|
عندما يتسيَّد الرُّعاع!
ياسين المصري
الحوار المتمدن-العدد: 7472 - 2022 / 12 / 24 - 16:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن حجر الزاوية في بناء منهج حقيقي راسخ للمعارف الإنسانية والرقي والتقدم هو إنَّ يتقبُّل المرء النقد والاختلاف بينه وبين الآخرين. في 30 أكتوبر 2022 بثت قناة الفكر الحر الخاصة على اليوتوب مناظرة بين الدكتور أحمد كريمة وشاب عرف مسبقًا أنه ملحد هو هشام المصري وانتهت المناظرة بعد أقل من 10 دقائق بمهزلة غير متوقعة وغير مرغوبة، إذ صب الشيخ جام غضبه - دون سبب - على الأستاذ هشام وكال له الشتائم والسباب قبل هروبه المشين من أمام الكاميرا. من هو إذن هذا الشيخ ”الدكتور“ الذي لم يستطع مواجهة شخص ملحد واحد؟ جاء في تعريف موقع الويكيبيديا العربية عن أحمد كريمة (1951 - ) أنه أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، ولد في محافظة الجيزة، وأنه لم يكتف بتدريسه للشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر فحسب، بل حرص على أن يتولى أيضاً إلقاء الخطب وإقامة الندوات بالمساجد ومراكز الشباب وقصور الثقافة، كما تخصص في نشر تعاليم الدين الإسلامي عبر العديد من البرامج الإذاعية والتليفزيونية داخل مصر وخارجها. درس العلوم الشرعية بالأزهر الشريف وقام بالعمل الدعوي في مساجد وندوات ومراكز شباب وقصور الثقافة والقوافل الدينية بالمحافظات. كتب في صحف ومجلات تخصصية وقدم أحاديث في برامج إذاعية وتليفزيونية بمصر وخارجها لمدة 40 عاماً. قام بالتدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية «المعاهد العلمية» بالسعودية من 1981 حتى 1985. درس العلوم الشرعية ووضع منهج التربية الإسلامية لسلطنة عمان من 1997 حتى 2003. حصل علي درجة العالمية «الدكتوراه» في الفقه مع مرتبة الشرف الأولى. https://ar.wikipedia.org/wiki/أحمد_كريمة من الواضح إذا أنه شخص على قدر كبير من المعرفة الدينية، ويملأ الدنيا بفتاويه التي قد تتفق مع المنطق وقد تختلف معه، فقد أفتى مثلًا بحرمانية نقل الأعضاء البشرية قائلا: «إنه من المقرر شرعا أن الإنسان لا يهب ولا يبيع إلا ما يملك، وبالنسبة لمسألة نقل الأعضاء الأدمية، سواء من إنسان حي إلى آخر حي، أو من إنسان ميت إلى آخر حي، إلا إذا كان يملكه وما لا يملكه لا يجوز ولا يصح أن يتصرف فيه». وتابع كريمة: « معلوم أن الجسد الآدمي بحواسه وأعضائه ومنافعه، مملوك لله عز وجل». وذكر أن هناك عددًا من الأنبياء والصالحين الذين أخبر بهم الله عز وجل في كتابه العزيز «القرآن الكريم» مصريون، إذ ذكر أن سيدنا لقمان الحكيم عليه السلام، كان مصريًا، من أهالي النوبة. ونفى أهمية تحليل البصمة الوراثية DNA، قائلا إنه يعد قرينة وليس دليلا على إثبات النسب. كما صرَّح بوقوع طلاق السكران من زوجته، وشن هجومًا حادًا على أحد المشايخ الذي أفتى مؤخرًا بأن لعبة كمال الأجسام حرام شرعًا بسبب الملابس الخاصة باللعبة، ولا ينسى أن ينافق الحكام العسكر، ويدافع عن الجيش المصري قائلا إنه دافع عن الأمة