أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الطريقة الفيتاغورية















المزيد.....

الطريقة الفيتاغورية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7478 - 2022 / 12 / 31 - 13:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
36 - فيتاغوراس


تقول الأسطورة، بأنه ذات يوم وفي الطريق الرملي القديم الموازي للبحر والرابط بين سيباريس Sybaris - Σύβαρις، المدينة اليونانية المعروفة بثرائها ومجونها، وبين مدينة كروتونا الهادئة Kroton - Κρότων كان هذا الطريق مزدحماً بالناس والعمال في ذلك اليوم المشمس، وقد امتلأ بالصيادين الذين سحبوا من البحر شباكهم المليئة بالسمك، حين توقف رجل غريب وقال لهم: من منكم أيها الأصدقاء يقبل الرهان أن بوسعي إعطاءكم العدد الفعلي لما في شباككم من أسماك؟ وضحك الصيادون وكل الناس الملتفين حولهم، وقبل الصيادون الرهان بأنْ يلبّوا طلباً لذلك الغريب إذا ما ربح رهانه ونجح في تقدير عدد الأسماك. وربح الغريب الرهان، الغريب الذي لم يكن سوى الرياضي والفيلسوف فيثاغوراس بلحمه وشحمه ولحيته، والذي طلب من الصيادين إعادة أسماكهم إلى البحر. ودخل المدينة مقابَلاً بالترحاب، وقد سبقته شهرته وأسطورته الفريدة.
ومن المعلوم إن فيثاغوراس كان قد تنقل في كل أنحاء العالم، قد زار ما يعرف اليوم بسوريا ولبنان - فينيقيا - وبابل وبلاد الفرس والهند، وتعرف في رحلاته العديدة على تعاليم الديانة الأورفية، وتعلم من البابليين علم الفلك، وكذلك زار شبه جزيرة العرب ومصر حيث تعلم الرياضيات والهندسة. وبعد عودته، أسس في كروتونا مدرسته، التي تشبه في كثير من تعاليمها النزعة الأورفية .. وهناك بعض الباحثين من الغرب والشرق، من ينظر إلى الفيثاغورية على إنها مجرد تجديد وتطوير للديانة الأورفية. فالعقيدة الأورفية المتعلقة بالروح ومصيرها وبقائها وخلاصها وخلودها كانت من أهم العقائد الدينية أو الروحية القديمة، ففيها نجد خلاصة التصورات المصرية وجوهر التعاليم الهندوسية، وبخاصة منها تلك المتعلقة بعَوْدة الروح للتجسُّد، وأيضاً نجد ما كان يميِّز تلك العقيدة عن بقية الأديان ويشكِّل جوهرها، والذي هو نظرتها إلى "حلول" النفس في الجسد، أي إختلاط الروح بالمادة، مما فُسّر فيما بعد بأنه "سقوط " وتشويه للروح، ولذلك ينبغي ضرورة العودة إلى الروح الأصلية الصافية من الشوائب المادية من خلال "تطهير" تلك النفس وعتقها من مادِّيتها بواسطة التمارين الروحية والعديد من الطقوس. إن تراث الفيثاغورية قد وجد طريقه إلى داخل تعاليم الفيلسوف إفلاطون، وشكلت في صرحه الفلسفي قاعدة جديدة في غاية الأهمية، وهو ما يعرف بعالم الرياضيات. وبصورة مباشرة أو غير مباشرة وجدت الفيثاغورية طريقها إلى الإفلاطونية المحدثة فيما بعد، والتي أصبحت نزعة فلسفية عارمة ومستقلة ونعني الفيثاغورية الجديدة. ففكرة النفس التي لها كيان مستقل عن الجسم التي يرى الكثير إنها غريبة على الثقافة اليونانية، قد جاءت من التعاليم الأورفية وانتقلت إلى الفيثاغورية ومن خلالها مرت إلى إفلاطون ومنه إلى التراث الديني والفلسفي الغربي.
المدرسة الفيثاغورية هي إذا تيار ديني وطريقة صوفية بالإضافة إلى كونها حزب سياسي في نفس الوقت كما سنرى فيما بعد. تيار فكري وفلسفي قائم على فكرة أساسية وهي العدد. الأعداد تكوّن جوهر الأشياء، وفي نفس الوقت الأشياء ذاتها تحاكي الأعداد في نظامها، وكل الكائنات مصاغة على نسق نموذج متعال هو العدد.
هذه المدرسة أو الطريقة أو الحزب، هيمنت في ذلك الزمان ما يقارب الـ 25 عاماً بشكل مباشر وغير مباشر، على حياة كروتون والعديد من المدن الإغريقية الواقعة في الأرشبيل اليوناني وفي جنوب إيطاليا، فأقامت فيها ما يمكن أن ندعوه اليوم نظاماً أريسطوقراطياً نخبويا وتعسفيا قائماً على التقشف ponos والفضيلة arete. نظريا، كان بوسع أيٍّ كان الانتساب إلى هذه المدرسة التي كانت مشرعة الأبواب، تقبل في الظاهر الرجال والنساء والغرباء، ولكن من الناحية العملية، لم يكن من السهولة الدخول أو الإنتساب إليها نظرا لدقة الإختيار وصعوبة إمتحانات الدخول. كان تشدُّد فيثاغوراس في قبول الراغبين في الانتساب إلى مؤسسته قائم على نظرة ارستقراطية ودينية أخلاقية ونخبوية متعالية.. وهو الذي قال يوماً إنه "ليس من أي خشب يُنحت هرمس .." لذا، كان على الراغب بالانتساب إلى المدرسة تجاوزُ عدة عقبات وعدة مراحل وقضاء سنوات طويلة في التدرب على التقشف والفضيلة.
