاضَةِ فِي العِراقِ عامَ 2019 "بِسَمِّ الدِينِ باكونه" سَرَقُونا" الحَرامِيَّةَ "اللُصُوصِ" صَحِيحٌ تَماماً فَهُوَ مِن صَمِيمِ قِيَمِ البَداوَةِ ، فَالبَدَوِيُّ عِنْدَما يُمارِسُ النَهْبَ إِنَّما يُمارِسُ طَبِيعَةً اِعْتادَ عَلَيْها لا يَجِدُ فِيها أَيَّ تَعارُضٍ مَعَ القِيَمِ الأَخْلاقِيَّةِ
وَيُناقِشُ المُفَكِّرُ مُحَمَّد عابِد الجابِرِي فِي كِتابِهِ "فَكَّرَ أَبِنُ خَلْدُونَ العَصَبِيَّةِ وَالدَوْلَةِ" عِدَّةَ مَوْضُوعاتٍ مِنْها ما يَتَعَلَّقُ بِطِباعِ البَداوَةِ (وَالَّتِي نَعِيشُها يَوْمَنا هٰذا) وَتَحْدِيداً المُتَمَثِّلَةَ بِخُشُونَتِها أَمامَ ما يُسَمِّيهِ بِرِقَّةِ الحَضارَةِ وَطَبْعاً، فَإِنَّ تِلْكَ الخُشُونَةَ كانَتْ نَتِيجَةً طَبِيعِيَّةً لِقَفْرِ الصَحْراءِ الَّتِي يَعِيشُونَ فِيها فِي صِراعٍ مُسْتَمِرٍّ مِنْ أَجْلِ البَقاءِ، أَيْ أَنَّ الأَساسَ اِقْتِصادِيٌّ، حَيْثُ إِنَّ البَدَوِيَّ يَعِيشُ عَلَى المَعاشِ الطَبِيعِيِّ وَهُوَ بِالكادِ ما يَكْفِي بِحِفْظِ الحَياةِ، تِلْكَ الحَياةُ تَقُودُ إِلَى الخَوْفِ الدائِمِ، فَهُمْ وَالحالُ يَنْزِلُونَ مِنْ الأَهْلِينَ مَنْزِلَةَ المُفْتَرِسِ مِنْ الحَيَواناتِ (وَطَبْعاً هٰذا ذَكَرُهُ اِبْنُ خَلْدُونَ فِي مُقَدِّمَتِهِ) أَنَّ تِلْكَ الطَبِيعَةَ تَخْلُقُ أَيْضاً عَدَمَ الثِقَةِ بِالآخَرِينَ؛ وَبِالتّالِي فَإِنَّ الآخَرَ يَكُونُ مادَّةً لِلغَزْوِ وَالسَرِقَةِ أَوْ القَتْلِ. وَهٰذا يُفَسِّرُ لَنا أَيْضاً الحَرْبَ الدائِمَةَ فِي الصَحْراءِ، وَالَّتِي يَقُولُ عَنْها الوَرْدِيُّ أَنَّها هِيَ الأَصْلُ وَالسَلامُ هُوَ الطارِئُ، فَهُمْ يَتَقاتَلُونَ لِأَتْفَهِ الأَسْبابِ حَتَّى يَوْمِنا هٰذا.