ولا يزال، مشيرًا إلى أن الاصطفاف الوطني مع القوات المسلحة والشرطة المدنية يحرك مكامن الحقد الأسود المتأصل المتجذر لدى الفئات الضالة التي تريد التقليل من قيمة وقامة الجيش المصري. ومع أنه وصف نفسه مرارًا وتكرارًا بأنه من كبار ”العلماء“، فإن علمه الذي طال عنان السماء، لم يمكِّنه من الرد على شخص واحد عندما سأله عن الآية 29 من سورة التوبة والتي توصف عادة بآية السيف: ﴿ قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾، وقال له إنها آية إرهابية، مما يدل على أن الاسلام انتشر بالسيف. ”آية السيف“ مصطلح إسلاموي يستخدمه بعض المفسرين للإشارة إلى مثل هذه الآية وغيرها الكثير في القرآن، وقد أستعرضها جميعها الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في كتاب بعنوان: ”آية السيف“ نشرته جامعة قطر، بدون تاريخ، يمكن قراءته وتنزيله من الرابط التالي: https://ebook.univeyes.com/96623 بل أنَّ الشيخ الدكتور محمد جحفل بن مفلح أستاذ الشريعة والقانون في جامعة أم درمان الإسلاموية قال صراحة: « إذا أبعدنا السيف عن رقبة المرتد! سوف يتبعه آخر ويرتد وبهذا سوف يضيع أغلب المسلمين عن طريق الحق (ديننا والسيف) لا فرق بينهما»، ومع ذلك أنكر الدكتور كريمة صفة السيف عن الآية وغيرها، وتحول على الفور إلى ”أسلوب الرّعاع“ الذي لا يعرف الطغاة والمستبدون وقطَّاع الطرق أسلوبًا سواه في تعاملهم مع الغير، عندما تعوزهم الحجة وينقصهم الدليل والبرهان، وحينما تحرجهم كلمة الحق الخالصة، فانبرى سيادته للهجوم على هشام، وانهال عليه بالشتائم والسباب، قبل انسحابه من المناظرة. الدكتور كريمة شأنه شأن مشايخ الأزهر أمام العجز المطبق عليه، يخالف أمر ربه، القائل: { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل 125). وكيف لا يخالف أمر ربه ونبيه (الكريم) خالفه من قبل، فكان شتامًا لعانًا بحسب قول زوجته الأثيرة عائشة، بناء على شرط مع ربه، هو أن يجعل سبابه ولعانه لأي متأسلم زكاة وأجرًا له، بالطبع هذا الشرط ينتفي تمامًا في نظر كريمة لأن غريمه ملحدًا، ولذلك لم تمضي سويعات قليلة، حتى قرأنا في الأخبار أن قوَّات الأمن ألقت القبض على الأستاذ هشام المصري!، وكأن شيئا لم يكن، وأن المشكلة قد حُلت بهذه الطريقة الشائعة!. يقول الفيلسوف الفرنسي فولتير (1694 - 1778): «عندما يشرع الرُّعاع في التفكير يتلف كل شيء». لذلك لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة الإنسانية المفيدة ما لم يتعلم كيف يفكر، والرعاع لديهم عقلية بغبغائية لا تتوقف عند التفكير المدمِّر فحسب، بل تخضع لضغط ذاتي لنقله إلى الكلام ومن ثم إلى الفعل والعمل، فيتلفون ويدمرون كل شيء وأي شيء!