أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صفاء سلولي - الضّرب وصل -اللّحمة الحيّة-















المزيد.....

الضّرب وصل -اللّحمة الحيّة-


صفاء سلولي

الحوار المتمدن-العدد: 7476 - 2022 / 12 / 28 - 00:34
المحور: الادب والفن
    


أظنّ أنّه من عاداتنا ونحن على مشارف استقبال سنة جديدة وتوديع سنة ثقيلة تعيسة بكلّ المقاييس، أن نحاول استدعاء معاني الأمل والتفاؤل كما نفعل دائما. غير أنّ الأمر قد يبدو عسيرا بعض الشّيء هذه المرّة. فلم نعد قادرين على خلق أجوبة تبعث السّرور في ذوات نحبّها: من قبيل: ستتحسّن الأوضاع حتما، والقادم أجمل، وتفاءلوا خيرا تجدوه، ستفتح الأبواب المغلقة، ستتحقّق اللّقاءات المؤجّلة، سنسترجع إنسانيتنا المهدّدة، سنحافظ على ما لدينا ونفتكّ ما لم يتحقّق...
هي أجوبة لعلّها غبيّة، ونحن نقضّي اليوم في رحلة البحث عن مواد أساسيّة مفقودة أو هكذا قيل لنا، فلم نعد نخمّن في الرّفاهيّة أصلا، إذ لم تعد متاحة أساسا لنا. إنّما نستفيق كلّ صباح على خبر ارتفاع الأسعار وقلّة السّلع وعدم وجود الأدوية في الصّيدليّات والقمامة التّي ملأت الشّوارع والموت على متن قوارب الحلم والتدخّل في عمق خصوصياتنا الفرديّة.
وفي ظلّ كلّ ذلك ،مازال من بين المسؤولين جدّا جدّا على تسيير مصالحنا من يطالب بمراقبة مواقع التّواصل الاجتماعي والتّحكّم في شبكة الأنترنات، لكنّهم – قدّس الله سرّهم- يبحثون عن المحتكرين ويفصّلون القّول في الفصول والأبواب والأجور صارت وكأنّها صدقة بل منحة اجتماعيّة.
فكيف لنا أن نبعث الحلم في أبنائنا ونحن نخشى أن نقف أمامهم يوما عاجزين عن الجواب، لعلّ رغبتنا في أن نتذوّق الأمومة وعمقها هي السّبب الذّي جعلنا أنانيين، لتعلن أرحامنا عن ميلاد جديد يضاف إلى ضحايا هذا العصر المقيت "جثث على قيد الحياة" كما قال أحدهم، والشّباب لا يطلب غير الهجرة نحو بلد يعرف فيه تقدير قيمة العقل و الموهبة.
نحن نسبح في دائرة العدم والعبث والخواء وغياب المعنى رغم محاولاتنا خلقه حتّى لا نصل إلى مرحلة الجنون، وهنا أستحضر جملة جدّتي "وصل الضّرب للحمة الحيّة" فأتذكّر ذلك الكتاب المهمّ جدّا الذّي أهداه لي صديقي ذات يوم "اللّحمة الحيّة " لصالح القرمادي.
فأتأكّد أنّنا نعيش مشحونين بنصوص تملأنا ونستحضرها عندما تحين المناسبة، هذا الكتاب صدر منذ أربعين عاما لكنّ أرى أسطره الشّعريّة تحاكي الرّاهن وكأنّ صاحبه يعيش بيننا اليوم أو لنقل في هذه العشريّة التّي لا لون لها، ففعلا نشراتنا اليوميّة هي مثل "نشرته الجويّة" التّي يقول فيها:
"الجسر ثقيل الوطأة
والقلب شديد الاضطراب
والنّفس في هبوب
لا شرقيّة ولا غربيّة
والضّمير في أنين
من اليسار إلى اليمين
حسب إرادة المذيعين
ودرجة البلادة في ارتفاع
سجّلت في عقر الصّدور فكانت
لا تعدّ ولا تطاق
كغصّة الغرق يتبعها اختناق
وأمّا طقس الغد ففي استقرار
ثمّ تنزل أمطار ناريّة
تنبت لها أشجار وحشيّة
