أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - هاشم العيسمي - العولمة و انحسار مفهوم سيادة الدولة القومية بين المفهوم و التطبيق















المزيد.....

العولمة و انحسار مفهوم سيادة الدولة القومية بين المفهوم و التطبيق


هاشم العيسمي
كاتب سياسي

(Hashem Aysami)


الحوار المتمدن-العدد: 7500 - 2023 / 1 / 23 - 09:40
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


تتميز الدولة عن غيرها من التنظيمات السياسية والاجتماعية الأخرى بخاصية فريدة من نوعها ألا وهي السيادة ، هذا المفهوم الذي له سلطة إخضاع الأفراد داخلياً باعتباره المجتمع السامي في الدولة, وخارجيًا من خلال إبرام المعاهدات والانضمام للمنظمات الدولية و الإقليمية والانسحاب منها, وقد استمرت هذه السيادة لعدة عقود من الزمن ولفترة طويلة تتميز بصفة الإطلاق على اعتبار أنها السلطة العليا في الدولة لا تتقيد إلا بمحض إرادتها وفي حدود القانون، إلا أن البيئة الدولية الجديدة في فترة ما بعد الحرب الباردة أدت إلى بروز منظومة مفاهيمية جديدة في العلاقات الدولية، هذه المنظومة تأتي في مواجهة مفاهيم أخرى استقرت لمدة طويلة: فمفهوم العولمة يأتي في مواجهة الخصوصية الثقافية، التدخل الدولي الإنساني في مواجهة سيادة الدولة، والأمن الإنساني في مواجهة الأمن القومي أي أمن الدولة ما أثر على مفهوم السيادة للدولة القومية.

يظهر الاختلاف العميق بين العولمة و السيادة في تعريف المفهومين حيث أن العولمة هي ظاهرة تتداخل فيها أمور الثقافة و الاقتصاد و الاجتماع و السلوك و يكون الانتماء فيها للعالم كلية عبر الحدود السياسية للدولة, كما أنها تبادل شامل و إجمالي بين مختلف أطراف الكون يتحول العالم على أساسه إلى محطة تفاعلية للإنسانية بأكملها تتيح حرية الحركة للناس و رأس المال و الأفكار و القيم و المعتقدات و الأفكار و الثقافات و السلع و تتجلى العولمة في عدة صور ثقافية و اقتصادية و اجتماعية و سياسية و أخلاقية , أما مفهوم السيادة فيقوم على أساس أن الدولة هي التنظيم السياسي الاجتماعي الذي يحق له وحده دون غيره أن يحتكر أدوات القوة التي يحتاجها, بما في ذلك أدوات القمع و الإكراه لفرض سلطته على مجمل الإقليم الذي يشكل حدوده السياسية و على الأفراد الذين يقطنون هذا الإقليم , لذلك رأى جان بودان أن للسيادة مجموعة من الخصائص تتلخص بأنها سلطة دائمة و غير مفوضة و سلطة مطلقة , و بناءاً على هذه التعريفات فإن التأثير المباشر للعولمة يظهر من خلال المساس المباشر بخصائص السيادة الثلاث السابقة, فقد ظهرت هذه التأثيرات كتداعيات مباشرة للعولمة سواء كانت كظاهرة أو كحالة, ابتداءً بظهور فاعلين دوليين غير الدولة من مثل المنظمات الدولية و الشركات متعددة الجنسيات و الأشخاص الدوليين, و أخذت المعلومات و الأفكار و السلع و القوى البشرية بالتدفق دون قدرة الدولة على التدخل بالحد أو التنظيم, كما أصبحت الدولة غير قادرة على استخدام أدوات القمع و الإكراه في تنظيم علاقتها مع الشعب أو علاقات الشعب بين بعضه فأصبحت قرارتها مرهونة برضا و موافقة كيانات أخرى تتشكل من دول و غير دول خصوصاً في المناحي الحقوقية و الاقتصادية و الأخلاقية , فأدى ذلك إلى عدد من النتائج أهمها: تحول مركز القوة من الدولة ككيان تقليدي إلى الكيانات الجديدة في النظام الدولي, انحسار مفهوم الخصوصية الثقافية و تماهي قيم و معتقدات الشعوب المختلفة مؤدياً إلى اشتداد أزمة الهوية, و أخيراً ارتباط الانتاج بشكلٍ عام بقرارت الدول ذات الوزن الكبير نسبياً و الكيانات الدولية الجديدة بما يتعارض و مصالح الدول ذات الوزن الصغير نسبياً, بالتالي أصبحت سلطة الدولة محدودة و مفوضة نسبياً ومؤقتة.