، لأن الفعل أو العمل السديد يتحقق فقط نتيجة للتغيير في المقاييس الذهنية التي تحدد تفكير الفرد. الدكتور العالم الجليل لم يجد في بنات أفكاره كلاماً منطقياً ينطق به، وتعبيراً موزوناً يطلقه، وأسلوباً سامياً يستعمله، وفطنة ولباقة في الحديث، وكياسة ومهارة في الحوار! فكان كلامه دليلا على الجهل والعجز والرعونة، والحُمق والخشونة، والغباء والفظاظة، ولا يمت بصلة للأدب والتهذيب، ولا للحِشمة والحياء، مُفتقراً للخجل والعِفة، بعيداً عن اللياقة والاستحياء، إنه أسلوب الرعاع! الرُّعاع أو الرَّعاع (بضم الراء أو فتحها)، بحسب المعاجم اللغويَّة، والواحد (رَعاعة)، هم فئات اجتماعية من الجهلة، السفلة، الأوغاد، الساقطين، الأشرار، الصعاليك، السفهاء، الغوغاء، الدهماء، الأراذل، الهمج، والهُمَّل أي الذين تركوا مهملين بلا تربية ولا تعليم أو بلا رعاية ولا عناية، لا يعرفون الأدب ولا يتسمون بالأخلاق ولا بالنظام. ولديهم إحساس رهيب بالنقص والعجز وقلة الحيلة. هذه الفئات موجودة دائمًا في جميع المجتمعات البشرية، لكنها أقلية، ولا تشكل هيمنة أو نفوذ يذكر في مجتمعاتها، إذ يتمكن المجتمع من احتوائها بصورة ما ومن ثم الحد من غلوائها. ولكن عندما يغفل المجتمع في ذلك ولا يحسن التعامل معهم، يتيح لهم الفرصة للهيمنة واغتصاب السلطة في بلادهم والتسيُّد على مجتمعاتهم، زاعمين أنهم يحكمون من أجل صالح البلاد وحياة العباد ومستقبل الأولاد، بينما هم لا يحكمون ولا يتحكمون إلا لتحقيق مصالحهم الشخصية وحدها، وفي سبيل ذلك، يتلفون ويدمرون كل شيء، ويحوِّلون مجتمعاتهم بكاملها إلى رعاع بالمثل. يقول مونتسكيو إذا أردت أن تعرف أخلاق رجل ضع السلطة في يده تم انظر كيف يتصرف. ومن سوء حظ مصر خضوعها منذ 70 عام لسلطتين رعاعيَّتين استبداديتين الأولى عسكرية والثانية دينية، وكلاهما ذات تعصُّب مهني، تتبادلان من خلاله المصالح المشتركة فيما بينها على حساب الشعب، ومن ثم تلتزمان بأخلاق وسلوكيات رعاعية، تبعدها عن التحكم وفق القيم ذات العمق الإنساني، أو وفق قانون مدني متعارف عليه ينظم العلاقة بينهما وبين المجتمع، أو تبعًا لقانون الاعتراف الذي يحفظ الحقوق لأصحابها، أو بناءً على قيم دينية من شأنها تأكيد الأخوّة والتسامح. كلا السلطتين أطاحت بكامل عالم القيم، وراحت تؤسس استمرارها على ثقافة عصبية أنانية رعاعية خالصة، ثقافة قائمة على الأنانية والنهب والسرقة والتدمير والاعتداء والتسلط والاغتيال والقتل، كلاهما ينمي أدواته ويشحذ مخالبه، لفرض السيطرة الكاملة على الشعب البائس. وعندما تتهدد مصالحهما الشخصية يزعم العسكر أن الوطن في خطر ويزعم رجال الدين أن الدين في خطر!، وهما وحدهما من يشكل الخطر الحقيقي على الوطن وعلى الدين. يقول الفيلسوف الألماني فريدريش نيتشة: « الرعاع اعتنقوا أفكارهم بدون براهين، فكيف يمكنك أن تقنعهم بزيفها من خلال البراهين؟» ومع هذه الرعاعية الفاشية العسكرية - الإسلاموية تحولت الثقافة التي يجب أن تقوم على احترام القوانين الصارمة، إلى ثقافة رعاع قائمة على القرابة والصداقة والنفاق والعداوة، والاحتلال للفضاء العام بكامله، فصار كل شيء مباحاً، ولم تعد هناك حدود لتحطيم العقل والقيم الإيجابية التي تحفظ التعايش الاجتماعي، من خلال نشر المخبرين والعسكر والعصابات والتنمُّر والتحرش والفضائح والفساد والإخفاء القسري والاغتصاب. الحق أن صعيدًا واحدًا من صعد الحياة في