أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الفضل شلق - أفغانستان حالة قصوى للمجتمعات الإسلامية















المزيد.....

أفغانستان حالة قصوى للمجتمعات الإسلامية


الفضل شلق

الحوار المتمدن-العدد: 7478 - 2022 / 12 / 30 - 11:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



عندما يفرض فريق من المسلمين أسلوب عيش على مسلمين آخرين في نفس المجتمع، فإن الإجبار لا يكون إلا بالقوة والعنف والإكراه. يحتاج الفريق الذي يفرض أسلوب العيش على الآخرين الى سلطة هي نظام الحكم أو ما درج الناس على تسميته بالدولة. في جميع المجتمعات الإسلامية قيود على السلوك، درج الناس (أيضاً) على تسميتها بالأخلاق. وهي في الحقيقة أقرب الى ما هو آداب السلوك. الأخلاق الأساسية أقدم من أي دين. أهم ما في الأخلاق هو ما ينبع من الضمير الفردي، وما يمتنع به صاحبه عن التعدي على الآخرين بالقول والعمل. طريقة العيش هي الثقافة التي يراد فرضها. يسميها أصحابها الذين يعتمدون الإكراه ديناً لجعلها أمراً مقدساً. يزعم التابعون له، أو المتسلطون باسمه، أنه أمر من الله؛ وهذا أيضاً يُسمى شرع الله. لا أحد منا أكثر تأهيلاً من غيره للادعاء بأنه على صلة بالله. وقد اختلف المسلمون عبر تاريخهم حول ماهية الله، وبالتالي الأوامر الصادرة عنه، سوى ما جاء في الكتاب العزيز، وهو آليات محكمات وأخرى متشابهات. لذلك تعددت الفرق والمذاهب. رسى الأمر بعد حين على اعتبار أن كل من قال الشهادتين (أشهد أن لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله) فهو مسلم.

لا علاقة لذلك بالإيمان. فذلك علاقة بين الفرد وخالقه. والدين علاقة بين مخلوق وآخر. والقول أن “لا إكراه في الدين” لا يقتصر على علاقة دين مثل الإسلام أو المسيحية أو غيرهما بالأديان الأخرى، بل يشمل العلاقات داخل كل دين. تُسمى الفرق داخل كل دين مذاهب. فهل يصح فرض مذهب ما على أتباع المذاهب الأخرى؟ أم أن الإكراه داخل الدين يجعل من كل مذهب ديناً آخر؟

كلما ظهر فريق “متطرف” يرمي الى إكراه الآخرين. يُقال هذا ليس من الإسلام. وكثيرا ما يسمي خصوم الإكراه أنفسهم بالإسلام المعتدل، حتى لو كان معتقدهم هو ذاته، أو يشبه معتقد المتطرفين. فهل هي مسألة تطرّف واعتدال أو أن الدين فيه احتمالات متعددة، ككل دين آخر. ويمكن أن يحمله التطوّر وظروف التطوّر الى التشدد واللين. يحمل كل دين في طياته تعددية تزداد مع الأيام والسنين وتتكيّف بأوضاع أصحاب الدين التاريخية. لقد اختار الأميركيون تسليم أفغانستان لأحد أشكال التشدد، ورفض كل أنواع التسامح، إضافة الى التعامل مع النساء بما لم يسبق من قسوة، حتى في أكثر الأنظمة تشدداً في الماضي والحاضر، وذلك بعد أن قاتلوهم وتابعوا مسيرة من قبلهم من قوى الاستعمار الروسي والبريطاني في تدمير أفغانستان دولة ومجتمعاً. أما كان باستطاعة الأميركيين خلال وجودهم في أفغانستان العمل على تنمية دين آخر متسامح ومتوازن؟ أم أنهم اختاروا الطرف المتشدد بعد أن ساعدوه على التوسّع وصولا الى تسليمه البلد، وتركوا له من السلاح ما يوازي حلف الأطلسي، علما أن كان لديهم أعداد ضخمة من اختصاصيي الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وغيرهما من العلوم الإنسانية. أم أنهم يريدون هذا الدين هكذا لتبرير فكرة الإرهاب والحرب على الإرهاب وغيره. ما يعني أن الهدف لديهم هو الحرب والفوضى، وإنتاج مجتمعات فاشلة، علماً أن بجوار أفغانستان، في إيران، نظام متشدد آخر بطرق أخرى. ولم تخل الشهور السابقة من اشتباكات بين البلدين.