إن اضمحلال سيادة الدولة القومية بمفهومها التقليدي موضع نقاش كبير بين الأكاديميين والباحثين في العلاقات الدولية, و قد خلص المختصين في هذا المجال إلى عدة سيناريوهات فيما يتعلق بمصير مفهوم سيادة الدولة فكان أولها سيناريو اختفاء الدولة و يخلص أصحاب هذا السيناريو إلى أن مفهوم الدولة سينتهي تدريجياً لتحل محله الشركات المتعددة الجنسيات, على عكس السيناريو الأول يرى السيناريو الثاني بأن التطورات الراهنة في النظام الدولي لن تأتي على السيادة تماماً, فالسيادة الوطنية ستبقى ما بقيت الدولة القومية ذاتها, و ينحو السيناريو الثالث نحواً مختلفاً حيث يذهب إلى أن هناك تغييراً سيحدث في مفهوم السيادة الوطنية تتنازل من خلاله الدولة القومية عن سيادتها لصالح حكومة عالمية منبثقة عن نظام عالمي ديمقراطي, حيث تعيد العولمة طرح مفهوم الحكومة العالمية باعتبارها عملية في طور التكوين, فقد تمثلها حكومة دولة واحدة أو ائتلاف دول ديمقراطية أو الأمم المتحدة أو ائتلاف شركات عالمية, و يرى السيناريو الأخير أن الدولة القومية لن تكون قادرة على مباشرة مظاهر سيادتها على اقليمها بسبب تفككها إلى عشرات و ربما مئات الدول الصغيرة تحت ذرائع مختلفة.

و أخيراً فإن تشعب موضوع العولمة و تعدد أبعاده و مستوياته و تعدد المنخرطين فيه يجعل من مهمة وضع حلول و مقترحات للموازنة بين استمرارية مفهوم سيادة الدولة القومية بجميع اعتباراته خصوصاً التي تتعلق بتنظيم العلاقة بين المواطنين و تحقيق مصالحهم العليا من جهة, و مفهوم العولمة بآلياته و ميكانزمياته و ايديولوجيته ضرباً من ضروب المستحيل, على الرغم من ذلك فإنه في سبيل وضع حجر الأساس للحل يجب الأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل الأساسية:
- التعامل مع النظام العالمي باعتباره كائن حي يتطور بمرور الوقت, و التفاعلات التي تتم من خلاله بين الفواعل الدولية هي تطورات تضفي معالم جديدة على هذا النظام و تغير من خصائصه و تفرض محددات مختلفة في كل مرة, أبرزها التطورات في القيم و آليات سن القوانين و ميكانيزميات التفاعل و أهمها ظهور مفهوم جديد في النظام الدولي ألا و هو الكوزموبوليتانية و ما يتعلق في هذا المفهوم من تداعيات قد تغير مفهوم النظام العالمي.
- وضع تعريف واضح للعولمة تعريفاً جامعاً مانعاً يحدد أبعاد العولمة ومستوياتها وآليات التفاعل داخلها وطرق تحقيق التوازن بين المصلحة العالمية والمصالح المتفرقة للدول في ظل فرق القوة الواضح بين الكيانات الدولية، إضافة لذلك تحديد مفهوم فكري واضح للعولمة يحدد مفهوم العولمة هل هي حالة أم ظاهرة أم عملية والتعامل معها على هذا الأساس.
- الأخذ في الاعتبار المفاهيم الجديدة في العلاقات الدولية وأهمها القوة الذكية والقوة الناعمة، بناء التحالفات والشبكات العالمية، الكوزموبوليتانية، المؤسسات شبه الحكومية، الفاعلين الجدد وغيرها من المفاهيم التي من الممكن أن تحقق التوازن المنشود في العلاقة بين المكونات المختلفة للنظام الدولي.

