أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - حُسْني ٱلحفيد وحُسْني ٱلجدّ/سيدو، والمغلّف البنّيّ














المزيد.....

حُسْني ٱلحفيد وحُسْني ٱلجدّ/سيدو، والمغلّف البنّيّ


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 7417 - 2022 / 10 / 30 - 20:35
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


حُسْني ٱلحفيد وحُسْني ٱلجدّ/سيدو، والمغلّف البنّيّ
Ḥusni the Grandson, Ḥusni the Grandfather/Sido
and the Brown Envelope
ترجمة حسيب شحادة
جامعة هلسنكي

في ما يلي ترجمة عربيّة لما كتبه بالعبريّة الصديق السامريّ، حُسْني راضي الأمين صدقة، المولود في نابلس في العام 1946، والمقيم في مدينة حولون بالقرب من تل أبيب، في الدوريّة السامريّة أ. ب. - أخبار السامرة، في العددين 1369-1370، ص. 16–18، عمّا جرى له مع جدّه، أبي والدته، حُسْني (يِفِتْ) بن إبراهيم صدقة الصباحي المشهور بالكُنية سيدو، 1895–1982. سيدو خلّف ابنين وخمس بنات، وكان رئيس الطائفة السامريّة في إسرائيل، يافا فحولون، وربطته علاقة صداقة متينة بيتسحاك بن تسڤي (1884–1963, الرئيس الثاني لدولة إسرائيل)، الذي سكن عنده في بيته في يافا إثر قدومه إلى فلسطين في العام 1907 وتعلّم العربيّة على يديه وبدأ اهتمامه بالسامريّن.

”ذاتَ يوم صافٍ، قرّرتُ أن أُبدِّل سيّارتي NSU الصغيرة بسيّارة أكبرَ بقليل، لأنّ عائلتي أخذت بالنماء، والحمد لله. دأبتُ على زيارة سيدو في بيته كلّ يوم بعد العمل، والمكوث عنده نصف ساعة وأحيانًا ساعة وأكثر. هذا كان روتينيًّا بالنسبة لي. حييتُ دومًا بشعور أنّني مَدين لهذا الرجل طَوالَ عمري، لما كان يرمز لي أكثر بكثير من مجرّد جدّ آخر، لما كلّ ما عمِله من أجلي في الحياة. إنّه أنقذني من الموت، عندما كنت طفلًا، وبفضله لم أُصَب بعاهة مدى الحياة، وذلك لعناده وإيمانه العظيم بعظمة الله.

في اليوم الذي بعتُ فيه سيّارتي، وابتعتُ مركبةً أكبر، لم يتسنَّ لي بسبب ذلك زيارةُ سيدو كالعادة. في اليوم التالي، حينما زرته ٱستقبلني قائلًا ”مبروك“! سمعتُ أنّك اشتريتَ سيّارة، وكلّفتك كذا وكذا، ذاكرًا بالضبط ثمن السيّارة. ذُهلتُ من معرفته كلّ التفاصيل، فلا أحدَ على عِلم بها سوى زوجتي ليلي، ووالدتي باتيه. وأردف سيدو مستفسرًا: من أين جلبتَ الفرق في السعر؟ بعتَ سيّارتك بكذا وكذا ودفعت كذا وكذا ذاكرًا أرقامًا دقيقة“. لقد ذُهلتُ حقًّا ممّا قاله. ظننتُ بيني وبين نفسي أنّ إحدى الامرأتين قد أخبرته، إلّا أنّهما أقسمتا بأنّهما لم تُفصحا عن شيء. وبعد أن ٱستعدتُ قواي قلتُ له: أنا أعمل ووفّرت قليلًا، وأبي وأمّي ساعداني؛ الحقّ يقال إنّ ما قلته غير صحيح. أجابني للتوّ: لا تقل لي إنّ أباك ساعدك فأنا أعلم أنّه غير قادر على ذلك، وكذلك أمّك القائمة بأعمال البيت.

