أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صابر ملوكه - البروكرستية Procrustean














المزيد.....

البروكرستية Procrustean


صابر ملوكه
طبيب و كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 7522 - 2023 / 2 / 14 - 08:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


البروكرستية
Procrustean

"بروكرست “هو شخصية في الميثولوجيا اليونانية لقاطع طريق وقاتل كان يعيش في أتيكا وهي منطقه تاريخيه عباره عن شبه جزيرة تضم حاليا أثينا عاصمه اليونان.
وكان لبروكرست طريقة فريدة في التعامل مع ضحاياه. فقد كان يستدرج ضحيته ويُضيّفه ويُكرِم وفادته، وبعد العشاء يدعوه إلى قضاء الليل على سرير من حديد صنعه بنفسه.
الغريب في صنعة هذا السرير أنه لا يلائم احدا ابدا، فاذا كان الضيف طويلا ضاق به، وإذا كان قصيرا أتسع عليه، ومن اجل فك هذه المعضلة خرج علينا بروكرست بحل عجيب غريب. فاذا كان الضيف قصيرا قام بتكسير عظامه ومط جسده لكي يلائم السرير، وإن كان طويلا يقوم بقطع قدميه او رأسه.

استمر بروكرست على هذا المنوال في قتل ضيوفه وسرقة اموالهم حتى حل عليه يوما ضيف يدعى ثيسيوس، كان بطلا اغريقيا مشهودا اخذ على عاتقه مهمة تنظيف البلاد من السراق والقتلة.
وهذه المرة بدلا من ان يقوم بروكرست بملائمة ضيفه على السرير قام ثيسيوس بالعكس، أي وضع بروكرست في سريره، ثم قطع رأسه لكي يتسع له السرير. فكان جزاءه من جنس عمله.
في هذه الأسطورة كان بروكرست يطبق معياره الوحيد للحقيقة، ألا وهو طول السرير الذي يطابق طول بروكرست نفسه وكل شخص لا يتفق طوله مع نفس طول السرير كان يعذب ويقتل.

وتنتهي الأسطورة عند هذا الحد، ولكن لا تنتهي المعاناة!

فإن تلك الشخصية الأسطورية لم تمت إلا جسدًا، أما روحها فهي حاضرة وبقوة في جسد مجتمعاتنا العربية.
أن مجتمعنا العربي يحمل سرير بروكرست معه في كل جلسة للحوار، ناسياً أنه كما لأقدامنا مقاسات فإن لأفكارنا مقاسات تأبي المط أو التشكيل أو القولبة!
إن بروكرست مازالت روحه سارية في مجتمعاتنا
تجد روحه في رجال السياسة وكذلك رجال الدين والإعلام
وتمتد روحه لتسكن المعلمين وأساتذة الجامعات
فإما أن تتطابق أحلام الآخرين وأفكارهم وبرامج حياتهم مع أحلام وأفكار وبرامج هؤلاء، وإما أن يتم إخضاعها وتكييفها بالقهر والقوة البروكرستية.
في مجتمعاتنا نريد الأشخاص والأفكار والادب والفلسفة وحتى النظريات العلمية على مقاس سريرنا والا مصيرها جميعا القتل والتشويه.
لقد أصبح (بروكرست) على مر العصور مثالاً تلقائياً لكل من يجرك إلى زنزانة أفكاره، ومن يمارس عليك عمليتي القص واللزق قبل أن يحدد ما إذا كنت كفء أم لا.
تأصل هذا السلوك واقترن بـ (بروكرست) حتى تم اعتماد مصطلح (البروكرستية).
نعم لقد أصبحت البروكرستيه مصطلح مستخدم وترجمتها العربية هي القولبة الجبرية او احداث التجانس بين الناس بالعنف والاكراه بدون اعتبار للتنوع والاختلاف بين البشر.

