أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - اقتصاديات الكلام














المزيد.....

اقتصاديات الكلام


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 7428 - 2022 / 11 / 10 - 01:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تسود المجتمعاتِ العالقة في تاريخها، ومنها مجتمعنا، حالةٌ من الشغف بالكلام، تصل لدى البعض حد الهذيان. يتكلمُ الكلُّ في كلِّ شيء، بعض الزعماء السياسيين يتحدث في: الفلسفة واللاهوت والفقه والتفسير والأدب والفن والتاريخ والسياسة والاقتصاد... وغيرها. يولع بتكرار أسماء فلاسفة ومفكرين وأدباء وفنانين، لا يعرف عنهم في الغالب شيئًا يتجاوز الاسم، وربما يتلفظ الاسم خطأ. وحين يشير إلى معلومة تتصل بهم، غالبًا ما يخطئ فيها،كما سمعت ذلك عدة مرات.كأن السلطة السياسية تفوّض صاحبها التحدث بكلِّ شيء عن كل شيء، وكأن ما تراكم من معارف بشرية في تاريخ العلم المتواصل آلاف السنين، يمنح فجأة سلةَ العلوم والمعارف والفنون والآداب لمن أضحى متسيّدًا على كرسي السلطة، بوصفه "الرجل الضرورة"، حسبما كان يُصطلَح على صدام حسين، الذي يحلم بعض رجالنا بمحاكاته.
لم ينتفع سياسيونا، الذين عاش معظمهم في الغرب، ويفترض أنهم تشبعوا بمناخات الديمقراطيات الحديثة في تلك البلدان، واكتشفوا شيئًا من قيمة التخصص وأهميته في تطور البشرية، وامتدادها عموديًا، واتساعها أفقيًا. لم ينتفعوا من خبرة العصر في ضرورة احترام التخصص، والحذر من التعالُم والحذلقة الفارغة بمقام أهل العلم، ومن المعلوم أن المتحدثين في الفضائيات اليوم تتجه أحاديثهم لمختلف الناس، بمعنى أنهم يتحدثون دائمًا في مقام أهل العلم والخبراء.
لم يتعلم هؤلاء أن المجتمعات المتقدمة تفكّر أكثر مما تتكلم، وتعمل أكثر مما تتحدث، وتصمت أكثر مما تهذر، وعادة ما يقتصر المتحدث السياسي في تلك المجتمعات على اختصاصه، وعادة ما يعود الى الخبراء فيما لا خبرة له فيه، ويقتصد بما هو مطلوب من كلام، بلا ضوضاء وضجيج.
نحن ننهمك بتعويض الفعل بالثرثرة، واستبدال التفكير بالهذيان، حتى لو شئنا أن نفكّر فإنا نغرق في بحر الألفاظ، ولا نذهب للتفكير بـعمق في المفاهيم. مؤسساتنا التربوية والتعليمية والدينية والثقافية والإعلامية والاجتماعية، تنهمك في بناء كياناتها بالشعارات والألفاظ، وتقيِّم مكاسبها وتختبر نجاحاتها في سياق ما تحقّقه من مهرجانات واحتفالات ومارثونات وشعارات، وما تراكمه من عبارات وكلمات، من دون أن تنظر فيما تقدّمه من منجزات حقيقية على الأرض.
إننا مدعوون جميعا الى حماية الأجيال الجديدة من داء الثرثرة المتفشية في مجتمعنا، وإعادة الاعتبار للصمت والتأمل والتفكير، وكلّ ما تتوغل معه الذات في عالمها الجواني، وتسبر أغوارَها العميقة، وتستكشف آفاقها البالغة الخصوبة والثراء. هناك حاجة ملحة لتنمية ثقافة ما يمكن تسميته بـ "اقتصاديات الكلام"، التي تعالج ما يتصل بكمية الكلام وكيفيته، وشكله ومضمونه، وكل ما له علاقة بذلك، مثل: أنماط إنتاجه، ورأسماله، وادخاره، وقيمته، وريعه، وتداوله، وسوقه، وتسويقه، وغير ذلك من اقتصادياته. وكل ما يُمكّننا من إتقان ما ينبغي وما لا ينبغي قوله وتداوله من ألفاظ، وما يمنحنا القدرةَ على الكفِّ عن الشقشقات اللغوية والرطانات اللفظية والكلمات المفرَغة من أي مضمون، فيما هو شفاهي، أو ما هو مكتوب.
من الضروري أن تستوعب خططُ وبرامج التربية والتعليم في مجتمعاتنا تدريس "اقتصاديات الكلام"، و "فن الإصغاء"، وأن تهتم بالتدريب عليهما في برامجها التربوية والتعليمية، وفي مراحل التعليم الأساسي خاصة، منذ مرحلة رياض الأطفال الى نهاية التعليم الثانوي، ذلك أن "اقتصاديات الكلام"، و"فن الإصغاء" ضرورة تربوية تعليمية وذوقية وروحية وأخلاقية وعقلية، تفرضها حالة انهيار القلب والروح والذوق والعقل، في فضاء ضجيج هذيان وهذر: معظم السياسيين، وبعض رجال الدين، والكثير من الإعلاميين، وجماعة ممن يسمون أنفسهم بالشعراء والأدباء والمثقفين.
إن فنَ الإصغاء يعني إرادةَ التعلّم، وعدمَ الاستخفاف بعقل وشخصية المتحدّث، وإرادة التنوع الديني والثقافي، وإرادة الصواب، والخلاص من تكرار الأخطاء. فن الإصغاء يعني تذوق لذة الصمت، الصمت معلم من لا معلم له، الصمت نافذة الضوء لاستكشاف مديات الأنا الباطنية العميقة وإثرائها بالمعنى.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الاغتراب الميتافيزيقي
- الخلاصُ من احتكارِ الخلاص في علم الكلام الجديد
- يولَدُ الإنسانُ مُكرّمًا ولا يكتسبُ الكرامةَ بعدَ ولادته
- الدينُ والرؤيةِ الجمالية للعالَم
- الدينُ والرؤيةِ الجمالية للعالَم (1)
- هاني فحص: روحانية متسامحة في زمن الطوائف
- مناقشة -الرؤى الرسولية- لعبد الكريم سروش (2)
- مناقشة -الرؤى الرسولية- لعبد الكريم سروش
- نسيان الله في تفسير حسن حنفي
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 8
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 1
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 7
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 6
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 5
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 4
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 3
- الدكتور حسن حنفي: الأضدادُ في كأسٍ واحد – 2
- السياسةُ في الاستبدادِ إلغاءٌ للسياسة
- كتابٌ لمَنْ يريدُ تعلُّمَ التفلسف
- غسيل الأموال


المزيد.....




- دلعي طفلك بأغاني البيبي الجميلة..تحديث تردد قناة طيور الجنة ...
- آلاف البريطانيين واليهود ينددون بجرائم -اسرائيل-في غزة
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- ادعى أنه رجل دين يعيش في إيطاليا.. الذكاء الاصطناعي يثير الب ...
- “TV Toyour Eljanah”‏ اضبطها حالا وفرح عيالك.. تردد قناة طيور ...
- إنشاء -جيش- للشتات اليهودي بدعم من كيان الاحتلال في فرنسا
- بينهم 5 أمريكيين.. الشرطة الإسرائيلية تعتقل سبعة يهود حاولوا ...
- اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ممتعة لاحلي اغ ...
- لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا ...
- -باسم يوسف- يهاجم -إيلون ماسك- بشراسة ..ما السبب؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - اقتصاديات الكلام