أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الفضل شلق - وعظ أبو ملحم حول العيش سوية















المزيد.....

وعظ أبو ملحم حول العيش سوية


الفضل شلق

الحوار المتمدن-العدد: 7508 - 2023 / 1 / 31 - 11:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



لا يمكن العيش سوية في إطار الدولة اللبنانية الحالية طالما أن الأمور تدار كما نرى. الإدارة الراهنة، ومنذ تسع سنوات، هي ما يقود الى التقسيم، بالأحرى اهتراء، ليصير البلد هباءً منثوراً، أو يقود الى حرب أهلية. وهي ستكون من طرف واحد هو حزب الله، لأن الأفرقاء الآخرين ليس لديهم العديد والعتاد. أو يقود الى قمع شديد يمارسه فريق يملك أسباب القوة والنية.

أوضاع الناس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كثر الحديث فيها. وهي أوضاع لا ينتج عنها إلا مجتمع مرهق مشلول القوى. يبدو الشلل حقنة فيروس أصابت المجتمع بعد ثورة 17 تشرين. معاقبة للمجتمع اللبناني على ما حصل.

استحالة العيش سوية يعبر عنها هذا السيل الجارف من الكره والبغض الذي يتبادله اللبنانيون بواسطة رسائل “التواصل” الاجتماعي. يبدو أن ما يضمره اللبنانيون من مشاعر تجاه بعضهم أسوأ بكثير مما يعلنون. على كل حال ملكة التهذيب مفقودة عندنا. احتقار اللبنانيين للطبقة السياسية، دون استثناء، هو كما يكره المريض داء السرطان عندما يصيبه. العنصرية لا تطال الطوائف الأخرى، بل طائفة صاحب الخطاب. بغض الذات أصبح شائعاً. كيف يعيش الناس سوية إذا كان الواحد منا لا يطيق نفسه.

انتخب اللبنانيون النواب في كل الأقضية بكل انتظام. لا يستطيع النواب المنتخبين أن يقترعوا بدورهم لانتخاب رئيس الجمهورية. باسم التوافق يمنع فريق فائض القوة وجود الموالاة والمعارضة، حتى ولو أدى ذلك الى أكثرية. من يُتفق عليه سلفاً، بالرضا أو بالعنف، والذي يرضى به أساساً حزب الله، ولا يرضى بغيره، هو من سينتج عن التوافق الذي يتبع “الحوار”. وهو الذي سيكون رئيساً بخضوع الجميع. إخضاع الأكثرية جزء من هذه العملية. وضع السيد حسن نصر الله مواصفات الرئيس المقبول وعلى الآخرين الانصياع. ما يبدو عجزاً عن الانتخاب هو منع منه بكل لياقة. وليت حزب الله يقرر من يريد رئيساً.

الخلاف على الرئيس هو خلاف السلطة، واختلاف حول طبيعة النظام، وفي النهاية حول الدولة: هل تكون أو لا تكون.

الدولة هي الإطار الناظم للمجتمع. لا توضع عليها شروط. هي شرط لما عداها. دونها يتحول المجتمع الى كيان فاشل. وقد رأينا ذلك في جميع الجوانب السياسية، والاجتماعية، والبنى التحتية، وفي كل شيء. حتى الأوراق الرسمية في دوائر النظام مفقودة.

إذا لم نسمّه مجتمعاً فاشلاً في ظل دولة معدومة، فإنه قد تذرر تذرراً شبه كامل. كل حي، بل كل بناية تشكل جمهورية قائمة بذاتها أمنياً، وفيما يتعلّق بالخدمات الضرورية كالماء والكهرباء. كما لا يستطيع اللبنانيون العيش سوية في دولة فاشلة، فهم لا يستطيعون ذلك في مجتمع فاشل. المبادرات المحلية هنا وهناك تعني ذلك.

يعرف اللبنانيون كيف يعيشون سوية بالرغم من، بل بسبب، تعدديتهم الطائفية وغيرها. كل المجتمعات في العالم تعددية. نستطيع العيش سوية وتنتظم حياة الناس في دولة، ذات نظام موحد، إن كان ذلك لناحية امتلاك القوة واحتكارها ومنع تعدد مراكز القوة. نظام فيه موالاة وفيه معارضة، وفيه حوار علني يخرج المضمر الى العلن. يعرف اللبنانيون عن بعضهم الكثير فلا لزوم للمضمرات. المجتمع المفتوح هو المجتمع الديمقراطي الوحيد الممكن. بل هو الممكن الوحيد إذا أريد له الاستمرار بمواصفات تضمن الحريات الفردية وجهاز للنظام يدير المجتمع، بمعنى يؤمن الخدمات من البنى التحتية الى الحاجات الاجتماعية. مجتمع مفتوح تكون فيه الدولة واحدة والمواطن مشارك. نحن الآن لسنا دولة مواطنين بل شبه فيدرالية تتشكّل من جماعات هي تجمعات رعايا تذعن ولا تشارك. قال السجين أحد أقرباء ضحايا المرفأ “بلطوا البحر”. الحقيقة أن أصحاب فائض القوة هم من يقولون للمجتمع اللبناني “بلطوا البحر”. منذ تسع سنوات أغلقوا مجلس النواب حتى رضخ الجميع لانتخاب رئيس بعينه. تتكرر التجربة اليوم.

