أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - -محكومون بالأمل-/نصّ قصصيّ














المزيد.....

-محكومون بالأمل-/نصّ قصصيّ


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 7469 - 2022 / 12 / 21 - 10:04
المحور: الادب والفن
    


"محكومون بالأمل"

كلمة "ألم" مكوّنة من ثلاثة حروف (أفقي)، يقابلها كلمة "أمل" من خمسة حروف (عمودي). أكدحُ ذهني. اللعنة على هذي الكلمات المتقاطعة! إنّها تستحوذ على أفكاري، وتستنفذ كلّ طاقاتي. تتزاحم الكلمات في رأسي، وتتضافر لتتقاطع صورًا على صفحة الذاكرة. أحبسُ أنفاسي. أتنهّد. أنتقلُ إلى صفحة الإعلانات عن وظائف شاغرة، ربما يحالفني السعدُ اليوم فأعثر على لقمة تكفيني سدّ عوز عائلة تتعلّق بعنقي كحبل المشنقة. تطاردني رائحة عفونة. ألقي بالصحيفة على الأرض. أعود فأتنهدّ وأبحثُ عن نافذة.
* * *
يستهويني منظر الثلج وهو يتساقط بخفّة، كأنّ أسرابًا من الطيور خلعتْ عنها ريشها ونثرته في الفضاء. يستهويني صخب الأطفال وهم يركضون حُفاةً تحت الثلج دونما شكوى، ويتنافسون على بناء رجال من الثلج.
هؤلاء هم المحكومون بالأمل!
نحن المحكومون بالألم!
*
تحرّكَ الحنينُ داخلي إلى مرتع الطفولة، إلى أيدٍ صغيرة تتسابق لتصطاد العصافير من أعشاشها، فتزجّ بها بفرح داخل الأقفاص الصغيرة وتروح ترقبها بفضول، وشيئًا فشيئًا تذبل اللهفة حين تدرك أن العصافير لا تغرّد إلا على شجر.
ألقيتُ حقيبتي المدرسيّة فوق عتبة المنزل. الباب موصد. لمحتُ والدتي وأنا في طريق العودة من المدرسة تدخل الجامع بخطوات مُتثاقلة. لا بُدّ أن أنتهز بضع دقائق لأستردَّ الشمس في عروقي. خلعتُ حذائي وواريتُ جواربي المثقوبة في أقصى نقطة منه. طفقتُ أنبشُ حفرة على طول جسدي النحيل داخل تلال الرمل.
ببرود هبطتُ داخلها. طمرتُ جسدي حتى عنقي. الشمس في منتصف الحلم وأنا بحاجة للدفء.أغمضتُ عينيّ ورحتُ أرتفع. هكذا سأبقى في ارتفاع دومًا. لا أخشى إلا أن يذوب الصمغ عن جناحيّ وأنا أقترب من الحقائق برشاقة. تمطّى ظلٌّ قربي، وارتفع صوت ينخر ضميري:
- (هشام)، عدتَ لنبش الحفر؟!
امتدّت ذراعاها نحوي لتنتشلني من مرتع أحلامي. ارتعدتُ. سقط منديلها المبرقش فوق يدي. بانت ضفيرتها الشائبة. تلوّى فستانها الأسود المطرّز بقطب فلاحيّة بالية وهي تنحني لتنتشلني من الحفرة. انحسر فمها عن أسنان متهالكة.
- يا قلبي لمَ تهوى المشاكسة؟!
كالمعتاد، جاء حرف القاف رخيمًا مضمخًا بالنبرة الفلسطينيّة التي تطرب قلبي. جحظت عيناي. تراها تعفو عنّي هذه المرّة أم ستعاقبني؟! قالت بحنوّ وأنا انتصب كشجرة نخل في جنتها:
- يا صغيري، هيّا إلى طشت الماء.
طفقتُ أتهادى بفرح أمامها كجندي مشاةٍ في يومه الأوّل.
* * *
نظرتُ عبر زجاج النافذة. الشمس محتجبة منذ سنوات. سأنتهز بضع دقائق لأستردّها في عروقي. فتحتُ الباب برويّة وخرجتُ. في السماء غيوم متلبدة. في القلب ثلاث ورقات؛ ورقة للأمل، وأخرى للألم، أمّا الثالثة فما زالت تحمل بياضها.
رحتُ أتناول الثلج وأكدّسه كومة فوق كومة. سأبني رجلاً من ثلج، هذا الذي طالما راودني في صحوي ومنامي ووهبني قصفة حبق تُعطّرُ عفونة شتاتي، فتجعل للمنفى طعمَ وطن. أشرقتِ الشّمسُ في عروقي. سأضع له عينين من خرز، وأذنين من خشب، وفمًا من صوّان. سآتيه كلما اشتدّت وطأة الغُربة على قلبي. ها هو كما دومًا تخيلته؛ رجل من ثلج!
* **
- (هشاااااااااااام).
حاصرني صوتها وكأنّه الماضي المستمر. وقفتْ قربي مذهولةً؛ تارةً تتأمل رجل الثلج، وأخرى تتملّى ملامح وجهي. تراها تراني مشاكسًا بعد مرور أكثر من عشرين سنة على أعراض الطفولة؟!
انتصبَ الرعبُ ككوز من الصبّار في جوف حنجرتي. ابتسمتْ برقّة.
حاصرني حنانها من شرقي إلى شوقي:
- يا ابني ألم تكبر على اللعب بأعصابي؟!
تحرر قلبي من قبضة الرّهبة. قهقهتْ بصخب. أصابتني نوبة ضحك.
قهقهتُ:
ههه... على جرح وطن سليب.
هههه... على ضياع هُوية.
ههههه... على رجال من ثلج على امتداد خريطة الأوطان العربيّة. ههههههههههههههههه.