مهما كانت الأسباب الخارجية، هناك الكثير منها كما رأينا في حالة أفغانستان بوضوح لا يدع مجالاً للشك. إلا أن في هذا الدين عناصر تبعث على التشدد بل التخلف. لم يستطع المجتمع إجبار الدين على التخلص منها. في الغرب الأميركي والأوروبي، كما في دول آسيا الكبرى والصغرى، أنواع من مذاهب التشدد الديني والتطرّف من مختلف الأشكال، إلا أنها تبقى هامشية. صحيح أن هناك صعوداً للفاشية واليمين المتطرّف في العالم إلا أنه من النوع القومي والسياسي. السياسة لها حظ أكبر في غير البلدان الإسلامية، حيث يحتل الدين مجالا أوسع حتى مما كان في القرون السابقة، ولا يدع لغيره مساحة للنشاط البشري غير الديني.

في كل مجتمع دين أو أديان، وكل منها متفرّع الى مذاهب وفرق ومنازعات. ليس المطلوب مواجهة هذه الموجة الدينية لإلغاء الدين. فهذا غير ممكن. لكن المطلوب العمل والنضال لحصر الدين، لا حصاره، اقتناعاً أن في مجتمع العصر مشكلات لا تُحل بالدين والهوية، واقتناعاً بأن الهوية الدينية عندما تستأثر بكل وعي الناس يصبح المجتمع مهمشاً خارج العصر وغير قابل للتقدم والحداثة. إن طغيان الهوية الدينية على كل الهويات الأخرى في كل دين لا ينتج عنه إلا مجتمعات مغلقة. يقود التنافس بينها الى حروب أهلية داخل البلد الواحد، وداخل المذهب الواحد. والنتيجة تكون فوضى في بلاد المسلمين، وانهيار للدولة ممارسة ووعيا بها. يفقد المجتمع انتظامه، في هذه الحال، ويصير مجتمعاً فاشلاً. لا تنفع عند ذلك الدعوات الدينية حتى ولو كانت سلمية. تلجأ الى الانغلاق وتغييب الحرية الفردية والعقل الحديث، وصولاً الى الاشتغال بالقديم الموروث الذي أدى في حينه الى حروب أهلية. ولم تعد تنفع كل محاولات التقريب بين المذاهب، إذ تحوّل الدين ومذاهبه لدى الطوائف الى حقائق صارت مقدسة وإلهية، ولا يمكن الحوار بشأنها لعقد تسويات تحفظ وحدة كل مجتمع. مؤدى العقائد الدينية هو أن تصبح حقائق إلهية، بنظر أصحابها. ومن غير الممكن التسوية أو ممارسة السياسة بين أفرقاء يعتقد كل منهم أن كل ما يعتقد أو يُملى عليه من السلطة، حقائق إلهية تتطلّب الدفاع عنها وفرضها على الآخرين كي يكون في الأمر مكرمة عند الله؛ وهي في حقيقتها بدع بشرية.

إن انتشار المزاج الديني وطغيانه على كل شيْ آخر، بالأحرى تفوّق الهوية الدينية وإلغاءها لكل هويات غير دينية هو ما يهدد المجتمعات الإسلامية ويهمشها بعد أن يستنزف عقلها وقواها، وتزول القدرة على الإصلاح والتجديد. ويفقد الناس ملكة التهذيب وصفة التسامح والسياسة وإمكانية التفاهم فيما بينهم.