يقبع عليها المصير في التهاب
وأمّا البحر فدعوة متحرّكة إلى الهيجان"
والنّزهة في أنهجنا الخالية من الهواء في حضور سارقي الأحلام بأذهان متبلّدة جامدة هي تشبه السّير في
" الطّريق قفص حديد
في حديقتهم العموميّة
بين مشانق النّور
وأزهارهم عفاريت
والأشجار قطّاع طرق
والطّيور قطّاع هواء
والمتنزهون جماد
أعمدة كهربائيّة
فوانيسها في الطّين
وعروقها مصلوبة
تستعطف
والمياه فائرة في السّماء
فوران الغرائز المكبوتة
والمقاعد تئنّ تحت أعجاز النّساء
أنين المادّة المقهورة
وسائر النّاس زرق
كزرقة الصّبر الجائف
وريقهم لدن عقيم
كريق رئة البحر الجافّة
على شواطئ صيف افريقيا"
أمّا إذا أردت الضّمان فهو:
"إن كان في القفص بلبل نوّاح
فجميع بلابل الدّنيا في خطر
وإن كان في الغابة شحرور صدّاح
فهو شحرور الحريّة
وإن كان في البلدة خبز فوّاح
فالشّعب آكله"
وفي وطننا لم يعد للخبز آكله إنّما كثرت الأقفاص وانتشر الخطر.
قدّم لنا القّرمادي أيضا تعريفه الخاصّ للسّلامة المتمثّل في "اللّي خاف نجا" يعني "ابعد عن الشّرّ وغنّيلو" يعني أن تكون نسخة مشّوهة عن غيرك:
"إذا أردت السّلامة
وخشيت الانفراد
فقل كما قيل
وانتظر طلوع الشّمس"
أمّا النّدامة فستعرفها إن أردت أن تكون أنت وكنت التفرّد والتميّز ولم ترم التّقليد وآمنت بالثّورة والتمرّد:
"وإن خشيت النّدامة
وأحببت القلوب البيضاء
فلا تقل كما قيل
واطلع مكان الشّمس"
طيلة عقد أو أكثر انتصب "البدر" الذّي أطلّ علينا في يوم مشؤوم وأصحابه، في السّاحات والمجالس فهم من يمتلكون الشّرعيّة والمشروعيّة وصكوك الغفران ومفاتيج الفردوس فنغّصوا علينا الحياة والموت وهم أصحاب الدّين والنّاطقين باسمه ودنّسوا حيواتنا بنفاقهم، والقرمادي كان يكره هذا النّوع من البشر ليعرض نصائحه إلى أهله بعد موته:
"إذا متّ مرّة بينكم
وهل أموت أبدا
فلا تقرؤوا على قبري الفاتحة وياسين
واتركوهما لمن يرتزق بهما
ولا تحلّوا لي في الجنّة ذراعين
فقد طاب عيشي في ذراع واحد من الأرض
ولا تأكلوا في فرقي المقرونة والكسكسي
فقد كان أشهى أطعمة حياتي
ولا تذرّوا على قبري حبوب التّين
لتأكلها طيور السّماء
فالأحياء بها أولى
ولا تمنعوا القطط من البول على ضريحي
فقد اعتادت أن تبول على جدار بيتي
كلّ يوم خميس
فلم تزلزل الأرض زلزالها
ولا تزوروني كلّ سنة مرّة
فليس لديّ ما به أستقبلكم
ولا تقسموا برحمتي وأنتم صادقون
ولا حتّى وأنتم كاذبون
فصدقكم وكذبكم عندي سواء
ورحمتي لا دخل لكم فيها
ولا تقولوا في جنازتي" أنتم السّابقون ونحن اللّاحقون"
فليس هذا السّياق من رياضاتي
وإن متّ مرّة بينكم
وهل أموت أبدا
فضعوني في أعلى مكان في أرضكم
واحسدوني على سلامتي "
والموت عنده احتفال بل هو سوبر –برتي في قبره:
"قبري
قبري صقيل اللّحود شفاف الكفن
أتيه منه في أبعاد اللذّة الجسديّة
لا بل في أقرابها
فرسي الأغر يجري حشيشا نحوها
فلا ينال منها سوى رشاش من الدّم
الدّم يلطّخ ذيله فتنتشر شعراته