(2004)
من المجموعة القصصيّة: "أنا جنونك" ريتا عودة، بيت الشعر الفلسطينيّ 2019
==========================================



آراء في النَّصّ:

نص سردي ابداعي تتناسق فيه الكلمات عبر رؤى سردية فاعلة تحاول ان ترصد واقعا متحولا عبر تأطيره في لوحة جمالية ابداعية يتناغم فيه الوصف مع السرد المشهدي الحواري الذي ينقل بإختزال تفاصيل الاحداث الصغيرة ليضعها تحت مجهر الفن ليعاينها المتلقي ويتفاعل ايجابيا معها لانها توهمه وتمتعه في الوقت ذاته .

د. حامد السامر/ تدريسي في كليّة الآداب، جامعة البصرة.

*
*
*

النّص صلصال يشكّله القارئ بوعيه، فشكرا لهذه السّردية المشهدية،والتي ماتنفك وعند كل قراءة تبدل أثوابها الجمالية في غرف التأويل.
لغة غنية بدالها ومدلولها الانزياحي، حتى تجعلنا نصدق المنلوج الداخلي هو لغة حوار شخصين وليس هو فلاش باك الحلم.

رزاق العيساوي / مدرّس لغة عربيّة

*
*
*

سرد جميل لواقع أليم واقتلاع الامل من بين جذور الأشواك .وصورة شاعرية ومعبرة رسمت بريشة فنان مبدع .ابعد الله عنك الحزن وملأ قلبك بالفرح.

دولت جنيدي/ فلسطين

*
*
*

لا فض فوك....أقرأ النص الرائع والمميز مرة أخرى و بإحترام ..وصفت واقع أليم..... لامس القلب والروح معا ... أبدعت وبإمتياز.

Mohammed Harb

*
*
*

بالرغم من عنصريتك ضد رجل الثلج ..! الا انه نصا جميلا وعميق الأحاسيس والمشاهد ..فيه شيء من الغموض ..لكنه رائع .بالتوفيق ريتا .

اياد خلايلة/جنين

*
*
*

تشكلين
لوحة من أوجاعنا بإمتياز ؛
دام
حبرك الذي يتدفق من دمي ..

خالد الساحوري



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا أحد إلاَّكَ //ومضات
- نبضُ العشقِ// ومضات
- رواية -بورتريه قديم- بسام أبو شاويش//قراءة انطباعيّة
- أنت البسطُ وأنا لكَ المقام/ ومضات عشقيّة
- أحبُّكَ والبقيّة تأتي...
- سنونوّة حرّة// لمحة نقديٌة
- لتستريحَ الأرضُ قليلاً
- بغدادُ صَبْرًا// قصيدة
- ((أُكْتُبِي ريتايَ))/ قصيدة
- أرى أسمع أتألم وسأتكلم
- شاعر وقصيدة/ الشاعر الفلسطينيّ ناظم حسون
- ((اغضَب))
- ((سُرَّ مَن عَشِقَ))
- انزياحٌ عاطفي//ومضات
- خالد قطعني يمّا/قصة ليست قصيرة
- يا فارس الفرسان
- الرّوحُ إليكَ تُسَيَّرُني
- عصفورٌ فلسطينيٌّ
- طائرٌ مهاجرٌ / ومضات
- ما أدراكَ ما ريتا..!


المزيد.....




- ناشطة بيئية تضع ملصقا احتجاجيا على لوحة (حقل الخشخاش) لكلود ...
- قصة -انقلاب كوهين- الذي كلف ترامب إدانة تاريخية بقضية الممثل ...
- ترددات قنوات أفلام أجنبية 2024 على النايل سات: هتلاقى كل الل ...
- اللجنة الفنية لكأس السعودية تكشف عن أفضل لاعب في موقعة النصر ...
- بعد الإدانة التاريخية لترامب.. نجمة الأفلام الإباحية لم تنبس ...
- الحلقة 27 من مسلسل صلاح الدين الايوبي مترجمة للعربية عبر ترد ...
- “الآن نزلها” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد لمشاهدة جميع أفلا ...
- تردد قناة بانوراما فيلم 2024 حدث جهازك واستمتع بباقة مميزة م ...
- الرد بالترجمة
- بوتين يثير تفاعلا بفيديو تقليد الممثل الأمريكي ستيفن سيغال و ...


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - -محكومون بالأمل-/نصّ قصصيّ