في الواقع، حينَها أخذتُ قِرضًا من البنك بمبلغ غير يسير، وهو الفرق بين الثمنين. وعندها فاجأني، فقال لي بوضوح وحزْم، مشيرًا بإصبعه نحو الخِزانة في الغرفة: هنالك مغلّفٌ بنّيٌّ خذه واذهب“. لم أقبل بالطبع ووليتُ هاربًا من بيته. في اليوم التالي، ذهبت إلى العمل حزينًا مكتئبا، كأنّي أهنتُ سيدو وهو بالنسبة لي شخصٌ خاصّ وليس أحد الناس، لأنّي لم آخذِ المال الذي عرضه عليّ. ولكنّي كنت مرتاحَ الضمير لأنّي اتّخذت الخطوة الصحيحة. في المساء، عُدتُ من العمل إلى البيت وزوجتي كانت في إجازة ولادة (ولادة الابن البكر تَمير). وعندما هممتُ وضع مفاتيح سيّارتي في جارور طاولتي، وإذا بمغلّف سُرعان ما تبيّن لي، بأنّه نفس المغلّف الذي أراد سيدو البارحةَ إعطاءه لي وهربت. توجّهتُ نحوَ زوجتي وسألتها، في ما إذا جاء أحدٌ لزيارتها خلال اليوم. أجابتني: سيدو فقط كان هنا. أتى ليرى الولد. سألتها: هل كنتِ معه طولَ الوقت؟ قطعًا، ردّت عليّ مضيفةً ”فقط عند منتصف جلوسه طلب أن أعدّ له فنجان قهوة، وهو حتّى جلس في مدخل المطبخ“. حضّرتُ له وهو غادر وحتّى في النهاية لم يشربِ القهوة.
سألتها: أتعرفينَ ماذا فعل عندما حضّرتِ القهوة؟ قالت لي: لاحظتُ وانتبهت أنّه لم يتحرّك من محلّه. إذن، قلت لها، إنّك لم تتابعيه وأوضحتُ لها بأنّ سيدو لا يشرب القهوة البتّةَ، ولذلك قام وذهب بدون أن يشرب. ناولتُ ليلي المغلّفَ البنّيّ الذي بداخله مبلغ لا يُستهان به وعَدّتِ المبلغ. قلتُ لها، هذا هو المغلّف الذي حدّثتُكِ عنه البارحةَ وكان في منزل سيدو.

ارتجفت زوجتي وقالت لي: لا يطيب لنا أن نأخذ منه، إذ ليس لديه، وها هو طاعن في السن ومن أين يجلب؟ خذِ المغلّف وأعده إلى نفس الجارور عنده في البيت، بدون أن يشعُر بذلك. وضعتُ المغلّف بجيبي، وصعدت كعادتي للزيارة اليوميّة. وحال دخولي من بوّابة الحديقة (كان ثمّة معبر ضيّق يؤدّي إلى فتحة الشرفة التي اعتاد الجلوس فيها). أوّل ما قال لي: لماذا جيبُك منتفخ؟ أجبتُ لا شيء! فقال لي فورًا، إذا أحضرتَ المغلّف الذي وضعته لك اليومَ في الجارور، فانصرف به من بيتي. تقدّم إليّ وصفعني صفعتين، وأنّبني بشدّة، وقد ذهب بعيدًا عندما قال: إن تُعِد لي المغلّفَ، فإنّي سأدع كلَّ أولادي وأحفادي يُقْسمون بألّا يسمحوا لك أن تراني يومَ موتي على وجه الأرض. هنا طفح الكيل بالنسبة لي، إذ كما أشرتُ سابقًا، كان سيدو بالنسبة لي الشخص والمثال الذي يُحتذى به في حياتي.

