أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الإله البارد















المزيد.....

الإله البارد


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 7440 - 2022 / 11 / 22 - 14:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
العودة المحزنة لبلاد اليونان
٣١ - الإله أبوللون

وفي مقابل هذا الإله العبثي، هذه الموجة العاتية وهذا الخليط من الألوهية والقسوة الشريرة، هناك أبوللون Ἀπόλλων، النقيض الموضوعي لديونيسوس، إله أكثر ثباتا على قدميه وأكثر هدوءا وصفاء وتوحدا، إنه إله النور والوضوح. ويرى نيتشة في ميلاد التراجيديا " يمكننا أن نصف أبوللون بإعتباره صورة إلهية رائعة لمفهوم الفردانية، بينما تميز السعادة والحكمة والجمال حديثه لنا عن ما يظهر apparence بفعل حركاته ونظراته". فهو إله الوضوح والظهور والذي يسمح لعالم الخيال بالتمثل في صور فنية مادية، إنه إله كل القوى البلاستيكية، إله الفنون عموما ولكنه أيضا إله "العرافة"، ليس بمعنى التنبؤ بالمستقبل، وإنما بمعنى التوقع المنطقي والعقلي للأحداث. ورغم أن التاريخ الشخصي لأبوللون يبدو أقل إثارة من تاريخ ديونيسوس، إلا أنه يمثل الإله الأكثر شعبية في اليونان وفي حوض البحر المتوسط، والأكثر شهرة، حيث تنتشر معابده وتماثيله في كل المدن المطلة على البحر المتوسط شمالا وجنوبا.
عندما كانت والدة أبولون ليتو Léto حاملة به وبأخته التوأم أرتميس، وعندما جاءها المخاض، أخذت تبحث عن مكان للولادة، لأن هيرا، زوجة زيوس، جعلت جميع الأراضي اليونانية تتجنبها وترفض المولود الجديد، هيرا كانت غاضبة تجاهها وتجاه كل النساء عشيقات زوجها، لأن زيوس كان والد أطفالها ولم تحب هيرا أن يظل ينجب أطفالًا مع نساء وآلهة أخريات. لكن بوسيدون أشفق على ليتو وأظهر لها جزيرة غير متصلة بقاع البحر، لذا فهي من الناحية العملية لا تعتبر أرضًا ولا ينطبق عليها تحريم هيرا. لذلك سافرت ليتو إلى الجزيرة الصغيرة العائمة والتي تسمى ديلوس حيث ولدت أبوللون وأرتميس.
أبوللون إذا هو ابن زيوس Zeus كبير الآلهة والتيتانيد ليتو، ولد هو وأخته التوأم أرتميس Artémis في ظروف شديدة الصعوبة نتيجة مطاردة هيرا، زوجة زيوس لليتو ومنعها من الولادة على أرض اليونان.
لقد تم سرد ولادته بالتفصيل في ترنيمة هوميروس لآبوللون، فعند ما كانت ليتو على وشك الولادة، سافرت في بحر إيجه، طالبة اللجوء هروبا من هيرا التي تطاردها بدافع الغيرة، كما فعلت مع العديد من عشيقات زيوس، غير أن الأرض ترفض على ما يبدو ميلاد هذا الإله، وكذلك الجزر وشبه الجزر ترفض الواحدة تلو الأخرى الترحيب بأبوللون وأخته. وأصدرت هيرا قرارًا يمنع أي أرض تشرق عليها الشمس من إستقبال ليتو. وتصل ليتو أخيرًا إلى جزيرة ديلوس Délos، التي رفضت في البداية، لئلا يحتقرها الإله المستقبل بسبب قسوة ترابها، غير أن ليتو توعد بأن ابنها سيبني معبده هناك وستصبح الجزيرة مركزا مشهورا في كل اليونان، وتقبله الجزيرة في نهاية الأمر. وهناك رواية أخرى للشاعر بندار Pindar تقول بأن جزيرة ديلوس، كانت جزيرة متجولة أوطافية ومتحركة على سطح البحر مثل سفينة ضخمة تتقاذفها الأمواج قبل وصول ليتو إليها، وبعد ولادة أبوللون، ترتفع أربعة أعمدة من قاع البحر وترسو الجزيرة وتثبتها بقوة في الأرض. وفي رواية أخرى فإن الجزيرة كانت تسمى Ortygia، وقد غطاها بوسيدون Poséidon بالمياه، وبالتالي لا تشرق عليها الشمس حتى لا ينطبق عليها القانون الذي أصدرته هيرا، ثم أخرج بوسيدون الجزيرة من المياه وأخذت اسم ديلوس أي "المرئية". وقبل ميلاد أبوللون، جاءت جميع الآلهة، بما في ذلك ديون Dioné، ريا Rhéa، ثيميس Thémis وأمفيتريت Amphitrite، لمساعدة ليتو أثناء الولادة. غير أنه بدافع الغيرة واصلت هيرا مؤامرتها ضد ليتو، فلم تخبر إليثيا Ilithyie، إلهة الولادة، التي بقيت في جبل الأولمب l Olympe بدون علم، وفي غياب آلهة الولادة، يستحيل على ليتو أن تلد. وبعد تسعة أيام وتسع ليالٍ من الإنتظار، تدخلت الإلاهات الحاضرة وأمرت إيريس Iris مبعوثة الآلهة أو رسولة الآلهة بإعلام إليثيا بمحنة ليتو وإنتظارها الطويل وإعطائها عقدًا ذهبيًا لاستدعائها. بمجرد وصول إليثيا، تحتضن ليتو شجرة نخيل، والتي ستصبح مقدسة فيما بعد وتلد التوأم أبوللون وأرتيميس، في اليوم السابع من الشهر. على الفور، دارت البجع المقدسة على الشاطئ سبع مرات، وهي تغني، ومنذ اللحظات الأولى لولادته، أظهر أبوللون قوته الخالدة؛ وطالب بالقيثارة lyre والقوس ليؤكد شخصيته الأسطورية.