ليس المراد تكفير أصحاب التطرّف وإلا وقعنا في مطب استخدام مفاهيم استخدموها هم، وما يوالون، لتشليع المجتمع. كفانا تبرئة أنفسنا باتهام الآخرين بالتطرف. هي حال المجتمعات الإسلامية برمتها. المطلوب جر الجميع الى السياسة والنضال من أجل ذلك. ففي السياسة تسويات وتخلٍ عن معتقدات اسمنتية في تصلبها. المواجهة في أفغانستان (وإيران) وغيرهما من البلاد الإسلامية جميعاً، ثقافية. يرفض فيها الناس نمط عيش تفرضه السلطة وكل عنف يكون من صنع السلطة التي تحتكر العنف. هذه مواجهة ليست مع الخارج سواء كان امبريالياً امبراطورياً، أو سواه، بل هي مواجهة داخل الذات.

العلاقة بالآخرين عقيدة اصطنعها بشر سموا أنفسهم “رجال الدين” من أجل السلطة أو دعم سلطة استبدادية. كل ما هو خارج العلاقة مع الله، خارج الإيمان، يحتاج الى تدمير. وهو من جملة أدوات العنف التي يستخدمها النظام. مأزق المسلمين أنهم تراجعوا الى مجتمعات وأنظمة دينية. وهذه أسسها الفقهية واهية تستند الى مصالح هي في حقيقتها اقتصادية ومالية. وانتشار الفقر واتساع فجوة المداخيل والثروات بين الجمهور والنخب الدينية الحاكمة ليس ما يبرره في أساس الدين، وهو الكتاب العزيز لا غير.



#الفضل_شلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل تنفصل آسيا عن النظام العالمي الحالي؟
- بوتين أحد بيادق الشطرنج الامبراطوري
- أردوغان ومتلازمة العظمة
- أنظمة القابضين على الماء باليد
- قراءة في رواية “الوجه الآخر للظل”
- ضرورة فك ارتباط الدين بالرأسمالية
- هل بدأت مراسم دفن الدين السياسي
- من الامبراطورية الى انتخاب رئيس لبناني
- ثورة الوجدان الفردي على المجتمع والسلطة
- أخطار الوجود البشري
- الأرض مشروع مؤقت للرأسمالية
- قارب الموت والحياة: عهر الوجود
- المياسون روح جديدة في الثقافة العربية
- ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
- المصارف اللبنانية وخيانتها لنفسها ولمجتمعها
- افتراق السلطة والشعب: ثقافتان وخطابان
- بيان المؤتمر القومي الإسلامي – تعبير بائس
- للأنظمة العربية الديكتاتورية بنية فكرية
- ضرورة الحرب من أجل السلام
- الإرهاب الامبراطوري غذائي وأمني وثقافي


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية في لبنان تنفذ ردا تحذيريا اوليا للاحتلال ...
- العثور على موريتاني متهم بإطلاق النار على يهودي بشيكاغو ميتا ...
- عودة الإسلام السياسي.. بين مخاوف التمدد وفرص الاحتواء
- علماء الشام يوجهون نداء للمؤسسات الدينية العربية والإسلامية ...
- عراقجي: عودة نشاط المجموعات التكفيرية في شمال سورية لهي امر ...
- مستوطنون محتلون يقتحمون المسجد الأقصى
- إجراءات أمنية مشددة في باريس لضمان سلامة افتتاح كاتدرائية نو ...
- بابا الفاتيكان يدعو اللبنانيين إلى التعجيل بانتخاب رئيس
- بزشكيان يؤكد في اتصال مع السوداني على تعاون الدول الاسلامية ...
- ألمانيا.. الاتحاد المسيحي المعارض يرفض استقبال لاجئين من سور ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الفضل شلق - أفغانستان حالة قصوى للمجتمعات الإسلامية