أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض سعد - حذار من الكلام














المزيد.....

حذار من الكلام


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 7496 - 2023 / 1 / 19 - 14:01
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لعل الاحرار واصحاب الوعي و الفكر الحر ادركوا منذ القدم خطورة الاسهاب في الكلام والاسترسال بنقل النظريات والآراء وطرح الافكار والمعتقدات على بساط البحث والنقد , والاطناب في فتح الملفات الشائكة وفك رموز الشفرات الممنوعة والمحرمة ... الخ ؛ لذلك لاذوا بالفرار الى صوامع الاعتزال البعيدة وغرف الصمت المظلمة وبوادي اللامبالاة وتلال الحياد ؛ هروبا من سهام المجتمعات المأزومة والمريضة والمعقدة و حراب التجمعات المتعصبة والمتخشبة والمتشنجة .

ففي هذه الاماكن الموبوءة اياك ثم اياك من التفكير الحر بصوت عال , او التنكر لفكرة السيد او ما نسب الى الال , او ان تترك للحبر مجالا وترسل من خلاله رسائل وعي وفكر للأجيال .

ولعل المطلع على التراث الاسلامي والعربي والعراقي يقر بوجود أقوال وحكم وأمثال وقصص تتحدث عن الكلام والصمت مدحًا وذمًا ؛ الا ان كفة مدح الصمت والاشادة به ترجح على كفة الكلام ودوره المهم في الحياة ؛ وقد يكون السبب في ذلك لما في الكلام من مخافة كشف الحقائق والاسرار وبالتالي خشية الوقوع في الزلل والهاوية , ولما يسببه من أضرار لا يحسب لها حساب , لاسيما في ظل حكم الظالمين والدكتاتوريين او العيش وسط الناس المتعصبين والمؤدلجين ؛ لذلك جعلوا للصمت قيمة تساوي قيمة الذهب في مقابل الكلام الذي اعتبروه من فضة ، فقالوا: «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب» ؛ لأنه يحمي راسك من السيف ويحفظ لسانك من القطع ؛ وقيل قديما : «مقتل الرجل بين فكيه» .

والمشكلة ان البعض يدعي تمسكه بكل ما جاء في التراث الا انه ينقلب عليه عندما لا يوافق اهواءه ومعتقداته الانية , فهو يؤمن ببعض ويكفر ببعض – والبلاء انه كل يوم في شأن ؛ ففي كل يوم يأتي بمعتقدات دوغماتية ( جديدة عتيقة) غير قابلة للنقاش والنقد ويرفض الاطلاع على الآراء المخالفة - ؛ والتناقض والازدواج سمة من سمات تلك المجتمعات والتجمعات ؛ فقد جاء في التراث الاسلامي والعراقي عن حكيم العراق وحاكمه الامام علي : «لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل» ؛ وهذا القول يعتبر القول الفصل في حل التعارض بين الاحاديث التي تمدح الصمت وتذم الكلام , اذ بين حكيم العراق ان الصمت الممدوح ذاك الصمت الذي يمنع الجاهل من التفوه بما لا يعلم ؛ وعليه يكون الصمت عن ابداء الراي الصائب وبيان الحكمة مذموما والكلام واجبا , وان الكلام الذي يخلو من الحكمة والعلم والمعرفة مجرد ثرثرة لا خير فيه والعكس صحيح .

لقد كان القدماء من المفكرين والحكماء والفلاسفة أول من فطن إلى أن عقلية المرء وطبيعتها ومزاجها مخبوء وراء لسانه... ولا يمكن سبر أغوارها ومعرفة كنهها إلا بالكلام المنطوق، وبالكلام تتأتى المعرفة... و قال حكيم العراق الامام علي بن أبي طالب في كتاب نهج البلاغة مشيرًا إلى هذا المعنى وملخصًا إياه في هذه الحكمة البليغة : «تكلموا تعرفوا… فإن المرء مخبوء تحت لسانه».