أولا يبدأ المريد بإبداء الرغبة في الإنتماء إلى الجماعة وهو ما يشبه تقديم الطلب وملء النموذج، وهي المرحلة الأولى وهي اختبارية لمعاينة طلب الدخول، قد تصل مدَّتها إلى ثلاث سنوات يقوم الأساتذة، فيثاغوراس تحديداً، خلالها بدراسة نفسيَّة المريد وحركاته وعلاقته بوالديه وأصدقائه، رغباته وعاداته، وحتى كيف يضحك ويتكلم، ومعاينة شكله العام وتقاطيع وجهه وجسده، بإختصار يراقب طالب الدخول ويدرس دراسة كاملة من جميع الجوانب، بالإضافة أنه كان على من يرغب بالانتساب إلى هذه المدرسة التخلِّي عن جميع ممتلكاته المادية لصالح المؤسَّسة التي تستثمر تلك الأملاك والأموال لما فيه الصالح العام، مع ملاحظة أنه بوسع الطالب - نظريا على الأقب - استرداد كل شيء إذا ترك المؤسَّسة فيما بعد. إذا وصل الطالب إلى "العتبة"، وقُبِل مبدئياً مريداً.. كان عليه أن يتجاوز المرحلة الثانية وهي مرحلة تحضيرية، قد تصل مدَّتها إلى خمس سنوات، حيث يقوم بقَسَم الصمت ويمتنع خلالها عن الكلام كلّياً فيصبح مستمعاً akkousmatikos - άκουσματικοί ، فيُمنَع من النقاش ومن رؤية المعلِّم والتحدُّث إليه.. يمكنه الاستماع إليه من وراء الستار، والتأمُّل فيما يسمع وما يتلقى من دروس منه ومن بقية المعلمين .. فالمريد، في هذه المرحلة، مايزال يعتبر "خارج العتبة" exotériques έξωτερικοί. وبعد تجاوز مرحلة الإستماع، تأتي المرحلة الثالثة حيث يجتاز المريد العتبة ويصبح من أهل الباطن ésotériques - έσωτερικοί ويصبح في وسعه النقاش مع زملائه ورؤية فيثاغوراس والحديث إليه.. وهنا يبدأ التعليم الفعلي المقسم بدوره إلى ثلاث درجات. الدرجة الأولى وهي السباستيكوي « vénérables » (σεβαστικοί, sebastikoi), وهو ما يمكن تسميته بالمبجّلين الذين يهتمون بالأمور الروحية والدينية. الدرجة الثانية هي درجة البوليتيكوي « politiques » (πολιτικοί, politikoi الذين يهتمون بالأمور السياسية والقانونية وشؤون إدارة المدينة. ويمكن مقارنتهم بالاجتماعيين أو السياسيين، وهي في الواقع درجة الكمال أو الـ teleiotes، تعتبر صفوة الصفوة، المنتقاة بدقة شديدة لنشر المعرفة وفن قيادة الناس والإستحواذ على عقولهم، يستعملون مبادئ القانون وما يسمى بالوفاق الاجتماعي والتناغم الروحي. أما الدرجة الثالثة فهي درجة المتأملين « contemplatifs » وتشمل الفيزيائيين أو الرياضيين، أو من كانوا يعرفون بالـ physikoi و mathematikoi، حيث تدرس الفيزياء والفلك والهندسة والرياضيات والموسيقى وعلم الأعداد، بالإضافة إلى الجغرافيا والأرصاد الجوية والطب والميكانيكا وأيضا الفنون من لغة وقواعد وشعر.
كانت الحياة في هذه المدرسة الشبيهة بالدير، تدور حول شخصية المعلِّم الذي أحيط بهالة من القداسة والأساطير.. فبالنسبة لهم كان المعلِّم رسولاً حقيقيا وليس رمزيا كما قد يتبادر إلى الذهن، ينسبون إليه العديد من الأساطير والخوارق.. كان محظوراً التلفُّظ باسمه، رغم أن فيثاغوراس نفسه كان متواضعا ولايهتم بهذه الأمور التحتية. ففي حضرة "الطاغية" ليونيداس، حاكم فيليونتي، الذي دعاه يوماً بالحكيم Sophos، أجابه إن الحكمة هي للآلهة فقط، و أنه يكتفي لنفسه بلقب فيلسوف أو"صديق الحكمة" philo-sophos ولهذا يعتبر أول من سمي بهذا الإسم وإن كان ليس أوَّل الفلاسفة. وكان جميع أعضاء الطريقة يستيقظون مع شروق الشمس، وينامون عند غروبها، يقضون جل وقتهم في العمل والدراسة والتأمل والصلاة، يراجعون أنفسهم مرتين في اليوم على الأقل، عند الصباح وقبل النوم. وكان أغلبهم نباتيين أو شبه نباتيين، يحظرون على أنفسهم تناول أجزاء معينة من الحيوان مثل القلب والدماغ أو المخ والنخاع وكذلك لا يأكلون الفول ولا البيض ولا بعض أنواع السمك وكل ما يرمز للحياة. كانوا يشربون النبيذ وإن كان من الأفضل شرب الماء حسب تعليمات فيثاغوراس. وكانت جميع علومهم سرية، يُحظَر الحديث عنها وكتابتها وتداولها خارج المدرسة