مصر لم يسلم من اعتداء الثقافة الرعاعية، فكان أول حقل تم الاعتداء عليه هو المال العام، الذي هو نظرياً من مسؤولية مؤسسات الدولة. فالحاكم وحاشيته جعلوا الدولة ملكية خاصة، وأزالوا التمايز بين الدولة والسلطة، أزالوا بأعمالهم مفهوم الدولة فأصبحت كل الثروات مباحة، من أرض ومال ومشاريع، والنهب اللامحدود هذا هو الذي راكم كمية كبيرة من الأموال المنهوبة، وما كان لهذا الاعتداء أن يتوسع ويتم في العلن، لو لم تَمُتْ في وعي الرعاعي فكرة الدولة بكل حمولاتها القانونية والسيادية والحقوقية. وهذا بدوره أدى إلى تحطيم القيم المؤسساتية، فالمؤسسة أهم معلم من معالم الدولة التي تقوم بخدمة مصالح الناس، وتنظيم علاقاتهم وشؤون حياتهم الاقتصادية والتعليمية والثقافية والقضائية والاجتماعية. لقد حطمت ثقافة الرعاع كل هذا تحطيماً لم يشهد له التاريخ مثيلاً. فمن جهة لم يعد العامل في المؤسسة ينتمي إلى عمله، بل إلى ما تحقق له المؤسسة من مصالح خارج القانون. النظام السياسي العسكري - الإسلاموي لا يكترث عادة بما يسمَّى الكوادر، أي الإنسان المناسب في المكان المناسب، بل يأخذ في حسبته دائمًا اعتبارات الولاء والطائفية والخنوع، ولهذا انهارت هيبة الدولة ومؤسساتها أمام الرأي الشعبي العام، ولم يعد التعامل معهما إلا في إطار الرشوة والمحسوبية والتدمير الممنهج، وتحطيم المعايير بكل صلف رعاعي، فلقد تحولت ثقافة المؤسسات القائمة على القانون الصارم، إلى ثقافة القرابة والصداقة، تحطمت الصورة المحترمة للوظيفة المؤسساتية فزال الاحترام لها، وهذا يعني لم يعد في المجتمع نخبة مؤسسة. فالقاضي ومدير الناحية ومدير المنطقة والمحافظ ومدير المؤسسة هذه أو تلك تحولوا من زاوية رؤية المجتمع إلى فاسدين من جهة وخدّام عند السلطان من جهة أخرى. ولقد سعت عصابة ثقافة الرعاع إلى تحطيم معايير الثقافة العلمية والأكاديمية والمدرسية. وفي الجانب الآخر، انحصر خطاب المشايخ الرعاعيين في المرأة بوصفها عورة وفي نكاح الميتة والبهيمة وشرب بول البعير ومفاخرة صغيرات السن وفي الهجوم على الأقليات الدينية أو العرقية في مصر أو غير ذلك من الهراء النبوي الكريم، ليجمعوا به أموالا طائلة من شعب كتب عليه الجهل والبؤس. في 29.05.18 كتب الكاتب والمفكر المصري الدكتور علاء الأسواني مقالا في DW تحت عنوان: هل نحتاج إلى رجال الدين؟، قال فيه:«منذ عشرين عاما تلقيت دعوة من برنامج تليفزيوني لمناقشة بعض القضايا الاجتماعية. جلست انتظر التسجيل فوجدت بجواري رجل دين يتشاجر بطريقة سوقية مع معد البرنامج لأنه خصص له مكافأة مالية غير كافية في نظره ولم يهدأ الشيخ حتى رفع له المعد قيمة المكافأة. هذا الشيخ يقدم الآن برنامجا تليفزيونيا يوميا يعلم فيه الناس التقوى والقناعة». إن السكون عن عمل أولئك الرعاع هو من خصال الرعاع وحدهم، إذ تحولت الأغلبية المجتمعية بدورها إلى رعاع، فلابد أن يكون الناس على أديان سادتهم! من طبيعة الإنسان العادي أو غير المؤدلج، في أي مكان من العالم، أن يميل بفطرته إلى الخير والمحبة والتسامح، مع وجود