العيش سوية هو في إطار الدولة، لا النظام وحسب، وضمن القانون لا العشوائية التي نراها في نظام لا يصل أحد الى حقه، ولو معاملة بسيطة، إلا بواسطة أحد أكباش الطوائف. والدولة دستور وقوانين ومجتمع يعيش حسب القانون، فيعرف ما له وما عليه، ويستطيع أن يتعاطى أبناؤه فيما بينهم بسوية. السوية لا تكون إلا بالسياسة، وهي أن يشارك الناس في القرارات التي تتخذها الدولة، وأن يتحاوروا حول هذه القرارات، وأن يكون التهذيب والانضباط أسلوبهم، وأن ينسوا آلام الحروب الأهلية، ويتحوّل الأعداء الذين كانوا يتقاتلون منذ زمن الى خصوم في السياسة، وأن تكون السياسة علاقات أفقية بين مواطنين، لا علاقات عمودية بين أكباش طوائف ووجهاء همهم ممارسة الزعامة والسلطة على الآخرين. في السياسة الأفقية احترام متبادل، وفي السياسة العمودية احتقار الأكباش والوجهاء لاتباعهم. والسياسة أيضاً تكون بتراكم التسويات، وليس بأن كل من يأتي للسلطة يدين من قبله ويبدأ من جديد. فكأن كل ما سبق فساد وخطايا، وكأن القادمين الجدد ملائكة لا هم لهم إلا العدل وحسن التأتي. على أهل السياسة في لبنان التخلي عن الدون كيشوتية من ناحية، وعن هدم ما سبق من ناحية أخرى لأنه بنظرهم لا يستحق الوجود. والتراكم بالسياسة يتلازم مع التراكم في الاقتصاد والبنى التحتية. أحد أشكال الهدم هو التعمية حول ما يحصل في قطاع الكهرباء. لولا المضمر الذي بات يعرفه كل الناس، لما كانت الكهرباء هذه حالها. ينعدم التراكم عندما يهدم كل عهد ما قبله ليبدأ من جديد. لا ضير في مسؤولين يعلنون أنهم جاؤوا لتنفيذ أو استكمال خطط من سبقهم. يكون الإصلاح بالبناء على ما سبق لا بالعودة الى نقطة الصفر في كل عهد. والإصلاح عملية دائمة، ولا يكون بضربة واحدة ندخل بعدها باب النعيم.

يمكن العيش سوية إذا انفتحت كل الجماعات المغلقة لتشكّل مجتمعاً مفتوحاً يحسن التواصل بين أجزائه، ويعلن ما يريد ويستمع للآخرين ويأخذ آراءهم بجدية. لا نعيش سوية إذا كنا جماعات مغلقة تنكر على الآخرين أن يكون لهم أسلوب عيش مختلف. نحن نعيش في مجتمع تعددي لكل المجتمعات. ليس المجتمع المفتوح أن يكون الجميع متشابهين في أسلوب عيشهم بل في أن يقبل كل فريق أسلوب عيش الآخرين على اختلافه. لا يكون الأمر كما قال الشاعر:
وَفيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لِبَعض

وَتُبدونَ العَداوَةَ وَالخِصاما

واجب محاربة جميع أنواع الفساد. لكن علينا أن نتذكر أن الفساد أنواع. أسوأ أنواع الفساد هو التعطيل كما يحدث لعدد من مرافق البنى التحتية. وما يشل البلد ويؤدي به الى الانهيار هو فساد الكبار من أهل السياسة، وهؤلاء يجب عدم التسامح معهم. وهم ليسوا فوق القانون.

مكتوب على اللبنانيين أن يعيشوا سوية داخل الحدود التي رسمت لهم. وذلك لا يكون إلا بالدولة دون دولة موازية، وبالسياسة إذا كانت مفتوحة الأفق، أولويتها إدارة شؤون المجتمع لا مجرد التسلق من أهل السلطة. سيكون صعباً، بل مستحيلاً، تغيير الحدود. ومن ساورته نفسه بذلك يئس. نعيش سوية ولو على مضض.



#الفضل_شلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انقلاب تدريجي يستهدف الحرية الفردية
- عبيد الأسماء
- دين بلا إيمان
- أفغانستان حالة قصوى للمجتمعات الإسلامية
- هل تنفصل آسيا عن النظام العالمي الحالي؟
- بوتين أحد بيادق الشطرنج الامبراطوري
- أردوغان ومتلازمة العظمة
- أنظمة القابضين على الماء باليد
- قراءة في رواية “الوجه الآخر للظل”
- ضرورة فك ارتباط الدين بالرأسمالية
- هل بدأت مراسم دفن الدين السياسي
- من الامبراطورية الى انتخاب رئيس لبناني
- ثورة الوجدان الفردي على المجتمع والسلطة
- أخطار الوجود البشري
- الأرض مشروع مؤقت للرأسمالية
- قارب الموت والحياة: عهر الوجود
- المياسون روح جديدة في الثقافة العربية
- ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
- المصارف اللبنانية وخيانتها لنفسها ولمجتمعها
- افتراق السلطة والشعب: ثقافتان وخطابان


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الفضل شلق - وعظ أبو ملحم حول العيش سوية