وَنُورِدُ فِيما يَلِي بَعْضَ المُقْتَطَفاتِ مِن دِراساتٍ وَأَبْحاثٍ قَدِيمَةٍ قِيلَت فِي تَوْصِيفِ البَدْوِ وَقِيَمِهِم، وَلا نَوَدُّ مِنها إِلّا أَنْ يُقارِنَها القارِئُ مَعَ ما يَعِيشُهُ وَيُشاهِدَهُ اليَوْمَ مِن السِياسِيِّينَ وَأَصْحابِ السُلْطَةِ، لِيَتَأَكَّدَ مِن حَقِيقَةِ أَنَّ مَنْ حَكَمَنا، وَيَحْكُمُنا إِنَّما هُم الاِعْرابُ وَلَيْسَ العَرَبَ، وَأَنَّنا لا نَسْتَطِيعُ الخَلاصَ مِنْ كُلِّ ذٰلِكَ ما دامَت البَدْواهُ وَقِيَمُها هِيَ السائِدَةُ فِي كروموسوماتِ الغالِبِيَّةِ:
يَقُولُ الدكتورُ فليب حَتِّي فِي كِتابِهِ الصادِرِ بِاللُغَةِ الإنكليزِيَّةِ عامَ 1937 تَأْرِيخُ العَرَبِ وَالَّذِي تُرْجِمَ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ لُغاتٍ "لَقَدْ قَضَت أَحْوالُ البادِيَةِ الاِقْتِصادِيَّةُ وَالاِجْتِماعِيَّةُ بِرَفْعِ الغَزْوِ، وَهُوَ فِي الواقِعِ نَوْعٌ مِنْ اللُصُوصِيَّةِ، إِلَى مَرْتَبَةٍ يُقِرُّها النِظامُ القَوْمِيُّ. فَأَصْبَحَ الغَزْوُ مِن أَرْكانِ البِناءِ الاِقْتِصادِيِّ فِي الهَيْئَةِ الاِجْتِماعِيَّةِ البَدَوِيَّةِ. وَاِسْتَوْلَى حُبُّ القِتالِ عَلَى نُفُوسِ أَهْلِ البَوادِي، حَتَّى أَصْبَحَ حالَةً عَقْلِيَّةً مُزْمِنَةً، .......وَيَجُوزُ اِعْتِبارُ الغَزْوِ ضَرْباً مِنْ الرِياضَةِ القَوْمِيَّةِ " وَبِهٰذا، فَإِنَّ الغَزْوَ قَدْ لا يَكُونُ بِقَصْدِ القَتْلِ، وَلٰكِنَّ الغَنِيمَةَ وَالسَطْوَةَ وَقَدْ عَبَّرَ عَنْها مُعاوِيَةَ" قاتِلَتَكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ "، (وَالبَدَوِيُّ اليَوْمَ يَغْزُو أَمْوالَ الدَوْلَةِ، وَيَعْتَبِرُها غَنِيمَةً مَشْرُوعَةً. وَفِي مَكانٍ آخَرَ يُشَدِّدُ فلِيب حَتِّي عَلَى قَضِيَّةٍ نَعِيشُها حَتَّى يَوْمِنا هٰذا بِقُوَّةٍ فَهُوَ يَقُولُ:" لَيْسَ بَيْنَ الشُعُوبِ غَيْرِ العَرَبِ مَنْ يَرْفَعُ أَمْرَ مَعْرِفَةِ الأَنْسابِ إِلَى مَرْتَبَةِ العُلُومِ العالِيَةِ " فَمِن جَمْهَرَةِ النَسَبِ لِهِشامِ بِنِ السائِبِ الكَلْبِيِّ رِوايَةُ أَبِي سَعِيد السُكَّرِي وَمُحَمَّد بِن حَبِيبٍ لِياقُوت الحَمَوِيِّ لِاِبْنِ النَدِيمِ مُرُوراً بِنِهايَةِ الأَرْبِ لِمَعْرِفَةِ أَنْسابِ العَرَبِ لِأَبُو العَبّاسِ القَلْقْشَنْدِيِّ إِلَى أَنْسابِ الأَشْرافِ لِلبَلاذِرِيِّ وُصُولاً إِلَى عَشائِرِ العِراقِ لِعَبّاس العَزّاوِي وَغَيْرِها العَشَراتِ مِن المُؤَلَّفاتِ وَالتَعارُفِ فِي العِراقِ يَبْدَأُ " مِنْ أَيِّ الأَعْمامِ أَنْتَ" ثُمَّ ما رِواياتُ أَصْلِ العَرَبِ (العارِبَةُ وَالمُسْتَعْرِبَةُ وَالبائِدَةُ) إِلّا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى التَمَسُّكِ ذاكَ بِالأَنْسابِ.