بذورَ رعاعية شرِّيرة كامنة في أعماقه، يُمْكِن للرعاع الخالصين تنميتها وتأجيجها بسهولة والاستفادة من نتائجها، خاصة عندما يستحوذون على السلطة أو النفوذ. أولئك الرعاع يوجدون كما أسلفنا في كل المجتمعات البشرية، ويسعون دائمًا وأبدًا للتسيُّد على مجتمعاتهم. وإذا قُدِّر لهم ذلك، يستسهلون إتباع الأنظمة التي تندرج تحت ما يعرف بـ" الحكم الشمولي أو التوتاليتاري Totalitarianism" مثل الاستبدادية والديكتاتورية والفاشية ... إلخ. لأن ذلك يطلق له العنان ليقولوا ما يشاؤون ويفعلوا ما يريدون، دون أن يجرؤ أحدْ على منافستهم أو الاعتراض على أقوالهم أو أفعالهم. إنَّ قواميس الرعاع الأشرار لا تحتوي على مفردات من قبيل التفكير، أو التدبُّر أو التعاون أو التسامح أو الاستشارة أو التوافق أو حتى الاستماع إلى الرأي الآخر. برز مصطلح الشمولية كمصطلح سياسي سنة 1925 من خلال الشعار الذي رفعه طاغية إيطاليا الفاشي بينيتو موسوليني (1925 - 1943) على النحو التالي :« الكل في الدولة، لا شيء خارج الدولة، ولا شيء ضد الدولة ». ومنذ ذلك الوقت بدأ الحكم الشمولي في الانتشار حول العالم، إلا أن تاريخ البشرية عموما، وتاريخ المتأسلمين خصوصا لم يخلو من حكم سياسي مطابق تمامًا للحكم الشمولي، بل فاقه في شموليته واستبداده. حيث يمسك بزمام السلطة فيه فرد واحد أو حزب أو عائلة أو مجموعة من الأفراد تشكل فيما بينها عصبة واحدة ذات هدف واحد، بحيث تنتهي كل أنواع المعارضة، ويتم فرض قولبة كل المواطنين في كتلة موحَّدة ومنمَّطة بما يوافق السلطة الحاكمة، بدعم قوي ومباشر من الأيديولوجية الإسلاموية الفاشية. وبذلك تكون الدولة بكاملها تحت تصرفها. عندما يتسيَّد الرعاع دولة ما تتفكك فيه جميع أواصر الصداقة والمحبة والأخوة والعدالة وتنهار الأخلاق، ولا يمكن لحكمهم أن يهدف إلى الحرية الإيجابية والتصالح مع العالم من حوله، ومع نفسه، بالحب والعمل والإبداع، والتعبير الأصيل عن القدرات العاطفية والعقلية، بل يفرض على رعاياه الهروب من الحرية إلى التبعية والخضوع، من خلال التحكم السلطوي في كل أوجه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية، ولا يسمح بالتداول السلمي للسلطة. يقول الفيلسوف الفرنسي ” فرنسوا ماري اوتيه" المشهور بـإسم "فولتير“: « إن الأنظمة الشمولية تؤسس لأنساق من السلوك السلبي أهمها النفاق الذي يؤسس بدوره لمرحلة أخلاقية هابطة» الشخص المتأسلم بوجه عام ممزق نفسيًا وسلوكيا بين كم هائل من المتناقضات: الدنيا والدين، الحلال والحرام، الخير والشر، الشرق والغرب، بين ما يقوله له رجال الدين الظلامي وما يقوله له المثقف المتنور. هذا التمزق يظهر بوضوح لدي المصريين، بشكل خطير جدا ومعقد ويحمل في طياته عشرات الهويات المؤقته أو الغير مستقرة، لوقوعهم منذ عقود عديدة بين السلطتين المتوازيتين اللتين تحكمانه، وتتحكمان في مصيره. تلتقي السلطتان معا على أسس الفاشية الاستبدادية الإسلاموية، حيث يتيح لهما الأساس السياسي للديانة إتِّباع نظام تحكم شمولي استبدادي، أسوة بنبي الأسلمة "الكريم" وخلفائه "الراشدين"، لذلك تعاني الشعوب المتأسلمة جميعها من مرض خبيث أصابها بالتعصب والاستعلاء والشعور الوهمي بالتفوُّق العرقي، مما يدمغ مواطنيها بالنزعات التسلطية التدميرية والنمطية الآلية على المستوى الفردي والجماعي، وعلى الصعيد الحضاري العام، كميكانيزم نابع عن الخوف من الحرية والهروب منها، إنها حالة تعبر عن الرغبات المازوخية والسادية التي تساور الأفراد والجماعات المتأسلمة بالمطلق. وكنتيجة لذلك بدأت مبكرًا مرحلة الهبوط الأخلاقي بتخلي المتأسلم عن استقلال الذات الفردية ودمجها في شخص المتسلط عليه، وخضوعه خضوعاً مطلقاً لسلطته، حتى لتبدو هذه السلطة قوام الذات وكيانها وماهيتها. وأساس هذه النزعة هو الهروب من العجز الفعلي إلى القوة الوهمية، ومحاولة فرض الأوهام الذاتية على الواقع الموضوعي. الدكتور كريمة وأمثاله من المشايخ لديهم رغبة رعاعية متعالية، تتمثل في الهيمنة الوهمية على الآخرين، في صيغة ممارسة السادية إزاءهم، وذلك بدعم ورعاية سلطة حاكمة من نفس النوع، مما خلق جوًّا من العلاقات الاجتماعية الخالية تمامًا من الاكتراث بالعنصر الأخلاقي، والمحكومة بمنطق المنفعة الشخصية والتضحية بكرامة الوطن والمواطنين على مذبح السيطرة والتسيُّد، في سبيل «الغنيمة والجماعة والعقيدة».
#ياسين_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البشر تجربة إلهية فاشلة!
-
شعب متدين بطبعه!
-
الجنرال وظاهرة القسَم!
-
الحلال والحرام وثقافة الغباء الجمعي
-
الاستشراق وثقافة الغباء الجمعي
-
توضيح مقتضب
-
المرأة المتأسلمة وثقافة الغباء الجمعي
-
الفتوى وثقافة الغباء الجمعي 2
-
الفتوى وثقافة الغباء الجمعي 1
-
إزدراء الأديان وثقافة الغباء الجمعي
-
10- ضحايا ثقافة الغباء الجمعي
-
9- الإعلام وثقافة الغباء الجمعي
-
8- حكم الأقلية العسكر في مصر وثقافة الغباء الجمعي
-
7- البلطجة الرسمية وثقافة الغباء الجمعي
-
6- السلفيون وثقافة الغباء الجمعي
-
5- الأزهر وثقافة الغباء الجمعي
-
4- القرآن وثقافة الغباء الجمعي
-
3- محمد وثقافة الغباء الجمعي
-
2 - فكرة ”الله“ وثقافة الغباء الجمعي
-
ثقافة الغباء الجمعي - مقدمة
المزيد.....
-
بالصور.. نوافذ المصلى القبلي بالمسجد الأقصى
-
الآن شاور شاور يلا يا قمر ?? ثبت أحدث تردد قناة طيور الجنة 2
...
-
نزل التحديث.. تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد على القمر الص
...
-
استقبل الان .. تردد قناة طيور الجنة Toyor Aljanah علي نايل س
...
-
إليك الطريقه بالتفصيل.. كيفية ضبط تردد قناة طيور الجنة الجدي
...
-
حميدو الولد الشقي.. تردد قناة طيور الجنة بيبي التحديث الاخير
...
-
قوات الاحتلال تقتحم قرية ياسوف في سلفيت بالضفة الغربية المحت
...
-
محمد اسلامي:نعمل في اطار الوكالة الدولية وهي تشرف على انشطة
...
-
تردد الجديد لقناة طيور الجنة 2025 للاطفال عبر الأقمار الصناع
...
-
استقبل الان على جهازك قناة طيور الجنة بترددها الجديد 2024 عل
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|