حسب ما كان يعتقده الإغريق، أبوللون هو إله الشمس، إله الموسيقى، إله الرماية أي الدقة (وليس إله الحرب)، إله الشعر، إله الرسم، إله النبوءة، إله الوباء والشفاء، إله العناية بالحيوان، إله التألق والبريق، إله الحراثة. يملك جمال وذكورة خالدة، ويتم نقل نبوءاته والإجابة عن الأسئلة بواسطة الكاهنة بيثيا Pythia.
قد وجد مكانًا مثاليًا يسمى Pytho حيث يمكن أن يأتي الناس ويطرحون عليه الأسئلة ويستخدم موهبة النبوة للإجابة عليهم .. المشكلة الوحيدة هي أن المكان كان مسكونا من قبل ثعبان عملاق رهيب يسمى بايثون كان يعيش هناك وكان يرهِب جميع الكائنات الأخرى. فكان عليه أن يقتل الأفعى ويعيد تسمية المكان دلفي الذي أصبح معبده المخصص له يأتي إلية المئات لإستشارة نبوئته. وقد سمي أبوللون بإسم لوكسياس λοξίας، أي المائل أوالمنحرف نظرا لصعوبة تفسير نبوئاته الملتوية والغامضة. لكنّه لم يكن الإله المهذب دائما، فالنساء اللاتي لاحقهن يصعب عليهن التكلم عما حصل معهن بسببه، إما بسبب المسخ أو ماهو أسوأ، دافني تحولت إلى شجرة غار لتهرب من ملاحقته وكليتيا تحولت إلى عبّاد شمس. في أحد الأيام رأى إيروس Ἔρως والذي كان شخصًا مؤذًيا للغاية وكان يحب أن يسبب كل أنواع المشاكل، رأى أبوللون يتدرب بقوسه على الرماية وقرر أن يتحداه في مسابقة الرماية. ضحك أبوللون وقال إن طفلاً مثل إيروس لا يمكن أن يغلبه أو يضاهيه أبدًا ويرفض أن يقارن نفسه بهذا المخلوق التافه. يزعج هذا إيروس، فأطلق على أبوللون واحد من سهامه الذهبية ليجعله يقع في حب حورية جميلة تدعى دافني، وفي نفس الوقت ضرب دافني بسهم من الرصاص مما جعلها تشعر بالكراهية تجاه أبوللون. طاردها أبوللون وجرى وراءها بدون فائدة، حيث تفادته وهربت منه خائفة، ثم أستغاثت بوالدها، بينوس الذي حولها إلى شجرة الغار laurier لينقذها من حب أبوللون. عندما تحولت إلى هذه الشجرة، احتضنها أبولون وحزن على هروبها منه، وأخذ بعض الأوراق وصنع منها إكليلًا من الغار حتى تكون دائمًا على مقربة منه ويشم رائحتها الزكية. هناك أيضا الوفيّات العديدة المفاجئة حيثما حل، فهو لا يطيق المنافسة أو الهزيمة كما سبق القول، التنافس معه في الموسيقى قد يؤدي إلى الهلاك، المسكين مارسياس كبير السن سُلخ حيّا، أما الملك العجوز ميداس فقد نال آذان حمار، الجميلة كاساندرا لم تحصل على أي فرصة هي الأخرى، فقد نذرت نفسها له ولكنها لم تتمكن من الوفاء بوعدها فحكم عليها بألا يصدق الناس تنبؤاتها ولو صَدَقت (وكان هذا من أحد أسباب الهزيمة في طروادة)، ولم يكن رحيما مع عرّافة كوماي، حيث منحها الخلود ولكنه أبقى سنها يتقدم إلى الأبد، كما أنه حسب هوميروس، كان السبب في موت باتروكل وآشيل في حرب طروادة.

يتبع



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجود بين الواقع والخيال
- الإله اللامنتمي
- تعايش العلم والخرافة
- المثلية وحقوق الإنسان
- مفارقة العقل والإيمان
- النمل وكلام الله
- الكلمات والكائنات
- القرآن .. بين القراءة والفهم
- -الحجر- بين العلم والفلسفة
- الإنسان الآلي
- الإنسان جسد أم جثة ؟
- الإنسان بين المادة وال-الروح-
- صمت الحروف
- العدم والتجلي
- عبادة العقل المتطرف
- الكاثارسيس والفن كمطهّر إجتماعي
- نشوة الفن ونشوة النبيذ
- سياسة أوروبا العنصرية
- الإله المجنون
- تحولات


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - الإله البارد