إِنَّ البَدَوِيَّ يَشْعُرُ دَوْماً بِتَفَوُّقِهِ عَلَى الحَضَرِيِّ، بَلْ إِنَّهُ يُعْتَبَرُ الحَضَرِيَّ ناقِصاً، وَلا يُرِيدُ الاِشْتِراكَ مَعَهُ وَالجَمِيعُ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُسَمِّي الوَظِيفَةَ مِهْنَةً (مِنْ المَهانَةِ) كَما يَقُولُ الوَرْدِيُّ فِي مَقْطَعٍ حَوارِيٍّ يَنْقُلُهُ الوَيس مُوسِيل مِنْ إِحْدَى رِحْلاتِهِ فِي مَداخِلِ مَمَرّاتِ الهَرَيانِ الثَلاثَةِ حَيْثُ قَبَرَ زَعِيمُ الفُدْعانِ تُرْكِي أَبَن مُهِيد:
موسيل: "لِماذا تَحْتَرِمُونَ قَبْرَ تُرْكِي؟" سَأَلْتُ بِلِيهان "كُنْتُ اِعْتَقَدَ أَنَّكُمْ لاتُقِيمُونَ التَماثِيلَ لِلعَرابِينَ كَما يَفْعَلُ الحَضَرُ"
بِلِيهان " نَحْنُ البَدْوُ لَيْسَ لَنا عَرّابُونَ مِثْلَ أُولٰئِكَ الحَضَرِ الَّذِينَ يُعْلِنُونَ أَنَّنا لَنْ نَدْخُلَ الجَنَّةَ، وَإِذا كانَ لِي أَنْ أَقُولَ الحَقَّ فَإِنَّنِي أَقُولُ لا نَرْغَبُ حَتَّى فِي دُخُولٍ إِلَى الجَنَّةِ حَيْثُ يَسْكُنُ الحَضَرُ"(الوِيس مُوزِيل فِي الصَحْراءِ العَرَبِيَّةِ دارَ الوِراقِ ص 66)
وَاِخْتِصاراً نَذْكُرُ أَدْناهُ مَجْمُوعَةً مِن القِيَمِ الشَخْصِيَّةِ الَّتِي يُؤْمِنُ بِها الاِعْرابُ يُمْكِنُ أَنَّ لِلقارِئِ أَنْ يُقارِنَها بِما يَعِيشُهُ فِي الحَياةِ اليَوْمِيَّةِ فِيمَنْ حَكَمَنا وَيَحْكُمُنا:
قاتِلٌ غَيْرُ مَقْتُولٍ، سارِقاً غَيْرَ مَسْرُوقٍ، مُسَيْطِرٍ وَلَيْسَ خانِعاً، مُعْتَدِياً وَلَيْسَ مُعْتَدِياً عَلَيْهِ، حاكِماً لَيْسَ مَحْكُوماً، ناهِباً غَيْرَ مَنْهُوبٍ، غاضِباً غَيْرَ مَغْضُوبٍ عَلَيْهِ، بَطَلٌ شُجاعٌ وَلَيْسَ جَباناً رِعْدِيدٌ، قَوِيّاً لَيْسَ ضَعِيفاً، مُجِيراً لا مُسْتَجِيراً، قادِراً غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، حامِياً لَيْسَ مَحْمِيّاً، مَسْؤُولاً وَلَيْسَ سائِلاً، مَشْكُوراً لا شاكِراً، كَرِيماً، لا بَخِيلَ، الحَقُّ لَهُ لا عَلَيْهِ، مُغِيثاً لا مُسْتَغِيثَ، حامِياً لا مَحْمِيّاً، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي المُقَدِّمَةِ لا المُؤَخِّرَةِ فاِرْضاً لَيْسَ مُفْرِضاً عَلَيْهِ، سَرِيعُ الغَضَبِ شَدِيدُ النِقْمَةِ، لا يَحْتَمِلُ النَقْدُ مَهْما كانَ بَسِيطاً، ، شَدِيدُ القَسْوَةِ فِي الاِنْتِقامِ، خانِعاً لِلقَوِيِّ مُتَجَبِّرٌ عَلَى الضَعِيفِ، يُبالِغُ فِي الفَخْرِ وَالمَدْحِ وَالذَمِّ (يُفاخِرُ بِكَثْرَةِ الأَوْلادِ وَالاِتِّباعِ وَالخِيامِ وَالإِبِلِ وَالخَيْلِ وَالنِساءِ يُحِبُّ الأَلْقابَ وَمُقَدِّماتِ التَعْظِيمِ