وإذا ما حاولنا أن نتصفح أخبار الأولين ونوادرهم في هذا الباب، ألفيناها شواهد جلية وقاطعة تدلل على صدق ما ذكرناه ؛ ومنها : عندما تضايق الفيلسوف سقراط من شاب يبالغ في إطالة السكوت، خاطبه قائلًا: «تكلم يا هذا حتى أراك!»... ومعنى الرؤية عنده هنا الرؤية العقلية أي المعرفة اليقينية لا الرؤية البصرية، أي تكلم حتى أعرفك... إذ بالكلام تعرف مكنونات الإنسان .

نعم يبقى الكلام مذموما بل ومرفوضا اذا كان يمس حياة الناس الشخصية ويهتك اسرارها ويفضح خصوصياتها , ويوقع بين الاصدقاء بالوشاية ويفرق بين الاحبة بالنميمة , ويتهم الناس بالباطل وسوء الظن ... الخ ؛ ومعنى كل هذا إن ما ينطق به اللسان يكشف عن طبيعة المرء المتكلم العقلية وتربيته الاخلاقية المتخفية وراءه .(1)

ولعل ما جاء في كتاب القران : ((لذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) يعتبر ردا واضحا على مزاعم المتعصبين والمرضى المنغلقين من الذين يرفضون الاستماع لأقوال واراء الاخرين بحجج واهية – اوهى من بيت العنكبوت - ؛ فهذه الآية صريحة ببيان هذا المعنى : الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ ؛ وهذا جنس يشمل كل قول فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما هو معقول وما هو خلافه ؛ فلهذا من وعيهم وفكرهم أنهم يتبعون أحسنه اي المعقول منه .



.................................................................................

1- مقالة ( تكلموا تعرفوا ) للكاتب المغربي صلاح اهضير / بتصرف .



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض من ما جرى
- اكتب رياض سعد مقولة وتعليق / 14 / تغير الصديق وانقلابه عليك
- مقولة وتعليق / 13 / الاعتماد على النفس
- ركام من التقاليد الفاطسة والعادات العتيقة
- الحركة الدينية المنكوسة / الحلقة الثانية / اسباب نفي السيد ا ...
- عندما يكون السياسي مهرجاً
- اقتل فلذة كبدك واحصل على مكرمة
- اغتراب المواطن الهجين
- ظواهر كلامية من بلادي / الحلقة الاولى
- محنة الاغلبية العراقية مع القيادة السياسية والدينية
- قصتي مع البلبل القتيل
- عمالة كاملة الدسم
- نهب ثروات الجنوبيين العراقيين
- مقولة وتعليق / 12 / لظى الاشواق
- جرائم صدامية مروعة /11 / مجازر معسكر بسماية
- أليس منكم رجل رشيد؟!
- ظاهرة التنصل من الاحداث والتصريحات
- تجميل ايام واحداث الزمن الاغبر
- يوم النفاق الاكبر
- مقولة وتعليق / 11 / اهمية وضرورة السفر


المزيد.....




- ما ارتداه رئيس أوكرانيا بقمة الناتو يشعل تكهنات بأن ترامب هو ...
- سجال حاد بين المدعية العامة للولايات المتحدة وسيناتور ديمقرا ...
- زهران ممداني.. الشاب المجهول الذي قلب نيويورك راسا على عقب ب ...
- جسر زجاجي شفاف ومسارات.. لندن تكشف عن نصب الملكة إليزابيث ال ...
- هانا تيتيه: ليبيا تمر بمنعطف حاسم وتريد حكومة مسؤولة
- مؤسسة النفط الليبية توقع مذكرة تفاهم مع تركيا بشأن 4 مناطق ب ...
- الحرب على إيران تعيد الليكود إلى الصدارة.. نتنياهو: العالم ش ...
- -احتفالات النصر-.. تظاهرات في طهران عقب وقف إطلاق النار بين ...
- زيلينسكي يطالب الناتو بدعم الصناعة الدفاعية الأوكرانية قبيل ...
- في تحول عسكري لافت.. اليابان تجري أول تجربة صاروخية على أرا ...


المزيد.....

- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رياض سعد - حذار من الكلام