وأخيراً تظل العلاقة بين مفهومي السيادة والعولمة علاقة تشوبها الغموض والتعقيد في ظل نظام دولي غير شفاف وغير ثابت الأركان، لذلك فإن فهم الأبعاد المختلفة التي تضفيها العولمة على واقعنا يتطلب الاندماج الايجابي والواعي في النظام العالمي الجديد، فعلى الرغم من التداعيات الخطيرة لمفهوم العولمة على سيادة الدول القومية إلا أنه -على أقل تقدير في الوقت الراهن- لا يمكن أن يستمر هذا المفهوم دون دور فاعل للدولة القومية.

المراجع:
1. صالح. ئالان، درويش. عبد الرحمن (2016). " تأثير العولمة على سيادة الدولة- دراسة نظرية", مجلة القانون والسياسة- تونس، ص.178.
2. العيسى. طلال (2010). " السيادة بين مفهومها التقليدي والمعاصر-دراسة في مدى تدويل السيادة في العصر الحاضر", مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية- المجلد 26 العدد الأول، ص.51.
3. آل ابراهيم. هاشم (2013). " سيادة الدولة بين مفهومها التقليدي وظاهرة التدويل" رسالة ماجستير غير منشورة مقدمة إلى جامعة الشرق الأوسط -كلية الحقوق، عمان، الأردن، ص.26
4. آل ابراهيم. هاشم (2013)، المرجع نفسه، ص.55-70.
5. صالح. ئالان، درويش. عبد الرحمن (2016)، مرجع سابق، ص. 207-213.



#هاشم_العيسمي (هاشتاغ)       Hashem_Aysami#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيادة الشبكية مخاضٌ صعب في بيئةٍ متأزمة
- الحياد في القانون الدولي
- لماذا عليّ ألاَّ انتخب الإخوان المسلمين؟
- الثورة الشاملة
- قراءة في كتاب صراع الحضارات و إعادة بناء النظام الدولي لصامو ...
- الليبرالية الجديدة - عرض موجز
- العلمانية ضرورة ملحة
- المسلمين في امريكا ..ورقة رابحة
- هل الفكر السياسي العربي مدعاةٌ للتطرف
- التجربة الأردنية في ظل الربيع العربي
- الربيع العربي ... أزمة هوية


المزيد.....




- عاصفة رملية شديدة تحول سماء مدينة ليبية إلى اللون الأصفر
- واشنطن: سعي إسرائيل لشرعنة مستوطنات في الضفة الغربية -خطير و ...
- -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدافه دبابة إسرائيلية في موقع ال ...
- هل أفشلت صواريخ ومسيرات الحوثيين التحالف البحري الأمريكي؟
- اليمن.. انفجار عبوة ناسفة جرفتها السيول يوقع إصابات (فيديو) ...
- أعراض غير اعتيادية للحساسية
- دراجات نارية رباعية الدفع في خدمة المظليين الروس (فيديو)
- مصر.. التحقيقات تكشف تفاصيل اتهام الـ-بلوغر- نادين طارق بنشر ...
- ابتكار -ذكاء اصطناعي سام- لوقف خطر روبوتات الدردشة
- الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة على جنوب لبنان


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - هاشم العيسمي - العولمة و انحسار مفهوم سيادة الدولة القومية بين المفهوم و التطبيق