إِنَّنا نَعْتَقِدُ أَنَّ الاِعْرابَ هُم مَنْ يَحْكُمُنا وَيَتَحَكَّمُ بِمَصائِرِ العِبادِ وَلا خَلاصَ وَلا اِسْتِقْرارَ وَلا نُمُوَّ وَتَطَوَّرُ ما لَمْ يُصارِ إِلَى إِلْغاءِ قِيَمِ البَداوَةِ المُتَمَتْرِسَةِ تَحْتَ الجُلُودِ، وَإِنَّ الحَدِيثَ عَن الدِيمُقراطِيَّةِ وَالدُسْتُورِ وَالسُلُطاتِ المُسْتَقِلَّةِ الثَلاثِ وَالتَوافُقِ الوَطَنِيِّ وَالاِنْتِخاباتِ وَالكُتْلَةِ الأَكْبَرِ وَالخَدَماتِ وَمُحاسَبَةِ القَتَلَةِ وَوَقْفِ الفَسادِ المالِيِّ وَالإِدارِيِّ وَغَيْرِها مِن عَشَراتِ المَوْضُوعاتِ لا طائِلَ مِنها وَلَنْ تُساعِدَ عَلَى إِنْقاذِ العِراقِ . لَقَدْ عَبَرَ المُؤَسِّسُ لِلعَرَبِيَّةِ السَعُودِيَّةِ المَلِكُ عَبْدُ العَزِيز آلِ سُعُود فِي حِوارٍ جَرَى فِي مَكَّةَ عامَ1928 مَعَ مُحَمَّد أَسَد (لِيبُولْد فايس) بِحُضُورِ قائِدِ حَرَكَةِ الاِسْتِقْلالِ السُورِيِّ شَكِيب أَرْسَلان ، حَيْثُ قالَ مُحَمَّد أَسَد أَنَّ وادِيَ بِيشا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحُلَّ مُشْكِلَةَ الغِلالِ لِكُلِّ مِنْطَقَةِ الحِجازِ إِذا جَرَى اِسْتِغْلالُهُ بِشَكْلٍ عِلْمِيٍّ فِي الزِراعَةِ، اِهْتَمَّ المَلِكُ بِذٰلِكَ وَسَأَلَنِي: " كَمْ يَسْتَغْرِقُ تَطْوِيرُ وادِي بِيشا بِهٰذِهِ الطَرِيقَةِ؟" وَبِما أَنَّنِي لَمْ أَكُنْ خَبِيراً اِقْتِصادِيّاً قُلْتُ رُبَّما خَمْسٌ إِلَى عَشْرِ سَنَواتٍ، عِنْدَ ذاكَ تَسائَلَ اِبْنُ سُعُودٍ" عَشَرَةَ أَعْوامٍ؟ هٰذا زَمَنٌ طَوِيلٌ جِدّاً. إِنَّنا مَعْشَرُ البَدْوِ لا نَعْرِفُ إِلّا شَيْئاً واحِداً: مَهْما يَكُنْ بِيَدِنا فَإِنَّنا نَضَعُهُ فِي أَفْواهِنا وَنَأْكُلُهُ، التَخْطِيطُ لِعَشَرَةِ أَعْوامٍ يُشَكِّلُ زَمَناً طَوِيلاً جِدّاً بِالنِسْبَةِ لَنا" (مُحَمَّد أَسَد الطَرِيقَ إِلَى مَكَّةَ الأصل الإنكليزي ص 178 وبالعربية فقد حذفت وشوهت الكثير من المقاطع)، وَيُمْكِنُ أَنْ نُعَمِّمَ ذٰلِكَ الاِعْتِرافَ عَلَى الكَثِيرِ مِنْ الجَوانِبِ الأُخْرَى على قِيَمِ البَدَوِيِّ فِي العِراقِ



#عصام_حافظ_الزند (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأحابيش من قريش الى فارس
- تكملة القسم الثالث. النصولي والدولة الاموية
- القسم الثالث. النصولي والدولة الاموية
- القسم الثاني. النصولي والدولة الاموية
- النصولي والدولة الاموية
- أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟
- كالذبال في السراج إذا فني زيته
- كردستان العراق زيارة وحوارات*
- مطالب ساحة التحرير
- قنديل صادق ضوء ازلي
- صادق البلادي
- شخصيات اسلامية بين العلوي والبدوي
- حلم مارتن
- ليحكمنا الانسان الالي
- شبيك..... لبيك ديمقراطي بين ايديك
- ما نحن فيه
- رسالة مفتوحة الى الرئاسات الثلاث
- في وصف حالتنا


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام حافظ الزند - جذور المشكل العراقي