قلتُ له ولكن يا سيدو أنتَ …، لم يدعْنى أُكمل، بل أنزل عليّ صاعقة: لماذا أنتَ تساعدني دائمًا في كلّ شيء، في الحانوت، في البلديّة، بشركة الكهرباء وفي أُمور أُخرى؟ جاوبته: ولكن سيدو ما قيمة ما فعلته أنا من أجلك مقارنة بما فعلته أنت وكرّستَ من أجلي؟ أنهى سيدو المحادثة قائلًا: اِمشِ في سبيلك قبل أن يحتدم غضبي! أطرقت رأسي وعدتُ إلى البيت لأحكي لزوجتي التي تابعت في الضغط عليّ، هذا لا يجوز، اِذهب وأعد المغلّف. قلت لها: إذا كنتِ بطلةً إلى هذا الحدّ، روحي أنت وأرجعيه، فلا مانع أو إشكال عندي. من المفروغ منه أنّها لم تذهب بعد أنِ ٱستمعت ما فعله فيّ، حينما أردت إعادة المغلّف. وعليه، في اليوم التالي، أخذتُ المبلغَ وسددت القَرْض البنكيّ الذي تسلّمته قبل يومين.

هذه القصّة برُمّتها أتت لتجسّد أكثر فأكثر، من كان حقًّا ذلك الرجل. كم كانت عظمتُه وفي الواقع أفضليّته على آخرين كثيرين. المالُ لم يلعبْ عنده أيَّ دور قطّ.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا كتب السير تشارلز وارن عن زيارته القصيرة للسامريّين قبل ...
- إطلالة على اللغة الفنلنديّة
- مُعطيات حولَ الإصدارات في إسرائيل لعام 2019
- الإسرائيليّون السامريّون، شعب صغير وخاصّ ، يسعى للسلام
- المعلّم إيليا (إلياس) عيسى، وقاموسه، والدخيل السريانيّ في ال ...
- Toma Audo, ܬܐܘܡܐ ܐܘܕ ...
- كتابات أقفال الحبّ على الجسر الأحمر الجديد
- امي أخذت
- عربية السامِرة في ليتورجيا كاولي- أمثلة
- قصص أبي جلال المجنون من نزبلة عكّا
- لئلا تُجرح أقدامُ الكلاب
- ماذا كتب المطران السريانيّ قبل قرن ونصف عن اللهجات الآراميّة ...
- نتفة عن الراهب الفرنسيّ والعربيّة الفلسطينيّة
- جواب كما ينبغي
- عيّنة من عبريّة الجيش العامّيّة
- طرائف مختارج (ب)
- طرائف مختارة (أ)
- شرحُ رسالةُ القِدّيس يوحنّا الرَّسول الأولى
- ماذا تمخّّض عن ”لِمْطاءَشِه والشََّّرْشُوح“ ؟
- حليمة الفنلنديّة


المزيد.....




- مشهد مؤلم.. طفل في السابعة محاصر في غزة بعد غارة جوية إسرائي ...
- -رويترز-: مايك والتز أجبر على ترك منصبه
- -حادثة خطيرة- في غزة والجيش الإسرائيلي ينوي استخلاص الدروس م ...
- زاخاروفا تعلق على احتجاز مراسل RT في رومانيا وترد على شائعات ...
- تقارير إعلامية تفضح -كذب- نتنياهو بخصوص حرائق القدس
- أوكرانيا: نارٌ ودمار وإجلاءٌ للمدنيين إثر غارات روسية على مد ...
- حكمت الهجري يطالب بحماية دولية بعد اشتباكات صحنايا وريف السو ...
- المرصد يتحدث عن عشرات القتلى في اشتباكات -طائفية- بسوريا.. و ...
- إيران تعلن تأجيل جولة المفاوضات المقبلة بشأن برنامجها النووي ...
- في عيد العمال.. اشتباكات في إسطنبول ومغربيات يطالبن بالمساوا ...


المزيد.....

- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - حُسْني ٱلحفيد وحُسْني ٱلجدّ/سيدو، والمغلّف البنّيّ