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التصوف، بين الدين والفلسفة
- الطريق المسدود
- دكتاتورية القانون
- خصائص الآلهة
- الديانة اليونانية
- الموت والعدم
- الفن وضرورة العدم
- العقل العرضي
- العقل العدمي
- الثورة المستحيلة
- عقل الزواحف
- العقل بين الأرض والسماء
- الإله البارد
- الوجود بين الواقع والخيال
- الإله اللامنتمي
- تعايش العلم والخرافة
- المثلية وحقوق الإنسان
- مفارقة العقل والإيمان
- النمل وكلام الله
- الكلمات والكائنات


المزيد.....




- الرد الإسرائيلي على إيران: غانتس وغالانت... من هم أعضاء مجلس ...
- بعد الأمطار الغزيرة في الإمارات.. وسيم يوسف يرد على -أهل الح ...
- لحظة الهجوم الإسرائيلي داخل إيران.. فيديو يظهر ما حدث قرب قا ...
- ما حجم الأضرار في قاعدة جوية بإيران استهدفها هجوم إسرائيلي م ...
- باحث إسرائيلي: تل أبيب حاولت شن هجوم كبير على إيران لكنها فش ...
- ستولتنبيرغ: دول الناتو وافقت على تزويد أوكرانيا بالمزيد من أ ...
- أوربان يحذر الاتحاد الأوروبي من لعب بالنار قد يقود أوروبا إل ...
- فضيحة صحية في بريطانيا: استخدام أطفال كـ-فئران تجارب- عبر تع ...
- ماذا نعرف عن منشأة نطنز النووية التي أكد مسؤولون إيرانيون سل ...
- المخابرات الأمريكية: أوكرانيا قد تخسر الحرب بحلول نهاية عام ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الطريقة الفيتاغورية