أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير بين إذاعتين














المزيد.....

وجه الخير بين إذاعتين


كمال جمال بك
شاعر وإعلامي

(Kamal Gamal Beg)


الحوار المتمدن-العدد: 7435 - 2022 / 11 / 17 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


بمنكاشتي أسنان خشبيتين وخز خاصرتي ورقتين بطول سبَّابتين وعرض سبَّابة ووسطى، بعدما وشم عليهما علمين متكاتفين، علم استقلال بلاده وثورتها، وعلم البلاد التي احتضنته ومنفاه، وثبتهما بلاصق مستعار من غرفة الممرضات على باب غرفته من الداخل، وتركه مواربا أحيانا، ونصف مفتوح يترنَّح في ممر المشفى أحيانا ثانية.
وفي عمق الزاوية اليسرى البعيدة قبالة الباب، رست طاولته كمنصة استديو، وعلى سطحها كائناته الصحفية، كمبيوتره الشخصي، وموبايلاه السوري والسويدي، ونثار أشلائه من دفاتر، وقصاصات مجلات، ومحارم طعام، وقطع كرتونية لمواعيد الوجبات، وعليها كلّها آثار كتاباته المطلسمة بمجاذيف أقلام الرصاص.
********** **********
الرصاص!.. الرصاص! تردَّد أزيزه في غرفة مدير الأخبار، بعد أول قطرة دم سفكت في درعا: "يا أستاذ هشام هؤلاء أهلنا، والدم يستجلب الدم". الرصاص.. الرصاص استحالت حروفه بعد الثامن عشر من آذار، وما تبقى من فوارغ في وجه الخير.
********** **********
"هنا دمشق" لم يكن في زهوتها خيول ولا أمراء يعتلونها، ولا سيوف يقطعون الرقاب بها، ولم تكن فصائل وشعارات دينية، أو رايات سوداء وأخرى بيضاء، ومبكرا أكد مدير الإذاعة في إحدى التحقيقات بغرفته: سترونهم بعيونكم، وما كان يقرأ المجهول، بل كان يعرف ما يعد له من معلوم في أفرعه الأمنية. حتى صار ما فوق الخيال واقعا إجراميا مع إطلاق وحوش التطرف من سجون نظامي دمشق وبغداد. ومن أوائل ضحاياه في منطقة جديدة عرطوز حيث سيطرة جيش النظام، صديقه المذيع محمد السعيد الذي اختطفته مجموعة مسلحة وقامت بتصفيته، لا بالرصاص بل بوحشية السكاكين. وتبنت ذلك بمسمى "جبهة النصرة التابعة للقاعدة في بيانها الإرهابي رقم 10".
********** **********
"هنا دمشق/ الإذاعة السورية". حرّة باللونين الأبيض والأخضر.
هنا بأدوات تحريره ونشره وبثه وإرساله. وعلى صفحته الفيسبوكية الشخصية، وعلى أثير هواه، مطعَّمة بألوان خبرات موروثه الشعبي والديني، ودراسته الفلسفة وعلم الاجتماع، مما اختزنه وجدانه، لا من رماد ذاكرته في فرن الجحيم.
"هنا الجحيم" ليس قاعة أو قسم الأخبار، ولا الدائرة الثقافية، أو الموقع الالكتروني للإذاعة والتلفزيون، وليس الاستديو هات أو غرف اللقاء بالضيوف أو الاتصال بهم، ولا المكسر الفني لمتابعة البرامج في المراقبة العامة.
"هنا دمشق" وعلى سعيرها ما أدركت نفس نفسها، ولا أحسَّت بما ومن حولها، هنا اختلط الفجائعي واقعا مع الكابوسي في هلوسته، وارتدى الخذلان جبّة وعمامة في المنفى، ولبس الغريب طقما رسميا وبوطا جلديا من دون جوربين، وربط خصره بعلم الثورة من نسج أمه، ووقف ساعة صمت تحت الثلج، حدثه قلبه بأنها حداد على الشهداء، وسار على الأرصفة بمظاهرات فردية، تلا بها في سريرته آيات على نوله وخيوطه، ولاذ برفاقه وزملائه وجيرانه وجوه الخير، وفي كل هبّة استجار بهم، طلبوا له الإسعاف أو سيارة الشرطة لمساعدته للوصول إلى مبنى الإذاعة في المشفى.
********** **********
"هنا دمشق" والإرسال التجريبي مبحر بغزارة 24/ 24، منفلتا من دون بوصلة ولا أشرعة ولا صواري، صفرت به الريح إلى سطح المبنى المطل على ساحة الأمويين والسيف الدمشقي، السطح الذي سلخ من عمره في بداية عمله مؤقتا ست سنوات، السطح الذي احتلت عمائم سوداء ركنا منه، ونصبت فيه أجهزة إيرانية، السطح الذي تسلل فيه، بين أجهزة البث الستالايتات الضخمة بعيدا عن الأنظار، وكتم صفيره لهول ما شاهد من عصابات الشبيحة بأسلحتهم ودروعهم خلف سور الإذاعة، السطح الذي ما عاد له درج يوصل إليه تبعا لأوامر الحواجز العسكرية في كل طابق.
********** **********
"هنا دمشق" لقَّم الغريب موبايله السويدي، وطاف في الممرات وصالتي الاستراحة والمطعم، وعاد بصيد ثمين لزوايا متنوعة، ولنزلاء مختلفين، وبدأ نشرها تباعا، وفي إثر هاتف خارجي التقته ممرضة في الممر، وبين الكلام والإشارة تفاهما واتفقا:
- التصوير ممنوع مع إشارة (×) وإشارة إلى الموبايل.
* لا يوجد إعلان بذلك مع إشارة بتلويحة الراحتين وإشارة مربع إلى الحائط.
هرولت الدقائق فعلقوا إعلانات كأنها جاهزة، الإعلان مربع أبيض في داخله دائرة حمراء، في داخلها كاميرا فوقها إشارة (×) حمراء، قرأها مرتين، ذهاباً: ممنوع التدخين. وإياباً: دائرة مربَّعة. سمع هذه الجملة في دراسته الجامعية في المنطق غير أنه - يا للجحيم - قالها هذه المرة ونسي الضحكة.



#كمال_جمال_بك (هاشتاغ)       Kamal_Gamal_Beg#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجه الخير و أهل البركة
- للشام تاج من الأسماء
- لم يبخل الحبُّ
- بعد منتصف الحرب
- لا يريد الذي لا يريد
- بساتين فيينا
- للحنين شموس لا مقر لها
- الدانوب الفراتي
- وجه الخير - حُبّ ومنفضة الأجساد
- كلمات الحبّ المتقاطعة
- عروة في قميص السؤال لـ فرج بيرقدار
- ذات حربٍ ولا سلام
- لا أشبهني.. مع الدكتور أديب حسن محمد
- بانتظار غودو السُّوري للما الخضراء
- بيتها على النهر للشاعر فواز قادري
- وجه الخير – مقتطفات من أصابع النهر
- وجه الخير- أصابع النهر
- صفصاف الربوة
- اليوم السادس
- وجه الخير مقتطفات ثالثة


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال جمال بك - وجه الخير بين إذاعتين