وتتطاير أكاليل من الشّرار الأزهر
وتتضرّع نجوما شاحبة إلى ما وراء روحي
إلى ما وراء الجنّة
إلى ما وراء الجنّة
إلى ما وراء الله...
الفرس يجري ملتهبا
وأنا على صهوته أغني
لا بل أبكي
لا بل أغني
وهي تلاحقنا نصف عذراء
نصف عارية
فتدنو من اللّهب شيئا فشيئا...
مقابلتنا وقعت في ديجور الملاهي الغبيّة
بين ارتجاجات الخواصر المتنطعة
على إيقاع قوقأة الدّجاج العاقر
وسردكة الأحمرة القاصرة
أنا أفتح ذراعيّ وشفتيّ وأضمّها على
على التّراب
على الطّين
على حشرات القبر
قبري
قبري صهيل اللّحود شفّاف الكفن "
الموت واللّحود والصّقيع والنّفاق والحيف : هذا المعجم المسيطر على واقعنا لن يمنعنا من التمسّك ببعض ملامح آدميتنا كالحب الذّي ينكر على قلوبنا أن تصمت. والطّريف أن صالح القرمادي كان حبّه تونسيّا جدّا واسثنائيّا في صوره:
" الحبّ الذّي أحبّك به
حبّ حبيب
حبّ من يكره من شبّه الحبّ باللّهيب
حبّ قفص
حبّ ليس يغتنم الفرص
حبّ نصف عموميّ
نصف خفيّ
حبّ طريّ شهيّ
ككتف العلّوش على الكسكي
حبّ ملاّح كونيّ
ملاّح جبّار
يريد وضعك على مدار
ولتدوري حول مشرق الشّمس
ومطلع الأقمار
حبّ لا صوف ولا حرير
حبّ لا يحبّ التّطبيل ولا التّزمير
حبّ راقص على الحصير
على نغمة اللّيل المطير
على جثّة الطّقس المرير
حبّ لا فنّان ولا موسيقار
حبّ لا يضطجع تحت أفنان الأشجار
حب محتار
حبّ لا يتجرّأ إلاّ إذا اخترق البحار
حبّ عرق ليس بفوّاح
حبّ أسنانه ليس كغرّ الأقاحي
حب ليس له حسب
ولا نسب
حبّ حطّاب رؤوف بالخشب
حبّ ضمّان ضد الحريق
حبّ غريق
حبّ لا يغتسل بإبريق
حبّ تارة سعة
وطورا ضيق
حبّ لا حيّ على الصّلاح
ولا حيّ على الفلاح
حبّ لا يحسن استعمال السّلاح
حبّ لا قاحل ولا خصيب
حبّ لا يمدح ما يعيب
حبّ يأكل النّعجة ويتسحّر بالذّيب
حبّ ثور ثائر مجنون
حبّ لا مبارك ولا ميمون
حبّ يحبّ طعم خبز الشّعير
بزيت الزّيتون
حبّ ليس بقزم ولا بعملاق
حبّ معلّق بمعلاق
حبّ يكره من لا يفهم بالفلاّقي
الحبّ الذّي أحبّك به
حبّ ناب عتيد
ناب دائما حادّ
ودائما جديد
ولن يستطيعوا التّعفيس عليه "
الضّرب وصل للحمة الحيّة ونحن بمثابة الملاكم الذّي يرفض الاستسلام رغم أنّ دماءه تنزف من كلّ مكان في جسده ولذلك ربّما يحضر الهزل والفكاهة بكثافة في ممارساتنا اليوميّة في محاولة لمواجهة قبح اليوميّ وبياضه.



#صفاء_سلولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللّغات تجتمع احتفالا باليوم العالمي للعربيّة
- -فرح يختفي في المرآة- لرضوان العجرودي: سيرة ذوات لشاعر واحد
- من غير جواب
- الموت لا يليق بها
- بغل عقيم
- نصف الوجع
- العهر الحق
- جسر العبور
- أشتاقني
- وحدة مؤنسة
- صباح برائحة القهوة
- في زاوية سيدي عمر في الكرم
- وثنيّة جديدة
- ندوة أدب المسعدي في عيون الباحثين الشبّان
- نحو ردّة جديدة
- اللّه في حماية المتديّن


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صفاء سلولي - الضّرب وصل -اللّحمة الحيّة-