انها طريقة غريبة في قتل الناس والأفكار!
ما لديك مختلف عما لدي إذا فليكن مصيرك القتل.
لا يُدرك كثرتنا أن للحقيقة أوجه مختلفة، قد لا تمثلها، لكنها قطعًا تعكس ضرورة اختلاف رؤيتنا.
أقول ذلك لكل من يجعل رأيه مقياسًا للحقيقة، معيارا للصواب والخطأ، القبول والرفض، والحب والعداء.
لا يعني ذلك بحالٍ من الأحوال أن الحقيقة في ذاتها ليست مطلقة، بل يعني بالأحرى أن معطياتنا الحسية، وقدراتنا العقلية على الإدراك تخضع لشروطٍ مكانية وزمانية متغيرة، وبالتالي فمعرفتنا بالأشياء والمواقف ليست مكتملة.
الحالة البروكرستية موجودة من حولنا، سواء في بيوتنا، عندما يحاول رب الأسرة قولبة الأبناء حسب مقاس قناعاته "وسرير" عقله. وفي مجتمعاتنا عندما يحاول كل طرف أن يثبت صحة أفكاره ومعتقداته بمجرد أنها متعارضة مع "سريره" العقلي. ولدى حكوماتنا أيضاً ذات السلوكيات، في تصريحاتها وإعلامها وسياساتها، فلا تروّج إلا لما يرضي رأس الدولة ويزيد من نرجسيته وتضخم ذاته، وتقمع وتشوه وتحاكم وتعزل الآخر المختلف، أكان فرداً أو جماعة، حتى ولو كان في قرار عقلاء الحكومة بأن وجودهم وتشجيعهم مفيد للحكومات..

خلاصة القول.. البروكرستية تمتد الى جميع نواحي الحياة، وقد تكون أنت أو أنا قد مارسناها، أو وقعنا ضحيتها، لذلك في المرة المقبلة حين تحل أي فكرة ضيفا على عقلك فحاول ان تعدل السرير لكي يلائم الضيف لا أن تقطع اوصال الضيف ليلائم سريرك
نعم قد نكون نحن مارسنا (البروكرستية) بشكل أو بآخر، بوعي منا أو بجهل. يحدث هذا عندما لا نقبل الاخر كما هو، بل نحاول حشره في صوره خلقناها لأنفسنا.
لاحظ عندما نحب من يشبهنا فإننا في الواقع نحب أنفسنا فقط، أما الآخرين فمجرد أطياف، والاختلافات مهما كانت صغيرة نحاول مطها أو بترها حتى تطابق سرير عقلنا الحديدي،
والكثير من الناس يعتبرك فراغاً.. معدماً.. حتى تشبهه!
حينها فقط يسمح لك بالارتقاء إلى طبقة المادة والوجود، يدرك أن لك كتلة من المشاعر، وتشغل حيزاً من الفكر
لا بل يعتمد دخولك جنات الخلد إذا كنت تشبهه،
لقد قرر سلفاً أن الجنة للمتشابهين والجحيم تتسع لكل من سواهم.
وكأن الحياة ليست كافية لممارسة (البروكرستية) فعليه أصبح من اللازم أن تمتد إلى ما بعد الوفاة ووراء الطبيعة
نحن حين نقتنع بأننا لسنا محور الكون وبأن هناك أناس ربما يختلفون معنا فكرياً
وان ما نراه اليوم صواباً ربما نغير قناعتنا به مستقبلاً،
وبأن رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب،
حينها نكون قد وضعنا أقدامنا على بداية الطريق الصحيح.



#صابر_ملوكه (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيزيف يتحدى عبثيه الحياه
- أشباح في محطه القطار
- بقايا كلام
- التنوير
- ليبرالي و لا حرج!
- أسئلة بلا اجابات
- الحلم علي طريقة الخنافس
- مسرحية هزلية


المزيد.....




- مهلة -الأسبوعين- التي حددها ترامب بشأن روسيا أصبحت الآن في ا ...
- نصائح موضة عملية لتنظيم حقيبة السفر بأناقة
- مصر.. أول تعليق رسمي على تغيير اسم شارع -قاتل السادات- خالد ...
- نتنياهو: الخطر الإيراني يفوق التهديد الذي مثلته القومية العر ...
- باريس تحترق.. القنوات المائية ومرشات التبريد هما الملاذ الوح ...
- أين اختفى الفهد الأسود؟ القضية تتفاعل في بلغاريا وتكهّنات بع ...
- بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.. هل تتوقف الحرب في غ ...
- -نزع سلاح حزب الله-.. هل ما زال لبنان يمتلك هامشا للتفاوض؟
- إغلاق جزئي لبرج إيفل ومنع وسائل النقل الملوثة... حالة تأهب ق ...
- صحيفة لوفيغارو تستعيد وصف جحيم باريس خلال موجة الحر عام 1911 ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صابر ملوكه - البروكرستية Procrustean